نجم سهيل
07-27-2012, 02:25 AM
25 تموز 2012 م
بقلم :علي السبتي - نون
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءاً حسب التوقيت المحلي لمدينة كربلاء المقدسة، وقتها كنت واقفاً في بداية الزقاق الذي نسكن فيه, فإذا بي أشاهد طفلاً قد خصّه الله ببعض صفات الجمال فنظرت إليه من بعيد ولم أعرفه "وهنا قد يتساءل البعض هل تعرف كل أطفال زقاقكم أو من هم حوله، فأجيب نعم لأن أغلبهم قد تشاركوا الزاد منذ عقود خلت".
وفعلاً لم أعرفه لأنه كان ضيفاً على أحد الجيران مع أهله, كان يسير بخطى متسارعة ويحمل بيده لعبتين جديدتين، فثار الفضول في نفسي إلى أن أتمازح معه فهو يدخل القلب بدون استئذان.
وعندما مرّ قربي قلت: له بكم اشتريت هاتين اللعبتين؟ فتوقف وأجابني بلسان طليق كأنه رجل بالغ وهو لم يتجاوز الأربع سنين، وعليكم السلام الأولى بـ6000آلاف والأخرى بـ5000آلاف فالأولى لي والثانية لأخي(وكان يقصد بالدينار العراقي).
هنا شعرت بالهزيمة والضعف لأني بدأت معه الكلام من غير سلام ولم أتوقع أن هذا الطفل قد يلتفت لهذا الأمرفقلت: أعطني هذه, وأشرت إلى الصغيرة .
فقال: لا هذه لأخي الصغير، خذ هذه الكبيرة فإنها لي.
فأعطاني اللعبة وانصرف.فقلت في نفسي لعله خجل مني, ولكنه الآن سيلتفت لي ويوحي بتقاسيم وجهه الذي تعتليه البراءة أنه يريدها, مثلما يفعل أغلب الأطفال.
وعندها جاءت المفاجأة, لم يلتفت ذلك الفتى ولم يعرني أي اهتمام وكأنه لم يعطني شيئاً!! فأخذ يبتعد وكادأن يغيب عن ناظري.
وأيضاً لم يلتفت, إلى أن كاد يدخل إلى البيت الذي يقصده.فناديته: يا فتى.. فجاءني مسرعاً.خيراً يا عمّ ماذا تريد لقد ناديتني؟ قلت:ألا تريد لعبتك.
فقال: لا فأنت أردتها, ومن المؤكد أن لك حاجة فيها. فقلت: لا كنت أتمازح معك.
فقال: لا أبداً فأنا أعطيتها لك ومن غير اللائق أن أستردها خذها يا عمّ فهنيئاً لك ومن قلب صادق.
فتجادلنا بالحديث وكان ندّاً لي في الحوار فكلما ازددت إصراراً على أن يأخذها زاد هو بالرفض، فَارتفعتأصواتنا وأتعبني الكلام معه حتى أقنعته أني كنت أتمازح معه فعندها وافق على أن يأخذها .
وقتها لم أتمالك نفسي فحملته من الأرض وأنا أقبّله وقلت له أحسنت أيها الرجل هكذا هي أخلاقنا وهذا هو كرمنا العربي الذي أصبح في غياهب النسيان .
وهنا لنقلّب صفحات الماضي وذكريات الطفولة فالسنين تمر كأنها لحظات, كل مافيها لعب ولهو وضحك, وقلوب صافية, نتشاجر من أجل لعبة ومن ثم نعود لنصبح أحباباً, هكذا كانت هي باختصار عالم تسكنه ملائكة الرحمن.
فلنتأمل قليلاً فإن كان هذا الصغير قد جاد بأغلى أشيائه "وهي لعبته", وأعطاها لشخص غريب.. فهل نستطيع نحن الكبار أن نجود؟ولا نريد أن نقول بأغلى شيء نملكه بل بشيء يسير وإلى شخص قريب منا؟ أم أن هذه الصفات رحلت مع الريح الغضوب.
بقلم :علي السبتي - نون
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءاً حسب التوقيت المحلي لمدينة كربلاء المقدسة، وقتها كنت واقفاً في بداية الزقاق الذي نسكن فيه, فإذا بي أشاهد طفلاً قد خصّه الله ببعض صفات الجمال فنظرت إليه من بعيد ولم أعرفه "وهنا قد يتساءل البعض هل تعرف كل أطفال زقاقكم أو من هم حوله، فأجيب نعم لأن أغلبهم قد تشاركوا الزاد منذ عقود خلت".
وفعلاً لم أعرفه لأنه كان ضيفاً على أحد الجيران مع أهله, كان يسير بخطى متسارعة ويحمل بيده لعبتين جديدتين، فثار الفضول في نفسي إلى أن أتمازح معه فهو يدخل القلب بدون استئذان.
وعندما مرّ قربي قلت: له بكم اشتريت هاتين اللعبتين؟ فتوقف وأجابني بلسان طليق كأنه رجل بالغ وهو لم يتجاوز الأربع سنين، وعليكم السلام الأولى بـ6000آلاف والأخرى بـ5000آلاف فالأولى لي والثانية لأخي(وكان يقصد بالدينار العراقي).
هنا شعرت بالهزيمة والضعف لأني بدأت معه الكلام من غير سلام ولم أتوقع أن هذا الطفل قد يلتفت لهذا الأمرفقلت: أعطني هذه, وأشرت إلى الصغيرة .
فقال: لا هذه لأخي الصغير، خذ هذه الكبيرة فإنها لي.
فأعطاني اللعبة وانصرف.فقلت في نفسي لعله خجل مني, ولكنه الآن سيلتفت لي ويوحي بتقاسيم وجهه الذي تعتليه البراءة أنه يريدها, مثلما يفعل أغلب الأطفال.
وعندها جاءت المفاجأة, لم يلتفت ذلك الفتى ولم يعرني أي اهتمام وكأنه لم يعطني شيئاً!! فأخذ يبتعد وكادأن يغيب عن ناظري.
وأيضاً لم يلتفت, إلى أن كاد يدخل إلى البيت الذي يقصده.فناديته: يا فتى.. فجاءني مسرعاً.خيراً يا عمّ ماذا تريد لقد ناديتني؟ قلت:ألا تريد لعبتك.
فقال: لا فأنت أردتها, ومن المؤكد أن لك حاجة فيها. فقلت: لا كنت أتمازح معك.
فقال: لا أبداً فأنا أعطيتها لك ومن غير اللائق أن أستردها خذها يا عمّ فهنيئاً لك ومن قلب صادق.
فتجادلنا بالحديث وكان ندّاً لي في الحوار فكلما ازددت إصراراً على أن يأخذها زاد هو بالرفض، فَارتفعتأصواتنا وأتعبني الكلام معه حتى أقنعته أني كنت أتمازح معه فعندها وافق على أن يأخذها .
وقتها لم أتمالك نفسي فحملته من الأرض وأنا أقبّله وقلت له أحسنت أيها الرجل هكذا هي أخلاقنا وهذا هو كرمنا العربي الذي أصبح في غياهب النسيان .
وهنا لنقلّب صفحات الماضي وذكريات الطفولة فالسنين تمر كأنها لحظات, كل مافيها لعب ولهو وضحك, وقلوب صافية, نتشاجر من أجل لعبة ومن ثم نعود لنصبح أحباباً, هكذا كانت هي باختصار عالم تسكنه ملائكة الرحمن.
فلنتأمل قليلاً فإن كان هذا الصغير قد جاد بأغلى أشيائه "وهي لعبته", وأعطاها لشخص غريب.. فهل نستطيع نحن الكبار أن نجود؟ولا نريد أن نقول بأغلى شيء نملكه بل بشيء يسير وإلى شخص قريب منا؟ أم أن هذه الصفات رحلت مع الريح الغضوب.