فاتن
05-02-2012, 06:00 AM
السفير يوسف عبدالله العنيزي - الجريده
نشر في 2, May 2012
http://aljarida.com/wp-content/themes/aljaridaonlineNew/timthumb.php?src=http://aljarida.com/wp-content/uploads/2012/05/01/2012481446/1309860101926764100.jpg&h=150&w=110&zc=1&a=t
ليس الهدف من هذا المقال العودة إلى الماضي أو أن ننكأ الجراح، فقد منّ الله علينا بقدرة فائقة بتجاوزها ومواصلة مسيرة الخير والعطاء لهذا الوطن وأهله، ولكن الهدف هو تسجيل للتاريخ لمواقف دول وشخصيات كان لها تأثيرها في ذلك الوقت، أثناء الغزو والاحتلال العراقي الغاشم، فالتاريخ لن يمحو ذلك الحدث الجلل.
في شهر يناير من عام 1991 عندما كنت سفيراً للكويت في الجزائر الشقيقة استلمت برقية من وزارة الخارجية التي كانت تتخذ من سفارتنا في الرياض مقراً مؤقتاً لها تفيد برغبة وفد شعبي في القيام بجولة في دول شمال إفريقيا. أثنيت على هذه الفكرة وتمنيت أن يضم الوفد الشيخ أحمد القطان نظراً لما له من مكانة وحضور في الساحة الجزائرية.
تمت الموافقة على ذلك وكلفت السفارة بالجزائر بإعداد هذه الجولة وذلك بالتنسيق مع سفاراتنا في تلك الدول، وصل الوفد إلى مدينة الجزائر وكان برئاسة العم الفاضل أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الحالي وعضوية كل من العم الفاضل المرحوم عبدالعزيز الصرعاوي والدكتور ناصر الصانع والدكتور إسماعيل الشطي والأخ الفاضل سعد السعد، وقد قام الوفد بجهد مميز في محاولة إجلاء الحقيقة ودحض أكاذيب النظام العراقي آنذاك، كما أجرى العديد من اللقاءات من أهمها لقاء رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد والدكتور عباس مدني رئيس جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كان موقفها يميل إلى الموقف العراقي، والدكتور محفوظ نحناح رحمه الله رئيس منظمة حماس الجزائرية الذي ترك الباب موارباً لا مع ولا ضد.
في أثناء اللقاء مع السيد عبدالعزيز بلخادم رئيس جبهة التحرير آنذاك، أبدى د. ناصر الصانع عتبه على الجزائر لقيامها بإرسال سفينة السلام المحملة بالمؤن والتموين إلى العراق وهذا يدل على دعم للعدوان، وقد علل السيد بلخادم ذلك بأن السفينة تحمل حليبا لأطفال العراق، وهنا رد الدكتور الصانع وماذا عن أطفال الكويت؟!
بعد خمسة أيام حافلة قضاها الوفد بالجزائر حضر خلالها بعض الاحتفالات الوطنية مثل “يوم القدس” وغيرها والتي كان للشيخ أحمد القطان دور مميز فيها، أنهى الوفد مهمته وغادر بعض أعضائه إلى تونس بينما غادر السيد أحمد السعدون إلى لندن بعد الاتفاق على أن نكون على اتصال مستمر، بعد ذلك قمت باستكمال اللقاءات حيث قمت بالاتصال بفخامة الرئيس أحمد بن بيلا- الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام- وذلك بعد عودته من بغداد حيث اجتمع مع رئيس النظام العراقي آنذاك.
بدأ اللقاء بعصبية وتشنج، فكان لا يزال متأثراً بما سمعه من أكاذيب وافتراءات، وبعد أن أنهى هجومه اللاذع على الكويت وقيادتها، قمت بتقديم قصاصة من ورق تتضمن خطاباً شعبياً كان فخامته قد ألقاه في أحد احتفالات العيد الوطني الجزائري ويتضمن إشادة بدعم دولة الكويت وقيادتها للثورة الجزائرية وقيامها بتمويل خط أنابيب “حاسي مسعود” لنقل النفط من الصحراء إلى موانئ التصدير.
قرأ فخامة الرئيس الخطاب ثم سألني عن مصدر حصولي عليه، تغير مجرى الحديث وتشعب في أمور كثيرة، في نهاية اللقاء طلب مني أن أنقل تحياته إلى الشعب والقيادة الكويتية مضيفا بأن “لقاءنا القادم سيكون على أرض الكويت المحررة”.
أما اللقاء الذي لا يُنسى فقد كان مع الشخص الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية الشيخ علي بلحاج حيث قمت بزيارته عصراً في مكتبه المتواضع، بدأت الحديث بتقديم شرح مطول عمّا يعانيه شعب الكويت من قهر واحتلال وتعذيب وقتل واغتصاب للنساء وتدمير للبلاد والعباد، استرسلت بالحديث وشيخنا الفاضل يستمع باهتمام وإنصات تام، بعد أن أنهيت كلامي تحدث الشيخ، وليته لم يتحدث، فقد فاجأني بقوله:
“سعادة السفير هل تهدف من كلامك وشرحك أن تقنعني بالوقوف معكم ضد الرئيس المؤمن والعراق المجاهد، أنتم وأميركا تهدفون إلى القضاء على العراق وإنجازاته”… فسألت الشيخ الفاضل: “وماذا عن الكويت واحتلالها وتشريد أهلها”، أجاب بحدة لا تحاول فلن نوافقكم على ذلك، ثم أردف “غداً سألبس الكاكي العسكري وأنزل إلى شوارع الجزائر من أجل الدعوة للجهاد لنصرة العراق وسأجمع مليون مجاهد”.
هنا أدركت أن الاستمرار في الجدال لن يجدي، فاستأذنت بالانصراف.
رميت نفسي في المقعد الخلفي للسيارة، وقد اسودت الدنيا بعيني، وجثمت على صدري جبال من الهم والقهر، هل يعقل أن من يحمل راية الدين والإسلام غير قادر على التفريق بين الحق والباطل؟ هل يعقل أن يناصر الظالم على المظلوم الذي خاطبه رب العزة في الحديث القدسي بقوله “بعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
في اليوم التالي نزل الشيخ إلى شوارع مدينة الجزائر بدعم وتأييد من السفارة العراقية التي كانت ترافقه، ومع ذلك لم يستطع أن يجند من المليون إلا بضع عشرات. ونصر الله الكويت ورد كيد الحاقدين.
وليحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
نشر في 2, May 2012
http://aljarida.com/wp-content/themes/aljaridaonlineNew/timthumb.php?src=http://aljarida.com/wp-content/uploads/2012/05/01/2012481446/1309860101926764100.jpg&h=150&w=110&zc=1&a=t
ليس الهدف من هذا المقال العودة إلى الماضي أو أن ننكأ الجراح، فقد منّ الله علينا بقدرة فائقة بتجاوزها ومواصلة مسيرة الخير والعطاء لهذا الوطن وأهله، ولكن الهدف هو تسجيل للتاريخ لمواقف دول وشخصيات كان لها تأثيرها في ذلك الوقت، أثناء الغزو والاحتلال العراقي الغاشم، فالتاريخ لن يمحو ذلك الحدث الجلل.
في شهر يناير من عام 1991 عندما كنت سفيراً للكويت في الجزائر الشقيقة استلمت برقية من وزارة الخارجية التي كانت تتخذ من سفارتنا في الرياض مقراً مؤقتاً لها تفيد برغبة وفد شعبي في القيام بجولة في دول شمال إفريقيا. أثنيت على هذه الفكرة وتمنيت أن يضم الوفد الشيخ أحمد القطان نظراً لما له من مكانة وحضور في الساحة الجزائرية.
تمت الموافقة على ذلك وكلفت السفارة بالجزائر بإعداد هذه الجولة وذلك بالتنسيق مع سفاراتنا في تلك الدول، وصل الوفد إلى مدينة الجزائر وكان برئاسة العم الفاضل أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الحالي وعضوية كل من العم الفاضل المرحوم عبدالعزيز الصرعاوي والدكتور ناصر الصانع والدكتور إسماعيل الشطي والأخ الفاضل سعد السعد، وقد قام الوفد بجهد مميز في محاولة إجلاء الحقيقة ودحض أكاذيب النظام العراقي آنذاك، كما أجرى العديد من اللقاءات من أهمها لقاء رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد والدكتور عباس مدني رئيس جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كان موقفها يميل إلى الموقف العراقي، والدكتور محفوظ نحناح رحمه الله رئيس منظمة حماس الجزائرية الذي ترك الباب موارباً لا مع ولا ضد.
في أثناء اللقاء مع السيد عبدالعزيز بلخادم رئيس جبهة التحرير آنذاك، أبدى د. ناصر الصانع عتبه على الجزائر لقيامها بإرسال سفينة السلام المحملة بالمؤن والتموين إلى العراق وهذا يدل على دعم للعدوان، وقد علل السيد بلخادم ذلك بأن السفينة تحمل حليبا لأطفال العراق، وهنا رد الدكتور الصانع وماذا عن أطفال الكويت؟!
بعد خمسة أيام حافلة قضاها الوفد بالجزائر حضر خلالها بعض الاحتفالات الوطنية مثل “يوم القدس” وغيرها والتي كان للشيخ أحمد القطان دور مميز فيها، أنهى الوفد مهمته وغادر بعض أعضائه إلى تونس بينما غادر السيد أحمد السعدون إلى لندن بعد الاتفاق على أن نكون على اتصال مستمر، بعد ذلك قمت باستكمال اللقاءات حيث قمت بالاتصال بفخامة الرئيس أحمد بن بيلا- الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام- وذلك بعد عودته من بغداد حيث اجتمع مع رئيس النظام العراقي آنذاك.
بدأ اللقاء بعصبية وتشنج، فكان لا يزال متأثراً بما سمعه من أكاذيب وافتراءات، وبعد أن أنهى هجومه اللاذع على الكويت وقيادتها، قمت بتقديم قصاصة من ورق تتضمن خطاباً شعبياً كان فخامته قد ألقاه في أحد احتفالات العيد الوطني الجزائري ويتضمن إشادة بدعم دولة الكويت وقيادتها للثورة الجزائرية وقيامها بتمويل خط أنابيب “حاسي مسعود” لنقل النفط من الصحراء إلى موانئ التصدير.
قرأ فخامة الرئيس الخطاب ثم سألني عن مصدر حصولي عليه، تغير مجرى الحديث وتشعب في أمور كثيرة، في نهاية اللقاء طلب مني أن أنقل تحياته إلى الشعب والقيادة الكويتية مضيفا بأن “لقاءنا القادم سيكون على أرض الكويت المحررة”.
أما اللقاء الذي لا يُنسى فقد كان مع الشخص الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية الشيخ علي بلحاج حيث قمت بزيارته عصراً في مكتبه المتواضع، بدأت الحديث بتقديم شرح مطول عمّا يعانيه شعب الكويت من قهر واحتلال وتعذيب وقتل واغتصاب للنساء وتدمير للبلاد والعباد، استرسلت بالحديث وشيخنا الفاضل يستمع باهتمام وإنصات تام، بعد أن أنهيت كلامي تحدث الشيخ، وليته لم يتحدث، فقد فاجأني بقوله:
“سعادة السفير هل تهدف من كلامك وشرحك أن تقنعني بالوقوف معكم ضد الرئيس المؤمن والعراق المجاهد، أنتم وأميركا تهدفون إلى القضاء على العراق وإنجازاته”… فسألت الشيخ الفاضل: “وماذا عن الكويت واحتلالها وتشريد أهلها”، أجاب بحدة لا تحاول فلن نوافقكم على ذلك، ثم أردف “غداً سألبس الكاكي العسكري وأنزل إلى شوارع الجزائر من أجل الدعوة للجهاد لنصرة العراق وسأجمع مليون مجاهد”.
هنا أدركت أن الاستمرار في الجدال لن يجدي، فاستأذنت بالانصراف.
رميت نفسي في المقعد الخلفي للسيارة، وقد اسودت الدنيا بعيني، وجثمت على صدري جبال من الهم والقهر، هل يعقل أن من يحمل راية الدين والإسلام غير قادر على التفريق بين الحق والباطل؟ هل يعقل أن يناصر الظالم على المظلوم الذي خاطبه رب العزة في الحديث القدسي بقوله “بعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
في اليوم التالي نزل الشيخ إلى شوارع مدينة الجزائر بدعم وتأييد من السفارة العراقية التي كانت ترافقه، ومع ذلك لم يستطع أن يجند من المليون إلا بضع عشرات. ونصر الله الكويت ورد كيد الحاقدين.
وليحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.