المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أجل الاصلاح العربي الحق.....لماذا لا نستمع لفضل الله؟مقال أمريكي لديفيد اغناتيوس



الدكتور عادل رضا
01-07-2005, 01:24 AM
من أجل الإصلاح العربي الحق.. لماذا لا نستمع لفضل الله..؟

ديفيد اغناتيوس*

مبادرة إدارة الرئيس بوش بتشجيع إقامة الديمقراطية والإصلاح في العالم العربي، تتسم بكل ما تحمله صلابة المناطيد. إنها تسبح بهيبة وعظمة نحو الكوكب العربي، أما أولئك الذين تنوي التأثير عليهم، فمنهم من يحاول إصابتها برصاصه العشوائي، ومنهم من يلوذ منها بالمخابئ ومنهم من يهرش رأسه في حيرة عميقة. هل سنرتكب هذا الخطأ مرة أخرى يا ترى؟

دعونا نردد البديهيات من جديد: إن فكرة الديمقراطية العربية لا معنى لها إذا لم تبدأ من الداخل، مدفوعة بأجندة عربية للتغيير، بدلا من تحريكها بالأيادي الأجنبية. وإذا نظر العرب إليها كمحاولة جديدة لفرض الأجندة الغربية، فإنها ستفشل وستستحق فشلها عن جدارة كلية. من هنا وبدلا من توجيه نصائحهم من سفنهم الفضائية المحلقة في الآفاق، من الأفضل للأميركيين والأوروبيين أن يستمعوا أكثر لما يقوله العرب أنفسهم. ولا أقصد القادة الذين كل همهم التمسك بالسلطة، بل الملايين المتعطشين للإصلاح.

نقطة البداية بالنسبة لي كانت الاستماع إلى الزعيم الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله. وهو رجل لا يمكن اتهامه بالتعاطف مع السياسات الأميركية. فقد كان الزعيم الروحي لمقاتلي حزب الله الذين تسببت ضرباتهم في طرد الأميركيين من لبنان عام 1984، ولكنه تحول إلى مفكر تقدمي مثير للدهشة، وكان من أوائل رجال الدين المسلمين الذين أدانوا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بصورة لا لبس فيها ولا غموض. وقد زرت السيد فضل الله عدة مرات خلال العامين الماضيين، في مكتبه ذي الحراسة المعززة في الضاحية الجنوبية من بيروت ومعي صديقي جميل مروة، ناشر صحيفة النجم اليومية. ولم يكف فضل الله عن إثارة دهشتي في كل مرة زرته فيها. وما أدهشني في الزيارة الأخيرة قوة المنطق الذي يدعو من خلاله إلى الإصلاح في العالم العربي، بحيث لا تستطيع أن تطرح قضية الإصلاح بصورة أكثر حدة وتركيزاً من الطريقة التي يطرحها بها. وذلك عندما قال: "ظللنا نركز على الدوام على أن الحكومات في هذا الجزء من العالم مهووسة بالسلطة، ولذلك أبقت مواطنيها تحت السيطرة الخانقة".

ولاحظ فضل الله أن تلك الحكومات غير الديمقراطية استمرت، جزئيا، في السلطة لأنها جزء من شبكة من المصالح الدولية في إشارة إلى أنها تخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ولكنه حذّر قائلاً: ليس من العدل أو الدقة تحميل مسؤولية تلك العملية السياسية المشوهة إلى الغرب وحده. بل هناك أسباب داخلية خطيرة أيضا لذلك.

وأضاف فضل الله أن النظُم العربية تستمر، جزئيا، في السلطة بسبب «حجة» النزاع العربي الإسرائيلي. وأوضح قائلاً: إن لدينا قوانين طوارئ وسيطرة لأجهزة الأمن، وركود في الأحزاب المعارضة وحرمان من الحقوق السياسية، وكل ذلك باسم النـزاع العربي الإسرائيلي. وقال إن حل المشكلة العربية الإسرائيلية عنصر ضروري لأي مبادرة جادة للشرق الأوسط، ليس فقط لأن ذلك هو الأمر السليم، ولكن لأن ذلك سيسحب الدعامات التي تستند عليها الحكومات السيئة.

وأهمية ملاحظات فضل الله هي انك ستسمع نفس الشيء في كل مكان في العالم العربي. حيث شعر الناس بالغثيان من التخلف السياسي والاقتصادي، ويريدون التغيير. ولكنهم يريدون ذلك من أجلهم.

ومشكلة المبادرة الأميركية الأوروبية هي أنها حافلة بالكثير من التدخل، والقليل من الإصلاح كما يقول غسان سلامة وهو وزير لبناني سابق للثقافة ومستشار خاص للأمم المتحدة حول العراق، وواحد من أذكى الشخصيات في المجال السياسي العربي. ويقول إن العرب أنفسهم حددوا أهدافاً أكثر طموحاً للإصلاح، ولا سيما في دعم حكم القانون. وأضاف قائلاً: إذا ما أسسنا نظاماً قضائياً قوياً ومستقلاً وحرفياً، لأطلقنا ثورة.

من جهتها تأمل إدارة بوش في تقديم خططتها إلى مؤتمر قمة الثماني الذي سيعقد في شهر يونيو (حزيران) القادم، بحيث يوجد وقت كاف لتعديلها. وعلي أي حال، يجب على الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين تجنب خطأ الاعتقاد بأنه بما أن الناس تكره النظم التي تعيش في ظلها، فهي، ستحتضن الجهد الاميركي الرامي لتغييرها. لن يحدث ذلك، كما أظهرت، وللأسف، التجربة العراقية.

ويريد العرب صناعة تاريخهم بأيديهم. لقد حان وقت التغيير، كما يعرفون أفضل من أي شخص آخر. وإذا شككت في ذلك، استمع إلى السيد فضل الله رجل الدين ذي الذقن الأبيض المعتمر بعمامة سوداء.

مستقبل العرب الآن حق. ولذلك فإذا ما تمكن الأميركيون من مساعدة شعوب الشرق الأوسط على تولي مسؤولية عملية التغيير الخاص بأنفسهم فسيكون ذلك أمراً ثورياً.

*خدمة "واشنطن بوست" خاص بـ(الشرق الأوسط)

24 محرم 1425 الموافق 16-3-2004م