المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفكر من البوسنة يستشهد بآراء الدكتور على شريعتى



مقاتل
12-26-2004, 07:59 AM
عدم الرغبة في ظهور تفاسير جديدة للقرآن يدل على بؤس العالم الإسلامي وضعفه

تفسير القرآن الكريم ومصير العالم الإسلامي كما يراه أكاديمي بوسني

سراييفو: عبد الباقي خليفة

يبدأ الدكتور أنس كاريتش الاكاديمي البوسني المعروف في الاوساط الثقافية الدولية كأحد رموز الثقافة الاسلامية في اوروبا، بحثه القيم عن «تفسير القرآن الكريم ومصير العالم الاسلامي»، بمقولة للمفكر الشيخ محمد عبده في تعليقات تلميذه رشيد رضا على تفسير المنار التي تحولت على حد قوله، الى هتاف ينادي به الكثيرون من اتباعه «ان الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن اقوال الناس وما فهموه، وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لارشادنا وهدايتنا الى الصراط المستقيم».

ويقول الدكتور كاريتش ان هدف الموضوع الذي يعالجه ليس ذلك الموجود في عقول الاصلاحيين او المحدثين في مجريات التفكير الاسلامي المعاصر، وانما «سنعالج بأسلوبنا الخاص فكرة محمد عبده هذه، وسنبحث في ضوئها مسائل العلاقة بين تفسير القرآن والمصير الحالي للعالم الاسلامي». ويشير الدكتور كاريتش الى ان محمد عبده نطق بجملته السالفة في زمن كان يسوده ادراك مؤلم بأن تفاسير القرآن الكريم التي كتبها المسلمون في القرون الميلادية السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، لا تواكب او تهتم بمصير العالم الاسلامي، ولا تتعامل مع المصير الدنيوي الراهن للعالم الاسلامي، «بل ظهرت هنا وهناك بعض الآراء القوية التي تقول ان المسلمين في تلك القرون لم يكونوا بحاجة الى تفاسير جديدة للقرآن الكريم».

ولقد تعرض محمد عبده نفسه الى مضايقات بعد نشره للاجزاء الاولى من تفسيره. وكم كان مؤلما مجرد الادراك بانه قد «اتى وقت يعتبر فيه معظم علماء المسلمين انهم لا يحتاجون لتفسير جديد للقرآن الكريم». وعلق الدكتور كاريتش على ذلك بالقول «ان هذه الحقيقة تشير، على اقل تقدير الى عدد من الاشياء التي لا خلاف حولها». ويحدد الاكاديمي البوسني تلك الاشياء بثلاث ركائز اساسية، الاولى:

ـ «حدوث تغيير كبير في المزاج الروحي لاحساس المسلمين بالزمن: ان عدم وجود الرغبة والحافز لكتابة تفاسير جديدة للقرآن الكريم انما يدل على بؤس العالم الاسلامي وضعفه في القرون الاخيرة».

ـ والثانية «لم تشهد الحضارة والثقافة الاسلامية في القرون العشرة الاولى ظهور تفاسير جديدة للقرآن الكريم وحسب، بل عرفت ايضا دراسة مستديمة للعالم، و(تفسيرا له).

ـ والثالثة هي ان «عصر الثقافة الاسلامية الذي غاص في الاعماق القرآنية ومجالاته العريضة، هو وحده الذي استطاع تأمين السيادة لمسلمي العالم، وقدم التفسير الاسلامي للعالم».

ولا شك في ان المزاج الروحي عند المفسرين المسلمين في التفاسير الكبيرة الاولى للقرآن الكريم كان مطبوعا بأخذ قوي من عموم القرآن الكريم. «فالقرآن يمثل نبعا للالهامات العبادية والسياسية والاقتصادية والقانونية والتزكية الروحية». ويقول: «تطل علينا من تفاسير القرآن الكريم في تلك العصور قوة عظيمة، والاهم من ذلك انها كانت قوة متعددة الجوانب والمعارف، وتخبرنا تلك القوة عن انبهار المسلمين بالقرآن الكريم وبالكون على حد سواء.. فالقرآن والكون آيتان ربانيتان من مصدر واحد.. او مجموعة لامتناهية من الآيات الربانية الموجودة في آفاقه العديدة».

ويوجه الدكتور أنس كاريتش، وهو احد مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، خطابه للمتلقي قائلا: «انه لا يمكنك ان تكون قويا اسلاميا في هذا العالم من دون ان يكون لك دوما تفسير للقرآن قائم على التراث الاسلامي مثل موج البحر المتجدد، ولكنه من نفس المصدر». ويقارن الدكتور كاريتش موج البحر المتجدد بالعصور، ويشير الى تفسير القرطبي ويصفه بتفسير الاحكام او التفسير القانوني للقرآن الكريم، بينما يقدم لنا تفسير الزمخشري على انه يبرز تعدد الافكار في القرآن الكريم «بل هو كتاب ذو اعماق لمفاهيم لغوية كبيرة». وقال ان الزمخشري لا يسمح بحبس معاني القرآن الكريم في معايير القراءة العقدية للنص، مثل ابن سينا الذي كان لا يسمح بالرؤية السطحية او المنفردة للطبيعة.

وعبر عن اسفه لانه «تصعب اليوم رؤية عالم مسلم معاصر يتعامل مع الطبيعة بهذا الاسلوب وكأن ابن سينا له عينان مختلفتان وحواس مختلفة». ويذكر مقاطع لابن سينا ينظر فيها للطبيعة بشكل جمالي لا استغلالي، حيث بيّن طبائع الاسماك، ولم ينظر اليها مجرد ثروة اقتصادية، او غذائية مجردة من ابعادها الطبيعية الجمالية في هذا الكون الذي صنعه الخالق سبحانه. وقال ان ذلك غير مستغرب عن علماء المسلمين «لان الاسلام نفسه ايقظ اكبر مظهر عرفته البشرية لتقدير وتسبيح الخالق الذي صنع كل شيء، وانتج ذلك الاعجاب اعجابا بالكون والطبيعة ورحابة المعمورة». وتابع «لقد ادى هذا الاخذ الواسع والعميق من كلمات القرآن الكريم، الى اخذ واسع وعميق من الكون».

ويلفت الدكتور كاريتش الانظار الى حقيقة مرة نعاني منها في العالم الاسلامي قاطبة وهي ادعاء المركزية، واحيانا امتلاك الحقيقة المطلقة ونفي المعرفة عن الآخر. «اليوم لا يمكننا ان نتخيل مجرد تخيل ان تقوم جامعة مكة المكرمة او اية جامعة في تلك المنطقة، او حتى الازهر ذاته، بدعوة احد المرجعيات الشيعية من قم، او بدعوة مفسر من سراييفو، ليلقي عليهم محاضرة في تفسير القرآن الكريم او غيره من العلوم الاسلامية، والعكس صحيح».

ويضيف «ان المفكرين المسلمين انفسهم، من مختلف اقطار العالم الاسلامي اليوم، غالبا ما يلتقون في المؤتمرات التي تنظم في الغرب»! ورغم انه اصاب بنسبة كبيرة في تحليله الا انه لم يفسر انتشار كل من المودودي وأبو الحسن الندوي، ومحمد اسد، وغارودي، ومراد هوفمان، بل ومستشرقين كثيرين مثل بروكلمان على سبيل المثال في العالمين العربي والاسلامي.

لكنه يمضي في تأكيد ما اقتبسه من الفيلسوف الالماني هيغل، احد رموز الفلسفة المثالية في عصرنا، والقول بأن تحليله الآنف هو «واحدة فقط من النتائج الكثيرة لانسحاب الاسلام نحو السلام الشرقي». ويضيف «لم تعد تفاسير القرآن الكريم التي نشأت في عصر انسحاب الاسلام نحو السلام الشرقي غنية ومتعددة الابعاد، باستثناء النادر منها طبعا». ويرجع ذلك لفقد المسلمين للقوة في هذا العالم، وكذلك لفقدان القدرة على التفسير الفعال للكتاب: «ان تفسير القرآن الكريم يجب ان يكون مرتبطا مع الوضع الراهن للمسلمين، أي يجب ان يكون واقع المسلمين هو المفسر الحقيقي للقرآن كما كان الامر عليه في الماضي».

ورغم ان الدكتور كاريتش يميل مع هيغل في استخدام مصطلح انسحاب الاسلام نحو السلام الشرقي، الا انه لا يفتأ عن الاستشهاد بأفكار الشرقيين وتحديدا العرب عندما يريد التعبير عما يجيش في تصوره من استقراءات وحلول، ولم نجده يستشهد بغيرهم، لقد وصف محمد عبده حال المسلمين في القرون الاخيرة قائلا: «يمكننا القول ان الجاهلية اليوم اشد من الجاهلية والضالين في زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)»، وقال «لا يمكنك امتلاك العالم الآخر بدون ان يكون لك دور فعال ومؤثر في هذه الدنيا».

وقد اقترب الدكتور كاريتش في هذه المقارنة لما اشار اليه الدكتور علي شريعتي في ايران، والدكتور محمد إقبال في باكستان، وراشد الغنوشي في كتابه «من اجل تحرير الفعالية القرآنية»، وجميعهم دعا الى تفعيل وتحرير الفعالية القرآنية، وترك السلبية، والعيش بروح اكثر ديناميكية، او بتعبير علي شريعتي «ان لم تكن شاهدا على عصرك فعالا فيه فكن شارب خمر في حانة او متعبدا في زاوية، فالأمر سيان».

ويؤكد الدكتور كاريتش على ان القرون العشرة الاولى للثقافة والحضارة الاسلامية تمتلك علما اسلاميا، وشعرا اسلاميا وادبا اسلاميا وتفسيرا اسلاميا للقرآن الكريم وفلسفة اسلامية وابداعا اسلاميا، ويضع «اسلاميا» بين قوسين «كان المسلمون يملكون في الروح والفكر ما يملكونه في عالم التاريخ وعالم الطبيعة، الا وهو التنوع والاحاطة الشاملة بجميع ابعاد العالم». ويضيف شيئا في غاية الاهمية اشار اليه ابو الحسن الندوي رحمه الله في كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» حيث «كانت الشرايين الرئيسية للبشرية كلها تنبض حيث كان الاسلام قويا».

وقال «اننا نعتقد ان الامر كان على هذا الشكل بفضل التفسير المتنوع والمتكامل للقرآن الكريم. فقد فسرت كل آية بالطاقات البشرية المتنوعة، بل ان كل كلمة في القرآن كانت تفسسر طيفا مدهشا من الاحتمالات الممكنة، وعندما ترجم المسلمون اعمال أرسطو لم تكن جيوش الاغريق وراء ذلك العمل». وعندما كان للاسلام، كما يقول الدكتور كاريتش، ادب اسلامي وفيزياء وعلم كونيات وشعر اسلامي.. الخ، استطاع مجابهة التأثيرات الخارجية بقوة واضافة لقاء مثمر معها، «لقد كان ذلك ممكنا بسبب الانفتاح والسعة في تفسير القرآن الكريم الذي وفر للمسلمين سندا قويا سلحهم بروح القوة والتفوق».

ويشير الى انفتاح المسلمين وامتصاص الاسلام لثقافة وتقاليد الاغريق الا انه لم يصبح اسلاما اغريقيا، وعندما ترجموا مؤلفات الهنود لم يصبحوا هندوسا، وهذا يعني انه «اذا كنت دونيا فانه لا يمكنك ان تحقق التفوق الروحي او المادي، وهذا ما تلافاه المسلمون ابان قوتهم المتكاملة». لكن اهم ما تفطن اليه الدكتور كاريتش هو المسعى الخائب لما يمكن ان يصطلح عليه بفشل التقنية المستوردة في جعلنا في مصاف الدول المتقدمة، وهو ما اشار اليه الغنوشي في كتابه «طريقنا الى الحضارة»، «ان مشاكل العالم الاساسية اليوم تأتي في الحقيقة من رغبة المسلمين في ان يكونوا اقوياء بواسطة التقنيات الاجنبية والفيزياء الاجنبية والصناعة العسكرية الاجنبية».

وكانت النتيجة كما يراها الدكتور كاريتش انهم «حصلوا على الدونية بدلا من القوة، وبدلا من الصناعات النظيفة القوية حصلوا على مشاكل بيئية، وبدلا من التقدم والمشاركة الاوسع في العالم فإن المسلمين غالبا ما يخسروا الدنيا والآخرة». فالمسلمون، كما يرى، لا يملكون علومهم وتقنياتهم الذاتية، وانما يملكون نفايات التقنية الغريبة او مخترعاتها من الدرجة الثالثة. ولذلك فانهم (والكلام له) لن يستطيعوا بالاعتماد على هذه الوسائل، تأمين المقدمات الروحية والاجتماعية التي ستمنحهم الفرصة. ويرى ان «العالم الاسلامي اليوم محاصر كما حوصرت سراييفو، وهذا سبب اضافي لهذا الاستسلام اليائس والعميق الذي نراه في التفسير الراهن للقرآن الكريم»، او «لظهور انواع من التفاسير العاطفية والهائجة للقرآن الكريم».

وبعطف كبير ينظر الدكتور كاريتش الى الايادي العارية التي ترتفع في وجه الظالم القوي، ويرى انه «من الافضل لها ان تعجل بجمع طاقة التدين الى طاقة الاحتجاج وضمها في قوة واحدة قادرة على الاستفادة من دهاء العقل ووثوب الروح، فالاول سيدعم نشأة مفهوم اسلامي للعلوم مبني على التراث الاسلامي الذي لا يزال حيا، والثاني سيقدم تفاسير جديدة للقرآن اسسها التراث وآفاقها حل مشاكل المسلمين».

هاشم
01-20-2005, 11:32 PM
أحسنت على هذا النقل وهو أمر مفرح أن نكتشف إن علماء الشيعة وصل تأثيرهم إلى بلاد بعيدة ومنذ زمن بعيد

رحم الله من يقرأ الفاتحة على روح الشهيد دكتور على شريعتى