المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة المفكِّر الإسلامي



سيد مرحوم
12-24-2004, 04:13 AM
أزمة المفكِّر الإسلامي


بقلم عبد الرحمن العلوي

شبكة العراق الثقافية : algiashi

انطلاقاً من الواقع الانبهاري، والتأثر بالأجواء الغربية الّتي امتدّ نفوذها إلى عالمنا الإسلامي، نجد بروز ظاهرة التقليد بين مفكرينا وكتّابنا الإسلاميين «فتراهم يلجئون إلى محاكاة الاتجاه الثقافي التحريفي في نمط الأسلوب والمعالجة والمصـطلح، ربّما بدافع الإعجاب بهذا الجديد، وربّما محاولة منهم لتأكيد الهوية الثقافية من خلال مجاراة التيار. ومهما كان الدافع في ذلك، فإن هذه الظاهرة... تبعث على القلق، وهي مؤشر خطير على مستقبل المثقف والكاتب المسلم.

فبدل أن يزداد عدد الكتّاب والمفكرين المسلمين الّذين يتصدون للاتجاهات الثقافية المضادة من خلال الطرح الإسلامي البديل، وبدل أن تنشط حركة النتاج الثقافي الإسلامي الأصيل، ينسحب البعض كخطوة أولى من موقع الأصالة إلى التقليد. وقد تكون الخطوات التالية انتماءً للموقع المضاد».
وهذه الظاهرة في الواقع تنبئ عن وجود أزمة لدى المفكر الإسلامي أو الكاتب الإسلامي، وليس عن وجود أزمة في الفكر الإسلامي كما يحلو للبعض أن يتشدّق بذلك. فالقضية «ليست قضية أزمة في الفكر الإسلامي ولكنها قضية جزع أمام حركات ثقافية أو اجتماعية أو أدبية وراءها قوة سياسية تحاول أن تخضع الشعوب سياسياً، فتحاول أن تخلق في نفوس تلك الشعب خوفاً ثقافياً وعجزاً في التحرك.

الفكر الإسلامي فكر غني زاخر بكل ما من شأنه أن يأخذ بالمجتمع الإسلامي إلى الرقي والازدهار، غير انّه بانتظار العالم الإسلامي الواعي، والمفكر الإسلامي الملتزم للغوص في أعماق بحره، واستخراج تلك اللآلئ النادرة بدلاً من استجداء خزف الأفكار الغربية. والحركة المباركة الّتي خطاها سماحة الشهيد آية الله محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) على هذا الصعيد، والّتي تجسّدت في آثاره الفكرية الرائعة مثل «اقتصادنا» و «فلسفتنا» و «البنك اللا ربوي»، خير شاهد على ذلك، فقد أثبت من خلال هذه الإنجازات الفكرية العظيمة، إن الفكر الإسلامي فكر ثرّ معطاء لكنه بحاجة إلى تلك العقلية الأمينة الواعية الّتي تستخرج كنوزه وتبلورها وتقدمها إلى المجتمع الإسلامي.

وانطلاقاً ممّا ذهبنا إليه في وجود أزمة المفكر الإسلامي، نجد بين الإسلاميين من يرفع شعار المعايشة مع الحالة اللا إسلامية الراهنة ويقول «لا نريد دولة إسلامية، الوقت غير مناسب، الطرح الإسلامي ليس مسئوليتنا الآن، صعوبة الوضع السياسي العام، والهيمنة الثقافية، والسياسية الأمريكية تمنعنا من تقديم الطرح الإسلامي كبديل للأنظمة القائمة، علينا أن نتعايش مع الأنظمة القائمة... إذا لم يستطع الإسلاميون أن يقنعوا أنفسهم قبل الآخرين بحتمية وضرورة وإمكان الحل الإسلامي فمعنى ذلك إن المعركة لم تحسم بعد»، ومعنى ذلك أيضاً إن المفكّر الإسلامي يعاني من أزمة فكرية ونفسية: أزمة فكرية تتمثل في عدم استيعابه للأصول والمبادئ الفكرية الإسلامية الّتي لا تسمح بالشخصية المزدوجة ولا بحالة الاقتراض من المبادئ الأخرى والموائمة بينها وبين الأفكار الإسلامية ولا بأي نوع من أنواع المعايشة الفكرية مع أي لون من ألوان الفكر اللا إسلامي لأنّ تلك المعايشة ستكون على حساب الإسلام، وتعرّض أفكاره ومبادئه إلى عملية التفاف واحتواء خطيرة. أمّا الأزمة النفسية فتتمثل في فقدان عنصر الجرأة والإقدام على طرح الإسلام بديلاً عن كل الأفكار والمذاهب والطروحات الّتي تضج بها الساحة الفكرية والسياسية. فقد نجد كاتباً إسلامياً معتقداً بالإسلام ويعترف في قرارة نفسه بقدرته على إدارة الحياة بكافة ميادينها، إلاّ انّه لا يمتلك تلك النفسية الّتي تؤهله للتعبير عن آرائه، أو ربّما تُملي عليه الأجواء السياسية المشحونة بالأفكار المضادة أن يحتفظ بأفكاره لنفسه أو أن يطرح حتّى ما يتناقض مع قناعاته الفكرية. وهذه الحالة من أسوأ حالات التأزم الفكري وأشدها خطورة على حركة الفكر الإسلامي.

وهناك مفكرون إسلاميون قد شاهدوا معالم الحضارة الغربية عن كثب وأمضوا فترة طويلة بين ربوعها، لكنهم لم ينبهروا بها كما انبهر الكثيرون، بل وكانت لديهم الجرأة على التعبير عن رأيهم في بهارج هذه الحضارة والكشف عن حقيقتها، والتحذير من مخاطر الانزلاق اللا واعي وراءها.

فالشاعر والمفكر المسلم إقبال اللاهوري يقول في ديوانه عن تلك الحضارة «ولكن إيّاك والحضارة اللا دينية الّتي هي صراع دائم مع أهل الحق. إن هذه الفتانة تجلب فتناً وتعيد اللات والعزّى إلى الحرم، أن القلب يعمى بتأثير سحرها، وان الروح تموت عطشاً في سرابها... إنها لص قد تمرن على اللصوصية فيغير نهاراً وجهاراً، وإنها تدع الإنسان لا روح فيه ولا قيمة له... إن أساس هذه الحضارة ضعيف منهار وجدرانها من زجاج... نور الحضارة باهر وشعلة حياتها ملتهبة ولكن لم يكن في ربوعها من يمثل دور موسى فيتلقّى الإلهام ويتشرف بالكلام ولا من يمثل دور إبراهيم فيحطم الأصنام ويحول النّار إلى برد وسلام». ويقول إقبال في كتاب «إحياء الفكر الديني في الإسلام»: «أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث السرعة العظيمة الّتي يتحرك فيها العالم الإسلامي روحياً نحو الغرب... خوفنا من إن الظاهر الباهر للحضارة الغربية يصدنا عن الحركة ويشلنا عن الوصول إلى الماهية الواقعية لهذه الحضارة... مثالية أوروبا لم تدخل الحياة الاجتماعية بشكل عامل حيوي، ونتج عن ذلك الإنسان الحائر بين الديمقراطيات المتضاربة، وهو يبحث عن ذاته، حيث اتجهت تلك الديمقراطيات نحو استثمار الفقراء لصالح الأغنياء. صدقوني إن أوروبا تشكل اليوم أكبر عقبة على طريق تقدم أخلاق البشرية... يمتلك المسلمون أفكاراً ومعتقدات متسامية متكاملة تقوم على أساس الوحي. هذه الأفكار والمعتقدات تنطلق من أعماق الحياة لتضفي على ظواهر الحياة صفة باطنية... الإنسان المسلم يؤمن بالأساس الروحي للحياة كأمر اعتقادي وهو على استعداد لأن يبذل روحه رخيصة في سبيل هذا الاعتقاد»