د. حامد العطية
09-11-2012, 04:13 AM
الرد على "معاكسة" الشيخ الدكتور همام حمودي حول الأزمة في العراق
د. حامد العطية
للشيخ همام حمودي مقال منشور في أحد المواقع العراقية عنوانه "الأزمة في العراق من وجهة نظر معاكسة" http://www.burathanews.com/news_article_166025.html
يدافع فيه عن النظام السياسي في العراق، منطلقاً من افتراض ايجابية الأزمات السياسية، التي في تقديره لا تهدد بقاء واستمراية النظام السياسي، ولا تعرقل بلوغ الأهداف أو تؤخر تحقيق الانجازات.
يتبؤ الشيخ همام حمودي منصباً رفيعاً في النظام السياسي، لذا هو يعبر عن الفكر السياسي السائد بين الساسة العراقيين، أو عدد غير قليل منهم على الأقل، مما يستدعي وقفة تحليلية وتقييمية لموقفه وحججه.
يستشهد الكاتب في مستهل مقاله بالنتيجة التي توصل إليها من يسميهم "أرباب التاريخ والاجتماع" بان "الأزمات والتحديات كما تصنع الرجال تصنع الأمم" ويعززه بالحكمة التراثية: "إن الضرب الذي لا يؤذي يقوي"، ولأن الكاتب لم يأت على ذكر هؤلاء "الأرباب" فلا مجال لتقصي قواعد بياناتهم التي قادتهم إلى هذا الاستنتاج، وتؤكد المصادر التاريخية بأن امبراطوريات بادت وأمم كادت أن تنقرض بسبب أزمات داخلية وتحديات خارجية، وعلى سبيل المثال وضع وصول الأوربيين المحتلين والاستيطانيين السكان الأصليين للقارتين الأمريكيتين امام تحد كبير، وكان لفشلهم في التصدي له نتائج وخيمة على دولهم وحضاراتهم، لذلك فمن المؤكد بأن هذا التحدي لم يصنع الأمة كما يرى الكاتب وإنما أدى إلى انهيارها التام حتى شارف سكانها على الانقراض.
وخلافاً لحكمة الأجداد التي يذكرها الكاتب فإن كل الضرب مؤذي، بدنياً ونفسياً، وإن لم يكن عدواناً فهو عقوبة الهدف منها التأديب والردع.
بعد استعانة الكاتب غير الموفقة برأي "أرباب التاريخ والاجتماع" وحكمة الأجداد يلتفت إلى علماء السياسة الذين يقرون حسب ادعاءه بأن "الأزمات السياسية في الأنظمة البرلمانية لا تشكل خطراً على النظام"، ومن دون سند منهجي فهو مجرد تعميم غير مقبول أو رأي شخصي، كما يتنافى مع حقائق التاريخ حول تطور النظم البرلمانية، إذ وجدت البرلمانات بدءً في ظل الحكام أو الملوك المطلقين، ثم تدريجياً نمت السلطة البرلمانية لتنتج ملكيات دستورية، والملوك اليوم مجرد رموز لا يمتلكون أي سلطة مستقلة إلا في الدول العربية المتخلفة مثل دول الخليج والأردن والمغرب، ولم نصل بعد لنهاية التاريخ لنتأكد من أن النظام البرلماني هو آخر وأفضل النظم، لذا ليس كافياً تصنيف النظام السياسي العراقي ضمن النظم البرلمانية فلا بد من تحديد موقعه على سلم تطور هذه النظم وتقييم مدى فاعليته وكفائته في التعامل مع الأزمات وتحقيق الأهداف والبقاء والاستمرارية.
يستنتج الكاتب بناءً على هذه الأدلة الثلاث بأن " الازمة السياسية التي يمر بها العراق لا تشكل خطرا وإن طالت وتعقدت وامتد بها الزمن، حيث برزت من بعد انتخابات اذار 2010 الى يومنا هذا وقد تمتد الى نهاية الدورة النيابية الحالية"، وهو استنتاج غير صحيح لاستناده إلى أدلة واهية وغير مقبولة، كما لم يوفق تماماً في اختيار المثالين وهما لبنان وبلجيكا الذين ساقهما للتدليل على صحة استنتاجه، فالأزمة السياسية في بلجيكا كادت أن تؤدي إلى تقسيم الدولة على الرغم من عراقة التجربة الديمقراطية فيها والاتجاه التوحدي السائد في أوروبا، أما لبنان فهو البرهان الأكيد على عقم وفشل النظم البرلمانية المؤسسة على التحاصص الطائفي كما هو حال النظام السياسي العراقي، فقد استنزفت الحروب والصراعات الأهلية والأزمات السياسية طاقاته البشرية والمالية وزعزت كيانه وهددت وحدته، وهو ومنذ انشاءه يعيش ازمات متتالية، أما تفضي إلى حرب أهلية مدمرة أو بتوافق مرحلي يتحقق في عاصمة غير بيروت وتحت وصاية دول أخرى، وفي خطاب سماحة السيد حسن نصر الله زعيم المقاومة في لبنان في حفل الافطار المركزي للهيئة النسائية لدعم المقاومة في رمضان المنصرم تسائل: هل كان هناك دولة قبل وجود المقاومة؟" واجاب على سؤاله: "لم يكن هناك دولة قبل التسعين”، وذكر سببين لغياب الدولة: الطائفية والفساد، وبين سماحته:" نحن في لبنان طوائف وعندما نريد اقامة نظام على قاعدة المحاصصة الطائفية والصراعات الطائفية لا يركب نظام ودولة، اذا اردنا اقامة دولة وطنية عصرية على قاعدة المحاصصة والتجاذب الطائفي لن تركب دولة حقيقية"، وفي تقديره الفساد والطائفية مشكلتان مترابطتان: "اغلب القوى السياسية التي تنجح في الانتخابات هي جزء من الفساد وتحميه وأحيانا اذا اردت محاربة الفساد تُهدد بحرب طائفية وأهلية"، وينطبق توصيف قائد حزب الله للنظام اللبناني العاجز عن تشكيل الدولة تماماً على النظام السياسي العراقي، وبالنتيجة فإن النظام السياسي العراقي واستناده إلى الطائفية والفساد المتولد منه، وفي ضوء تقييم أقوى فصيل إسلامي في لبنان، هو أيضاً عقبة كأداء أمام ظهور الدولة العراقية الموحدة والقوية بل هو من عوامل تآكل الدولة واضمحلالها.
وعندما يعدد الكاتب محاسن النظام اللبناني المفترضة يذكر ما يلي: "استطاع هذا النظام ان يواجه تحدي الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه، والانتصار في كل معاركه رغم ضعفه ومحدودية قدرته"، وهذا تجني فادح بحق المقاومة اللبنانية، سواءً عن قصد أو جهل، فالمعروف لدى القاصي والداني والصديق والعدو بأن نشوء المقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان جاء نتيجة غياب الدولة القادرة على حماية حدودها وضبط أوضاعها، بل أن الدولة اللبنانية كانت وما زالت عنصر اضعاف للمقاومة، فالعديد من مسؤوليها الكبار وساساتها متحالفون مع الجبهة المعادية للمقاومة وللبعض منهم صلات تاريخية مع الصهاينة.
ويمضي الكاتب في دفاعه عن النظام السياسي العراقي مؤكداً" ان العراق ضرب مثلا رائعا في قدرة الانظمة البرلمانية على الانجاز"، وحتى أشد المتحمسين للنظام العراقي يختلفون مع هذا التقييم، الذي يتجاوز المبالغة إلى التغافل عن الحقائق الماثلة للعيان، وقائمة الانجازات التي يعددها غير مقنعة، إذ تشمل جلاء القوات الأجنبية المحتلة (أورد صفة المحتلة بين قوسين) وعقد مؤتمر الجامعة العربية في بغداد واستضافة جلسة للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني والمبادرة بشأن الأزمة السورية، والمعروف بأن سحب القوات الأمريكية من العراق قرار أمريكي صرف، تضمنه وعد انتخابي من للرئيس الأمريكي أوباما، الذي ذكر ناخبيه في خطابه امام مؤتمر الحزب الديمقراطي قبل أيام بأنه وعدهم بسحب القوات من العراق فوفى بوعده، ولكن يحسب على النظام السياسي العراقي خطيئة اهداءه المحتلين نصراً استراتيجياً من دون مقابل وهو ابرام المعاهدة الاستراتيجية التي ربطت العراق بالسياسات الأمريكية التخريبية في المنطقة، كما لم تحترم الإدارة الأمريكية وعدها بمساعدة العراق في الخروج من تحت طائلة عقوبات البند السابع، أما اعتبار مؤتمر القمة العربي الهزيل في مستوى الحضور والقرارات انجازاً فهو أمر محزن جداً، ولا يبدو بأن أحداً يكترث لمبادرات العراق حول الوضع السوري، واللافت خلو المقال من أي ذكر لاخفاقات النظام الكثيرة والفادحة مثل الأمن المفقود والخدمات المتدنية والتنمية المعطلة والفقر والبطالة والأمية والفساد، ولو وضعنا الايجابيات والمساويء في كفتي ميزان لهوت كفة المساويء بثقلها إلى ما تحت سطح الأرض.
يرى الشيخ حمودي بأن التلاسن والتراشق بين ساسة العراق من محاسن النظام السياسي في العراق، لأنه "يذهب هيبة السلطة عن السياسيين" ولا أدري أي هيبة يقصدها الشيخ السياسي، وهل هي هيبة شبيهة بتلك التي تقمصها الطاغية التكريتي وزبانيته؟ فالمفترض في النظم البرلمانية الديمقراطية أن لا تكون هنالك ما يسميه بالهيبة، لأن أعضاء البرلمان ومنهم الشيخ حمودي هم ممثلو الشعب الذي انتخبهم لينفذوا مشيئته ويخدموا مصالحه، ولا يجرؤ أحد منهم على توخي هيبة ومكانة فوق الناخبين إلا إذا اقتنع بأن النظام السياسي مجرد واجهة مصطنعة وبأنه حصل على مقعده ونفوذه بحكم انتماءاته وتحالفاته، لذا فإن وجود الهيبة مخل تماماً بطبيعة النظم البرلمانية.
يبرر الكاتب انتفاء الحاجة لتحديد مدة رئاسة الوزراء بدورتين لأن رئيس الحكومة "بين حانة ومانة" على حد تعبيره، وكنت أتمنى أن يكون الشيخ حمودي أكثر حرصاً في انتقاء أمثاله، ولست بصدد مناقشته في موضوع رئاسة الوزراء وضمان تداولها لأن المطلوب هو تغيير شامل للدستور والنظام السياسي والغاء الطائفية والمحاصصة والأقاليم ما عدا إقليم لا دولة كردستان واعتماد مبدأ حكومة الأكثرية لا التوافق، وقد تأكد من ادارة الساسة للأزمة الحالية حول رئاسة وتشكيل الوزارة استخفافهم بمطالب ومصالح العراقيين.
يفترض الشيخ حمودي بأن للأزمات السياسية دور "في ايجاد ثقافة سياسية واسعة وعامة، لكل طبقات وفئات الشعب، وبطريقة مثيرة وجذابة وعملية وحماسية "، وذلك نتيجة اثارة المواضيع السياسية والجدال الدائر حولها، ولا توجد أدلة على صحة هذا الافتراض، ومهما كانت الفائدة المتحققة من ذلك فهي لن تبرر الكلفة العالية للأزمات السياسية، اما بخصوص استفادة الساسة مما يطلق عليه الكاتب "الملحمة والمباراة الجدلية" وعلى أساس مبدأ التعلم بـ"رؤوس اليتامى أبناء الشعب" على حد وصفه فلو حدث ذلك بالفعل لتوصلوا إلى حلول سريعة وفعالة للأزمات التي يثيرونها، ولكني أتفق معه في أن أبناء الشعب العراقي اليوم وبفعل النظام السياسي والساسة يتامى بالفعل، فهل المطلوب أب قائد جديد لينقذهم من اليتم؟
وآخر ايجابيات الأزمات السياسية التي تعصف بالنظام السياسي العراقي من وجهة نظر الشيخ حمودي هي" انها فرصة للاعلاميين ليتحركوا بساحة واسعة، في اقتناص التصريح والموقف وطريقة اثارة المتحدث، وكسب المستمع وملء هذه الفضائيات العديدة ببرامج سهلة الكلفة واكثرها جذبا واثارة"، ولا حاجة للتعليق على هذا الرأي.
ينصح ماكيافلي في كتابه الأمير الحكام بالحفاظ على مناصبهم بكل الوسائل بما في ذلك القهر لأن الغاية تبرر الوسيلة، ولكن بعض المحللين يشككون في جدية هذا الكتاب، ويرجحون بأن ماكيافلي دونه بهدف السخرية والتهكم بصورة مبطنة وغير مباشرة من الحكام المستبدين، وكان بودي أن يكون هذا التحليل منطبقاً على مقال الشيخ حمودي لكن المصيبة هو أنه جاد كل الجد في تقييمه، واستعارةً للتشبيه الذي استعمله الكاتب ينبغي التحذير من أن النظام السياسي الحالي هو بالفعل فأس حادة ستسقط حتماً في رأس العراق إن لم يبادر العراقيون لإعادة النظر فيه جذرياً.
10 أيلول 2012م
د. حامد العطية
للشيخ همام حمودي مقال منشور في أحد المواقع العراقية عنوانه "الأزمة في العراق من وجهة نظر معاكسة" http://www.burathanews.com/news_article_166025.html
يدافع فيه عن النظام السياسي في العراق، منطلقاً من افتراض ايجابية الأزمات السياسية، التي في تقديره لا تهدد بقاء واستمراية النظام السياسي، ولا تعرقل بلوغ الأهداف أو تؤخر تحقيق الانجازات.
يتبؤ الشيخ همام حمودي منصباً رفيعاً في النظام السياسي، لذا هو يعبر عن الفكر السياسي السائد بين الساسة العراقيين، أو عدد غير قليل منهم على الأقل، مما يستدعي وقفة تحليلية وتقييمية لموقفه وحججه.
يستشهد الكاتب في مستهل مقاله بالنتيجة التي توصل إليها من يسميهم "أرباب التاريخ والاجتماع" بان "الأزمات والتحديات كما تصنع الرجال تصنع الأمم" ويعززه بالحكمة التراثية: "إن الضرب الذي لا يؤذي يقوي"، ولأن الكاتب لم يأت على ذكر هؤلاء "الأرباب" فلا مجال لتقصي قواعد بياناتهم التي قادتهم إلى هذا الاستنتاج، وتؤكد المصادر التاريخية بأن امبراطوريات بادت وأمم كادت أن تنقرض بسبب أزمات داخلية وتحديات خارجية، وعلى سبيل المثال وضع وصول الأوربيين المحتلين والاستيطانيين السكان الأصليين للقارتين الأمريكيتين امام تحد كبير، وكان لفشلهم في التصدي له نتائج وخيمة على دولهم وحضاراتهم، لذلك فمن المؤكد بأن هذا التحدي لم يصنع الأمة كما يرى الكاتب وإنما أدى إلى انهيارها التام حتى شارف سكانها على الانقراض.
وخلافاً لحكمة الأجداد التي يذكرها الكاتب فإن كل الضرب مؤذي، بدنياً ونفسياً، وإن لم يكن عدواناً فهو عقوبة الهدف منها التأديب والردع.
بعد استعانة الكاتب غير الموفقة برأي "أرباب التاريخ والاجتماع" وحكمة الأجداد يلتفت إلى علماء السياسة الذين يقرون حسب ادعاءه بأن "الأزمات السياسية في الأنظمة البرلمانية لا تشكل خطراً على النظام"، ومن دون سند منهجي فهو مجرد تعميم غير مقبول أو رأي شخصي، كما يتنافى مع حقائق التاريخ حول تطور النظم البرلمانية، إذ وجدت البرلمانات بدءً في ظل الحكام أو الملوك المطلقين، ثم تدريجياً نمت السلطة البرلمانية لتنتج ملكيات دستورية، والملوك اليوم مجرد رموز لا يمتلكون أي سلطة مستقلة إلا في الدول العربية المتخلفة مثل دول الخليج والأردن والمغرب، ولم نصل بعد لنهاية التاريخ لنتأكد من أن النظام البرلماني هو آخر وأفضل النظم، لذا ليس كافياً تصنيف النظام السياسي العراقي ضمن النظم البرلمانية فلا بد من تحديد موقعه على سلم تطور هذه النظم وتقييم مدى فاعليته وكفائته في التعامل مع الأزمات وتحقيق الأهداف والبقاء والاستمرارية.
يستنتج الكاتب بناءً على هذه الأدلة الثلاث بأن " الازمة السياسية التي يمر بها العراق لا تشكل خطرا وإن طالت وتعقدت وامتد بها الزمن، حيث برزت من بعد انتخابات اذار 2010 الى يومنا هذا وقد تمتد الى نهاية الدورة النيابية الحالية"، وهو استنتاج غير صحيح لاستناده إلى أدلة واهية وغير مقبولة، كما لم يوفق تماماً في اختيار المثالين وهما لبنان وبلجيكا الذين ساقهما للتدليل على صحة استنتاجه، فالأزمة السياسية في بلجيكا كادت أن تؤدي إلى تقسيم الدولة على الرغم من عراقة التجربة الديمقراطية فيها والاتجاه التوحدي السائد في أوروبا، أما لبنان فهو البرهان الأكيد على عقم وفشل النظم البرلمانية المؤسسة على التحاصص الطائفي كما هو حال النظام السياسي العراقي، فقد استنزفت الحروب والصراعات الأهلية والأزمات السياسية طاقاته البشرية والمالية وزعزت كيانه وهددت وحدته، وهو ومنذ انشاءه يعيش ازمات متتالية، أما تفضي إلى حرب أهلية مدمرة أو بتوافق مرحلي يتحقق في عاصمة غير بيروت وتحت وصاية دول أخرى، وفي خطاب سماحة السيد حسن نصر الله زعيم المقاومة في لبنان في حفل الافطار المركزي للهيئة النسائية لدعم المقاومة في رمضان المنصرم تسائل: هل كان هناك دولة قبل وجود المقاومة؟" واجاب على سؤاله: "لم يكن هناك دولة قبل التسعين”، وذكر سببين لغياب الدولة: الطائفية والفساد، وبين سماحته:" نحن في لبنان طوائف وعندما نريد اقامة نظام على قاعدة المحاصصة الطائفية والصراعات الطائفية لا يركب نظام ودولة، اذا اردنا اقامة دولة وطنية عصرية على قاعدة المحاصصة والتجاذب الطائفي لن تركب دولة حقيقية"، وفي تقديره الفساد والطائفية مشكلتان مترابطتان: "اغلب القوى السياسية التي تنجح في الانتخابات هي جزء من الفساد وتحميه وأحيانا اذا اردت محاربة الفساد تُهدد بحرب طائفية وأهلية"، وينطبق توصيف قائد حزب الله للنظام اللبناني العاجز عن تشكيل الدولة تماماً على النظام السياسي العراقي، وبالنتيجة فإن النظام السياسي العراقي واستناده إلى الطائفية والفساد المتولد منه، وفي ضوء تقييم أقوى فصيل إسلامي في لبنان، هو أيضاً عقبة كأداء أمام ظهور الدولة العراقية الموحدة والقوية بل هو من عوامل تآكل الدولة واضمحلالها.
وعندما يعدد الكاتب محاسن النظام اللبناني المفترضة يذكر ما يلي: "استطاع هذا النظام ان يواجه تحدي الاحتلال الاسرائيلي وعدوانه، والانتصار في كل معاركه رغم ضعفه ومحدودية قدرته"، وهذا تجني فادح بحق المقاومة اللبنانية، سواءً عن قصد أو جهل، فالمعروف لدى القاصي والداني والصديق والعدو بأن نشوء المقاومة الوطنية والاسلامية في لبنان جاء نتيجة غياب الدولة القادرة على حماية حدودها وضبط أوضاعها، بل أن الدولة اللبنانية كانت وما زالت عنصر اضعاف للمقاومة، فالعديد من مسؤوليها الكبار وساساتها متحالفون مع الجبهة المعادية للمقاومة وللبعض منهم صلات تاريخية مع الصهاينة.
ويمضي الكاتب في دفاعه عن النظام السياسي العراقي مؤكداً" ان العراق ضرب مثلا رائعا في قدرة الانظمة البرلمانية على الانجاز"، وحتى أشد المتحمسين للنظام العراقي يختلفون مع هذا التقييم، الذي يتجاوز المبالغة إلى التغافل عن الحقائق الماثلة للعيان، وقائمة الانجازات التي يعددها غير مقنعة، إذ تشمل جلاء القوات الأجنبية المحتلة (أورد صفة المحتلة بين قوسين) وعقد مؤتمر الجامعة العربية في بغداد واستضافة جلسة للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني والمبادرة بشأن الأزمة السورية، والمعروف بأن سحب القوات الأمريكية من العراق قرار أمريكي صرف، تضمنه وعد انتخابي من للرئيس الأمريكي أوباما، الذي ذكر ناخبيه في خطابه امام مؤتمر الحزب الديمقراطي قبل أيام بأنه وعدهم بسحب القوات من العراق فوفى بوعده، ولكن يحسب على النظام السياسي العراقي خطيئة اهداءه المحتلين نصراً استراتيجياً من دون مقابل وهو ابرام المعاهدة الاستراتيجية التي ربطت العراق بالسياسات الأمريكية التخريبية في المنطقة، كما لم تحترم الإدارة الأمريكية وعدها بمساعدة العراق في الخروج من تحت طائلة عقوبات البند السابع، أما اعتبار مؤتمر القمة العربي الهزيل في مستوى الحضور والقرارات انجازاً فهو أمر محزن جداً، ولا يبدو بأن أحداً يكترث لمبادرات العراق حول الوضع السوري، واللافت خلو المقال من أي ذكر لاخفاقات النظام الكثيرة والفادحة مثل الأمن المفقود والخدمات المتدنية والتنمية المعطلة والفقر والبطالة والأمية والفساد، ولو وضعنا الايجابيات والمساويء في كفتي ميزان لهوت كفة المساويء بثقلها إلى ما تحت سطح الأرض.
يرى الشيخ حمودي بأن التلاسن والتراشق بين ساسة العراق من محاسن النظام السياسي في العراق، لأنه "يذهب هيبة السلطة عن السياسيين" ولا أدري أي هيبة يقصدها الشيخ السياسي، وهل هي هيبة شبيهة بتلك التي تقمصها الطاغية التكريتي وزبانيته؟ فالمفترض في النظم البرلمانية الديمقراطية أن لا تكون هنالك ما يسميه بالهيبة، لأن أعضاء البرلمان ومنهم الشيخ حمودي هم ممثلو الشعب الذي انتخبهم لينفذوا مشيئته ويخدموا مصالحه، ولا يجرؤ أحد منهم على توخي هيبة ومكانة فوق الناخبين إلا إذا اقتنع بأن النظام السياسي مجرد واجهة مصطنعة وبأنه حصل على مقعده ونفوذه بحكم انتماءاته وتحالفاته، لذا فإن وجود الهيبة مخل تماماً بطبيعة النظم البرلمانية.
يبرر الكاتب انتفاء الحاجة لتحديد مدة رئاسة الوزراء بدورتين لأن رئيس الحكومة "بين حانة ومانة" على حد تعبيره، وكنت أتمنى أن يكون الشيخ حمودي أكثر حرصاً في انتقاء أمثاله، ولست بصدد مناقشته في موضوع رئاسة الوزراء وضمان تداولها لأن المطلوب هو تغيير شامل للدستور والنظام السياسي والغاء الطائفية والمحاصصة والأقاليم ما عدا إقليم لا دولة كردستان واعتماد مبدأ حكومة الأكثرية لا التوافق، وقد تأكد من ادارة الساسة للأزمة الحالية حول رئاسة وتشكيل الوزارة استخفافهم بمطالب ومصالح العراقيين.
يفترض الشيخ حمودي بأن للأزمات السياسية دور "في ايجاد ثقافة سياسية واسعة وعامة، لكل طبقات وفئات الشعب، وبطريقة مثيرة وجذابة وعملية وحماسية "، وذلك نتيجة اثارة المواضيع السياسية والجدال الدائر حولها، ولا توجد أدلة على صحة هذا الافتراض، ومهما كانت الفائدة المتحققة من ذلك فهي لن تبرر الكلفة العالية للأزمات السياسية، اما بخصوص استفادة الساسة مما يطلق عليه الكاتب "الملحمة والمباراة الجدلية" وعلى أساس مبدأ التعلم بـ"رؤوس اليتامى أبناء الشعب" على حد وصفه فلو حدث ذلك بالفعل لتوصلوا إلى حلول سريعة وفعالة للأزمات التي يثيرونها، ولكني أتفق معه في أن أبناء الشعب العراقي اليوم وبفعل النظام السياسي والساسة يتامى بالفعل، فهل المطلوب أب قائد جديد لينقذهم من اليتم؟
وآخر ايجابيات الأزمات السياسية التي تعصف بالنظام السياسي العراقي من وجهة نظر الشيخ حمودي هي" انها فرصة للاعلاميين ليتحركوا بساحة واسعة، في اقتناص التصريح والموقف وطريقة اثارة المتحدث، وكسب المستمع وملء هذه الفضائيات العديدة ببرامج سهلة الكلفة واكثرها جذبا واثارة"، ولا حاجة للتعليق على هذا الرأي.
ينصح ماكيافلي في كتابه الأمير الحكام بالحفاظ على مناصبهم بكل الوسائل بما في ذلك القهر لأن الغاية تبرر الوسيلة، ولكن بعض المحللين يشككون في جدية هذا الكتاب، ويرجحون بأن ماكيافلي دونه بهدف السخرية والتهكم بصورة مبطنة وغير مباشرة من الحكام المستبدين، وكان بودي أن يكون هذا التحليل منطبقاً على مقال الشيخ حمودي لكن المصيبة هو أنه جاد كل الجد في تقييمه، واستعارةً للتشبيه الذي استعمله الكاتب ينبغي التحذير من أن النظام السياسي الحالي هو بالفعل فأس حادة ستسقط حتماً في رأس العراق إن لم يبادر العراقيون لإعادة النظر فيه جذرياً.
10 أيلول 2012م