على
12-30-2004, 03:14 PM
http://www.asharqalawsat.com/2004/12/30/images/news.274449.jpg
بالصدفة أصبحنا رهينتين والخاطفون تورطوا في اختطافنا لكنهم وجدونا طريدة ثمينة فأرادوا استخدامنا
الصحافي الفرنسي كريستيان شينو يفتح لـ «الشرق الاوسط» ملف تجربة الاختطاف «المرة» في العراق
باريس: ميشال أبو نجم
كريستيان شينو، أحد الصحافيين الفرنسيين اللذين اختطفهما «الجيش الإسلامي في العراق» وأطلق سراحهما الأسبوع الماضي، روى لـ«الشرق الأوسط»، في حديث هو الأول من نوعه لصحيفة عربية، تفاصيل «التجربة المرة» التي عاشها وزميله جورج مالبرونو طيلة الأشهر الأربعة التي أمضياها في الأسر وتفاصيل عملية إطلاق سراحهما. ويتضمن حديث شينو، الذي يجيد العربية و يعرف العراق ومنطقة الشرق الأوسط جيدا، معلومات تنشر للمرة الأولى عن «الجيش الإسلامي في العراق»، المكون من عناصر بعثية من بقايا النظام العراقي السابق ومجموعات أصولية متطرفة موالية لتنظيم «القاعدة». ومن بين ما رواه أن حارس عبد حمود، السكرتير الشخصي للرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان من المجموعة التي تولت حراسته.
* هل تروي لنا تفاصيل إطلاق سراحك وزميلك جورج مالبرونو؟
ــ نعم، تم ذلك يوم الثلاثاء 21 ديسمبر(كانون الأول)، ولكن منذ يوم السبت الذي سبقه كنا نعرف أننا اقتربنا من لحظة الحرية ، وكنا متيقنين من ذلك بناء على ما قاله لنا الخاطفون والرجل الأعلى رتبة بينهم، الذي كان يتولى استجوابنا وتصوير أشرطة التسجيل التي كانت ترسل إلى الطرف الفرنسي، أو يبث بعضا منها، كما كان يتولى أيضا عملية نقلنا من مكان إلى آخر طيلة فترة احتجازنا.
في ذلك السبت جاءنا الرجل، الذي كان في الواقع مدير مخابرات المجموعة، وكان، كما الخاطفون الآخرين، مقنع الوجه باستمرار، لتسجيل شريط تلفزيوني آخر، وبادرنا بالقول: «هذا آخر عمل تقومان به قبل إطلاق سراحكما. لقد اقتربتم من لحظة الحرية». ثم عمد إلى تصويرنا من الأمام ومن الخلف وجانبيا ونحن نمشي وغير ذلك. و فهمنا من ذلك أن الشريط موجه إلى السلطات الفرنسية لتأكيد أننا بصحة جيدة وأننا لم نتعرض للتعذيب وخلاف ذلك.
ويوم الثلاثاء صباحا جاءنا أحد الخاطفين وحمل الشامبو والصابون ومشطا ومرآة، وقال لنا: «سيطلق سراحكما إما اليوم أو غدا». وبعد ساعتين وصل مسؤول الاستخبارات وجيء بأريكة إلى مكان احتجازنا، الذي أعتقد أنه كان في منطقة قريبة من بغداد، تقع غربها مازحنا مسؤول الاستخبارات قبل أن يجري حديثا بالعربية معي وبالإنجليزية مع جورج، جال فيه على السياسة الفرنسية في العراق والشرق الأوسط وأفغانستان والعراق، ومسألة الحجاب وحول طريقة معاملتهم لنا والأمثولات التي خلصنا إليها بعد فترة الاحتجاز وخلاف ذلك. عقب ذلك، أعادونا إلى غرفتنا واعيدت لنا أغراضنا الشخصية:
جواز السفر وساعة اليد والحاجيات الأخرى. وفي الساعة الرابعة إلا عشر دقائق تحديدا، فتح باب غرفتنا التي دخلها رجلان ملثمان يحملان حبلا وقاما بتقييدنا ووضع كيس على رأس كل منا، وقادانا إلى صندوق سيارة مرسيدس حيث وضعنا في ما يشبه تابوتا من الكرتون، ثم وضعت علينا الأغطية لإخفائنا، ثم انطلقت السيارة لحوالي ربع ساعة أو عشرين دقيقة، وأعتقد أنها سلكت الطريق السريع، لأننا كنا نسمع ونحن داخل الصندوق أصوات سيارات أخرى. بعد ذلك انحرفت السيارة وتوقفت وفتح صندوقها وأخرجنا منه، بعدها نزع الكيس عن رأس كل منا، وهنا جال نظرنا ولم أكن أرى جيدا بسبب ضعف نظري وعدم توافر نظارتي. ومع ذلك ميزت وجود سيارة رسمية عليها العلم الفرنسي على بعد عدة أمتار وحولها رجال من السفارة الفرنسية وآخرون مسلحون تبين أنهم من المخابرات الفرنسية. ثم ناداني أحدهم قائلا: «كريستيان، انتهى الأمر.
تقدم واصعد في سيارتنا». كذلك نودي جورج، وهكذا تمت عملية المبادلة التي لم تدم أكثر من دقيقتين، بعدها انطلقت سيارات السفارة المصفحة الثلاث وابتعدت سيارة الخاطفين.
بعد إطلاق سراحنا قادنا رجال المخابرات الفرنسية إلى منزل آمن في بغداد نفسها حيث أمضينا ليلتنا. وجاءنا السفير الفرنسي في العراق برنار باجوليه، وحمل إلينا ما نحتفل به بإطلاق سراحنا. وهنا أريد أن أشكره بصدق لما قام به من أجلنا. وقام السفير بإطلاعنا على ما حصل في الأشهر الأربعة التي احتجزنا فيها وعلى الاتصالات التي تمت وعلى التعبئة التي تمت سواء في فرنسا أو على الصعيد العربي والتي كانت تصب كلها في باب ممارسة الضغوط لإطلاق سراحنا. وبعد السفير، جاء رجال جهاز الإدارة العامة للأمن الخارجي (المخابرات) واستجوبانا طيلة أربع ساعات عن ظروف اعتقالنا والفترة التي أمضيناها في الأسر.
و بعد خروجنا من سيارة الخاطفين مباشرة، طلبنا ما إذا كانت هناك إمكانية للاتصال بأهلنا في فرنسا إلا أن الجهاز الأمني رفض بحجة أن الأميركيين أو العراقيين قد يكتشفون مكاننا بسبب استخدام الهاتف الجوال مما من شأنه، ربما، أن يفضي إلى مشكلة، وهو ما كانوا يريدون تحاشيه. وفي اليوم التالي، نقلنا إلى المطار حيث نقلتنا طائرة عسكرية فرنسية إلى قبرص ومنها إلى فرنسا بصحبة وزير الخارجية ميشال بارنيه.
* كيف عاملكم الخاطفون طيلة مدة الاحتجاز؟
ــ ظروف الاعتقال كانت جيدة، فقد كان الخاطفون يقدمون لنا الطعام بشكل منتظم. وطيلة الأشهر الأربعة لم نتعرض للضرب أو للتهديد النفسي، ولم يقم الخاطفون بتمثيل عملية قتلنا من أجل إرهابنا، فضلا عن ذلك لم يتم فصلي عن جورج بل بقينا معا مما ساعدنا على تحمل الأسر وعدم فقدان الأمل. لم نقيد أبدا ولم تعصب أعيننا باستثناء الفترات التي كنا ننقل فيها من مكان إلى آخر، وقد تم تغيير مكان اعتقالنا خمس مرات.
وذهب الخاطفون إلى مقارنة ظروف اعتقالنا بممارسة القوات الأميركية مع السجناء العراقيين بقولهم: «أنتم ترون أنكم لستم في سجن أبو غريب». وأكثر من مرة جاءوا لنا بصحف، وبطلب منهم قمنا بالتوقيع عليها مما يعني أنها كانت مطلوبة كدليل على أننا ما زلنا أحياء. وأعتقد أن ما ساعدنا أننا فرنسيان و صحافيان، وقد تثبت الخاطفون من هذا الأمر. وأعتقد أن الحملة التي انطلقت من العالم، وخصوصا العالم العربي، الداعية إلى إطلاق سراحنا، شكلت ضغوطا على الخاطفين، وكذلك دور الجالية المسلمة في فرنسا التي زار وفد منها العراق لهذا الغرض.
وأعتقد أن ذلك أوقع الخاطفين في حالة إحراج خصوصا أن المطلب السياسي الوحيد الذي رفعوه كان يتناول إلغاء قانون الحجاب. وجاء وفد المسلمين ليقول إن المسلمين في فرنسا لا يعيشون في حال من القهر. وفي تصوري أن موضوع الحجاب سببه أن الخاطفين لم يجدوا مطلبا يقدمونه إلى فرنسا، التي لم تشارك في الحرب على العراق، ولا تشارك في الاحتلال، فكيف يبررون احتجاز اثنين من مواطنيها الصحافيين؟ بصراحة كاملة، قال لنا الخاطفون:
«نحن نعاملكما بشكل جيد لأننا لا ننوي قتلكما». و بسبب معرفتي للغة العربية، نجحنا في إقامة اتصال مع الخاطفين الذين كرروا أمامنا مئات المرات أنهم ليسوا قتلة أو لصوصا، وإنما ينتمون إلى المقاومة العراقية، غير أننا كنا نعرف أنهم يستطيعون تغيير تصرفهم في أية لحظة. كانوا ملثمين طيلة الوقت، وهذا عامل ضغط نفسي كبير. وأسوأ ما عشناه هو «الأسبوع الأسود» الممتد من 8 إلى 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث شعرنا حقيقة بالخوف والهلع.
* ما الذي حدث في ذلك الأسبوع؟
ــ صباح الثامن من نوفمبر جاءنا الرجل المكلف بالتحقيق وقال لنا بلهجة صارمة: «المفاوضات مع بلدكما لا تتقدم حول الملفات التي تهمنا، والفرنسيون يابسو الرؤوس». وأضاف المحقق:
«افهما أن حياتيكما منذ هذه اللحظة في خطر». ثم طلب منا تسجيل شريط نقول فيه لحكومتنا إن وضعنا خطير وحياتنا مهددة، وان الخاطفين قد يقتلاننا في أية لحظة. وقلت في هذا الشريط متوجها إلى الحكومة الفرنسية: «أدعوكم لعدم توفير أي جهد من أجل إخراجنا من هنا». و حتى تزيد الأمور تعقيدا كنا نسمع أصوات إطلاق النار والانفجارات قريبا من مكان اعتقالنا، المعارك كانت قريبة. وجاءنا يوما هذا المحقق ليقول عند دخوله غرفتنا:
«من هو حي هنا ومن هو الميت؟»، ثم قال لنا آخر إن السلطات الفرنسية لا تأخذ التهديدات على محمل الجد. ونحن فهمنا، منذ تلك اللحظة، أنهم سيعمدون الى قتل أحدنا لإظهار جديتهم. لقد كنا في حالة رعب، وكلما فتح باب غرفتنا كنا متيقنين أنهم جاءوا لقتل أحدنا. لقد أمضينا وقتنا في الصلاة، لم نعد قادرين على النوم. واستمر هذا الوضع حتى الرابع عشر من الشهر نفسه، عندما دخل أحد الخاطفين و سألنا: «كيف حالكم؟»، و أخبرنا بعدها أن المفاوضات استؤنفت، وأن الخطر الذي كان يتهددنا قد ولى. ومنذ ذلك التاريخ، وصلنا إلى قناعة بأن كل يوم يمر يقربنا من تاريخ الإفراج عنا.
* ثمة من قال إن من خطفكم ليس «الجيش الإسلامي في العراق»، بل تم «بيعكم» له.
ــ هذا غير صحيح. الجيش الإسلامي هو الذي خطفنا واحتجزنا من البداية الى النهاية. أعتقد أننا كنا رهائن بالصدفة. يبدو لي أن عملية الخطف تخطت الخاطفين وأربكتهم لكنهم سعوا إلى استخدامها، وقد قالوا ذلك لنا صراحة. ولتبرير الإبقاء علينا لجأوا إلى إثارة قضية الحجاب وماضي فرنسا الاستعماري في المغرب العربي ودورها في أفغانستان، وغير ذلك من الحجج. لكن الضغوط التي مورست عليهم جعلتهم ينقسمون على أنفسهم. فهمنا منهم أن هناك من عارض احتجازنا داخل المجموعة نفسها، وطالب بعدم المس بشعرة منا «لأن ذلك يسيء للمقاومة العراقية».
* من هو «الجيش الإسلامي في العراق»؟
ــ فهمنا أنه يتشكل من قدامى البعثيين، وعلمت أن الحارس الخاص لعبد حمود، السكرتير الشخصي لصدام حسين، هو أحد الناشطين في هذا الجيش. وإلى جانب قدامى البعثيين المرتبطين بالنظام السابق هناك جناح أصولي متطرف قريب من أسامة بن لادن. وفي إحدى الفترات كانت المجموعة التي تتولى حراستنا والاهتمام بنا، تتكون من خمسة أشخاص، بينهم حارس عبد حمود، وشاب أصولي، أخبرنا أنه تدرب في أفغانستان على استخدام السلاح وتلغيم السيارات وصناعة القنابل، وكان يتحدث عن بن لادن بالإشارة إليه بـ«الشيخ أسامة».
وعقب اعتقالنا مباشرة خضعنا لعملية استجواب مطولة، وأخبرنا المحقق أن الجيش الإسلامي يضم ما بين 15 ألفا و17 ألف شخص. أين الحقيقة؟ أين الدعاية؟ لا أعرف. وقال لنا أيضا: «نحن لدينا أربعة أنواع من الأعداء: الأميركان والإنجليز وكل قوى الاحتلال وكل شخص أو مؤسسة تتعاون معهم، والحكومة العراقية الحالية وقوى الأمن العراقي، بمختلف مكوناته، وأخيرا الجواسيس». وأضاف: «لقد نجحنا في اختراق القوى الأمنية العراقية، نحن سنتأكد من أنكما لستما من الجواسيس وسأقدم تقريرا إلى المحكمة الإسلامية التي ستفصل في وضعكما، فإما أنتما مذنبان وبالتالي مصيركما القتل، وإما برئان وعندها سيطلق سراحكما، أو سنفاوض بشأنكما».
ومن الزاوية السياسية، أعتقد أنهم وجدوا أننا «طريدة ثمينة» يمكن الاستفادة منها على المستوى الدعائي، لقد شرحوا لنا أن الرئيس الأميركي عندما هاجم العراق نجح في إقامة اللحمة بين قدامى النظام والجهاديين، الذين لديهم أجندة مزدوجة: عراقية وإقليمية. وشرحوا لنا أيضا أن استراتيجيتهم هي استراتيجية الضعيف بمواجهة القوي: يريدون القيام بأعمال نوعية ضد الغرب وضد مصالحه الحيوية. و قبيل الانتخابات الرئاسية سألت أحدهم: من تريد أن يكسب الانتخابات؟ فأجاب من غير تردد: بوش بالطبع.
* ما هي حقيقة الصورة التي وجدها الجيش الإسلامي بحوزة مرافقكما السوري محمد الجندي، وهي تظهر ابنه أيمن إلى جانب الجنرال الأميركي كيميت؟
ــ لقد وضع أحد المحققين هذه الصورة أمامنا وسألني: ما هذه الصورة؟ نظرت إليها وأجبت: لا أعلم. بعد ذلك أخرج مسدسه وصوبه إلى صدغي وقال: انظر جيدا، وبالفعل تعرفت على أيمن ابن محمد الجندي وعلى الجنرال كيميت. وعندها اتهمنا المحقق بأننا من الجواسيس نعمل لصالح الأميركيين أو أن سائقنا يستخدمنا للتجسس على المقاومة. الحقيقة أن الصورة مركبة و أيمن مولع بالكومبيوتر. وذات يوم جاءنا أحدهم ليقول عن محمد الجندي: هذا جاسوس، نحن تعرفنا على محمد الجندي بعد سقوط النظام السابق وساعدنا في عملنا بحكم كونه أقام في العراق طيلة ثلاثين عاما بعد لجوئه إليه من سورية، ومكننا من مقابلة الكثيرين الذين كنا نرغب بلقائهم من أجل عملنا الصحافي، ومع الأيام، أصبح صديقا لنا.
* هل تنوي العودة إلى العراق بعد أن أمضيت أربعة أشهر في الأسر؟ وما الذي غيره اختطافك في رؤيتك للأشياء في العراق؟
ــ الغريب أن الخاطفين طرحوا علي السؤال نفسه. بصراحة تامة أريد أن أقول إنني بعد التجربة التي عشتها في العراق ليست لدي الان النية أو الرغبة في العودة إلى بغداد. علي أولا أن أهضم هذه التجربة المرة.
في الأشهر القليلة القادمة، ولنقل من الآن وحتى عام، لا أنوي التوجه مجددا إلى العراق. أريد ترتيب أموري هنا في باريس، والتعود على الحياة العادية مجددا، ولكن مع الاستمرار في الاهتمام بشؤون العراق وفلسطين والشرق الأوسط والمنطقة بشكل عام والتي أحبها وعشت فيها لسنوات، أود أن أضيف أن التجربة المرة التي عشتها لم تغير نظرتي إلى العراق أو الشعب العراقي، وأنا أقول في نفسي: سأعود إلى العراق عندما يصبح حرا ومستقلا.
أربعة أشهر من الأسر لم تغير رؤيتي السياسية لما هو حاصل في العراق الذي يخضع لاحتلال أجنبي، لكن المقاومة العراقية تسيء لقضيتها عندما تخطف الأبرياء وتمثل بهم وتمارس الإرهاب والقتل الأعمى. فإظهار عمليات الإعدام بربرية لا تبرر، والإرهاب يسيء للمقاومة العراقية. هذا ما كنت أقوله للخاطفين ولم أغير رأيي فيه.
وأود ختاما أن أشكر كل الذين ساهموا في دعمنا، وفي الإفراج عنا، داخل العراق وفي العالم العربي. هذا الدعم الذي وصلت إلينا اصداؤه ونحن في الاعتقال، أثلج صدورنا وساعدنا على تحمل هذه التجربة المرة التي عشناها. ونحن لم ننس العراق ولم ننس الصعوبات التي يتخبط فيها. كذلك أود أن اشكر مواطنينا المسلمين في فرنسا، الذين كان لهم الدور في مساعدتنا والوصول إلى نهاية سعيدة لهذه التجربة المرة.
بالصدفة أصبحنا رهينتين والخاطفون تورطوا في اختطافنا لكنهم وجدونا طريدة ثمينة فأرادوا استخدامنا
الصحافي الفرنسي كريستيان شينو يفتح لـ «الشرق الاوسط» ملف تجربة الاختطاف «المرة» في العراق
باريس: ميشال أبو نجم
كريستيان شينو، أحد الصحافيين الفرنسيين اللذين اختطفهما «الجيش الإسلامي في العراق» وأطلق سراحهما الأسبوع الماضي، روى لـ«الشرق الأوسط»، في حديث هو الأول من نوعه لصحيفة عربية، تفاصيل «التجربة المرة» التي عاشها وزميله جورج مالبرونو طيلة الأشهر الأربعة التي أمضياها في الأسر وتفاصيل عملية إطلاق سراحهما. ويتضمن حديث شينو، الذي يجيد العربية و يعرف العراق ومنطقة الشرق الأوسط جيدا، معلومات تنشر للمرة الأولى عن «الجيش الإسلامي في العراق»، المكون من عناصر بعثية من بقايا النظام العراقي السابق ومجموعات أصولية متطرفة موالية لتنظيم «القاعدة». ومن بين ما رواه أن حارس عبد حمود، السكرتير الشخصي للرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان من المجموعة التي تولت حراسته.
* هل تروي لنا تفاصيل إطلاق سراحك وزميلك جورج مالبرونو؟
ــ نعم، تم ذلك يوم الثلاثاء 21 ديسمبر(كانون الأول)، ولكن منذ يوم السبت الذي سبقه كنا نعرف أننا اقتربنا من لحظة الحرية ، وكنا متيقنين من ذلك بناء على ما قاله لنا الخاطفون والرجل الأعلى رتبة بينهم، الذي كان يتولى استجوابنا وتصوير أشرطة التسجيل التي كانت ترسل إلى الطرف الفرنسي، أو يبث بعضا منها، كما كان يتولى أيضا عملية نقلنا من مكان إلى آخر طيلة فترة احتجازنا.
في ذلك السبت جاءنا الرجل، الذي كان في الواقع مدير مخابرات المجموعة، وكان، كما الخاطفون الآخرين، مقنع الوجه باستمرار، لتسجيل شريط تلفزيوني آخر، وبادرنا بالقول: «هذا آخر عمل تقومان به قبل إطلاق سراحكما. لقد اقتربتم من لحظة الحرية». ثم عمد إلى تصويرنا من الأمام ومن الخلف وجانبيا ونحن نمشي وغير ذلك. و فهمنا من ذلك أن الشريط موجه إلى السلطات الفرنسية لتأكيد أننا بصحة جيدة وأننا لم نتعرض للتعذيب وخلاف ذلك.
ويوم الثلاثاء صباحا جاءنا أحد الخاطفين وحمل الشامبو والصابون ومشطا ومرآة، وقال لنا: «سيطلق سراحكما إما اليوم أو غدا». وبعد ساعتين وصل مسؤول الاستخبارات وجيء بأريكة إلى مكان احتجازنا، الذي أعتقد أنه كان في منطقة قريبة من بغداد، تقع غربها مازحنا مسؤول الاستخبارات قبل أن يجري حديثا بالعربية معي وبالإنجليزية مع جورج، جال فيه على السياسة الفرنسية في العراق والشرق الأوسط وأفغانستان والعراق، ومسألة الحجاب وحول طريقة معاملتهم لنا والأمثولات التي خلصنا إليها بعد فترة الاحتجاز وخلاف ذلك. عقب ذلك، أعادونا إلى غرفتنا واعيدت لنا أغراضنا الشخصية:
جواز السفر وساعة اليد والحاجيات الأخرى. وفي الساعة الرابعة إلا عشر دقائق تحديدا، فتح باب غرفتنا التي دخلها رجلان ملثمان يحملان حبلا وقاما بتقييدنا ووضع كيس على رأس كل منا، وقادانا إلى صندوق سيارة مرسيدس حيث وضعنا في ما يشبه تابوتا من الكرتون، ثم وضعت علينا الأغطية لإخفائنا، ثم انطلقت السيارة لحوالي ربع ساعة أو عشرين دقيقة، وأعتقد أنها سلكت الطريق السريع، لأننا كنا نسمع ونحن داخل الصندوق أصوات سيارات أخرى. بعد ذلك انحرفت السيارة وتوقفت وفتح صندوقها وأخرجنا منه، بعدها نزع الكيس عن رأس كل منا، وهنا جال نظرنا ولم أكن أرى جيدا بسبب ضعف نظري وعدم توافر نظارتي. ومع ذلك ميزت وجود سيارة رسمية عليها العلم الفرنسي على بعد عدة أمتار وحولها رجال من السفارة الفرنسية وآخرون مسلحون تبين أنهم من المخابرات الفرنسية. ثم ناداني أحدهم قائلا: «كريستيان، انتهى الأمر.
تقدم واصعد في سيارتنا». كذلك نودي جورج، وهكذا تمت عملية المبادلة التي لم تدم أكثر من دقيقتين، بعدها انطلقت سيارات السفارة المصفحة الثلاث وابتعدت سيارة الخاطفين.
بعد إطلاق سراحنا قادنا رجال المخابرات الفرنسية إلى منزل آمن في بغداد نفسها حيث أمضينا ليلتنا. وجاءنا السفير الفرنسي في العراق برنار باجوليه، وحمل إلينا ما نحتفل به بإطلاق سراحنا. وهنا أريد أن أشكره بصدق لما قام به من أجلنا. وقام السفير بإطلاعنا على ما حصل في الأشهر الأربعة التي احتجزنا فيها وعلى الاتصالات التي تمت وعلى التعبئة التي تمت سواء في فرنسا أو على الصعيد العربي والتي كانت تصب كلها في باب ممارسة الضغوط لإطلاق سراحنا. وبعد السفير، جاء رجال جهاز الإدارة العامة للأمن الخارجي (المخابرات) واستجوبانا طيلة أربع ساعات عن ظروف اعتقالنا والفترة التي أمضيناها في الأسر.
و بعد خروجنا من سيارة الخاطفين مباشرة، طلبنا ما إذا كانت هناك إمكانية للاتصال بأهلنا في فرنسا إلا أن الجهاز الأمني رفض بحجة أن الأميركيين أو العراقيين قد يكتشفون مكاننا بسبب استخدام الهاتف الجوال مما من شأنه، ربما، أن يفضي إلى مشكلة، وهو ما كانوا يريدون تحاشيه. وفي اليوم التالي، نقلنا إلى المطار حيث نقلتنا طائرة عسكرية فرنسية إلى قبرص ومنها إلى فرنسا بصحبة وزير الخارجية ميشال بارنيه.
* كيف عاملكم الخاطفون طيلة مدة الاحتجاز؟
ــ ظروف الاعتقال كانت جيدة، فقد كان الخاطفون يقدمون لنا الطعام بشكل منتظم. وطيلة الأشهر الأربعة لم نتعرض للضرب أو للتهديد النفسي، ولم يقم الخاطفون بتمثيل عملية قتلنا من أجل إرهابنا، فضلا عن ذلك لم يتم فصلي عن جورج بل بقينا معا مما ساعدنا على تحمل الأسر وعدم فقدان الأمل. لم نقيد أبدا ولم تعصب أعيننا باستثناء الفترات التي كنا ننقل فيها من مكان إلى آخر، وقد تم تغيير مكان اعتقالنا خمس مرات.
وذهب الخاطفون إلى مقارنة ظروف اعتقالنا بممارسة القوات الأميركية مع السجناء العراقيين بقولهم: «أنتم ترون أنكم لستم في سجن أبو غريب». وأكثر من مرة جاءوا لنا بصحف، وبطلب منهم قمنا بالتوقيع عليها مما يعني أنها كانت مطلوبة كدليل على أننا ما زلنا أحياء. وأعتقد أن ما ساعدنا أننا فرنسيان و صحافيان، وقد تثبت الخاطفون من هذا الأمر. وأعتقد أن الحملة التي انطلقت من العالم، وخصوصا العالم العربي، الداعية إلى إطلاق سراحنا، شكلت ضغوطا على الخاطفين، وكذلك دور الجالية المسلمة في فرنسا التي زار وفد منها العراق لهذا الغرض.
وأعتقد أن ذلك أوقع الخاطفين في حالة إحراج خصوصا أن المطلب السياسي الوحيد الذي رفعوه كان يتناول إلغاء قانون الحجاب. وجاء وفد المسلمين ليقول إن المسلمين في فرنسا لا يعيشون في حال من القهر. وفي تصوري أن موضوع الحجاب سببه أن الخاطفين لم يجدوا مطلبا يقدمونه إلى فرنسا، التي لم تشارك في الحرب على العراق، ولا تشارك في الاحتلال، فكيف يبررون احتجاز اثنين من مواطنيها الصحافيين؟ بصراحة كاملة، قال لنا الخاطفون:
«نحن نعاملكما بشكل جيد لأننا لا ننوي قتلكما». و بسبب معرفتي للغة العربية، نجحنا في إقامة اتصال مع الخاطفين الذين كرروا أمامنا مئات المرات أنهم ليسوا قتلة أو لصوصا، وإنما ينتمون إلى المقاومة العراقية، غير أننا كنا نعرف أنهم يستطيعون تغيير تصرفهم في أية لحظة. كانوا ملثمين طيلة الوقت، وهذا عامل ضغط نفسي كبير. وأسوأ ما عشناه هو «الأسبوع الأسود» الممتد من 8 إلى 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث شعرنا حقيقة بالخوف والهلع.
* ما الذي حدث في ذلك الأسبوع؟
ــ صباح الثامن من نوفمبر جاءنا الرجل المكلف بالتحقيق وقال لنا بلهجة صارمة: «المفاوضات مع بلدكما لا تتقدم حول الملفات التي تهمنا، والفرنسيون يابسو الرؤوس». وأضاف المحقق:
«افهما أن حياتيكما منذ هذه اللحظة في خطر». ثم طلب منا تسجيل شريط نقول فيه لحكومتنا إن وضعنا خطير وحياتنا مهددة، وان الخاطفين قد يقتلاننا في أية لحظة. وقلت في هذا الشريط متوجها إلى الحكومة الفرنسية: «أدعوكم لعدم توفير أي جهد من أجل إخراجنا من هنا». و حتى تزيد الأمور تعقيدا كنا نسمع أصوات إطلاق النار والانفجارات قريبا من مكان اعتقالنا، المعارك كانت قريبة. وجاءنا يوما هذا المحقق ليقول عند دخوله غرفتنا:
«من هو حي هنا ومن هو الميت؟»، ثم قال لنا آخر إن السلطات الفرنسية لا تأخذ التهديدات على محمل الجد. ونحن فهمنا، منذ تلك اللحظة، أنهم سيعمدون الى قتل أحدنا لإظهار جديتهم. لقد كنا في حالة رعب، وكلما فتح باب غرفتنا كنا متيقنين أنهم جاءوا لقتل أحدنا. لقد أمضينا وقتنا في الصلاة، لم نعد قادرين على النوم. واستمر هذا الوضع حتى الرابع عشر من الشهر نفسه، عندما دخل أحد الخاطفين و سألنا: «كيف حالكم؟»، و أخبرنا بعدها أن المفاوضات استؤنفت، وأن الخطر الذي كان يتهددنا قد ولى. ومنذ ذلك التاريخ، وصلنا إلى قناعة بأن كل يوم يمر يقربنا من تاريخ الإفراج عنا.
* ثمة من قال إن من خطفكم ليس «الجيش الإسلامي في العراق»، بل تم «بيعكم» له.
ــ هذا غير صحيح. الجيش الإسلامي هو الذي خطفنا واحتجزنا من البداية الى النهاية. أعتقد أننا كنا رهائن بالصدفة. يبدو لي أن عملية الخطف تخطت الخاطفين وأربكتهم لكنهم سعوا إلى استخدامها، وقد قالوا ذلك لنا صراحة. ولتبرير الإبقاء علينا لجأوا إلى إثارة قضية الحجاب وماضي فرنسا الاستعماري في المغرب العربي ودورها في أفغانستان، وغير ذلك من الحجج. لكن الضغوط التي مورست عليهم جعلتهم ينقسمون على أنفسهم. فهمنا منهم أن هناك من عارض احتجازنا داخل المجموعة نفسها، وطالب بعدم المس بشعرة منا «لأن ذلك يسيء للمقاومة العراقية».
* من هو «الجيش الإسلامي في العراق»؟
ــ فهمنا أنه يتشكل من قدامى البعثيين، وعلمت أن الحارس الخاص لعبد حمود، السكرتير الشخصي لصدام حسين، هو أحد الناشطين في هذا الجيش. وإلى جانب قدامى البعثيين المرتبطين بالنظام السابق هناك جناح أصولي متطرف قريب من أسامة بن لادن. وفي إحدى الفترات كانت المجموعة التي تتولى حراستنا والاهتمام بنا، تتكون من خمسة أشخاص، بينهم حارس عبد حمود، وشاب أصولي، أخبرنا أنه تدرب في أفغانستان على استخدام السلاح وتلغيم السيارات وصناعة القنابل، وكان يتحدث عن بن لادن بالإشارة إليه بـ«الشيخ أسامة».
وعقب اعتقالنا مباشرة خضعنا لعملية استجواب مطولة، وأخبرنا المحقق أن الجيش الإسلامي يضم ما بين 15 ألفا و17 ألف شخص. أين الحقيقة؟ أين الدعاية؟ لا أعرف. وقال لنا أيضا: «نحن لدينا أربعة أنواع من الأعداء: الأميركان والإنجليز وكل قوى الاحتلال وكل شخص أو مؤسسة تتعاون معهم، والحكومة العراقية الحالية وقوى الأمن العراقي، بمختلف مكوناته، وأخيرا الجواسيس». وأضاف: «لقد نجحنا في اختراق القوى الأمنية العراقية، نحن سنتأكد من أنكما لستما من الجواسيس وسأقدم تقريرا إلى المحكمة الإسلامية التي ستفصل في وضعكما، فإما أنتما مذنبان وبالتالي مصيركما القتل، وإما برئان وعندها سيطلق سراحكما، أو سنفاوض بشأنكما».
ومن الزاوية السياسية، أعتقد أنهم وجدوا أننا «طريدة ثمينة» يمكن الاستفادة منها على المستوى الدعائي، لقد شرحوا لنا أن الرئيس الأميركي عندما هاجم العراق نجح في إقامة اللحمة بين قدامى النظام والجهاديين، الذين لديهم أجندة مزدوجة: عراقية وإقليمية. وشرحوا لنا أيضا أن استراتيجيتهم هي استراتيجية الضعيف بمواجهة القوي: يريدون القيام بأعمال نوعية ضد الغرب وضد مصالحه الحيوية. و قبيل الانتخابات الرئاسية سألت أحدهم: من تريد أن يكسب الانتخابات؟ فأجاب من غير تردد: بوش بالطبع.
* ما هي حقيقة الصورة التي وجدها الجيش الإسلامي بحوزة مرافقكما السوري محمد الجندي، وهي تظهر ابنه أيمن إلى جانب الجنرال الأميركي كيميت؟
ــ لقد وضع أحد المحققين هذه الصورة أمامنا وسألني: ما هذه الصورة؟ نظرت إليها وأجبت: لا أعلم. بعد ذلك أخرج مسدسه وصوبه إلى صدغي وقال: انظر جيدا، وبالفعل تعرفت على أيمن ابن محمد الجندي وعلى الجنرال كيميت. وعندها اتهمنا المحقق بأننا من الجواسيس نعمل لصالح الأميركيين أو أن سائقنا يستخدمنا للتجسس على المقاومة. الحقيقة أن الصورة مركبة و أيمن مولع بالكومبيوتر. وذات يوم جاءنا أحدهم ليقول عن محمد الجندي: هذا جاسوس، نحن تعرفنا على محمد الجندي بعد سقوط النظام السابق وساعدنا في عملنا بحكم كونه أقام في العراق طيلة ثلاثين عاما بعد لجوئه إليه من سورية، ومكننا من مقابلة الكثيرين الذين كنا نرغب بلقائهم من أجل عملنا الصحافي، ومع الأيام، أصبح صديقا لنا.
* هل تنوي العودة إلى العراق بعد أن أمضيت أربعة أشهر في الأسر؟ وما الذي غيره اختطافك في رؤيتك للأشياء في العراق؟
ــ الغريب أن الخاطفين طرحوا علي السؤال نفسه. بصراحة تامة أريد أن أقول إنني بعد التجربة التي عشتها في العراق ليست لدي الان النية أو الرغبة في العودة إلى بغداد. علي أولا أن أهضم هذه التجربة المرة.
في الأشهر القليلة القادمة، ولنقل من الآن وحتى عام، لا أنوي التوجه مجددا إلى العراق. أريد ترتيب أموري هنا في باريس، والتعود على الحياة العادية مجددا، ولكن مع الاستمرار في الاهتمام بشؤون العراق وفلسطين والشرق الأوسط والمنطقة بشكل عام والتي أحبها وعشت فيها لسنوات، أود أن أضيف أن التجربة المرة التي عشتها لم تغير نظرتي إلى العراق أو الشعب العراقي، وأنا أقول في نفسي: سأعود إلى العراق عندما يصبح حرا ومستقلا.
أربعة أشهر من الأسر لم تغير رؤيتي السياسية لما هو حاصل في العراق الذي يخضع لاحتلال أجنبي، لكن المقاومة العراقية تسيء لقضيتها عندما تخطف الأبرياء وتمثل بهم وتمارس الإرهاب والقتل الأعمى. فإظهار عمليات الإعدام بربرية لا تبرر، والإرهاب يسيء للمقاومة العراقية. هذا ما كنت أقوله للخاطفين ولم أغير رأيي فيه.
وأود ختاما أن أشكر كل الذين ساهموا في دعمنا، وفي الإفراج عنا، داخل العراق وفي العالم العربي. هذا الدعم الذي وصلت إلينا اصداؤه ونحن في الاعتقال، أثلج صدورنا وساعدنا على تحمل هذه التجربة المرة التي عشناها. ونحن لم ننس العراق ولم ننس الصعوبات التي يتخبط فيها. كذلك أود أن اشكر مواطنينا المسلمين في فرنسا، الذين كان لهم الدور في مساعدتنا والوصول إلى نهاية سعيدة لهذه التجربة المرة.