المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «أبارتيد»وهابي في البحرين



تشكرات
05-09-2012, 10:51 AM
2011/5/3


صحيفة الوفاق

أحمد صابر، حسين الدرازي


الحملة الأمنية التي بدأت مع دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين امتدت لتشمل المساجد والحسينيات والمراسم الدينية. التمعن في هذه الإجراءات يظهر أنها تعكس الفكر الوهابي الذي يعد ما يخالفه بدعاً دينية، ويكفر المذاهب الأخرى ويقمعها. نظام (أبارتيد) عربي يتكون سريعاً في البحرين. نظام عنصري جديد قديم يُقسم الشعب إلى معسكرين، الأول موال والآخر خائن. والخونة هم المعارضون، شيعة وسنة.

البحرين مملكة العقاب. لا حرمة فيها لشيء. لا لطفل ولا لإمرأة، ولا لمؤسسة تعليمية ولا لدور العبادة. وبالطبع لا حرمة فيها للرأي الآخر. ربما بعد التجاوزات بحق النساء وسجنهن وتعذيبهن، فإن أكثر ما يؤلم البحرينيين هو هدم المساجد والتعدي على الحسينيات التي يمتد عمر بعضها إلى نحو ألف سنة مضت.

وتشير الإحصاءات إلى أنّ الجيش، مدعوماً بقوات الإحتلال، هدم حتى يوم الجمعة الماضي ٢٧ مسجداً، بعضها مكتمل البناء، وبعضها عبارة عن كبائن مؤقتة، انتظاراً لإستكمال بنائها ريثما تحصل الموافقة الرسمية على إنشاء مساجد عليها. واستهدفت المساجد بحجة أنها غير مرخصة.

يقول أحد رجال الدين، قبل أن يضيف (هذه فضيحة برسم العالم الإسلامي ومنظمته التي لم تنبس ببنت شفة حتى الآن). الحملة العنصرية الطائفية، كما يسميها بحرينيون كثر، امتدت لتشمل حرق نسخ من القرآن الكريم كانت موجودة في هذه المساجد، غالبيتها طباعة سعودية، ما يمنع أي حديث عن كونها محرفة.

لكن لا خوف على رجال الدين المتطرفين، إذ استطاعوا أن يجدوا حجة لحرق القرآن، فزعم الشيخ الموالي للنظام عبد اللطيف المحمود إن (الصحابة أحرقوا القرآن)، مستشهداً بحادثة تاريخية لا تنطبق بتاتاً على ما يحصل من تدنيس للمساجد والقرآن في البحرين.

لكن أحد أعضاء الهيئة المركزية في المجلس العلمائي في البحرين يتساءل في حديث لـ (الأخبار): (كيف يمكن العالم الإسلامي أن ينقلب من أقصاه إلى أقصاه على قس أراد حرق مصحف واحد، بينما يصمت هذا العالم حين يحرق ويمزق أكثر من 45 مصحفاً؟). عدد كبير من الحسينيات تعرضت للإقتحام والهدم.

وتتفاوت الأرقام بشأن عدد الحسينيات التي تعرضت للإعتداء. فبينما تقول جهات إنها سبع، تتحدث جمعيات، تقوم بعملية دقيقة لرصد هذه الإنتهاكات، عن اعتداءات على 412 حسينية، فيما تشير الأرقام نفسها إلى تدمير أكثر من 35 مسجداً.

وتضيف أن عدد محال ضيافة وإطعام زوار الحسينيات المدمرة تجاوز 1070، وأنّ عدد نسخ القرآن التي أُحرقت ودُنّست تزيد على 83 نسخة و1012 كتاباً جامعاً للأدعية والزيارات. ويبدو أن هدم المساجد لم يشف بعد غليل شيوخ السلطة، فطالبوا بالمزيد، إذ دعا الشيخ الوهابي جاسم السعيدي، المقرب من الديوان الملكي، إلى هدم أحد أبرز المساجد، وهو مسجد الشيخ عزيز في منطقة السهلة، وقال: (بمسجد الشيخ عزيز اعتقد بوجود كلب ميت وهم يتبرّكون ويشركون).

تكتيك وهابي عمليات هدم المساجد والحسينيات، وتضييق الخناق على الممارسات الدينية، وتكفير المذاهب الإسلامية، وغيرها من الإجراءات المذهبية السالفة الذكر، مرتبطة على نحو وثيق بفكر وهابي أُدخل على أيدي جنود (درع الجزيرة) منذ الثامن عشر من آذار الماضي. وقد يظن من يعيش خارج البحرين أن تطبيق الوهابية في المملكة أمرٌ مبالغ فيه تتحدث عنه المعارضة لتخويف الناس، لكن المتتبع بهدوء لتصرفات القوى الأمنية يكتشف أن الإجراءات التي استهدفت المواطنين تنبع من فكر وهابي لم يدخل دفعةً واحدة، بل بالتدريج.

تبدأ الحكاية الوهابية مع الحملة الأولى التي شنتها القوى الأمنية على المضائف الحسينية. وهذه عبارة عن مضائف من خشب أو ألومنيوم توضع على جوانب الشوارع في القرى ومدينة المنامة، تقدم فيها الأطعمة والمشروبات مجاناً في المناسبات الدينية الخاصة، وهي قانوناً غير مرخصة، إلا أنها تدخل في إطار حرية المعتقد. وكانت الدولة غير مكترثة بها، إذ إنها تقع في الشوارع الفرعية داخل القرى، ولم يُبلغ ضدها على أنها مصدر إزعاج.

لكن هذه المرة اختلف الوضع، إذ ظهر فجأة أنها بدعة ومبالغات في الممارسات الدينية. بدأت السلطات بهدم المضائف وتمزيق الرايات والأعلام السوداء التي تحمل عبارات دينية من وحي عاشوراء، بطريقة تكشف عن عقيدة وهابية لم يألفها البحرينيون منذ دخول آل خليفة إلى البحرين أواخر القرن الثامن عشر، ثم توسعت الحلقة لتشمل المساجد.

وبدأت هذه العقيدة الوهابية بالتمظهر أكثر مع دهم البيوت، حيث مزقت صور علماء الدين المعلقة في غالبية البيوت، وجرى تكسير الترب الحسينية، إضافة إلى تمزيق كتب الأدعية وحرق القرآن. النقلة الأهم تمثلت في استهداف بعض المساجد التي دفن فيها علماء، فهذه المساجد لم تكن غير مرخصة، بل هي مسجلة في الأوقاف الجعفرية، ولا سبب لهدمها، هذا فضلاً عن إزالة الأضرحة، وهو ما تعده الوهابية بدعاً لا شأن لها بالدين. ووصل الأمر إلى منع المواكب العزائية التي جاءت في وقت يصادف وفاة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بنت النبي محمد (صلى الله عليه وآله).

يومها خرج شباب في مواكب رمزية تعبر عن رفضهم لقرار السلطات، لكن جرى قمع هذه المواكب وتفريق المشاركين عبر إطلاق الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية والقنابل المسيلة للدموع. يقول أحد أعضاء الهيئة المركزية في المجلس العلمائي (الآن فقط عرفنا أن الطائفية في البحرين بلغت حداً غير مسبوق، والآن فقط عرفنا جزءاً من نتائج الفكر الوهابي الذي ظل عاملاً على تكفير المسلمين حتى صار المسلم لا يثأر لأخيه المسلم حينما يتعرض القرآن للحرق والتمزيق، فقط لأن أخيه ينتمي إلى طائفة أخرى، مع أن القرآن هو واحد ومن مطبعةٍ واحدة أيضاً).

اللعب بنار الفتنة ما يجري من انتهاك حرمات المساجد، دفع بأكثر رجال الدين المتصالحين مع النظام إلى رفع صرختهم. ولدى ابتعاث الملك لإبنه الشيخ ناصر بن حمد للتعزية بوفاة العلامة السيد علوي الغريفي، التقى هناك بأحد كبار العلماء السيد عبد الله الغريفي الذي حمله رسالة شفوية واضحة لأبيه (بخصوص ما يحصل من تعدٍ غير مسبوق في تاريخ البحرين من هدم لبعض المساجد ودور العبادة والتخريب الذي يطال الحسينيات)، مؤكداً أنّ بلداً مثل البحرين (لا تقبل عاداته وتقاليده اعتقال النساء).

ولم يكتف الغريفي بالحديث البيني، فقد وجه خطاباً في مسجد عن العنصرية التي يتعامل بها النظام، قائلاً: إن (هدم المساجد ودور العبادة والاعتداء على حرمة الحسينيات سابقةٌ خطيرة في تاريخ البحرين. فما قرأنا طيلة هذا التاريخ، وحتى في أعقد الأزمات، أنه جرى الاعتداء على المساجد والحسينيات والشعائر. فما نتمناه أن تزال هذه النقطة السوداء من تاريخ هذا البلد). وتساءل: (إننا لا نفهم هدم المساجد والإعتداء على الحسينيات في سياقات الأمن والإستقرار.

إننا لا نفهم السؤال عن الهوية المذهبية في نقاط التفتيش في سياقات الأمن والإستقرار). في المقابل، أطلق الأمين العام لجمعية (الوفاق) الوطنية الإسلامية، الشيخ علي سلمان، تحذيراً شديد اللهجة من نار الفتنة التي يلعب بها النظام من أن تمتد إليه، وقال (لمن يريد، إننا نمسك بالشارع اليوم ونجنبكم الكأس المرة، لكن استمراركم سيدفع بنا إلى رفع أيدينا عن الشباب ونجعلهم يواجهونكم بالطرق التي يرونها مناسبة).

وأخيراً ليس ثمة شك في أن كل الحملات التي تستهدف البحرين، تمثل على نحو غير بطيء ملامح نظام عنصري ينطلق من تحت عباءة الولايات المتحدة الأميركية التي لا تكف عن اعتبار حكومة المنامة شريكاً استراتيجياً، وترى أن الإجتياح السعودي الوهابي لهذا البلد، أمر مشروع. (نقلا عن صحيفة الوفاق 2-5-2011).