المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على العشاء مع الزرقاوي



المهدى
12-23-2004, 07:40 AM
عبد الرحمن الراشد

اخيرا فر الصحافيان الفرنسيان بجلدهما من اخطر مكان في العالم، حيث العراق وتحديدا خارج مناطق السلطة الرسمية. هناك من قال، مقللاً من شأن الخطر، ان الفرنسيين كانا في صحبة اتباع سفير «القاعدة» في العراق، ابو مصعب الزرقاوي، وهناك من اكد الصورة الأسوأ وهي انهما معتقلان عند اتباعه. وسواء كانا مع الزرقاوي ام ضده لا يهم، الأكيد ان كريستيان شيزنو وجورج مالبرونو لم يمضيا الاشهر الاربعة على رمال الريفيرا الفرنسية.

وصحبة الجماعات المسلحة، في اي مكان بالعالم، هي مثل رفقة الثعابين السامة، غير مأمونة العواقب مهما كانت نعومة ملمسها. ولدينا قائمة طويلة من الصحفيين الذين قتلوا في رحلات او حفلات عشاء موعودة ، غدر بهم مضيفوهم على موائدها، مثل مراسل الوول ستريت في باكستان الذي استدرج بوعد بخبطة صحفية وحز رأسه. وهناك صحفيان غربيان قتل احدهما وجرح الثاني في الرياض ، رغم انهما عرفا برغبتهما في التواصل مع كل الاطراف. واكثر مذبحة عرفها الاعلام كانت في العراق ، حيث قتل نحو سبعين صحفيا غيلة ، وبطرق شتى في العراق في ميدان العمل.

لهذا فان القول بان الصحفيين الفرنسيين كانا في مأمن في صحبة الزرقاوي، او غيره، ينتقص من حقيقة الوضع الخطير الذي فيه مخاطرة لا تقل عن خطر الموت بلعبة الروليت الروسية. فلا يوجد صحفي إلا أبله يثق برفقة المسلحين ، كما يدخل طواعية جحر الثعبان ، معتقدا بانه سيخرج غير ملدوغ الا بحظ عظيم. وكان الخطر حقيقيا في حال الصحفيين الفرنسيين ، اللذين كانا في خطر مستمر ، اما ضحية التقلبات السياسية او نقص مخزون المسلحين من المخطوفين الغربيين. وسواء كانا في رفقة المسلحين طواعية، او ينفذان فيلما ، او يكتبان قصة ، او اوقعهما حظهما العاثر في طريق المسلحين، كل هذه الاحتمالات مهيئة لنهاية حزينة.

ولو راجعنا وقائع معظم الذين قتلوا على ايدي خاطفيهم في العراق وافغانستان وباكستان ، لوجدنا انهم متعاطفون مع القضية التي يقاتل الى جانبها المسلحون، ونحن دائما نستغرب من استهداف المسلحين أكثر الناس قربا منهم. السبب ان هؤلاء الصحفيين، ومثلهم من العاملين في الجمعيات الخيرية او المنظمات الحقوقية، كانوا اهدافا سهلة للخطف والقتل ، فانجزوا بذلك غرضا للمسلحين لا علاقة له بمواقفهم السياسية. الخاطفون، مثل رجال الاعمال، لا يخلطون بين مواقفهم واعمالهم، ولا بين عواطفهم وبرامجهم، يبحثون عن ضحية سهلة وغربية ، ولن يجدوا افضل من مثل هؤلاء الصحفيين الباحثين عن قصة ليصبحوا انفسهم القصة.

لهذا يستحق الصحفيان الفرنسيان التهنئة بالسلامة ، فالحياة مع المسلحين، رغم ما فيها من فرصة صحفية نادرة، الا ان النجاة منها اعجوبة في حد ذاتها.