المهدى
12-24-2004, 07:31 AM
توماس فريدمان*
كنت أعتقد دائما أنه يجب على أي جنرال أو دبلوماسي أميركي يريد أن يعمل بالعراق، أن ينجح في اختبار بسيط ، يتكون من سؤال واحد فقط : هل تعتقد أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم؟
وإذا أجاب الجنرال أو الدبلوماسي الكبير بالإيجاب، فيجب ألا يسمح له بالعمل في العراق. ويمكن إرساله حينها إلى كوريا الجنوبية أو اليابان أو ألمانيا، ولكن ليس إلى العراق. ذلك لأنهم ، وفقط ، أولئك الذين يعتقدون أن أقصر مسافة بين نقطتين ، في الشرق الأوسط ، ليست هي الخط المستقيم، يمكن أن يسمح لهم بتنفيذ السياسة الأميركية في تلك المنطقة.
وما يزعجني حقيقة الآن، وبعد أسبوع قضيته في منطقة الخليج، هو أننا دخلنا مرحلة معقدة جدا في العراق، يمكن أن أسميها مرحلة «الأرابيسك العراقي». وهذه المرحلة تحتاج إلى فهم عميق جدا لتعقيدات السياسة العربية، وإلى مقدرة على تحقيق الإنجازات، ليس بالطرق التقليدية المستقيمة، التي تستخدمها الولايات المتحدة، بل باتباع طرق متعرجة «دكاكينية»، إن شئت، تناسب وسائل العمل السياسي في هذا الجزء من العالم.
مثلا، وما دامت الانتخابات العراقية قد صارت على قاب قوسين أو أدنى، وما دامت إيران تستخدم نفوذها ومالها لرفع احتمالات فوز مرشحيها في تلك الانتخابات، فإن المحافظين الجدد في واشنطن، يحتاجون إلى «بعثيين جدد» في بغداد. وما أقصده هنا هو أنهم يحتاجون إلى إطار سياسي يحمي مصالح العرب السنيين المتعاطفين مع البعث ، ولكنه يمارس هذه الحماية بمنظور أكثر تقدمية وقبول للتعددية ، مما كان يستطيعه حزب البعث القديم، التابع لصدام حسين.
هذا هو ما يجب أن يشغلنا الآن، وليس الغول الإيراني المفزع. فلا توجد وسيلة واحدة تمنع تمدد النفوذ الإيراني إلى العراق. فإيران هي الجارة القريبة من العراق والتي تملك روابط اقتصادية وثقافية متينة مع شيعة العراق. وبالطبع فإن الشيعة سيحصلون على أغلبية في البرلمان العراقي الجديد، وسيكون بعضهم مواليا لإيران، ولكن الأغلبية من هؤلاء ليست لها الرغبة في أن يتم حكمها أو التحكم عليها من طهران. الشيعة العراقيون عرب، وليسوا فرسا، وهم واعون تماما بعروبتهم. وليس ثمة شك في أن كل زعيم عراقي يقدم نفسه كمخلب قط لإيران سيجلب على نفسه الكارثة.
الطريقة المثلى لإضعاف النفوذ الإيراني، ولمنع نشوب الحرب الأهلية، هي أن نضمن أوسع مشاركة سنية في هذه الانتخابات، حتى يتمكن العراقيون السنة والأكراد، وهم الأكثر علمانية، من موازنة الشيعة، الأعمق توجها دينيا، عند وضع الدستور العراقي الجديد. وإذا لم نضمن مثل هذه المشاركة السنية الواسعة، فإن الانتخابات، ستزيد من احتمالات الحرب الأهلية، بدلا من إخماد نارها، لان كل الغنائم والأسلاب ستكون من نصيب الشيعة، وسيشعر الأكراد والسنة أنهم مستبعدون كلية من العملية السياسية.
لهذه الأسباب ، فإن على إدارة بوش أن تعمل مع الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، بل حتى مع سورية، لتستخدم كل علاقاتها بالسنة العراقيين لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات، والتأكد من أنهم يملكون الأموال الكافية لحمل الناس إلى مراكز التسجيل والاقتراع، وخاصة وسط القبائل السنية. كما انه من الضروري تماما جلب السنة إلى المراكز، حتى ولو عن طريق شرائهم. ولسوء الحظ فإن أصدقاء أميركا من العرب لا يفعلون شيئا حاليا، كما قال لي أحد كبار الوزراء العراقيين. وأضاف الوزير العراقي الكبير ليقول إن طموحات الأميركيين يجب أن تكون أكبر فيما يتوقعونه من أصدقائهم العرب. ومع أن كثيرا من الزعماء العرب يفزعون من فكرة الحكم الشيعي في العالم العربي، ذي المذهب السني الغالب ، إلا أنهم يعرفون كذلك أن حربا أهلية في العراق، ستزعزع الأوضاع بصورة هائلة في وقت يقدمون فيه على إصلاح نظمهم.
يقول عمار عبد الحميد ، الذي يشارك في إدارة «دار الإعمار»، وهي منظمة غير حكومية تهتم بقضايا الإصلاح:
«غزو الولايات المتحدة للعراق، أكسبها أعداء جددا، ولكنه فجر جدلا واسعا حول الإصلاح في العالم العربي». وقد قال الكثيرون من هؤلاء لأنفسهم: «دعونا نغير أنفسنا قبل أن يغيرنا الأميركان».
ويرغب بعض الإصلاحيين العرب في الضغط على حكوماتهم باستغلال ورقة الوجود الأميركي ، فيما تشعر نظم أخرى بدرجة من الضعف تجبرها على تبني الإصلاح حتى ولو ظاهريا، لأنها تعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتفادي الضغوط الأميركية. ويقول عبد الحميد: إنه مهما اختلفت السبل، فإن القضية العراقية طرحت مسألة الإصلاح على الجميع، وأصبحت هذه القضية مستقلة حتى عما يحدث في العراق.
إن منهجا متطورا ودقيقا، يستخدم الجزرة والعصاة، مع سورية وإيران ومع أصدقاء أميركا من العرب، يمكن أن يقود إلى انتخابات عراقية محترمة ونزيهة، رغم قصر المدة المتبقية. ولكن علينا أن نبدأ منذ الآن وأن نتحلى بكل ذكائنا. فهل لدى هذه الإدارة شخص واحد مؤهل للعب هذا الدور؟
انتبهوا: ستجري الانتخابات في العراق. والانتخابات قليلة في هذا الجزء من العالم. ولذلك عندما تجري الانتخابات في قطر ما، فإن جيرانه جميعا ستتولد لديهم الرغبة في ممارسة التصويت، ونحن نرغب أن يدخل أصدقاؤنا هذه التجربة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
كنت أعتقد دائما أنه يجب على أي جنرال أو دبلوماسي أميركي يريد أن يعمل بالعراق، أن ينجح في اختبار بسيط ، يتكون من سؤال واحد فقط : هل تعتقد أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم؟
وإذا أجاب الجنرال أو الدبلوماسي الكبير بالإيجاب، فيجب ألا يسمح له بالعمل في العراق. ويمكن إرساله حينها إلى كوريا الجنوبية أو اليابان أو ألمانيا، ولكن ليس إلى العراق. ذلك لأنهم ، وفقط ، أولئك الذين يعتقدون أن أقصر مسافة بين نقطتين ، في الشرق الأوسط ، ليست هي الخط المستقيم، يمكن أن يسمح لهم بتنفيذ السياسة الأميركية في تلك المنطقة.
وما يزعجني حقيقة الآن، وبعد أسبوع قضيته في منطقة الخليج، هو أننا دخلنا مرحلة معقدة جدا في العراق، يمكن أن أسميها مرحلة «الأرابيسك العراقي». وهذه المرحلة تحتاج إلى فهم عميق جدا لتعقيدات السياسة العربية، وإلى مقدرة على تحقيق الإنجازات، ليس بالطرق التقليدية المستقيمة، التي تستخدمها الولايات المتحدة، بل باتباع طرق متعرجة «دكاكينية»، إن شئت، تناسب وسائل العمل السياسي في هذا الجزء من العالم.
مثلا، وما دامت الانتخابات العراقية قد صارت على قاب قوسين أو أدنى، وما دامت إيران تستخدم نفوذها ومالها لرفع احتمالات فوز مرشحيها في تلك الانتخابات، فإن المحافظين الجدد في واشنطن، يحتاجون إلى «بعثيين جدد» في بغداد. وما أقصده هنا هو أنهم يحتاجون إلى إطار سياسي يحمي مصالح العرب السنيين المتعاطفين مع البعث ، ولكنه يمارس هذه الحماية بمنظور أكثر تقدمية وقبول للتعددية ، مما كان يستطيعه حزب البعث القديم، التابع لصدام حسين.
هذا هو ما يجب أن يشغلنا الآن، وليس الغول الإيراني المفزع. فلا توجد وسيلة واحدة تمنع تمدد النفوذ الإيراني إلى العراق. فإيران هي الجارة القريبة من العراق والتي تملك روابط اقتصادية وثقافية متينة مع شيعة العراق. وبالطبع فإن الشيعة سيحصلون على أغلبية في البرلمان العراقي الجديد، وسيكون بعضهم مواليا لإيران، ولكن الأغلبية من هؤلاء ليست لها الرغبة في أن يتم حكمها أو التحكم عليها من طهران. الشيعة العراقيون عرب، وليسوا فرسا، وهم واعون تماما بعروبتهم. وليس ثمة شك في أن كل زعيم عراقي يقدم نفسه كمخلب قط لإيران سيجلب على نفسه الكارثة.
الطريقة المثلى لإضعاف النفوذ الإيراني، ولمنع نشوب الحرب الأهلية، هي أن نضمن أوسع مشاركة سنية في هذه الانتخابات، حتى يتمكن العراقيون السنة والأكراد، وهم الأكثر علمانية، من موازنة الشيعة، الأعمق توجها دينيا، عند وضع الدستور العراقي الجديد. وإذا لم نضمن مثل هذه المشاركة السنية الواسعة، فإن الانتخابات، ستزيد من احتمالات الحرب الأهلية، بدلا من إخماد نارها، لان كل الغنائم والأسلاب ستكون من نصيب الشيعة، وسيشعر الأكراد والسنة أنهم مستبعدون كلية من العملية السياسية.
لهذه الأسباب ، فإن على إدارة بوش أن تعمل مع الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، بل حتى مع سورية، لتستخدم كل علاقاتها بالسنة العراقيين لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات، والتأكد من أنهم يملكون الأموال الكافية لحمل الناس إلى مراكز التسجيل والاقتراع، وخاصة وسط القبائل السنية. كما انه من الضروري تماما جلب السنة إلى المراكز، حتى ولو عن طريق شرائهم. ولسوء الحظ فإن أصدقاء أميركا من العرب لا يفعلون شيئا حاليا، كما قال لي أحد كبار الوزراء العراقيين. وأضاف الوزير العراقي الكبير ليقول إن طموحات الأميركيين يجب أن تكون أكبر فيما يتوقعونه من أصدقائهم العرب. ومع أن كثيرا من الزعماء العرب يفزعون من فكرة الحكم الشيعي في العالم العربي، ذي المذهب السني الغالب ، إلا أنهم يعرفون كذلك أن حربا أهلية في العراق، ستزعزع الأوضاع بصورة هائلة في وقت يقدمون فيه على إصلاح نظمهم.
يقول عمار عبد الحميد ، الذي يشارك في إدارة «دار الإعمار»، وهي منظمة غير حكومية تهتم بقضايا الإصلاح:
«غزو الولايات المتحدة للعراق، أكسبها أعداء جددا، ولكنه فجر جدلا واسعا حول الإصلاح في العالم العربي». وقد قال الكثيرون من هؤلاء لأنفسهم: «دعونا نغير أنفسنا قبل أن يغيرنا الأميركان».
ويرغب بعض الإصلاحيين العرب في الضغط على حكوماتهم باستغلال ورقة الوجود الأميركي ، فيما تشعر نظم أخرى بدرجة من الضعف تجبرها على تبني الإصلاح حتى ولو ظاهريا، لأنها تعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتفادي الضغوط الأميركية. ويقول عبد الحميد: إنه مهما اختلفت السبل، فإن القضية العراقية طرحت مسألة الإصلاح على الجميع، وأصبحت هذه القضية مستقلة حتى عما يحدث في العراق.
إن منهجا متطورا ودقيقا، يستخدم الجزرة والعصاة، مع سورية وإيران ومع أصدقاء أميركا من العرب، يمكن أن يقود إلى انتخابات عراقية محترمة ونزيهة، رغم قصر المدة المتبقية. ولكن علينا أن نبدأ منذ الآن وأن نتحلى بكل ذكائنا. فهل لدى هذه الإدارة شخص واحد مؤهل للعب هذا الدور؟
انتبهوا: ستجري الانتخابات في العراق. والانتخابات قليلة في هذا الجزء من العالم. ولذلك عندما تجري الانتخابات في قطر ما، فإن جيرانه جميعا ستتولد لديهم الرغبة في ممارسة التصويت، ونحن نرغب أن يدخل أصدقاؤنا هذه التجربة.
* خدمة «نيويورك تايمز»