سيد مرحوم
12-19-2004, 09:51 PM
عاجل الى العلماء والخطباء والدعاة
خطاب الجهل والكبرياء والتحجر يبعد الشباب عن الدين! *
حيدر حب الله
الخطاب الاسلامي التواصلي هو ذاك الجانب من الخطاب الاسلامي الذي يعنى بفتح علاقات مع كيان بشري معين، وهذا معناه من الناحية الاولية انه خطاب يخضع لنظم العلاقات وحاجاتها، ومن ثم فلا يمكنه ان يتعالى عن طرفي العلاقة المفترضة، وهما هنا: الاسلام من جهة، وشرائح المجتمع بمجموعها، او بجماعاتها، من جهة اخرى.
ونظم العلاقات نظم خاصة لا تخضع لمجرد آليات اكتشاف الحقيقة، او انتاج المعرفة، وانما تتخطى هذا الجانب لنقل تلك الحقيقة او المعرفة الى طرف آخر، لاجراء تفاعل معه يهدف، في المحصلة الايديولوجية الداخلية، الى ايصال فكرة او ممارسة دور اقناعي في صددها.
وقد مثلت عناصر، كالمنبر سيما الحسيني والدروس الدينية المباشرة، ولو عن طريق معلوماتي متطور... الوسائل القديمة والجديدة لاليات الخطاب الاسلامي، وكانت هذه العناصر ولا تزال صاحبة دور فاعل ورئيسي في هذا الميدان.
ونتيجة تداعيات عديدة، ظهرت الى السطح مسافة فصلت ما بين الخطاب الاسلامي التواصلي وبين واحدة من شرائح المجتمع تكاد تكون اهمها، الا وهي شريحة الشباب، بذكورها واناثها، وتبدت ظواهر عديدة كشفت الى حد معين عن سوء علاقة بين الطرفين بلغت احيانا حد القطيعة الكاملة.
وقد استدعى هذا الامر، ولا يزال، الحاجة الى دراسة هذه العلاقة وقراءتها مرة ثانية، سيما من زاوية نقدية للخطاب التواصلي، كمافعل الغزالي والمطهري والقرضاوي ومغنية الخ...
1- اول اشكالية واجهت الخطاب التواصلي كانت اشكالية فهم شريحة الشباب، فحتى الان هناك تيار، في الوسط الاسلامي، لم يدرك بعد طبيعة الشاب وتكوينه، سيما مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية التي تحيط به وبتكونه، وقد ادى الجهل بالشباب الى ممارسات قمعية احيانا زادت في الشاب نفسه عوامل القطيعة، والبعد عن الدين، بوصفه، في نظره، قطعة جامدة صلبة وجافة لارحمة ولا عطف ولا حنان فيها.
ان استخدام خطاب مختمر، من الزاوية العقلية والمعرفية، مع شاب يسير في مراحل الاختمار والتكون، ادى الى ان يجد الشاب نفسه غير معني بذاك الخطاب، انه خطاب يعالج هموم غيره ومشكلاته، ولا يعالج ما يعانيه هو من هموم ومشكلات.
ان الاحساس الحقيقي، من جانب ارباب الخطاب التواصلي الاسلامي، بهموم الشاب ومعاناته هو ما يوفر الطريق لفتح علاقة معه،اما الاستهزاء بتلك الهموم بادعاء انها مجرد اوهام صبيانية فلن يقدم خدمة لهذا الخطاب في علاقته بالشباب، وسيزيد الهوة الفاصلة بدل ان يردمها.
ويمثل القلق والرغبة في الاستقلال والجنس اهم هموم الشباب واكثرها حساسية في محيطه العائلي والاجتماعي معا، ان الشاب قلق لانه
يحاول الشروع في رسم مسلسل حياته لمستقبل لا يعرفه،
وهو ايضا بحاجة للاستقلال لكي يشعر بكيانه ويلتذ بذاته،الامر الذي يخلق له مشكلات اسرية جادة،
وهو كذلك في اوج نضوجه الجنسي... ذاك النضوج الذي يلاحقه مهما خفت صوت المؤثرات، انه احساس ينبعث من اعماقه في يوم لا يترقبه حتى لو خمدت المؤثرات الى ابعد الحدود...،
ان حاجة الشاب للاستقلال واشباع الغريزة هو ما يسبب له القلق والاضطراب، سيما في ظل ظروف عائلية غير سليمة، او في اجواء اقتصادية بالغة الحدة.
ولا تقف هذه الحاجات عند بداياتها، بل قد يتطور شعور القلق ليترجم اجراما احيانا او ادمانا احيانا اخرى او...، كما يتطور حب الاستقلال ليبلغ حالات من التهور التي لا يفعلها السوي في حالاته العادية، فيقدم الشاب على تصرفات لا يريد من ورائها سوى الشعور بالذات مهما بدت لنا من بعيد امرا سلبيا، وهكذا اشباع الغريزة يتنامى في افراط فينكشف عن مظاهر سلوكية شاذة قديصعب وضع لجام لها في ما بعد.
ان محاولة تحليل الظواهر السلوكية، التي تبدو على شخصية الشاب، تحليلا عميقا ومدروسا، هو الذي يجعلنا قادرين على اكتشافه، ومن ثم اصلاح نقطة الخطا او ترشيدها بدل اهدار الذات في اصلاح مظاهر لا تعدو ان تتكيف وفاقا للظروف لتبرز على شكل نتوءات في مكان آخر من الشخصية.
وهذا يعني ان الخطاب التواصلي الذي يريد اصلاح الشباب لا يمكنه ان يحقق هدفه بخطاب موحد يوجهه الى الشباب نفسه، ويتبع فيه طريقة الخطاب المباشر المعتادة، وانما يطالب بخطاب معني بالعائلة والمدرسة وغيرها، ما يؤدي دورا مهما في تكوين الشاب،ويكون هو المسؤول كثيرا عن انحرافاته.
2- واذا ما تم اكتشاف الشاب وقراءة الوجه الاخر له، من دون مجرد المظاهر السطحية، ومن ثم تم فهم همومه والاحساس معه لاالتعالي عليه وقمعه وممارسة تكبر وعجرفة امامه.. امكن، حينئذ، تفهم ظاهرة النقد والرفض التي يمارسها الشاب سيما في ظل ظروفنا الاجتماعية المعاصرة، وفي سياق تطور المعلوماتية.
ان الخطاب الذي يريد من الشباب ان يستمع فقط، وان يعبر بكلمة «نعم» عن كل ما يقال له.. هو خطاب واهم، ان الشباب اليوم آوهذه حقيقة يختلف حتى عن شباب الامس القريب، فلم تعد الامية كما كانت، ولم يعد المستوى الذهني والعقلي العام كما كانت عليه الحال قبل عقود، فضلا عن قرون، وهذا معناه ان الشاب السؤول بطبيعته سوف يمارس - على ضوء وعيه الجديد - حسا نقديا قويا قد يكون لاذعا ومفرطا بحكم الحيوية الهائجة التي تحكم الشباب نفسه.
وهذا ما يفرض علينا
اولا: الاقرار بحق الشباب في السؤال والنقد،
وثانيا: عدم سحب هذا الاقرار بسبب الضعف المعرفي الذي قديبتلى به الشاب نتيجة عدم اختمار الافكار والتصورات عنده،
الامر الذي يؤدي ثالثا الى استيعاب الشباب بدل طردهم.
واذا ما اضفنا حقيقة اخرى غدت ملموسة اليوم للجميع، وهي ان الدين والمفاهيم الدينية دخلت بالفعل سوق التداول العام حتى في بعدها النظري الذي كان في ما مضى حكرا على طوائف معينة... اذا اخذنا هذه الحقيقة، فسوف نفهم انه من الضروري اعداد خطاب معرفي حقيقي للشباب والتخلي عن الخطاب التلقيني الذي يفترض سلفا امية الشباب وجهله، حتى لو لم يكن متخصصا في العلوم الدينية، سيما مع اعتقاد الشاب نفسه احيانا بعدم كفاءة الطرف الاخر من الزاوية العلمية.
3- واذا ما ادركنا الشاب وهمومه ومشكلاته، ادركنا ايضا ان انتظاره لياتينا مجرد وهم زائف، قلما يتحول الى حقيقة ملموسة، ولهذا لا بد من الذهاب وراء الشاب لجذبه الى الدين، لا الجلوس في انتظار مجيئه الينا، ليسالنا عن دينه، او يستفهمنا عن شرعية اعماله.
والاشكالية الاساسية التي تواجه الخطاب التواصلي، هنا، تكمن احيانا في الشعور بالاستعلاء على الشاب، والانفة من السير وراءه لتوجيهه برفق نحو الدين والقيم الاسلامية، ان هذا الشعور، علاوة على الاشكاليات الاخلاقية التي يختزنها، لا ينم عن وعي واقعي بمشكلة التبليغ والدعوة الى الله تعالى.
ان الاهتمام بالشباب واحساسهم باننا معهم نحميهم، ونريدهم، يعزز عندهم الشعور بالاستقلال والاحساس بالذات، انه يرضيهم، وهذا الرضا هو المؤشر المهم الذي يسمح لنا بالدخول الى اعماقهم من دون قلق او وجل، فنحن لا نريد السيطرة عليهم بل نريد الرفق بهم ومداواتهم.
ولا يعني ذلك ابدا اننا الاكمل، او اننا نمارس وصاية عليهم، ذلك ما يشمئز منه الشاب على الدوام، بل يعني ان نمارس منطق التعاون ومنطق نقل الخبرات والتجارب والمعرفة.
4- واذا كان من الضروري السير خلف الشاب لمساندته وتوعيته اسلاميا، فهذا يعني ضرورة البحث عن النوافذ التي تربطنا به، لاتلك التي تربطه بنا وتوصله الينا اذا اردنا، يجب ان نعرف كيف نصل نحن اليه لا كيف يصل هو الينا فقط.
يمكن للشاب ان يطلبنا ربما في المساجد والمعاهد الدينية وفي اماكن الذكر والعبادة و... الاخرى، لكننا لن نجده اذا طلبناه هناك، مايعني اننا مطالبون بسلوك الطرق التي سلكها، اي ان نصل اليه عبر وسائل الاتصال الجديدة من التلفزيون والاذاعة والانترنت والصحيفة الخ... وهذا ما يتطلب التعالي عن بعض الكبرياء الزائفة والاقتناع بان التواجد مع الشباب لهدايته، ولو في غير اماكننا التقليدية ليس عيبا يعاب عليه الانسان ولا جرما يحاسب عليه، اذا ما اتقن الانسان الظروف وراعاها باقصى ما يمكن من الدقة والتحفظ، والا فقد لا نجد هذا الشاب ولا نراه في حياتنا ابدا.
5- وليس سلوك طريق اداتي هو الغاية، وانما الغاية خطاب رحيم يراف بالشاب وياخذه في احضان الايمان والصدق، وكما ذكرفقهاؤنا الاعلام(رض): ينبغي الرفق بمن نامره بالمعروف وننهاه عن المنكر.
والرفق ليس كلمة تذكر على لسان او تنادى في ميدان، وانما هي سلوك اصيل يطالب الداعية الى الله بتمثله في حياته، ان الخطاب الذي يحمله اشخاص اجلاف قساة لا يرحمون ولا يرافون لهو خطاب مصيره الموت، وهذه هي سيرة النبي(ص) والائمة(ع)، سيما ما ورد عن الامامين: الحسن والحسين(ع) لتدل بوضوح على الروح الرحيمة التي كانت بين جنبيهم (صلوات الله عليهم)، اما تلك الروح الجافة الصدئة فليس لها من آذان تستمع اليها وتصغي.
6- وهذا ما يستدعي اتقياء يحمون الاهل والبلد من الفساد والانهيار، تصان بهم الارض من شرور الفسق والفجور، وتعم بهم روح الرحمة والرافة والهداية والابوية.
ان الفصل الدقيق ما بين «اشداء على الكفار» و«رحماء بينهم» هو اساس هذا المفهوم، ذلك ان بعضهم يقف احد موقفين:
اما ان يعادي اغلب الناس حينما تجده يتعامل مع الجميع بشدة حتى لا تكاد البسمة تتعرف الى شفتيه،
او يصادق حتى عدوه الذي يستحق القتال فتراه طيعا قد لا يركن الى ركن حفيظ، وهذا الخلط هو ما يسبب احيانا التعامل داخل الدائرة، مع الشباب المسلم، بشكل غير مناسب، الامر الذي يؤدي الى فرارهم من الدين مع الاسف الشديد.
ويبقى القرآن الكريم هو الملهم لخطابنا التبليغي على الدوام، انطلاقا من قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاغليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم...) «آل عمران/159».
----------------
* العنوان الاصلي للمقالة كما وضعها الكاتب هي ..الخطاب الاسلامي التواصلي وشريحة الشباب..ازمة ثقة ومشكلة ممانعة..استبدل لاعتبارات اعلامية خاصة.
خطاب الجهل والكبرياء والتحجر يبعد الشباب عن الدين! *
حيدر حب الله
الخطاب الاسلامي التواصلي هو ذاك الجانب من الخطاب الاسلامي الذي يعنى بفتح علاقات مع كيان بشري معين، وهذا معناه من الناحية الاولية انه خطاب يخضع لنظم العلاقات وحاجاتها، ومن ثم فلا يمكنه ان يتعالى عن طرفي العلاقة المفترضة، وهما هنا: الاسلام من جهة، وشرائح المجتمع بمجموعها، او بجماعاتها، من جهة اخرى.
ونظم العلاقات نظم خاصة لا تخضع لمجرد آليات اكتشاف الحقيقة، او انتاج المعرفة، وانما تتخطى هذا الجانب لنقل تلك الحقيقة او المعرفة الى طرف آخر، لاجراء تفاعل معه يهدف، في المحصلة الايديولوجية الداخلية، الى ايصال فكرة او ممارسة دور اقناعي في صددها.
وقد مثلت عناصر، كالمنبر سيما الحسيني والدروس الدينية المباشرة، ولو عن طريق معلوماتي متطور... الوسائل القديمة والجديدة لاليات الخطاب الاسلامي، وكانت هذه العناصر ولا تزال صاحبة دور فاعل ورئيسي في هذا الميدان.
ونتيجة تداعيات عديدة، ظهرت الى السطح مسافة فصلت ما بين الخطاب الاسلامي التواصلي وبين واحدة من شرائح المجتمع تكاد تكون اهمها، الا وهي شريحة الشباب، بذكورها واناثها، وتبدت ظواهر عديدة كشفت الى حد معين عن سوء علاقة بين الطرفين بلغت احيانا حد القطيعة الكاملة.
وقد استدعى هذا الامر، ولا يزال، الحاجة الى دراسة هذه العلاقة وقراءتها مرة ثانية، سيما من زاوية نقدية للخطاب التواصلي، كمافعل الغزالي والمطهري والقرضاوي ومغنية الخ...
1- اول اشكالية واجهت الخطاب التواصلي كانت اشكالية فهم شريحة الشباب، فحتى الان هناك تيار، في الوسط الاسلامي، لم يدرك بعد طبيعة الشاب وتكوينه، سيما مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية التي تحيط به وبتكونه، وقد ادى الجهل بالشباب الى ممارسات قمعية احيانا زادت في الشاب نفسه عوامل القطيعة، والبعد عن الدين، بوصفه، في نظره، قطعة جامدة صلبة وجافة لارحمة ولا عطف ولا حنان فيها.
ان استخدام خطاب مختمر، من الزاوية العقلية والمعرفية، مع شاب يسير في مراحل الاختمار والتكون، ادى الى ان يجد الشاب نفسه غير معني بذاك الخطاب، انه خطاب يعالج هموم غيره ومشكلاته، ولا يعالج ما يعانيه هو من هموم ومشكلات.
ان الاحساس الحقيقي، من جانب ارباب الخطاب التواصلي الاسلامي، بهموم الشاب ومعاناته هو ما يوفر الطريق لفتح علاقة معه،اما الاستهزاء بتلك الهموم بادعاء انها مجرد اوهام صبيانية فلن يقدم خدمة لهذا الخطاب في علاقته بالشباب، وسيزيد الهوة الفاصلة بدل ان يردمها.
ويمثل القلق والرغبة في الاستقلال والجنس اهم هموم الشباب واكثرها حساسية في محيطه العائلي والاجتماعي معا، ان الشاب قلق لانه
يحاول الشروع في رسم مسلسل حياته لمستقبل لا يعرفه،
وهو ايضا بحاجة للاستقلال لكي يشعر بكيانه ويلتذ بذاته،الامر الذي يخلق له مشكلات اسرية جادة،
وهو كذلك في اوج نضوجه الجنسي... ذاك النضوج الذي يلاحقه مهما خفت صوت المؤثرات، انه احساس ينبعث من اعماقه في يوم لا يترقبه حتى لو خمدت المؤثرات الى ابعد الحدود...،
ان حاجة الشاب للاستقلال واشباع الغريزة هو ما يسبب له القلق والاضطراب، سيما في ظل ظروف عائلية غير سليمة، او في اجواء اقتصادية بالغة الحدة.
ولا تقف هذه الحاجات عند بداياتها، بل قد يتطور شعور القلق ليترجم اجراما احيانا او ادمانا احيانا اخرى او...، كما يتطور حب الاستقلال ليبلغ حالات من التهور التي لا يفعلها السوي في حالاته العادية، فيقدم الشاب على تصرفات لا يريد من ورائها سوى الشعور بالذات مهما بدت لنا من بعيد امرا سلبيا، وهكذا اشباع الغريزة يتنامى في افراط فينكشف عن مظاهر سلوكية شاذة قديصعب وضع لجام لها في ما بعد.
ان محاولة تحليل الظواهر السلوكية، التي تبدو على شخصية الشاب، تحليلا عميقا ومدروسا، هو الذي يجعلنا قادرين على اكتشافه، ومن ثم اصلاح نقطة الخطا او ترشيدها بدل اهدار الذات في اصلاح مظاهر لا تعدو ان تتكيف وفاقا للظروف لتبرز على شكل نتوءات في مكان آخر من الشخصية.
وهذا يعني ان الخطاب التواصلي الذي يريد اصلاح الشباب لا يمكنه ان يحقق هدفه بخطاب موحد يوجهه الى الشباب نفسه، ويتبع فيه طريقة الخطاب المباشر المعتادة، وانما يطالب بخطاب معني بالعائلة والمدرسة وغيرها، ما يؤدي دورا مهما في تكوين الشاب،ويكون هو المسؤول كثيرا عن انحرافاته.
2- واذا ما تم اكتشاف الشاب وقراءة الوجه الاخر له، من دون مجرد المظاهر السطحية، ومن ثم تم فهم همومه والاحساس معه لاالتعالي عليه وقمعه وممارسة تكبر وعجرفة امامه.. امكن، حينئذ، تفهم ظاهرة النقد والرفض التي يمارسها الشاب سيما في ظل ظروفنا الاجتماعية المعاصرة، وفي سياق تطور المعلوماتية.
ان الخطاب الذي يريد من الشباب ان يستمع فقط، وان يعبر بكلمة «نعم» عن كل ما يقال له.. هو خطاب واهم، ان الشباب اليوم آوهذه حقيقة يختلف حتى عن شباب الامس القريب، فلم تعد الامية كما كانت، ولم يعد المستوى الذهني والعقلي العام كما كانت عليه الحال قبل عقود، فضلا عن قرون، وهذا معناه ان الشاب السؤول بطبيعته سوف يمارس - على ضوء وعيه الجديد - حسا نقديا قويا قد يكون لاذعا ومفرطا بحكم الحيوية الهائجة التي تحكم الشباب نفسه.
وهذا ما يفرض علينا
اولا: الاقرار بحق الشباب في السؤال والنقد،
وثانيا: عدم سحب هذا الاقرار بسبب الضعف المعرفي الذي قديبتلى به الشاب نتيجة عدم اختمار الافكار والتصورات عنده،
الامر الذي يؤدي ثالثا الى استيعاب الشباب بدل طردهم.
واذا ما اضفنا حقيقة اخرى غدت ملموسة اليوم للجميع، وهي ان الدين والمفاهيم الدينية دخلت بالفعل سوق التداول العام حتى في بعدها النظري الذي كان في ما مضى حكرا على طوائف معينة... اذا اخذنا هذه الحقيقة، فسوف نفهم انه من الضروري اعداد خطاب معرفي حقيقي للشباب والتخلي عن الخطاب التلقيني الذي يفترض سلفا امية الشباب وجهله، حتى لو لم يكن متخصصا في العلوم الدينية، سيما مع اعتقاد الشاب نفسه احيانا بعدم كفاءة الطرف الاخر من الزاوية العلمية.
3- واذا ما ادركنا الشاب وهمومه ومشكلاته، ادركنا ايضا ان انتظاره لياتينا مجرد وهم زائف، قلما يتحول الى حقيقة ملموسة، ولهذا لا بد من الذهاب وراء الشاب لجذبه الى الدين، لا الجلوس في انتظار مجيئه الينا، ليسالنا عن دينه، او يستفهمنا عن شرعية اعماله.
والاشكالية الاساسية التي تواجه الخطاب التواصلي، هنا، تكمن احيانا في الشعور بالاستعلاء على الشاب، والانفة من السير وراءه لتوجيهه برفق نحو الدين والقيم الاسلامية، ان هذا الشعور، علاوة على الاشكاليات الاخلاقية التي يختزنها، لا ينم عن وعي واقعي بمشكلة التبليغ والدعوة الى الله تعالى.
ان الاهتمام بالشباب واحساسهم باننا معهم نحميهم، ونريدهم، يعزز عندهم الشعور بالاستقلال والاحساس بالذات، انه يرضيهم، وهذا الرضا هو المؤشر المهم الذي يسمح لنا بالدخول الى اعماقهم من دون قلق او وجل، فنحن لا نريد السيطرة عليهم بل نريد الرفق بهم ومداواتهم.
ولا يعني ذلك ابدا اننا الاكمل، او اننا نمارس وصاية عليهم، ذلك ما يشمئز منه الشاب على الدوام، بل يعني ان نمارس منطق التعاون ومنطق نقل الخبرات والتجارب والمعرفة.
4- واذا كان من الضروري السير خلف الشاب لمساندته وتوعيته اسلاميا، فهذا يعني ضرورة البحث عن النوافذ التي تربطنا به، لاتلك التي تربطه بنا وتوصله الينا اذا اردنا، يجب ان نعرف كيف نصل نحن اليه لا كيف يصل هو الينا فقط.
يمكن للشاب ان يطلبنا ربما في المساجد والمعاهد الدينية وفي اماكن الذكر والعبادة و... الاخرى، لكننا لن نجده اذا طلبناه هناك، مايعني اننا مطالبون بسلوك الطرق التي سلكها، اي ان نصل اليه عبر وسائل الاتصال الجديدة من التلفزيون والاذاعة والانترنت والصحيفة الخ... وهذا ما يتطلب التعالي عن بعض الكبرياء الزائفة والاقتناع بان التواجد مع الشباب لهدايته، ولو في غير اماكننا التقليدية ليس عيبا يعاب عليه الانسان ولا جرما يحاسب عليه، اذا ما اتقن الانسان الظروف وراعاها باقصى ما يمكن من الدقة والتحفظ، والا فقد لا نجد هذا الشاب ولا نراه في حياتنا ابدا.
5- وليس سلوك طريق اداتي هو الغاية، وانما الغاية خطاب رحيم يراف بالشاب وياخذه في احضان الايمان والصدق، وكما ذكرفقهاؤنا الاعلام(رض): ينبغي الرفق بمن نامره بالمعروف وننهاه عن المنكر.
والرفق ليس كلمة تذكر على لسان او تنادى في ميدان، وانما هي سلوك اصيل يطالب الداعية الى الله بتمثله في حياته، ان الخطاب الذي يحمله اشخاص اجلاف قساة لا يرحمون ولا يرافون لهو خطاب مصيره الموت، وهذه هي سيرة النبي(ص) والائمة(ع)، سيما ما ورد عن الامامين: الحسن والحسين(ع) لتدل بوضوح على الروح الرحيمة التي كانت بين جنبيهم (صلوات الله عليهم)، اما تلك الروح الجافة الصدئة فليس لها من آذان تستمع اليها وتصغي.
6- وهذا ما يستدعي اتقياء يحمون الاهل والبلد من الفساد والانهيار، تصان بهم الارض من شرور الفسق والفجور، وتعم بهم روح الرحمة والرافة والهداية والابوية.
ان الفصل الدقيق ما بين «اشداء على الكفار» و«رحماء بينهم» هو اساس هذا المفهوم، ذلك ان بعضهم يقف احد موقفين:
اما ان يعادي اغلب الناس حينما تجده يتعامل مع الجميع بشدة حتى لا تكاد البسمة تتعرف الى شفتيه،
او يصادق حتى عدوه الذي يستحق القتال فتراه طيعا قد لا يركن الى ركن حفيظ، وهذا الخلط هو ما يسبب احيانا التعامل داخل الدائرة، مع الشباب المسلم، بشكل غير مناسب، الامر الذي يؤدي الى فرارهم من الدين مع الاسف الشديد.
ويبقى القرآن الكريم هو الملهم لخطابنا التبليغي على الدوام، انطلاقا من قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاغليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم...) «آل عمران/159».
----------------
* العنوان الاصلي للمقالة كما وضعها الكاتب هي ..الخطاب الاسلامي التواصلي وشريحة الشباب..ازمة ثقة ومشكلة ممانعة..استبدل لاعتبارات اعلامية خاصة.