المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هـل وصـل النظـام الأردنـي إلـى «خانـة اليـك»؟



زهير
04-08-2012, 04:10 PM
http://www.assafir.com/Photos/Photos05-04-2012/89309W66599.jpg


أردني يلوح بقطعة من الخبز خلال تظاهرة مطالبة بالاصلاح في عمان العام الماضي. (أ ف ب)



هيفاء زعيتر - السفير


ثمة ما يثير قلق الملك الأردني عبد الله اليوم. قاعدة الدعم الشعبية التي ارتكز عليها لفترات طويلة يظهر أنها قد باتت مهددة بالتصدّع. وهذا ما تعكسه بوادر التململ التي بدأت تخرج من صفوف الشرق أردنيين، الذين طالما شكلوا استثماراً ناجحاً للملك عبد الله في وجه الأغلبيّة ذات الأصل الفلسطيني.

قلق الملك ليس «شرقياً» فحسب، ولو كان الأمر كذلك لما بلغت المسألة حداً يطرح السؤال حول سيناريوهات مقبلة تنتظر المملكة. بعض الموارد والمرونة، التي يتقن الملك الاستفادة منها، كانت كافية لحلّ المسألة لو جاءت في سياق منفصل أو مستقل. ولكنه «الهاجس الإسلامي» المتداخل مع التحديات الأخرى ما بات يلحّ على سؤال السيناريوهات المقبلة، لا سيما أن ما يُحكى عن حراك «إخواني» متزايد داخل المملكة، يأتي في سياق صعود حركة «الإخوان المسلمين» عربياً واتساع رقعة نفوذها... وفي خضّم كل هذا، يصرّ المراقبون والمسؤولون الأردنيون على عدم فصل المشهد الداخلي عما يجري على الساحة الإقليمية، وتحديداً في سوريا حيث يكمن التحدي الأكبر للملك.


في الداخل... حراك أم ماذا؟

للوهلة الأولى قد يبدو أن ما يُحكى عن حراك أردني وتهديدات محدقة بالنظام ضرباً من المبالغة. فهناك الكثير مما يوحي بأن كل شيء على ما يُرام. نجح عبد الله في تحقيق «انتصارات» ملحوظة في مجالات الاقتصاد والدفاع والديبلوماسية. بلغت معدلات النمو السنوية في البلاد اليوم الـ6 في المئة، في وقت يتوقع أن ترتفع مع اكتمال المشاريع الاقتصادية الخاصة، والإصلاحات «الاستباقية» التي قدمها الملك. كما عملت المملكة على تعزيز قدراتها الدفاعية من خلال اقتناء الأسلحة المتطورة.

ولكن ما سبق من تعداد لانتصارات النظام يخالف ما يبدو على أرض الواقع. فقد حذّرت مصادر مطلعة من تبعات ارتفاع معدلات الفقر المزمن والبطالة كما من التضخم الحاصل في أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة، والنقص الحادّ في المياه، فضلاً عن إهمال التنمية البشرية وتزييف الديموقراطية. علماً أن نسبة البطالة تبلغ 12 في المئة بحسب التقديرات الرسمية، في حين تشير التقديرات الحالية إلى أن الرقم الفعلي يصل إلى الضعف.

وفي سياق الحديث عن «الانتصارات الوهمية»، يعتبر الكاتب جاغديش سينغ من «معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية» أن محاولات الملك التقدم من الناحية الديموقراطية لم يكن مشجعاً بدوره. ففيما حصر الملك أهداف ما أسماه «التحول الذاتي والإصلاح التدريجي» بـ«انتخابات برلمانية نزيهة وفق قانون انتخاب يضمن أعلى درجات التمثيل، وبالتالي إنتاج مجلس نيابي جديد بتوجهات حزبية، وصولا إلى تشكيل حكومات حزبية برلمانية ممثلة»، لم يتغيّر الكثير، فلا يزال تعيين رئيس الوزراء محصوراً بالملك.

من جهته، يعبّر عضو مكتب دائرة العمل الطلابي والشبابي في حزب الوحدة الشعبيّة هادي الخطان في حديث إلى «السفير» أن غياب المؤسسة الرسمية الجدية لمحاسبة الفساد يؤدي إلى ضعف في عملية الإصلاح، ويعزز هذا الأمر التبعيّة الأجنبية وكل ما تجرّه من قيود.

يصرّ الخطان على أن الأمور تمشي عكس ما يريده النظام، وإن كان يؤكد أن لا احد يمكنه التكهن بما سيجري. ويصف حراك الشارع الأردني، وإن كان يشكل عضوا فاعلاً فيه، بأنه ما زال حالة نخبوية ينقصها الحشد الشعبي الواسع. في المقابل، يحرص الخطان على التأكيد أن الناشطين يحسبون خطواتهم جيداً كي لا يفسحوا المجال أمام القوى الإقليمية والدولية كي تستغل الشارع لخدمة مصالحه.

مستقبل الحراك لا يبدو مشجعاً، في المقابل، بالنسبة للناشط السياسي الأردني باسل حمد. يستند حمد في هذه الخلاصة، أثناء كلامه إلى»السفير»، على ما آلت إليه الاحتجاجات التي شهدتها المملكة منذ بداية العام الماضي تزامناً مع «الربيع العربي». ويقول إن «الخلل الأساسي الذي أضعف الحراك هو رفعه لسقف المطالب وصولاً إلى دعوته لإسقاط الملك، وهذا ما أخاف الناس من المستقبل وما أتاح فرصة أمام النظام لاستغلاله لصالحه».


في المقابل، يسلّط حمد الضوء على حجم ما يشكله الشرق أردنيون من تأثير في حال خرجوا من تحت جناح النظام، فهم يمتلكون جرأة سياسية أكبر ولديهم باع طويل في الحراك السياسي.
وتبقى الإشارة ضرورية إلى أن ما سبق لا ينفي بذور حراك أردني ما زالت تنبت هنا وهناك، تعكسها اعتصامات مختلفة كان آخرها قبل أيام للمطالبة بالإصلاح. وفي هذا السياق، اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس السلطات الأردنية بالتحول نحو طابع «القمع اكثر فاكثر» في تعاملها مع التظاهرات، مشيرة إلى ضرب عدد من النشطاء في مركز للشرطة.
الشرق أردنيون...

قنبلة موقوتة؟

اعتبر تقرير حمل عنوان «تسويف الإصلاح في أردن منقسم على نفسه»، نشرته «مجموعة الأزمات الدولية» أن «الشرق أردنيين شكلوا دائماً قاعدة الدعم لنظام لعب على مخاوفهم من الأغلبية ذات الأصل الفلسطيني. ويُرجع دعم الشرق أردنيين للملك إلى تمثيلهم المفرط في القطاع العام والأجهزة الأمنية وحتى البرلمان بفضل توزيع الدوائر الانتخابية لصالحهم»، مضيفاً «على العكس، فإن الأردنيين من أصل فلسطيني يعانون من التهميش والإقصاء من المناصب الرئيسية في الدولة. وحتى أنهم يعاملون كخائنين في بعض الأحيان، كما أن ذاكرة أيلول الأسود الدامي تهيمن على نظرتهم إلى السلطات المركزية وتزيد من شدة إحساسهم بالتهميش».

ولكن ما الذي تغيّر في هذه المعادلة؟ يؤكد التقرير أن المصدر التقليدي لنفوذ الشرق أردنيين المتمثّل في علاقتهم بالدولة تعرّض لضرر كبير جرّاء موجة الخصخصة واستفحال الفساد وتركيز الموارد في أيدي نخبة جديدة وضيّقة في القطّاع الخاص تتمتع بامتيازات خاصة وبسهولة الوصول إلى القصر الملكي.

وفي حين كان من السهل نسبياً فيما مضى أن يستغل النظام الملكي الانقسامات التي تفصل الشرق أردنيين عن الأردنيين الفلسطينيين، إلا أنه بات من الصعب عليه الآن احتواء الاحتجاجات من خلال تقسيم المحتجين، إذ نشأت تحالفات عابرة للمجموعتين حول مطالب محددة بالإصلاح السياسي، مما يشكّل تحديّاً لهيمنة الممارسات المستندة إلى سياسة الهوية، تؤكد «مجموعة الأزمات». وتلفت إلى أن «النظام حاول احتواء المشكلة بالطريقة التي دأب عليها تاريخياً والمتمثلة في إجراء الملك للتعديلات الوزارية وتكليف اللجان باستكشاف إصلاحات محتملة... غير أن ذلك ما هو سوى بدائل واهية لمعالجة أسباب الغضب».

«الإخوان» وسوريا... كابوس أردني!

تزامن تحرك الشرق أردنيين مع محاولة إظهار الحركة الإسلامية على أنها أكثر واقعية في مطالبه. وهذا ما يوضحه الخطان بالقول «إن الإخوان المسلمين يحاولون وضع انفسهم في المقدمة، ليظهر أنه وجه المطالبة بالإصلاح... علماً أن أجنداتهم الخارجية ليست خافية على أحد».

الخوف من الإسلاميين في الأردن له مبرران. الأول هو محاولتهم لاستغلال التمييز الذي يعاني منه الأردنيون من أصل فلسطيني تاريخياً، بمساعدة حركة «حماس» (الإسلامية)، ومن جهة أخرى الاستفادة من صعود «إخوانهم» في دول أخرى ومن الدعم الغربي لهم. وفي محاولة منه لاحتواء هذه الاحتمالية، لجأ الملك إلى أكثر ما يحب استخدامه الإسلاميون لجذب التعاطف: «تقريع إسرائيل». وعلى الرغم من علاقات المملكة الجيّدة بإسرائيل عمد الملك إلى اتهام تل أبيب قبل فترة بالاستمرار في بناء المستوطنات في القدس و«تعريض الأماكن المقدسة للخطر». وفي الجانب الآخر، عمد إلى تعزيز علاقاته مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحركة «حماس» لكسب ودّ الأغلبية السنية.

ولكن، برأي «معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية» تبدو حظوظ هذا النوع من التكتيكات غير كبيرة في الفوز على الإسلاميين، وذلك نتيجة «توقع الإخوان أن يحظى حراكهم ضدّ الملك بدعم حاشد، لا سيما من فلسطينيي الأردن. أضف إليه ما يمكن أن يحظى به الحراك من دعم من كل من اسماعيل هنية ومحمود الزهار المنضمين بشكل او بآخر تحت راية «الإخوان المسلمين»، وذلك على الرغم مما يمكن أن يكون قدمه مشعل من تطمينات ذات ضرورات تكتيكية للملك خلال زيارته الأخيرة للأردن».

هذا السيناريو يؤكده، بدورهم، الباحثون الثلاثة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» روبرت ساتلوف وأندرو تابلر وسايمون هندرسون بالقول إن «كلا التطورين، السخط بين أهل الضفة الشرقية التقليديين والمطالب المتزايدة بالتمثيل السياسي من قبل الإخوان المسلمين اللذين أصبحا أكثر جرأة، إنّما يشكّلان تحدياً خطيراً للنظام، وخاصة في وقت لا تبدو فيه فرص الأردن الاقتصادية مشرقة». ولكن، بحسب الباحثين، فيما يبقى حلّ مشكلة الضفة الشرقية ممكنا، فإن مشكلة «الإخوان» أبعد من قدرة النظام على السيطرة عليها لكونها تتغذّى على أحداث، أهمها يتجلى في تطورات مصر وفي الأسلمة المحتملة للمعارضة السياسية لحكم بشار الأسد في سوريا.

ويضيف هؤلاء «حالياً تتمثّل استراتيجية الحكومة بدمج الذراع السياسي للإخوان المسلمين، جبهة العمل الإسلامي، مع النظام السياسي بأسرع ما يمكن، وإجراء انتخابات بناءً على قانون انتخابات معدّل في غضون أشهر. غير أنّ الإخوان ربما يقررون إبطاء هذه العملية شاعرين بأنّ الريح التي تهبّ عليهم من سوريا ربّما تعطيهم ثقلاً أكبر بمرور الوقت، وفي هذه الحالة ربما تجد «الجماعة» نفسها في موقف أقوى للضغط على النظام والمطالبة بتمثيل أكبر، وحتى كسب الهيمنة في البرلمان.

ما سبق يؤكد على الأهمية التي تحملها مآلات الأزمة السورية على النظام الأردني، ويترك إلى حدّ ما تفسيراً لما يمكن أن تسلكه عمّان في هذا الاتجاه. لا بدّ هنا من التوقف عند إشارة خطيرة حملتها قبل أيام تقارير رسمية تحدثت عن ضغط سعودي تمارسه الرياض على عمان من اجل السماح لها بتمرير السلاح إلى المسلحين السوريين. وقد سأل الملك السعودي عبد الله نظيره الأردني في اجتماع بينهما في 12 آذار الماضي «الموافقة على تزويد المعارضة السورية بالأسلحة عبر الأراضي الأردنية، مقابل مساعدات اقتصادية»، وفق ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال».

معطيات الصحيفة أكدت أن عمّان ما زالت ترفض هذا الطلب، «ولكن حسب تصريحات المسؤولين الأردنيين، لن يتمكن الأردن من مقاومة ضغوط الرياض لفترة طويلة في ما يخص هذه المسألة».

ويشير المسؤولون الأردنيون إلى العراق كسابقة في هذا الإطار، حيث يعتبرون أن بالإمكان دعم المتمردين في اللحظات الأخيرة. في البداية، ندّد الأردن بالغزو الأميركي للعراق في العام 2003 ليسارع إلى الانضمام دعماً لجهود الحرب، على الرغم من الصفقات النفطية المربحة التي كانت تعقدها مع العراق. علينا أن نضع كلا قدمينا على الأرض، هل كان يمكننا أن ننقلب على التحالف مع أميركا إبان غزو العراق؟

لماذا ستكون سوريا مختلفة؟»، يقول أحد المسؤولين الأردنيين.

ثمة عاملان يسهمان في تأرجح الأردن بين دعمه لسقوط النظام السوري وخوفه من تبعات هذا السقوط، بحسب ما يقول محللون. وفي هذا الإطار يشير باسل حمد إلى أن عمان تتخوف من سقوط النظام نتيجة ما يحــكى عن انتــشار»القـاعدة» والتي كانت ذاقت اللوعة منها في العام 2003.
من جهة أخرى، هناك الضغط الخليجي ـ الغربي الذي يستفيد من تبعية الأردن في ملفات عديدة، حيث يمكن أن يضغط استراتيجيا ودفاعياً، كما من خلال سلاح الاقتصاد لا سيما بعدما تركته الأزمة السورية من تداعيات على الاقتصاد الأردني. وفي هذا الإطار تذكر «نيويورك تايمز» أن دول الخلــيج، وتحــديدا السعــودية، ضخت مليارات الدولارات في الخزانة الأردنية.

وفي النهاية، لا شك أن النظام ما زال يحتفظ ببعض الأوراق الرابحة في يده كاللعب على وتر التخويف الشعبي من زعزعة الاستقرار (مجابهة مصير الشعب السوري نفسه)، والدعم السياسي والمادي الذي يتلقاه من الولايات المتحدة ودول الخليج، والانقسامات الدائمة داخل المعارضة. إلا أنه سيكون من التهور الاعتقاد بأنه بمنأى عن التغيرات الجذرية والإضرابات التي تجوب المنطقة، لا سيما وأن معالم خواتيم الأزمة في الجارة