المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بهذه المواصفات يصبح المؤمن أعز من الكبريت الأحمر وأغلى من الذهب الأسود والأصفر



سيد مرحوم
12-24-2004, 03:59 AM
الإصرار على المبدأ وشجاعة الموقف


شبكة العراق الثقافية: algiashi

عندما يتحول المبدأ الإلهي إلى قناعة كاملة تملأ على الإنسان روحه وعقله، وعندما يتحول الإيمان بذلك المبدأ إلى حالة تعبدية مخلصة، يجد المسلم نفسه مقصراً أمام الله تعالى مع كل حالة من حالات اللاّ انسجام مع المبدأ الّتي قد يتعرض لها الإنسان المسلم خلال مسيرته اللاّحبة إلى الله تعالى، عندما يتحول المبدأ من مجرد أفكار تراود الذهن ومفاهيم قد يَعمل بها أو لا يُعمل إلى حالة معايشة دائمة، وتفاعل مستمر ; فلا بدّ في مثل هذه الأحوال أن يترك ذلك المبدأ تأثيره على معتنقه، ويحوله إلى شخصية رسالية عقائدية تحمل الأهداف والتطلعات الإسلامية الكبرى، وتصر على تحقيق تلك الأهداف مهما كانت عقبات الطريق وعثراته، وتواجه التيارات والخطوط الفكرية المضادة بكل اندفاع وجرأة وإقدام.

الشخصية الرسالية وانطلاقاً من الرسالة الّتي تؤمن بها وتحملها، لابدّ لها أن تتصف بالشجاعة والبسالة خلال عملها الرسالي وعبر المعترك الجهادي الّذي تخوضه. فلا يُسمح لها أبداً أن تكون شخصية ضعيفة تتخذ أسلوب التهاون والمساومة والتراجع عن بعض الثوابت الفكرية والعقائدية، ولا يجوز لها أن تكون خائفة مذعورة مترددة في أداء دورها الرسالي، وطرح قيمها الإلهيّة. فشخصية بهذا المستوى من التعامل والتحرك، يتعذّر عليها الانسجام مع حركة الرسالة الإسلامية وتطلعاتها وأهدافها، وتعجز عن تحقيق طموحاتها.

الإسلام بحاجة إلى الشخصية الشجاعة والموقف القوي والكلمة الجريئة المدوية القادرة على الوصول إلى كل الأسماع، ومخاطبة كافة الناس، دون أن تخشى في ذلك أحداً، أو تجامل أحداً، أو تأخذها في القيام بواجبها الإلهي لومة لائم. ولِمَ الخوف في طريق الله والمؤمن يعلم منذ البداية انّه طريق محفوف بالمخاطر والأهوال ؟ ولِمَ التردد وهو على بصيرة من أمره، ومطمئن إلى سلامة موقفه وصدق نيته وسمو أهدافه الّتي هي أهداف الإسلام.

المؤمن الرسالي لا يخشى ـ وهو يبلغ رسالته أو يذود عنها ـ أحداً مهما كان، ولا تخيفه كافة القوى المناهضة والوجودات المادية الّتي تحاول وبشتى السبل إيقاف حركة العجلة الإسلامية وإطفاء شعلة شمس الإسلام الّتي تستمد نورها وطاقتها الهائلة من النور الأزلي والطاقة المطلقة.

وما أروع الآية القرآنية الكريمة وهي تصوّر الموقف الإسلامي الرسالي من تحشد القوى المعادية للإسلام:

(الّذين قال لهم النّاسُ إنّ النّاسَ قد جمعوا لكُم فاخشوهُم فزادهُم إيماناً وقالوا حسبُنا اللهُ ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من اللهِ وفضل لم يَمسسهُم سُوء واتَّبعوا رِضوانَ اللهِ واللهُ ذُو فضل عظيم).

«انّه الشعور العميق بالقوة... فإذا كان الإنسان مع الله في كل خطوات حياته فإنّه يشعر بأن الله هو خالق القوة والحياة، وهو القادر على أن يسلبها من كل أحد ومن كل شيء. ممّا يوحي إليه بأنه يرتفع فوق كل مظاهر القوة أو وسائل الضغط، فلا يضعف أمامها ولا ينهزم نفسياً قبل الدخول في المعركة، مهما كانت الكلمات الّتي تحاول أن تهزم إرادته وإيمانه وموقفه، بل يجد بدلاً من ذلك شعوراً بتنامي القوة وتصاعدها».

فالمبدأ ـ أي مبدأ ـ لا يمكن له أن يرسخ جذوره ويقوي قاعدته الجماهيرية ويمدّ نفوذه ويوسعه، ما لم يكن هناك إصرار عليه، وعزم راسخ على نشره وتبليغ رسالته، وتفان في الذود عنه. والمبدأ الإسلامي من ميزاته انّه يرتفع بروح معتنقيه إلى حدّ التضحية والاستشهاد من أجله، بما ينفخ في نفوسهم من طاقات روحية، وما يزخر به من تربية نفسية، وما ينعكس من شعائره وممارساته العبادية من آثار جمة على معنوياتهم، تلك الآثار الّتي ينفرد بها الإسلام وترتفع بالمسلم إلى حالات من السمو بحيث لا تعد معها الدنيا بكل بهارجها وزينتها واغراءاتها تساوي عنده شيئاً أبداً، الأمر الّذي يهوّن عليه التضحية والعطاء والاستشهاد.
ولابدّ من استثمار هذا الجانب المعنوي الّذي يفجره الإسلام في نفس المسلم، لتقوية الإسلام، وتعزيز مواقعه، وتقوية خطوطه الدفاعية والهجومية، ضمن برامج عمل سليمة ومنظمة وقائمة أولاً وقبل كل شيء على الدعوة الحكيمة المسالمة، والأسلوب الهادئ الرصين. «لقد كان هناك إنسان واحد (الرّسول صلوات الله عليه) يقف في وجه العالم، كل العالم ليهز أعماقه في دعوة هادرة حاسمة... لقد قال الكلمة وأصرّ عليها وتحرك في الطريق داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وبدأ بالضعفاء الّذين يمثلون جيل الرسالات الأول وجيشه، وانفتحت القلوب البسيطة على هذه الكلمة، وتتابعت الكلمات في آيات الله، ونمت في قلوب المؤمنين، ثمّ تحولت إلى قوة تتحرك في كل مجال لتضم العالم إليها في عملية صنع القوة من جديد على أساس إرادة الله».

نحن بحاجة وفي خضم الصراع الحضاري الثقافي الراهن إلى الكلمة النافذة والموقف الملتزم الّذي يعيد للإسلام هيبته وشموخه، الموقف الّذي يثلج صدور المسلمين ويرتفع بمعنوياتهم الّتي من الممكن أن تتأثر بفعل شراسة الهجمة الضارية وضغوطها. ولابدّ أيضاً أن يرافق قوة الموقف الإسلامي الوعي والاتزان، والبعد كل البعد عن اتخاذ الخطوات الطائشة والحركة المتأثرة بالمواقف المنفعلة. «إن ما نريده هو آن لا نتحول إلى أناس يقعون صرعى عدم وضوح الرؤية، وعدم التخطيط الّذي يربط البداية بالنهاية لأنّ صرعة الاسترسال لا تُقال كما يقول الإمام علي (ع)، بينما يمكن للإنسان الّذي يتعثر أمام العقبات المفروضة أو التحديات المحسوبة أن يقوم من عثراته ليواصل السير من جديد».

يتبين لنا من هذا إن الإسلام يرفض أي موقف يمكن أن يُشمّ منه رائحة الاستسلام والركون والخضوع، وأيَّ حالة من الحالات الّتي تُفسَّر بالضعف والانهزامية والهروب من الأمر الواقع بما فيها حالة التباكي وذرف الدموع على الماضي والأمجاد. فما أكثر ما تعرض الإسلام لضربات سياسية وفكرية موجعة بسبب مثل هذه المواقف وتلك الحالات الّتي طرأت على المسلمين خلال مراحل تاريخية مختلفة. و «البكاء ليس شأن العاملين الّذين يفهمون الحياة ويواجهونها من موقع الواقع فيندفعون إلى قضاياهم بهدوء وجدية وتخطيط. فإذا انتهت أعمالهم بالنتائج الطيبة المنتظرة على أساس الخطة الموضوعة، واجهوا النجاح بروح واقعية تتلمس أسباب النجاح لتستفيد منها في تحركها نحو المستقبل، وإذا انتهت أعمالهم بالفشل، لم يهزمهم الفشل... ثمّ يبدءون في دراسة الأسباب الطبيعية للفشل ليتفادوها في المستقبل».