سيد مرحوم
12-27-2004, 10:28 AM
انا انسان... اذا انا حر
خالد العطية
مفهومان في القرآن الكريم يشكلان قاعدة
التصور الاسلامي لحرية الانسان
ومجمل حقوقهاو ضروراته الاساسية الاخرى
التي اصبحت محور اهتمام العالم المعاصر بكل تنوعاتشعوبه
ومذاهبه وثقافاته.
احدهما: مفهوم (استخلاف الانسان
في الارض) الذي يشير اليه قوله تعالى:
(اني جاعل فيالارض خليفة) «البقرة: 30» وقوله
تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الارض) «فاطر:39».
والاخر: مفهوم (تكريم الانسان) الذي يشير اليه قوله تعالى:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهمفي البر والبحر ورزقناهم من
الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
«الاسراء:70».
فالمفهوم الاول (الاستخلاف)
يشير الى طبيعة الدور والمهمة التي انيطت بالانسان
فيالكون، فهو يجعله في مركز الخلافة
والنيابة عن الخالق جل وعلا في تدبير العالم الدنيوي(الارض)
واعماره، والولاية على كل ما يزخر به من خيرات وينتشر فيه
من دوابومخلوقات حية اخرى.
وعملية الاستخلاف بهذا المفهوم الواسع تعني فيما تعنيه
كما يقول الامام الشهيد محمدباقر الصدر في بحثه (خلافة
الانسان وشهادة الانبياء):
اولا: انتماء الجماعة البشرية
الى محور واحد، وهو المستخلف،
اي اللّه سبحانه وتعالى،وتحريرها من عبودية الاسماء التي تمثل
الوان الاستغلال والجهل والطاغوت (ما تعبدونمن دونه الا
اسماء سميتموها)، فحرية الانسان من حيث هذا المعنى
لمفهوم الاستخلاف نابعة من انتمائه الى سيد واحد ومالك
واحد للكون، وهذا هو التوحيد الخالص الذي يمثلهالاسلام.
وتعني ثانيا: ان الخلافة
استئمان ولهذا عبر عنها القرآن الكريم بالامانة (انا
عرضنا الامانةعلى السموات والارض والجبال فابين
ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كانظلوما
جهولا) «الاحزاب: 72»، والامانة تفترض المسؤولية والاحساس
بالواجب اذ بدونادراك الكائن البشري انه مسؤول لا يمكن ان
ينهض باعباء الامانة وممارسة دوره فيالخلافة.
وتعني المسؤولية من ناحية اخرى ان الانسان كائن حر مختار،
اذ بدون الحرية والاختيار لامعنى للمسؤولية، ومن اجل ذلك
كان بالامكان ان يستنتج من جعل اللّه خليفة على الارضانه
يجعل الكائن الحر المختار الذي بامكانه ان يصلح في الارض
وبامكانه ان يفسد فيهاايضا.
ولعل هذه هي الحقيقة التي اثارت في نفوس الملائكة
المخاوف من مصير هذه الخلافةوامكانية انحرافها عن الطريق
السوي الى الفساد وسفك الدماء (قالوا اتجعل فيها من
يفسدفيها ويسفك الدماء) «البقرة: 30»، لان صلاح المسيرة
البشرية لما كان مرتبطا بارادة هذاالانسان الخليفة ولم يكن
مضمونا بقانون قاهر كما هي الحالة في كل مجالات الطبيعة
فمنالمتوقع ان تجد امكانية الافساد والشر مجالا لها في
الممارسة البشرية على اشكالهاالمختلفة.
فحرية الانسان بموجب هذا البعد الثاني لمفهوم الاستخلاف
هذا ضرورة لازمة لقيامهبوظيفته التي كلف بها وخلق من
اجلها.
واما مفهوم الكرامة الانسانية الذي تضمنته آية سورة الاسراء:
(ولقد كرمنا بني آدم... الخ)فهو يشير حسبما فسرت به الاية
عند معظم المفسرين الى خاصة الانسان التي ميز اللّهتعالى
بها طبيعته وفضله بها على سائر مخلوقاته، وهي العقل الذي
يدرك به الخير والشروالنافع والضار والحسن والقبيح.
ويتفرع على خاصة العقل خواص ومواهب اخرى للانسان، في
طليعتها: تسلطه على غيرهمن المخلوقات، وقدرته على
تسخيرها في سبيل مصالحه ومقاصده. وهذا واحد من
وجوهتفضيله الكثيرة التي اشارت اليها الاية.
واختصاص الانسان بالعقل يقتضي بدوره ان تكون للانسان
ارادة حرة يختار بها ما يدركه ومايميزه من اشياء وافعال،
وبذلك كان الانسان اهلا للتكليف ومسؤولا عما يختار
ومستحقاللثواب او العقاب في يوم الجزاء.
فالحرية بهذا التاصيل خاصة انسانية لا تنفك عنه ولا ينفك
عنها حتى يمكنك ان تقول:
انا انسان اذا انا حر
كما يمكنك ان تقول ايضا:
انا حر اذا انا مسؤول.
هذا هو منبع التصور الاسلامي لحرية الانسان، فهو تصور ينفذ
كما راينا الى الجوهرالكريم للانسان (العقل)، فيرى الحرية
لازمة من لوازم طبيعته الثابتة، ولكنه لا يقف عند هذاالحد كما
تفعل بعض التصورات والرؤى المادية للانسان التي غاية ما
ارتقت اليه فيتصورها لحريته انها جعلتها حقا من حقوقه
الطبيعية لا اكثر، بل ينفذ ايضا الى الهدف الكريمالذي خلق اللّه
الانسان من اجله والمسؤولية العظمى التي كلفه بها فيرى في
الحرية ايضاسبيلا الى تحقيق ذلك الهدف وممارسة تلك
المسؤولية.
وبذلك تكون الحرية في التصور الاسلامي. حرية اخلاقية
مسؤولة تتحرك في مجالهاالكوني وتاخذ مداها من الفعالية
فيه، دون ان تغفل عن الوظيفة الكونية للانسان والمآلالذي
سينقلب اليه في نهاية المطاف، بل تضعهما (الوظيفة والمآل)
نصب عينيها دائمافترشد حركتها باتجاههما وتتلمس طريقها
في ضوئهما.
وهذا ما يميز التصور الاسلامي للحرية عن سائر التصورات
المادية التي لا تتجاوز في نظرتهااليها نطاق المادة وعالمها
الارضي واهدافها المحدودة.
بحتاج هذا التصور الاسلامي الى بحوث تتبين اسسه وتجلياته
وتميزه...، (......) (حيث) اجاب (عنها) علماء اجلاء (من خلال بحوث خاصى مختلفة)
.
------------------------
* الجمل الموضوعة بين قوسين تعديلات للعبارة بحيث تجعلها خارجة عن خصوصية ظرف المقالة الخاص لتدخل اجواء المقالة الحرة المتوجهة في خطابها على نحو العموم كما اقتضى التعديل البسيط دون تغير اي معنى يخص الموضوع الاساس في عنوانه او يحرف من مساره.
خالد العطية
مفهومان في القرآن الكريم يشكلان قاعدة
التصور الاسلامي لحرية الانسان
ومجمل حقوقهاو ضروراته الاساسية الاخرى
التي اصبحت محور اهتمام العالم المعاصر بكل تنوعاتشعوبه
ومذاهبه وثقافاته.
احدهما: مفهوم (استخلاف الانسان
في الارض) الذي يشير اليه قوله تعالى:
(اني جاعل فيالارض خليفة) «البقرة: 30» وقوله
تعالى: (هو الذي جعلكم خلائف في الارض) «فاطر:39».
والاخر: مفهوم (تكريم الانسان) الذي يشير اليه قوله تعالى:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهمفي البر والبحر ورزقناهم من
الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
«الاسراء:70».
فالمفهوم الاول (الاستخلاف)
يشير الى طبيعة الدور والمهمة التي انيطت بالانسان
فيالكون، فهو يجعله في مركز الخلافة
والنيابة عن الخالق جل وعلا في تدبير العالم الدنيوي(الارض)
واعماره، والولاية على كل ما يزخر به من خيرات وينتشر فيه
من دوابومخلوقات حية اخرى.
وعملية الاستخلاف بهذا المفهوم الواسع تعني فيما تعنيه
كما يقول الامام الشهيد محمدباقر الصدر في بحثه (خلافة
الانسان وشهادة الانبياء):
اولا: انتماء الجماعة البشرية
الى محور واحد، وهو المستخلف،
اي اللّه سبحانه وتعالى،وتحريرها من عبودية الاسماء التي تمثل
الوان الاستغلال والجهل والطاغوت (ما تعبدونمن دونه الا
اسماء سميتموها)، فحرية الانسان من حيث هذا المعنى
لمفهوم الاستخلاف نابعة من انتمائه الى سيد واحد ومالك
واحد للكون، وهذا هو التوحيد الخالص الذي يمثلهالاسلام.
وتعني ثانيا: ان الخلافة
استئمان ولهذا عبر عنها القرآن الكريم بالامانة (انا
عرضنا الامانةعلى السموات والارض والجبال فابين
ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كانظلوما
جهولا) «الاحزاب: 72»، والامانة تفترض المسؤولية والاحساس
بالواجب اذ بدونادراك الكائن البشري انه مسؤول لا يمكن ان
ينهض باعباء الامانة وممارسة دوره فيالخلافة.
وتعني المسؤولية من ناحية اخرى ان الانسان كائن حر مختار،
اذ بدون الحرية والاختيار لامعنى للمسؤولية، ومن اجل ذلك
كان بالامكان ان يستنتج من جعل اللّه خليفة على الارضانه
يجعل الكائن الحر المختار الذي بامكانه ان يصلح في الارض
وبامكانه ان يفسد فيهاايضا.
ولعل هذه هي الحقيقة التي اثارت في نفوس الملائكة
المخاوف من مصير هذه الخلافةوامكانية انحرافها عن الطريق
السوي الى الفساد وسفك الدماء (قالوا اتجعل فيها من
يفسدفيها ويسفك الدماء) «البقرة: 30»، لان صلاح المسيرة
البشرية لما كان مرتبطا بارادة هذاالانسان الخليفة ولم يكن
مضمونا بقانون قاهر كما هي الحالة في كل مجالات الطبيعة
فمنالمتوقع ان تجد امكانية الافساد والشر مجالا لها في
الممارسة البشرية على اشكالهاالمختلفة.
فحرية الانسان بموجب هذا البعد الثاني لمفهوم الاستخلاف
هذا ضرورة لازمة لقيامهبوظيفته التي كلف بها وخلق من
اجلها.
واما مفهوم الكرامة الانسانية الذي تضمنته آية سورة الاسراء:
(ولقد كرمنا بني آدم... الخ)فهو يشير حسبما فسرت به الاية
عند معظم المفسرين الى خاصة الانسان التي ميز اللّهتعالى
بها طبيعته وفضله بها على سائر مخلوقاته، وهي العقل الذي
يدرك به الخير والشروالنافع والضار والحسن والقبيح.
ويتفرع على خاصة العقل خواص ومواهب اخرى للانسان، في
طليعتها: تسلطه على غيرهمن المخلوقات، وقدرته على
تسخيرها في سبيل مصالحه ومقاصده. وهذا واحد من
وجوهتفضيله الكثيرة التي اشارت اليها الاية.
واختصاص الانسان بالعقل يقتضي بدوره ان تكون للانسان
ارادة حرة يختار بها ما يدركه ومايميزه من اشياء وافعال،
وبذلك كان الانسان اهلا للتكليف ومسؤولا عما يختار
ومستحقاللثواب او العقاب في يوم الجزاء.
فالحرية بهذا التاصيل خاصة انسانية لا تنفك عنه ولا ينفك
عنها حتى يمكنك ان تقول:
انا انسان اذا انا حر
كما يمكنك ان تقول ايضا:
انا حر اذا انا مسؤول.
هذا هو منبع التصور الاسلامي لحرية الانسان، فهو تصور ينفذ
كما راينا الى الجوهرالكريم للانسان (العقل)، فيرى الحرية
لازمة من لوازم طبيعته الثابتة، ولكنه لا يقف عند هذاالحد كما
تفعل بعض التصورات والرؤى المادية للانسان التي غاية ما
ارتقت اليه فيتصورها لحريته انها جعلتها حقا من حقوقه
الطبيعية لا اكثر، بل ينفذ ايضا الى الهدف الكريمالذي خلق اللّه
الانسان من اجله والمسؤولية العظمى التي كلفه بها فيرى في
الحرية ايضاسبيلا الى تحقيق ذلك الهدف وممارسة تلك
المسؤولية.
وبذلك تكون الحرية في التصور الاسلامي. حرية اخلاقية
مسؤولة تتحرك في مجالهاالكوني وتاخذ مداها من الفعالية
فيه، دون ان تغفل عن الوظيفة الكونية للانسان والمآلالذي
سينقلب اليه في نهاية المطاف، بل تضعهما (الوظيفة والمآل)
نصب عينيها دائمافترشد حركتها باتجاههما وتتلمس طريقها
في ضوئهما.
وهذا ما يميز التصور الاسلامي للحرية عن سائر التصورات
المادية التي لا تتجاوز في نظرتهااليها نطاق المادة وعالمها
الارضي واهدافها المحدودة.
بحتاج هذا التصور الاسلامي الى بحوث تتبين اسسه وتجلياته
وتميزه...، (......) (حيث) اجاب (عنها) علماء اجلاء (من خلال بحوث خاصى مختلفة)
.
------------------------
* الجمل الموضوعة بين قوسين تعديلات للعبارة بحيث تجعلها خارجة عن خصوصية ظرف المقالة الخاص لتدخل اجواء المقالة الحرة المتوجهة في خطابها على نحو العموم كما اقتضى التعديل البسيط دون تغير اي معنى يخص الموضوع الاساس في عنوانه او يحرف من مساره.