هاشم
12-26-2004, 12:21 AM
http://www.alraialaam.com/25-12-2004/ie5/last2.JPG
القاهرة ــ من جمال الجمل:
في الحلقات السابقة من حوارنا مع الدكتور فؤاد زكريا، ناقشنا القضية الفلسطينية، وطبيعة الأزمات التي يعاني منها المجتمع العربي، وسبل الخروج منها، وتعرفنا على تشخيصه للشروخ التي حدثت في بنية الجسد العربي وذهنية مثقفيه بعد صدمة الغزو العراقي للكويت، وامكانات النهوض ومحاولات المقاومة، كما ناقشنا اشكالية الديموقراطية بكل ما تثيره من غبار في الواقع السياسي والفكري هذه الأيام، وفي هذه الحلقة يواصل الدكتور زكريا، الحديث عن صدامه مع التيارات السياسية والفكرية ومعاركه التي أسفرت عن حالة من العداء الشديد تجاهه وصلت الى حدود الخطر في كثير من الأحيان.
عندما نكتب اسم فؤاد زكريا في محرك البحث على الانترنت تكشف لنا العناوين التي تظهر أنك الرجل الأول الذي يعاديه ويهاجمه الاسلاميون دائما؟
ــ ليس الاسلاميون فقط هم الذين يعادونني، هناك جهات كثيرة تعاديني ولهذا السبب لا تجد أي جهة تدافع عني أو تقوم بالعمل على نشر أفكاري، فأنا على قائمة الخصوم بالنسبة لكثير من الجماعات والتيارات السياسية الموجودة على الساحة، واذا نظرنا الى هؤلاء سنجد أن الاسلاميين أولا وبعدهم الناصريين وكذلك كثير من اليساريين والشيوعيين، كل هذه الجهات تقف موقفا سلبيا ازائي ويعتبرون أنفسهم أعدائي أو يعتبرونني عدوا لهم.
هل أتاحت لك الظروف متابعة مبادرة الاخوان المسلمين الأخيرة التي أعلنت الصيف الماضي؟
ــ لا، لم أتابع.
انهم يتكلمون في المبادرة عن مبدأ التخلي عن العنف، ويطالبون بتأسيس حزب مدني لهم، وأنهم على استعداد لتغيير اسمهم كاخوان مسلمين، هل ترى امكانية دخولهم الحركة السياسية المدنية بشكل طبيعي؟
ــ لا أحد يمنعهم من تأسيس حزب لهم، المهم أن الحزب تكون له مبادئ معينة وتقدم هذه المبادئ بعدد معين من التوقيعات حسب قانون الأحزاب.
هوجمت المبادرة بشدة من بعض اليساريين ومنهم رئيس حزب التجمع الدكتور رفعت السعيد الذي كتب مقالا مطولا فتح فيه ملف العلاقة بين الاخوان والأميركيين قديما وحديثا، وأشار الى أن هذه المبادرة تخدم «سيناريو أميركيا» معدا سلفا لتغيير النظام في مصر حسب النموذج التركي، أي نموذج متأسلم لكن في أحضان أميركا، فهل ترى أن هذا الكلام له بعض المصداقية؟
ــ مسألة النموذج التركي أشك فيها لأن تركيا أكبر دولة علمانية في الشرق الأوسط ومتمسكة بعلمانيتها بشدة، والاخوان بعيدون عن هذا في فكرهم، وأعتقد أنهم لايستطيعون تطبيق مبدأ مثل فصل الدين عن الدولة، كما أن أحدا لن يصدقهم مهما قالوا غير ذلك.
كيف تفسر اذن انتشار التيار الديني على الساحتين المصرية والعربية عموما؟
ــ أنا فسرته بأنه تعبير عن اكتمال الهزيمة في نفوسنا، فعندما تصل الهزيمة الى داخلنا والى أعماقنا وفي أقصى درجاتها وتتغلغل فينا وتصبح جزءا منا، يتجه الانسان الى احدى الجماعات الاسلامية المتطرفة ويرتمي في أحضانها، لأنه فعلا عندما يصبح عضوا في جماعة متطرفة، فان معنى ذلك ببساطة هو الغاء العقل والفكر، لأنك كعضو تترك غيرك يفتي لك، وأقصى ما تفعله هو أن تقرأ ما يكتبه الآخرون أو تستمع اليه وتردده ترديدا حرفيا، لكن كونك تجتهد أو تنفذ أو تظهر شخصيتك وفرديتك، هذا سينفي منذ اللحظة التي تضع فيها قدمك على عتبة مقر هذه الجمعية المتطرفة، وأنا أقول ان انتشار هذا في مصر هو أوضح شكل لهزيمة الشعب المصري، وانتشار هذا في أي بلد هو أوضح شكل لهزيمة الشعب في ذلك البلد.
لأن انتشار هذا النوع من التفكير عموما، هو أحد الأشكال الدالة والقاطعة على هزيمتنا من الداخل، وليس فقط الهزيمة العسكرية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وخلافه، لكنها هزيمة النفوس والعقول، وهزيمة الانسان من الداخل، بحيث لايجد أمامه سوى الارتكان الى الغير أو الغيبيات، والبحث عن شكل من أشكال الايمان المطلق كي يرتمي في أحضانه ويلغي تفكيره، ويكتفي بما يُلقى اليه من تعاليم من خارجه، مخدوعا بالحلول السهلة الجاهزة التي تدغدغ عواطف الناس ولكنها لا تقنع أي عقل لديه قدرة على التفكير.
في ضوء ما يحدث من حصار وادانة دولية لظاهرة الأصولية، ومحاربتها تحت مسمى الارهاب، ما استشرافك لظاهرة هذا التيار؟
ـ أنا أتصور أن خطورته ستزداد، لأن تردي الأوضاع يساعد على انتشار الظاهرة التي تحدثت عنها، وهي هزيمة الناس من الداخل، ولذلك فهي تحتاج الى من يقدم لها حلولا سهلة وجاهزة تعفيها من التفكير، وما دامت الأوضاع ستزداد انهزاما وترديا، في ضوء مانراه، فطبعا نستطيع توقع مزيد من الانتشار، وأعتقد أن هذه الجماعات فعلا متغلغلة، ويدهشني أن أجد أن غالبية منها تفوز في انتخابات البرلمان والنقابات والنوادي، وأتصور أن لهم امتدادات، وان كانت غير معلنة حتى الآن، وأعتقد أن هناك جوا عاما يساعد على انتشارها.
لكني أشعر بقدر من التفاؤل من مسألة حرية المنافسة التي أعطيت أخيرا لأصحاب وجهة النظر الأخرى، فقد فتح المجال بشكل واضح لمن لا يؤيدون هذا التيار لكي يعبروا عن أنفسهم، ولهذا نجد أن اخواننا الاسلاميين يصورون الأمر على أنه مؤامرة ضدهم وهو ليس مؤامرة، ولكنهم تعودوا طوال السنوات السابقة أنهم هم وحدهم الذين يتكلمون وخصوصا أيام السادات، وغيرهم لم يكن مسموحا لهم عرض وجهة نظرهم، أما الآن فالفرصة مهيأة لتعدد وجهات النظر وتبادل الآراء، لأن ذلك يشجع المفكرين على الادلاء بآرائهم، وينشط عقول الناس بحيث يمكن أن يخرجوا من حالة الغيبوبة التي يعيشونها، والتي تدفعهم للارتماء في أحضان الجماعات الدينية المتطرفة.
القاهرة ــ من جمال الجمل:
في الحلقات السابقة من حوارنا مع الدكتور فؤاد زكريا، ناقشنا القضية الفلسطينية، وطبيعة الأزمات التي يعاني منها المجتمع العربي، وسبل الخروج منها، وتعرفنا على تشخيصه للشروخ التي حدثت في بنية الجسد العربي وذهنية مثقفيه بعد صدمة الغزو العراقي للكويت، وامكانات النهوض ومحاولات المقاومة، كما ناقشنا اشكالية الديموقراطية بكل ما تثيره من غبار في الواقع السياسي والفكري هذه الأيام، وفي هذه الحلقة يواصل الدكتور زكريا، الحديث عن صدامه مع التيارات السياسية والفكرية ومعاركه التي أسفرت عن حالة من العداء الشديد تجاهه وصلت الى حدود الخطر في كثير من الأحيان.
عندما نكتب اسم فؤاد زكريا في محرك البحث على الانترنت تكشف لنا العناوين التي تظهر أنك الرجل الأول الذي يعاديه ويهاجمه الاسلاميون دائما؟
ــ ليس الاسلاميون فقط هم الذين يعادونني، هناك جهات كثيرة تعاديني ولهذا السبب لا تجد أي جهة تدافع عني أو تقوم بالعمل على نشر أفكاري، فأنا على قائمة الخصوم بالنسبة لكثير من الجماعات والتيارات السياسية الموجودة على الساحة، واذا نظرنا الى هؤلاء سنجد أن الاسلاميين أولا وبعدهم الناصريين وكذلك كثير من اليساريين والشيوعيين، كل هذه الجهات تقف موقفا سلبيا ازائي ويعتبرون أنفسهم أعدائي أو يعتبرونني عدوا لهم.
هل أتاحت لك الظروف متابعة مبادرة الاخوان المسلمين الأخيرة التي أعلنت الصيف الماضي؟
ــ لا، لم أتابع.
انهم يتكلمون في المبادرة عن مبدأ التخلي عن العنف، ويطالبون بتأسيس حزب مدني لهم، وأنهم على استعداد لتغيير اسمهم كاخوان مسلمين، هل ترى امكانية دخولهم الحركة السياسية المدنية بشكل طبيعي؟
ــ لا أحد يمنعهم من تأسيس حزب لهم، المهم أن الحزب تكون له مبادئ معينة وتقدم هذه المبادئ بعدد معين من التوقيعات حسب قانون الأحزاب.
هوجمت المبادرة بشدة من بعض اليساريين ومنهم رئيس حزب التجمع الدكتور رفعت السعيد الذي كتب مقالا مطولا فتح فيه ملف العلاقة بين الاخوان والأميركيين قديما وحديثا، وأشار الى أن هذه المبادرة تخدم «سيناريو أميركيا» معدا سلفا لتغيير النظام في مصر حسب النموذج التركي، أي نموذج متأسلم لكن في أحضان أميركا، فهل ترى أن هذا الكلام له بعض المصداقية؟
ــ مسألة النموذج التركي أشك فيها لأن تركيا أكبر دولة علمانية في الشرق الأوسط ومتمسكة بعلمانيتها بشدة، والاخوان بعيدون عن هذا في فكرهم، وأعتقد أنهم لايستطيعون تطبيق مبدأ مثل فصل الدين عن الدولة، كما أن أحدا لن يصدقهم مهما قالوا غير ذلك.
كيف تفسر اذن انتشار التيار الديني على الساحتين المصرية والعربية عموما؟
ــ أنا فسرته بأنه تعبير عن اكتمال الهزيمة في نفوسنا، فعندما تصل الهزيمة الى داخلنا والى أعماقنا وفي أقصى درجاتها وتتغلغل فينا وتصبح جزءا منا، يتجه الانسان الى احدى الجماعات الاسلامية المتطرفة ويرتمي في أحضانها، لأنه فعلا عندما يصبح عضوا في جماعة متطرفة، فان معنى ذلك ببساطة هو الغاء العقل والفكر، لأنك كعضو تترك غيرك يفتي لك، وأقصى ما تفعله هو أن تقرأ ما يكتبه الآخرون أو تستمع اليه وتردده ترديدا حرفيا، لكن كونك تجتهد أو تنفذ أو تظهر شخصيتك وفرديتك، هذا سينفي منذ اللحظة التي تضع فيها قدمك على عتبة مقر هذه الجمعية المتطرفة، وأنا أقول ان انتشار هذا في مصر هو أوضح شكل لهزيمة الشعب المصري، وانتشار هذا في أي بلد هو أوضح شكل لهزيمة الشعب في ذلك البلد.
لأن انتشار هذا النوع من التفكير عموما، هو أحد الأشكال الدالة والقاطعة على هزيمتنا من الداخل، وليس فقط الهزيمة العسكرية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وخلافه، لكنها هزيمة النفوس والعقول، وهزيمة الانسان من الداخل، بحيث لايجد أمامه سوى الارتكان الى الغير أو الغيبيات، والبحث عن شكل من أشكال الايمان المطلق كي يرتمي في أحضانه ويلغي تفكيره، ويكتفي بما يُلقى اليه من تعاليم من خارجه، مخدوعا بالحلول السهلة الجاهزة التي تدغدغ عواطف الناس ولكنها لا تقنع أي عقل لديه قدرة على التفكير.
في ضوء ما يحدث من حصار وادانة دولية لظاهرة الأصولية، ومحاربتها تحت مسمى الارهاب، ما استشرافك لظاهرة هذا التيار؟
ـ أنا أتصور أن خطورته ستزداد، لأن تردي الأوضاع يساعد على انتشار الظاهرة التي تحدثت عنها، وهي هزيمة الناس من الداخل، ولذلك فهي تحتاج الى من يقدم لها حلولا سهلة وجاهزة تعفيها من التفكير، وما دامت الأوضاع ستزداد انهزاما وترديا، في ضوء مانراه، فطبعا نستطيع توقع مزيد من الانتشار، وأعتقد أن هذه الجماعات فعلا متغلغلة، ويدهشني أن أجد أن غالبية منها تفوز في انتخابات البرلمان والنقابات والنوادي، وأتصور أن لهم امتدادات، وان كانت غير معلنة حتى الآن، وأعتقد أن هناك جوا عاما يساعد على انتشارها.
لكني أشعر بقدر من التفاؤل من مسألة حرية المنافسة التي أعطيت أخيرا لأصحاب وجهة النظر الأخرى، فقد فتح المجال بشكل واضح لمن لا يؤيدون هذا التيار لكي يعبروا عن أنفسهم، ولهذا نجد أن اخواننا الاسلاميين يصورون الأمر على أنه مؤامرة ضدهم وهو ليس مؤامرة، ولكنهم تعودوا طوال السنوات السابقة أنهم هم وحدهم الذين يتكلمون وخصوصا أيام السادات، وغيرهم لم يكن مسموحا لهم عرض وجهة نظرهم، أما الآن فالفرصة مهيأة لتعدد وجهات النظر وتبادل الآراء، لأن ذلك يشجع المفكرين على الادلاء بآرائهم، وينشط عقول الناس بحيث يمكن أن يخرجوا من حالة الغيبوبة التي يعيشونها، والتي تدفعهم للارتماء في أحضان الجماعات الدينية المتطرفة.