مهدي عمار
01-04-2005, 10:20 PM
وجَّه المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله رسالة إلى مؤتمر "الجماعة الإسلامية" في أميركا وكندا في مدينة شيكاغو جاء فيها:
يواجه الإسلام في هذه المرحلة التاريخية أكثر من مشكلة داخلية وخارجية، تدفع بالواقع الذي يتحرك فيه إلى بعض الاهتزاز في حركة إنسانه في ذاته، في تصوراته وتطلّعاته وحركته وعلاقاته بالحياة وبالآخرين، كما يواجه في الأوضاع الخارجية من حوله التحدّيات الكبرى على صعيد الثقافة والسياسة والاجتماع والأمن، الأمر الذي يجعله في حال صراع قويّ مع الآخرين من جهة، ومع التيارات والاتجاهات المتنوعة المحيطة في ساحته العامة، من جهة أخرى .
ففي الواقع الدّاخلي، نلاحظ انكماش الشخصية الإسلامية الإنسانية العالمية التي تنفتح على عالم الإنسان كلِّه، لتنغلق على الدّوائر القومية والإقليمية والعرقية والطائفية والمذهبية، الأمر الذي أدَّى إلى تنوّع الشخصية وتعدّدها وابتعادها عن الأفق الرسالي في شخصية النبي محمد في أفق الدعوة الشاملة في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}[الأنبياء/107]، {يا أيَّها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً}[الأعراف/158]... حيث ضعف الإسلام في نفوس المسلمين، من خلال الحواجز التي أقيمت في داخل الإنسان المسلم ضد المسلم الآخر، ما أفقد المسلمين معنى الأمة في شخصيتهم الإسلامية.
وإلى جانب ذلك، برزت العصبيّات في هذه الشخصيات، في عملية تجاذب وانغلاق تختزن الكثير من السلبيّات النفسية والسلوكية، بحيثُ تحوّل الأمر إلى لونٍ من ألوان التنازع والاختلاف الذي يؤدِّي إلى التنافر والتقاطع، كما لو كانت كلُّ شخصية منفصلةً انفصالاً كلياً عن الشخصية الأخرى، ما يوحي بالعصبية الفئوية، وخصوصاً في نطاق المسألة المذهبية التي عاشت تاريخاً عنيفاً من الخلافات الدامية، في المستوى الذي يكفِّر فيه أتباع هذا المذهب أتباع المذهب الآخر، بحيث يستحل بعضهم دماء البعض الآخر وأموالهم وإعراضهم، بما لا يستحلّون به أوضاع أتباع الأديان الأخرى، على أساس أنهم أهل ذمة وعهد، ولا ذمة ولا عهد عند هؤلاء للمسلمين الآخرين من المذهب الآخر .
وفي جانب آخر، لا تزال دعوة الوحدة الإسلامية التي تخطِّط لالتقاء المسلمين على مواضع اللّقاء في الكلمة السواء، وللحوار حول مواضع الخلاف، تواجه الكثير من التعقيدات الثقافية، من خلال إثارة بعض الأمور المتصلة بتفاصيل العقيدة والشريعة، بعيداً عن المنهج العقلي العلمي المتميِّز بالهدوء الفكري والموضوعية العلمية، لأن القضية عندهم ليست قضية الوصول إلى الحقّ، بل إسقاط الآخر بالطريقة التشهيرية أو الجدلية، على أساس تسجيل كلِّ فريق النقاط السلبية على الآخر، بدلاً من تجميع النقاط الإسلامية في واقع الذهنية العامة للأمة.
وفي ضوء هذا، لم تعد المسألة مسألة اختلاف اجتهادي في هذا الموضوع أو ذاك، بل تحوَّلت مسألة التعددية الإسلامية إلى فواصل مزروعة بين المسلمين، حتى بدأ بعضهم يتحدّث عن إسلامين أو إسلامات متعدّدة، ليثير في مواجهة الدّعاة إلى الإسلام سؤالاً حاسماً متحدّياً: عن أيِّ إسلام تتحدثون؟ وإلى أي إسلام تدعون؟ وهل يمكنكم التوحّد حول إسلام واحد أصيل لندخل في الحوار معكم حوله في عملية النظرية والتطبيق؟.
هذا إضافةً إلى مواجهة التحدّيات الكبرى ضدّ الإسلام، والّتي تعمل على إثارة لهذا الفريق الإسلامي في مرحلة بفعل مصالح الاستكبار، لينتقل عنصر الإثارة في مرحلة أخرى للفريق الإسلامي الآخر، في خطّة إسقاط متنقّلة متحركة في ساحة الصراع، كما نلاحظ في الواقع المعاصر عندما كان الحديث عن "إرهاب شيعي" في حركة الثورة الإسلامية في إيران، ثم عن "إرهاب سنّي" في حركة الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، لتحييد هذا الفريق عن الحرب ضد الفريق الآخر، فلا ينطلق المسلمون في مواجهة التحديات ضد الاحتلال صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص... وخصوصاً في نطاق خطة الإثارة لبعض الأوضاع الداخلية الحادة التي يستغلها المستكبرون، للإيحاء للمسلمين بأنهم يتدخلون في احتلالهم لتحريرهم من الطاغية الذي وظَّفوه عندهم ليحقق مصالحهم في الماضي، فيغفل المسلمون عن كارثة الاحتلال الكبرى بسبب ذلك.
يمكن أن نطلّ على عنوان هل الإسلام في أميركا، نحو الازدهار أو الاندثار؟ لنؤكّد أن حيوية الإسلام الثقافية، وخطوطه الإنسانية، وأساليبه الروحية، ووسائله الواقعية، يسمح له بالنمو والازدهار والامتداد في شخصية الإنسان الأميركي الذي يمثل التنوع الإنساني العالمي، باعتبار أن مجتمع أميركا ليس مجتمعاً واحداً، بل هو مجتمع مختلط متعدد ومزيج من أمم متعدّدة، ومن بلدان مختلفة، ما يمكن معه أن ندرس عادات تلك الشعوب وذهنيّاتها، لنغتني بدراسة أوضاعهم من جهة، ولتنمية وسائلنا وأساليبنا في حقِّ الدعوة والحوار معهم من جهة أخرى، إضافةً إلى مسؤولية الإنسان المسلم في التعامل مع المجتمع الأميركي بالاحترام والمرونة، والانفتاح على كلِّ قضاياهم وأوضاعهم العامة، ورعاية مطالبهم الحياتية على الصّعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني والإنمائي، بحيث يشعرون بمشاركة المواطن المسلم لهم في كلِّ أمورهم الحيوية والمصيرية .
إن مسألة الاجتماع الأميركي الإنصهاري في واقع المسلمين، لا يعني الذوبان المطلق الذي يفقد الإنسان معه تاريخه وانتماءه الديني والقومي، ولكنه يعني الانفتاح على واقع المواطنة الجديدة في مسؤوليّاتها وحاجاتها وتطلعاتها، وإحساسه بأنه جزء من الوطن في تعامل الجزء مع الكلّ بواقعية واندماج.
أمَّا مسألة الأدوار الفاعلة في التعامل مع الدعاية المضادة للإسلام، فلا بدَّ من تحريكها في الخطوط الثقافيّة والإعلاميّة التي تشرح حقائق الإسلام في احترامه لإنسانية الإنسان، وفي الاعتراف بالآخر، وفي إيمانه بالحوار كحلٍ حضاريّ للتّفاهم بين الشّعوب، وحلّ الخلافات بين النّاس، ورفض العنف في العلاقات العامّة، وخصوصاً في الاختلاف السياسي، وإدانة الإرهاب ضدّ الأبرياء، مع التفريق في مفهومه بينه في الهجوم على المدنيين وفي مواجهة قضايا الاحتلال من أجل التحرر من عنف الفرد والدولة في ما لا حق لها فيه .
"كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والخير والورع، فإن ذلك داعية".. وانطلقوا لتوحيد كلمتكم، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، وأبعدوا كل صوت للفتنة عن مجتمعكم ومؤتمركم، {وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة/2].. واتقوا الله في عباده وبلاده.
يواجه الإسلام في هذه المرحلة التاريخية أكثر من مشكلة داخلية وخارجية، تدفع بالواقع الذي يتحرك فيه إلى بعض الاهتزاز في حركة إنسانه في ذاته، في تصوراته وتطلّعاته وحركته وعلاقاته بالحياة وبالآخرين، كما يواجه في الأوضاع الخارجية من حوله التحدّيات الكبرى على صعيد الثقافة والسياسة والاجتماع والأمن، الأمر الذي يجعله في حال صراع قويّ مع الآخرين من جهة، ومع التيارات والاتجاهات المتنوعة المحيطة في ساحته العامة، من جهة أخرى .
ففي الواقع الدّاخلي، نلاحظ انكماش الشخصية الإسلامية الإنسانية العالمية التي تنفتح على عالم الإنسان كلِّه، لتنغلق على الدّوائر القومية والإقليمية والعرقية والطائفية والمذهبية، الأمر الذي أدَّى إلى تنوّع الشخصية وتعدّدها وابتعادها عن الأفق الرسالي في شخصية النبي محمد في أفق الدعوة الشاملة في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}[الأنبياء/107]، {يا أيَّها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً}[الأعراف/158]... حيث ضعف الإسلام في نفوس المسلمين، من خلال الحواجز التي أقيمت في داخل الإنسان المسلم ضد المسلم الآخر، ما أفقد المسلمين معنى الأمة في شخصيتهم الإسلامية.
وإلى جانب ذلك، برزت العصبيّات في هذه الشخصيات، في عملية تجاذب وانغلاق تختزن الكثير من السلبيّات النفسية والسلوكية، بحيثُ تحوّل الأمر إلى لونٍ من ألوان التنازع والاختلاف الذي يؤدِّي إلى التنافر والتقاطع، كما لو كانت كلُّ شخصية منفصلةً انفصالاً كلياً عن الشخصية الأخرى، ما يوحي بالعصبية الفئوية، وخصوصاً في نطاق المسألة المذهبية التي عاشت تاريخاً عنيفاً من الخلافات الدامية، في المستوى الذي يكفِّر فيه أتباع هذا المذهب أتباع المذهب الآخر، بحيث يستحل بعضهم دماء البعض الآخر وأموالهم وإعراضهم، بما لا يستحلّون به أوضاع أتباع الأديان الأخرى، على أساس أنهم أهل ذمة وعهد، ولا ذمة ولا عهد عند هؤلاء للمسلمين الآخرين من المذهب الآخر .
وفي جانب آخر، لا تزال دعوة الوحدة الإسلامية التي تخطِّط لالتقاء المسلمين على مواضع اللّقاء في الكلمة السواء، وللحوار حول مواضع الخلاف، تواجه الكثير من التعقيدات الثقافية، من خلال إثارة بعض الأمور المتصلة بتفاصيل العقيدة والشريعة، بعيداً عن المنهج العقلي العلمي المتميِّز بالهدوء الفكري والموضوعية العلمية، لأن القضية عندهم ليست قضية الوصول إلى الحقّ، بل إسقاط الآخر بالطريقة التشهيرية أو الجدلية، على أساس تسجيل كلِّ فريق النقاط السلبية على الآخر، بدلاً من تجميع النقاط الإسلامية في واقع الذهنية العامة للأمة.
وفي ضوء هذا، لم تعد المسألة مسألة اختلاف اجتهادي في هذا الموضوع أو ذاك، بل تحوَّلت مسألة التعددية الإسلامية إلى فواصل مزروعة بين المسلمين، حتى بدأ بعضهم يتحدّث عن إسلامين أو إسلامات متعدّدة، ليثير في مواجهة الدّعاة إلى الإسلام سؤالاً حاسماً متحدّياً: عن أيِّ إسلام تتحدثون؟ وإلى أي إسلام تدعون؟ وهل يمكنكم التوحّد حول إسلام واحد أصيل لندخل في الحوار معكم حوله في عملية النظرية والتطبيق؟.
هذا إضافةً إلى مواجهة التحدّيات الكبرى ضدّ الإسلام، والّتي تعمل على إثارة لهذا الفريق الإسلامي في مرحلة بفعل مصالح الاستكبار، لينتقل عنصر الإثارة في مرحلة أخرى للفريق الإسلامي الآخر، في خطّة إسقاط متنقّلة متحركة في ساحة الصراع، كما نلاحظ في الواقع المعاصر عندما كان الحديث عن "إرهاب شيعي" في حركة الثورة الإسلامية في إيران، ثم عن "إرهاب سنّي" في حركة الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، لتحييد هذا الفريق عن الحرب ضد الفريق الآخر، فلا ينطلق المسلمون في مواجهة التحديات ضد الاحتلال صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص... وخصوصاً في نطاق خطة الإثارة لبعض الأوضاع الداخلية الحادة التي يستغلها المستكبرون، للإيحاء للمسلمين بأنهم يتدخلون في احتلالهم لتحريرهم من الطاغية الذي وظَّفوه عندهم ليحقق مصالحهم في الماضي، فيغفل المسلمون عن كارثة الاحتلال الكبرى بسبب ذلك.
يمكن أن نطلّ على عنوان هل الإسلام في أميركا، نحو الازدهار أو الاندثار؟ لنؤكّد أن حيوية الإسلام الثقافية، وخطوطه الإنسانية، وأساليبه الروحية، ووسائله الواقعية، يسمح له بالنمو والازدهار والامتداد في شخصية الإنسان الأميركي الذي يمثل التنوع الإنساني العالمي، باعتبار أن مجتمع أميركا ليس مجتمعاً واحداً، بل هو مجتمع مختلط متعدد ومزيج من أمم متعدّدة، ومن بلدان مختلفة، ما يمكن معه أن ندرس عادات تلك الشعوب وذهنيّاتها، لنغتني بدراسة أوضاعهم من جهة، ولتنمية وسائلنا وأساليبنا في حقِّ الدعوة والحوار معهم من جهة أخرى، إضافةً إلى مسؤولية الإنسان المسلم في التعامل مع المجتمع الأميركي بالاحترام والمرونة، والانفتاح على كلِّ قضاياهم وأوضاعهم العامة، ورعاية مطالبهم الحياتية على الصّعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني والإنمائي، بحيث يشعرون بمشاركة المواطن المسلم لهم في كلِّ أمورهم الحيوية والمصيرية .
إن مسألة الاجتماع الأميركي الإنصهاري في واقع المسلمين، لا يعني الذوبان المطلق الذي يفقد الإنسان معه تاريخه وانتماءه الديني والقومي، ولكنه يعني الانفتاح على واقع المواطنة الجديدة في مسؤوليّاتها وحاجاتها وتطلعاتها، وإحساسه بأنه جزء من الوطن في تعامل الجزء مع الكلّ بواقعية واندماج.
أمَّا مسألة الأدوار الفاعلة في التعامل مع الدعاية المضادة للإسلام، فلا بدَّ من تحريكها في الخطوط الثقافيّة والإعلاميّة التي تشرح حقائق الإسلام في احترامه لإنسانية الإنسان، وفي الاعتراف بالآخر، وفي إيمانه بالحوار كحلٍ حضاريّ للتّفاهم بين الشّعوب، وحلّ الخلافات بين النّاس، ورفض العنف في العلاقات العامّة، وخصوصاً في الاختلاف السياسي، وإدانة الإرهاب ضدّ الأبرياء، مع التفريق في مفهومه بينه في الهجوم على المدنيين وفي مواجهة قضايا الاحتلال من أجل التحرر من عنف الفرد والدولة في ما لا حق لها فيه .
"كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والخير والورع، فإن ذلك داعية".. وانطلقوا لتوحيد كلمتكم، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، وأبعدوا كل صوت للفتنة عن مجتمعكم ومؤتمركم، {وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة/2].. واتقوا الله في عباده وبلاده.