سيد مرحوم
12-28-2004, 03:51 PM
بن لادن والسقوط في قاع بئر التكفير
أرض السواد - طاهر الخزاعي
بعد منتصف التسعينيات برز اسم القاعدة وتداول الناس اسم بن لادن كزعيم لهذه المنظمة التي تنتمي الى الحركة السلفية - والتي تختلف نوعا ما عن الحركة الوهابية المُعتقة بمنهج التكفير - .. وكان الخطاب المعلن للحركة اللادنية طيلة التسعينات وحتى ايلول 2001 خطابا واضحا مُلخصا بـ ( مناهضة المصالح الأمريكية والصهيونية في جزيرة العرب ) وقد اتسع هذا المفهوم فيما بعد الى جميع البلدان الاسلامية .. وهذا الخطاب بما هو هو يستهوي الكثير من قلوب المسلمين على اختلاف مشاربهم ويهز ضمائرهم لما عانى المسلمون من ظلم وحيف من جراء سياسات أمريكا وابنتها المدللة - اسرائيل - .. ومما زاد من تعاطف الشعوب المسلمة المضطهدة لزعيم القاعدة بن لادن هو الثراء والمليارات التي سخرها لحركته وآثر العيش متنقلا بين السودان وافغانستان بعد أن رصدت أمريكا الملايين لاقتطاف رأسه , الأمر الذي يُعد محبب جداً لنا نحن المسلمين الذين ابتلينا على طول التاريخ بحكام وقادة لا يعرفون سوى الليالي الحمراء والقصور الفارهة المبنية على جثثنا بدءً من خلافة عثمان بن عفان الرأسمالية مرورا بمعاوية ويزيد والحجاج وخلفاء بني العباس السكارى وانتهاءً بحكام الدول العربية والاسلامية المعاصرين .. ومما زاد في شعبية واحترام بن لادن مشاركته الفاعلة في طرد الاحتلال السوفيتي - آنذاك - لافغانستان وعدم مشاركة قاعدته في الحرب الأهلية التي دارت في افغانستان حيث كان في السودان يسخر أمواله في مشاريع خدمية .. عاد بن لادن الى افغانستان ليعيش في ظل حكومة طالبان ويخطط لضرب المصالح الأمريكية في العالم حتى أخذت الحرب الاعلامية الأمريكية المضادة له جانبا كبيرا في وسائل الاعلام مما حوَّل بن لادن الى قائد صف مناهض لأمريكا حتى انه والى ما بعد أحداث ايلول 2001 لم يوجه أمواله وأتباعه ضد أي حكومة عربية واسلامية بما في ذلك السعودية دولته التي اسقطت الجنسية عنه في بداية التسعينيات.. وأكثر من ذلك , فإن أسامة بن لادن لم يؤسس فرعا لقاعدته في ايران ولم يحارب ايران بالرغم من الخلاف العقيدي المعروف على المستوى المذهبي وذلك لأن ابن لادن لم ينطلق من حركة دينية أو مذهبية بحتة بقدر ما كانت حركته سياسية مناهضة لمصالح الدول الكبرى والاستعمارية في المنطقة وبدأ من هناك من قتاله ضد الغزو السوفيتي لافغانستان .
في 11 أيلول 2001 توج ابن لادن موقفه ومناهضته - الظاهرة - لأمريكا بالهجوم الانتحاري على وزارة الدفاع والبيت الابيض الامريكيين وبرجي مركز التجارة العالمي الشهيرين .. كانت أحداث هزت أمريكا والعالم وكلنا يتذكر كيف اختفى الرئيس الامريكي بوش لساعات من هذا الهجوم المفاجيء .. هجوم 11 ايلول كان المنعطف الأساس في حركة بن لادن حيث بوادر استهداف المدنيين الابرياء وزجهم في الصراع !! .. وطبيعي أيضا أن يتعاطف المسلمون وكل الشعوب التي نالت قسطاً من ظلم أمريكا واسرائيل ويفرحوا لما تعرضت له أمريكا في أحداث ايلول - مع رفض استهداف المدنيين الابرياء - .. حتى ذلك الوقت كان بن لادن في الظاهر صاحب الموقف ذاته ويخوض صراعه ضد أمريكا , وكان الرأي فيه منقسما بين مؤيد له مازال هو في صراعه مع أمريكا الداعمة لاسرائيل والحكومات الطاغوتية وبين رافض ايديولوجي له .
لكل الأسباب أعلاه كنت من الذين يكنون احتراما لابن لادن واهمها صراعه المنحصر في دائرة مناهضة الدور الامريكي الاستعماري أولاً . وثانيا عدم التزامه وتبنيه رؤية مذهبية تكفيرية معينة .. وقد بحثت عن ذلك وكتبت بعد أحداث ايلول متسائلا عن علاقة بن لادن بالوهابية ؟! لشكوك تساورني .. ولم أجد جوابا مدعما بالأدلة المقنعة حينها .. ولأني مؤمن بأن الفكر الوهابي فكر وحشي بالدرجة الاساس لا يمت للاسلام بأي صلة فضلاً عن الانسان , ولأني مقتنع قناعة راسخة بأن الوهابية ليس الا حركة هدامة تم زرعها في الجسد الاسلامي لتشويه الاسلام والاساءة اليه ( ومن المهم هنا التفريق بين أهل السنة والوهابية بالرغم من تحرك حركة الوهابية في الوسط السني وهذا لا يُعطي مُبررا لاطلاق الحكم ) .. وبعد شن الحرب واحتلال افغانستان على أثر هجوم 11 ايلول , حصل الشرخ الأول في مقومات بن لادن القيادية المفترضة للنزاهة عندما فرَّ ولاذ بكهوف جبال تورا بورا تماما كما فعلها صدام بعده وفرَّ قبل إكمال سقوط بغداد !! .. ولعله من المفيد المقارنة هنا بين بن لادن وصدام من حيث الموقف المواجه لأمريكا , فكلاهما المسؤول الأول عن جلب الاحتلال الامريكي , بن لادن هو الذي جلب أمريكا لافغانستان ولاذ بالكهوف !! وصدام جلب أمريكا لاحتلال العراق ولاذ بحفرته التي يحاول التنصل منها عبثا بمساعدة محاميه هذه الايام !! .. كلاهما لم يواجه عدوه اللدود المدعى !! وكلاهما لم ينتحر ! ..
واذا كان هناك من يُبرر هروب بن لادن بالتكتيك وأن مواجهة القيادة والموت في المعركة يخالف الحكمة التي تقتضي الحفاظ على القيادة لمواصلة الدرب , فلعمري انه أول علامات السلطان والطغيان والرئاسة وهو ما يتنافى والمواقف المبدئية .. والسلطان والكرسي ليس بالضرورة أن يكون صاحبه جالسا على العرش حاكما بقدر ماهو مرض نفسي وشعور يشعر به صاحبه وليس أدل على ذلك مما يعيشه صدام في سجنه وعاشه في حفرته ! وكلنا رأى صدام في المحكمة وهو يمارس الكرسي والروح السلطوية في داخله التي خرجت من خلال كلماته ! .. وبن لادن في هذا المجال ليس بدعا عن صدام وهو الآن يمارس دور الكرسي من خلال أشرطته التي يرسلها حصريا للجزيرة مما يضع الف علامة استفهام عليه وعلى الجزيرة معا .
والشرخ الثاني في شخصية بن لادن ينطلق من الجزيرة نفسها , هذه القناة التي اختصت بأشرطة بن لادن والشبهات التي تحوم على بعض مراسليها ومنهم العلوني وعلاقاتهم بمنظمة القاعدة .. الشرخ هنا يكمن في التناقض الصريح والصارخ حيث الموقف اللادني من الوجود الأمريكي في الجزيرة العربية والخليج بشكل خاص .. إننا نجد قناة الجزيرة القطرية وكأنها فضائية القاعدة وبن لادن بالوقت الذي يعرف هو جيدا ان صاحب هذه القناة هو أحد أمراء قطر .. قطر التي تحتضن أكبر قاعدة امريكية في الخليج بل وأكثر من ذلك اذ التمثيل الاسرائيلي الرسمي في الخليج يختص بقطر حصرياً .. وعلى ذكر اسرائيل ورفع القاعدة لشعار مناهضة المصالح الأمريكية والصهيونية بالمنطقة , لم نجد عملية واحدة نفذتها القاعدة داخل اسرائيل أو مصالحها في الخارج !! .. وهو أمر يضع القاعدة أمام شُبهات فاقعة .. ولم نجد لتنظيم القاعدة داخل فلسطين وهو أمر غريب حقاً لا نجد له سوى تفسير واحد لا يخفى على ذي لب !! .
واذا غضننا الطرف عن الشرخ الأول والثاني وتنزلنا - جدلاً - وقلنا ذاك أمر لا يعنينا .. نصل الى الضربة القاضية التي هوت بابن لادن الى قاع المنهج التكفيري النتن , وهو ما جاء بتسجيله الصوتي التي بثته الجزيرة - حصريا كالعادة - الليلة - 27 - 12 - 2004 .
بُعيد سقوط بغداد بفضل البعثيين وعلى رأسهم جرذهم صدام , وبدء العمليات التي سمت نفسها مقاومة واتسمت بالعنف والقتل العشوائي الموجه بالدرجة الأكبر للعراقيين , كتبت مقالاً وقتها - ولم يُتطرق بعدُ الى زرقاوي أو قاعدة في العراق - تحت عنوان ( هل هي المقاومة التي نريد ؟ ) حددت فيه معالم ما يجري في العراق كأمر طبيعي أن تستغل القاعدة الحدود العراقية المفتوحة لتمارس عبثها في دولة لا حدود لها ولا حكومة ودبابات أمريكية تجوب الشوارع مما يفقد المقاومة أوليات شرعيتها المتمثلة بالوطنية وعراقية القرار فلكل بلد ظروفه ولكل شعب خصوصياته , وما يصلح في فلسطين قد لا ينجح في العراق إنما يكون وبالاً على العراق والعراقيين وهو ما حصل ويحصل .. ومارست اللحى الوافدة للعراق من سوريا والاردن والسعودية والكويت وافغانستان عبر ايران , مارست أحقر الادوار باسم المقاومة وتحالفت مع البعثيين قتلة الشعب العراقي والمسؤولين عن الاحتلال بالدرجة الأولى , وكرست مفاهيم الطائفية ودفعت باحتمالات الحرب الأهلية نحو الأمام في العراق , مما أفقد رونق المقاومة ولوثت هذا المفهوم العظيم في أعمال خدمت وتخدم المحتل في العراق وضحيتها الأول هو العراق والعراقيين ..
بعدها كتبت مقالاً بعنوان ( منظمة القاعدة والفشل الذريع ) بعد أن زجت القاعدة نفسها في الوضع العراقي ولم تعلن القاعدة عن تواجدها في العراق بشكل صريح الا ان ( الأثر يدل على المؤثر ) , واذا كان هناك من يُبرر استهداف المدنيين في برجي التجارة العالميين في أمريكا , ماذا يُجيب عن استهداف المدنيين المسلمين في العراق ؟ أو في أي بلد اسلامي آخر ؟ .. واليوم وقد أعلنها بن لادن نفسه - وحسب شريط الجزيرة - بأنه قد أمضى إمارة الزرقاوي للعراق , بات واضحا للجميع ودون أدنى لبس بأن الزرقاوي ليس كذبة ولا اسطورة خيالية , كما بات جليا ان من يتقمص قميص المقاومة في العراق هم الظلاميون التكفيريون الوافدون من الصحاري والكهوف يساندهم ويتحالف معهم البعثيون ( والذي يتباكى البعض من أجل المصالحة معهم !! ) , هذا من جانب . ومن الجانب الآخر نجد الشريط اللادني صريحا بالعمل من أجل الوصول الى الحكم والسلطة في العراق متمسحا بذلك بخرقة أسموها زورا وبهتاناً - مقاومة - الاحتلال ! وهذا الوضوح يأتي من خلال فقرتين , الأولى : الدعوة لقتل من يعمل في المسؤولية في العراق , وهذا يشمل الشرطي والجندي ومدير دائرة الكهرباء والماء فضلاً عن كل الوزارات !. والثانية وهي الكارثة والطامة الكبرى حين أفتى بن لادن بتكفير من يشارك في الانتخابات وبهذا وحسب منطق اسامة هذا يصبح أكثر من 90% من العراقيين كفارا !!!!! .. فكلنا يعلم أن السنة في العراق لا يزيدون على 20% وليس جميعهم يقاطعون الانتخابات , بل حتى مقاطعتهم لم تأت من باب خوف الوقوع في شراك الكفر اللادنية إنما هم يطالبون بتأجيل الانتخابات من أجل ضمان مقاعد أكثر لهم وهذا أمر معلوم , ولم يقاطع اللانتخابات من المنطق اللادني غير البعثيين المجرمين ورفاقهم الوهابيين !!.. ثم من خوَّل بن لادن للإفتاء ومتى أصبح أهلاً للفتيا ؟ ولو تنزلنا - جدلاً مرة أخرى - وقلنا بعلمه , فكيف يجوز لهذا العلم أن يحكم بكفر شعب مسلم بأكمله لأنه يريد أن ينتخب من يمثله في فترة انتقالية لا تزيد على سنة من أجل صياغة دستور دائم والتخلص من دستور كتبه المحتل ومن حكومة نصبها المحتل ؟ ألا ترى يا بن لادن أنك تفتي بالمقلوب تماماً ؟ .. كل عقل ( بما في ذلك عقل الصخلة ) يقول ان تأجيل الانتخابات ليوم واحد يعني اطالة عمر الاحتلال ليوم آخر ! فكيف والحال مع رفض الانتخابات بالمطلق وتكفير من ينتخب ؟ ! .
إنَّ تكفير من يشارك في الانتخابات العراقية هي أسوء عبارة وأخطرها في كل هذا الكون ! أنها تفوق بخطرها الاحتلال الامريكي آلاف المرات ! لأنها تعطي الحجة - الدفع الأكثر - لأصحاب اللحى والدشاديش القصيرة كي يقتلوا أكثر من 90% من الشعب العراقي ومن كل مذاهبه وأديانه وأعراقه لانهم ببساطة أصبحوا كفاراً يجوز قتلهم في منطق هذا الدين الجديد !! .. والله لإن يقيم الاحتلال الامريكي قواعده في العراق لمائة عام قادمة , وأن يشفط ما يريد من النفط العراقي ما يشفط أفضل لنا كعراقيين ألف مرة من هذا الفكر اللادني المشبوه الذي لا يخدم سوى أجندة الاحتلال وبقائه أطول فأطول في العراق .. واذا خيروني بين الاحتلال الامريكي ( وأنا الرافض للاحتلال جملة وتفصيلاً ) وبين المنطق التكفيري هذا وعاهرته الجزيرة لما اخترت الثاني ما حييت !! .
وعلى الشعب العراقي اليوم أن يصر على الانتخابات في وقتها المحدد وأن يذهب لصناديق الاقتراع ولينتخب من يشاء , لينتخب الشيعي الكردي والكردي الشيعي ولينتخب السني المسيحي والشيعي الايزيدي والمندائي الخ .. ومهما كانت نتائج الانتخابات أفضل ألف مرة من عدم المشاركة .. كما انها دعوة للجمعية المنتخبة القادمة أن ترفع دعوى ضد الجزيرة القطرية وأن تقاطع الحكومة القطرية وذلك لأنها تتبنى هذا الفكر الذي يكفِّر العراقيين علنا وأمام الملأ وبالتالي هي الدعوة الصريحة لقتل الشعب , ففي عرف هؤلاء من حُكم بكفره وجب قتله فكيف وهذه الفتوى توحي بأن المشاركة في الانتخابات انما أدت الى الكفر من خلال خانة العمالة للاحتلال ؟! وهو يعني القتل بتهمة العمالة المؤدية للكفر تقرباً الى آلهة الوهابية والسلفية المتبعثة المتعفنة ! .
وأخيراً : من أنتم أيها الأوباش الأنجاس الارجاس حتى تعلموا العراقيين الفرق بين الكفر والايمان ؟ وما أنت يابن لادن والشأن العراقي ودروس مقاومة الاحتلال ؟ وقد علمَّ العراقيون الدنيا دروس مقاومة الاحتلال ولم تكن في ظهر أبيك بعدُ !! .. قاوم العراقيون كل أنواع المقاومة وجاهدوا في فلسطين ولا زالت قبورهم هناك تحكي قصص بطولات شعب ولم تأت أنت للدنيا بعدُ !! .. لقد اعتلى العراقيون مشانق صدام ولم تزل أنت طفلاً تحبو !! ..
كان الأولى بك أن تموت مقاوما الاحتلال الامريكي لافغانستان وأنت سببه الأول !! وكان أولى بزرقاويك الخلايلي أن يذهب الى بلده الأصلي - فلسطين - ليوجه سياراته المفخخة في صفوف جيش ومستوطني الكيان الذي احتل الأرض واستوطنها ! .. هناك .. هناك حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين !! .. اذهبوا وحرروا فلسطينكم .. جولانكم .. سيناءكم .. شبعتكم .. سويسكم .. خليجكم .. ألا لعنة الله عليكم وعلى صدامكم الذي جاء بأمريكا وعلى أمريكا التي فتحت لكم الحدود .. ولكن أنى لكم ذلك وقد نخرتكم أمريكا وأصبحت تحرككم كأحجار على رقعة شطرنج !! .
kza_tahir@yahoo.com
أرض السواد - طاهر الخزاعي
بعد منتصف التسعينيات برز اسم القاعدة وتداول الناس اسم بن لادن كزعيم لهذه المنظمة التي تنتمي الى الحركة السلفية - والتي تختلف نوعا ما عن الحركة الوهابية المُعتقة بمنهج التكفير - .. وكان الخطاب المعلن للحركة اللادنية طيلة التسعينات وحتى ايلول 2001 خطابا واضحا مُلخصا بـ ( مناهضة المصالح الأمريكية والصهيونية في جزيرة العرب ) وقد اتسع هذا المفهوم فيما بعد الى جميع البلدان الاسلامية .. وهذا الخطاب بما هو هو يستهوي الكثير من قلوب المسلمين على اختلاف مشاربهم ويهز ضمائرهم لما عانى المسلمون من ظلم وحيف من جراء سياسات أمريكا وابنتها المدللة - اسرائيل - .. ومما زاد من تعاطف الشعوب المسلمة المضطهدة لزعيم القاعدة بن لادن هو الثراء والمليارات التي سخرها لحركته وآثر العيش متنقلا بين السودان وافغانستان بعد أن رصدت أمريكا الملايين لاقتطاف رأسه , الأمر الذي يُعد محبب جداً لنا نحن المسلمين الذين ابتلينا على طول التاريخ بحكام وقادة لا يعرفون سوى الليالي الحمراء والقصور الفارهة المبنية على جثثنا بدءً من خلافة عثمان بن عفان الرأسمالية مرورا بمعاوية ويزيد والحجاج وخلفاء بني العباس السكارى وانتهاءً بحكام الدول العربية والاسلامية المعاصرين .. ومما زاد في شعبية واحترام بن لادن مشاركته الفاعلة في طرد الاحتلال السوفيتي - آنذاك - لافغانستان وعدم مشاركة قاعدته في الحرب الأهلية التي دارت في افغانستان حيث كان في السودان يسخر أمواله في مشاريع خدمية .. عاد بن لادن الى افغانستان ليعيش في ظل حكومة طالبان ويخطط لضرب المصالح الأمريكية في العالم حتى أخذت الحرب الاعلامية الأمريكية المضادة له جانبا كبيرا في وسائل الاعلام مما حوَّل بن لادن الى قائد صف مناهض لأمريكا حتى انه والى ما بعد أحداث ايلول 2001 لم يوجه أمواله وأتباعه ضد أي حكومة عربية واسلامية بما في ذلك السعودية دولته التي اسقطت الجنسية عنه في بداية التسعينيات.. وأكثر من ذلك , فإن أسامة بن لادن لم يؤسس فرعا لقاعدته في ايران ولم يحارب ايران بالرغم من الخلاف العقيدي المعروف على المستوى المذهبي وذلك لأن ابن لادن لم ينطلق من حركة دينية أو مذهبية بحتة بقدر ما كانت حركته سياسية مناهضة لمصالح الدول الكبرى والاستعمارية في المنطقة وبدأ من هناك من قتاله ضد الغزو السوفيتي لافغانستان .
في 11 أيلول 2001 توج ابن لادن موقفه ومناهضته - الظاهرة - لأمريكا بالهجوم الانتحاري على وزارة الدفاع والبيت الابيض الامريكيين وبرجي مركز التجارة العالمي الشهيرين .. كانت أحداث هزت أمريكا والعالم وكلنا يتذكر كيف اختفى الرئيس الامريكي بوش لساعات من هذا الهجوم المفاجيء .. هجوم 11 ايلول كان المنعطف الأساس في حركة بن لادن حيث بوادر استهداف المدنيين الابرياء وزجهم في الصراع !! .. وطبيعي أيضا أن يتعاطف المسلمون وكل الشعوب التي نالت قسطاً من ظلم أمريكا واسرائيل ويفرحوا لما تعرضت له أمريكا في أحداث ايلول - مع رفض استهداف المدنيين الابرياء - .. حتى ذلك الوقت كان بن لادن في الظاهر صاحب الموقف ذاته ويخوض صراعه ضد أمريكا , وكان الرأي فيه منقسما بين مؤيد له مازال هو في صراعه مع أمريكا الداعمة لاسرائيل والحكومات الطاغوتية وبين رافض ايديولوجي له .
لكل الأسباب أعلاه كنت من الذين يكنون احتراما لابن لادن واهمها صراعه المنحصر في دائرة مناهضة الدور الامريكي الاستعماري أولاً . وثانيا عدم التزامه وتبنيه رؤية مذهبية تكفيرية معينة .. وقد بحثت عن ذلك وكتبت بعد أحداث ايلول متسائلا عن علاقة بن لادن بالوهابية ؟! لشكوك تساورني .. ولم أجد جوابا مدعما بالأدلة المقنعة حينها .. ولأني مؤمن بأن الفكر الوهابي فكر وحشي بالدرجة الاساس لا يمت للاسلام بأي صلة فضلاً عن الانسان , ولأني مقتنع قناعة راسخة بأن الوهابية ليس الا حركة هدامة تم زرعها في الجسد الاسلامي لتشويه الاسلام والاساءة اليه ( ومن المهم هنا التفريق بين أهل السنة والوهابية بالرغم من تحرك حركة الوهابية في الوسط السني وهذا لا يُعطي مُبررا لاطلاق الحكم ) .. وبعد شن الحرب واحتلال افغانستان على أثر هجوم 11 ايلول , حصل الشرخ الأول في مقومات بن لادن القيادية المفترضة للنزاهة عندما فرَّ ولاذ بكهوف جبال تورا بورا تماما كما فعلها صدام بعده وفرَّ قبل إكمال سقوط بغداد !! .. ولعله من المفيد المقارنة هنا بين بن لادن وصدام من حيث الموقف المواجه لأمريكا , فكلاهما المسؤول الأول عن جلب الاحتلال الامريكي , بن لادن هو الذي جلب أمريكا لافغانستان ولاذ بالكهوف !! وصدام جلب أمريكا لاحتلال العراق ولاذ بحفرته التي يحاول التنصل منها عبثا بمساعدة محاميه هذه الايام !! .. كلاهما لم يواجه عدوه اللدود المدعى !! وكلاهما لم ينتحر ! ..
واذا كان هناك من يُبرر هروب بن لادن بالتكتيك وأن مواجهة القيادة والموت في المعركة يخالف الحكمة التي تقتضي الحفاظ على القيادة لمواصلة الدرب , فلعمري انه أول علامات السلطان والطغيان والرئاسة وهو ما يتنافى والمواقف المبدئية .. والسلطان والكرسي ليس بالضرورة أن يكون صاحبه جالسا على العرش حاكما بقدر ماهو مرض نفسي وشعور يشعر به صاحبه وليس أدل على ذلك مما يعيشه صدام في سجنه وعاشه في حفرته ! وكلنا رأى صدام في المحكمة وهو يمارس الكرسي والروح السلطوية في داخله التي خرجت من خلال كلماته ! .. وبن لادن في هذا المجال ليس بدعا عن صدام وهو الآن يمارس دور الكرسي من خلال أشرطته التي يرسلها حصريا للجزيرة مما يضع الف علامة استفهام عليه وعلى الجزيرة معا .
والشرخ الثاني في شخصية بن لادن ينطلق من الجزيرة نفسها , هذه القناة التي اختصت بأشرطة بن لادن والشبهات التي تحوم على بعض مراسليها ومنهم العلوني وعلاقاتهم بمنظمة القاعدة .. الشرخ هنا يكمن في التناقض الصريح والصارخ حيث الموقف اللادني من الوجود الأمريكي في الجزيرة العربية والخليج بشكل خاص .. إننا نجد قناة الجزيرة القطرية وكأنها فضائية القاعدة وبن لادن بالوقت الذي يعرف هو جيدا ان صاحب هذه القناة هو أحد أمراء قطر .. قطر التي تحتضن أكبر قاعدة امريكية في الخليج بل وأكثر من ذلك اذ التمثيل الاسرائيلي الرسمي في الخليج يختص بقطر حصرياً .. وعلى ذكر اسرائيل ورفع القاعدة لشعار مناهضة المصالح الأمريكية والصهيونية بالمنطقة , لم نجد عملية واحدة نفذتها القاعدة داخل اسرائيل أو مصالحها في الخارج !! .. وهو أمر يضع القاعدة أمام شُبهات فاقعة .. ولم نجد لتنظيم القاعدة داخل فلسطين وهو أمر غريب حقاً لا نجد له سوى تفسير واحد لا يخفى على ذي لب !! .
واذا غضننا الطرف عن الشرخ الأول والثاني وتنزلنا - جدلاً - وقلنا ذاك أمر لا يعنينا .. نصل الى الضربة القاضية التي هوت بابن لادن الى قاع المنهج التكفيري النتن , وهو ما جاء بتسجيله الصوتي التي بثته الجزيرة - حصريا كالعادة - الليلة - 27 - 12 - 2004 .
بُعيد سقوط بغداد بفضل البعثيين وعلى رأسهم جرذهم صدام , وبدء العمليات التي سمت نفسها مقاومة واتسمت بالعنف والقتل العشوائي الموجه بالدرجة الأكبر للعراقيين , كتبت مقالاً وقتها - ولم يُتطرق بعدُ الى زرقاوي أو قاعدة في العراق - تحت عنوان ( هل هي المقاومة التي نريد ؟ ) حددت فيه معالم ما يجري في العراق كأمر طبيعي أن تستغل القاعدة الحدود العراقية المفتوحة لتمارس عبثها في دولة لا حدود لها ولا حكومة ودبابات أمريكية تجوب الشوارع مما يفقد المقاومة أوليات شرعيتها المتمثلة بالوطنية وعراقية القرار فلكل بلد ظروفه ولكل شعب خصوصياته , وما يصلح في فلسطين قد لا ينجح في العراق إنما يكون وبالاً على العراق والعراقيين وهو ما حصل ويحصل .. ومارست اللحى الوافدة للعراق من سوريا والاردن والسعودية والكويت وافغانستان عبر ايران , مارست أحقر الادوار باسم المقاومة وتحالفت مع البعثيين قتلة الشعب العراقي والمسؤولين عن الاحتلال بالدرجة الأولى , وكرست مفاهيم الطائفية ودفعت باحتمالات الحرب الأهلية نحو الأمام في العراق , مما أفقد رونق المقاومة ولوثت هذا المفهوم العظيم في أعمال خدمت وتخدم المحتل في العراق وضحيتها الأول هو العراق والعراقيين ..
بعدها كتبت مقالاً بعنوان ( منظمة القاعدة والفشل الذريع ) بعد أن زجت القاعدة نفسها في الوضع العراقي ولم تعلن القاعدة عن تواجدها في العراق بشكل صريح الا ان ( الأثر يدل على المؤثر ) , واذا كان هناك من يُبرر استهداف المدنيين في برجي التجارة العالميين في أمريكا , ماذا يُجيب عن استهداف المدنيين المسلمين في العراق ؟ أو في أي بلد اسلامي آخر ؟ .. واليوم وقد أعلنها بن لادن نفسه - وحسب شريط الجزيرة - بأنه قد أمضى إمارة الزرقاوي للعراق , بات واضحا للجميع ودون أدنى لبس بأن الزرقاوي ليس كذبة ولا اسطورة خيالية , كما بات جليا ان من يتقمص قميص المقاومة في العراق هم الظلاميون التكفيريون الوافدون من الصحاري والكهوف يساندهم ويتحالف معهم البعثيون ( والذي يتباكى البعض من أجل المصالحة معهم !! ) , هذا من جانب . ومن الجانب الآخر نجد الشريط اللادني صريحا بالعمل من أجل الوصول الى الحكم والسلطة في العراق متمسحا بذلك بخرقة أسموها زورا وبهتاناً - مقاومة - الاحتلال ! وهذا الوضوح يأتي من خلال فقرتين , الأولى : الدعوة لقتل من يعمل في المسؤولية في العراق , وهذا يشمل الشرطي والجندي ومدير دائرة الكهرباء والماء فضلاً عن كل الوزارات !. والثانية وهي الكارثة والطامة الكبرى حين أفتى بن لادن بتكفير من يشارك في الانتخابات وبهذا وحسب منطق اسامة هذا يصبح أكثر من 90% من العراقيين كفارا !!!!! .. فكلنا يعلم أن السنة في العراق لا يزيدون على 20% وليس جميعهم يقاطعون الانتخابات , بل حتى مقاطعتهم لم تأت من باب خوف الوقوع في شراك الكفر اللادنية إنما هم يطالبون بتأجيل الانتخابات من أجل ضمان مقاعد أكثر لهم وهذا أمر معلوم , ولم يقاطع اللانتخابات من المنطق اللادني غير البعثيين المجرمين ورفاقهم الوهابيين !!.. ثم من خوَّل بن لادن للإفتاء ومتى أصبح أهلاً للفتيا ؟ ولو تنزلنا - جدلاً مرة أخرى - وقلنا بعلمه , فكيف يجوز لهذا العلم أن يحكم بكفر شعب مسلم بأكمله لأنه يريد أن ينتخب من يمثله في فترة انتقالية لا تزيد على سنة من أجل صياغة دستور دائم والتخلص من دستور كتبه المحتل ومن حكومة نصبها المحتل ؟ ألا ترى يا بن لادن أنك تفتي بالمقلوب تماماً ؟ .. كل عقل ( بما في ذلك عقل الصخلة ) يقول ان تأجيل الانتخابات ليوم واحد يعني اطالة عمر الاحتلال ليوم آخر ! فكيف والحال مع رفض الانتخابات بالمطلق وتكفير من ينتخب ؟ ! .
إنَّ تكفير من يشارك في الانتخابات العراقية هي أسوء عبارة وأخطرها في كل هذا الكون ! أنها تفوق بخطرها الاحتلال الامريكي آلاف المرات ! لأنها تعطي الحجة - الدفع الأكثر - لأصحاب اللحى والدشاديش القصيرة كي يقتلوا أكثر من 90% من الشعب العراقي ومن كل مذاهبه وأديانه وأعراقه لانهم ببساطة أصبحوا كفاراً يجوز قتلهم في منطق هذا الدين الجديد !! .. والله لإن يقيم الاحتلال الامريكي قواعده في العراق لمائة عام قادمة , وأن يشفط ما يريد من النفط العراقي ما يشفط أفضل لنا كعراقيين ألف مرة من هذا الفكر اللادني المشبوه الذي لا يخدم سوى أجندة الاحتلال وبقائه أطول فأطول في العراق .. واذا خيروني بين الاحتلال الامريكي ( وأنا الرافض للاحتلال جملة وتفصيلاً ) وبين المنطق التكفيري هذا وعاهرته الجزيرة لما اخترت الثاني ما حييت !! .
وعلى الشعب العراقي اليوم أن يصر على الانتخابات في وقتها المحدد وأن يذهب لصناديق الاقتراع ولينتخب من يشاء , لينتخب الشيعي الكردي والكردي الشيعي ولينتخب السني المسيحي والشيعي الايزيدي والمندائي الخ .. ومهما كانت نتائج الانتخابات أفضل ألف مرة من عدم المشاركة .. كما انها دعوة للجمعية المنتخبة القادمة أن ترفع دعوى ضد الجزيرة القطرية وأن تقاطع الحكومة القطرية وذلك لأنها تتبنى هذا الفكر الذي يكفِّر العراقيين علنا وأمام الملأ وبالتالي هي الدعوة الصريحة لقتل الشعب , ففي عرف هؤلاء من حُكم بكفره وجب قتله فكيف وهذه الفتوى توحي بأن المشاركة في الانتخابات انما أدت الى الكفر من خلال خانة العمالة للاحتلال ؟! وهو يعني القتل بتهمة العمالة المؤدية للكفر تقرباً الى آلهة الوهابية والسلفية المتبعثة المتعفنة ! .
وأخيراً : من أنتم أيها الأوباش الأنجاس الارجاس حتى تعلموا العراقيين الفرق بين الكفر والايمان ؟ وما أنت يابن لادن والشأن العراقي ودروس مقاومة الاحتلال ؟ وقد علمَّ العراقيون الدنيا دروس مقاومة الاحتلال ولم تكن في ظهر أبيك بعدُ !! .. قاوم العراقيون كل أنواع المقاومة وجاهدوا في فلسطين ولا زالت قبورهم هناك تحكي قصص بطولات شعب ولم تأت أنت للدنيا بعدُ !! .. لقد اعتلى العراقيون مشانق صدام ولم تزل أنت طفلاً تحبو !! ..
كان الأولى بك أن تموت مقاوما الاحتلال الامريكي لافغانستان وأنت سببه الأول !! وكان أولى بزرقاويك الخلايلي أن يذهب الى بلده الأصلي - فلسطين - ليوجه سياراته المفخخة في صفوف جيش ومستوطني الكيان الذي احتل الأرض واستوطنها ! .. هناك .. هناك حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين !! .. اذهبوا وحرروا فلسطينكم .. جولانكم .. سيناءكم .. شبعتكم .. سويسكم .. خليجكم .. ألا لعنة الله عليكم وعلى صدامكم الذي جاء بأمريكا وعلى أمريكا التي فتحت لكم الحدود .. ولكن أنى لكم ذلك وقد نخرتكم أمريكا وأصبحت تحرككم كأحجار على رقعة شطرنج !! .
kza_tahir@yahoo.com