سيد مرحوم
12-19-2004, 02:11 AM
اللصوص .. يصلون ويبنون المساجد أيضا
كتابات - إبراهيم الهطلاني
ما تعرضه وسائل الإعلام العربي من تصريحات رسمية عن الشفافية والنزاهة والوطنية واقع الحال يصفها بأنها أحاديث أقنعة وشعارات للاستهلاك المحلي ، المتنفذون يستخدمون كل اللغات المهدئة ويتلونون تبعا للمقام ، منهم من يمتطي الوطنية ومنهم من يتحدث عن الشعب وآخرون يستشهدون بالتنزيل ويلبسون عباءة الدين وهم كاذبون ، شرق وغرب ببصرك تجده مشهدا متشابها من المحيط إلى الخليج .
مؤخرا كنت في زيارة لمدينة الجمال والحرية .. والأوجاع السياسية والاقتصادية "بيروت" وكان يوم الجمعة ، ركبت سيارة تاكسي من وسط المدينة وفي طريقنا للفندق مكان إقامتي مررنا بشارع مزدحم بسبب انتهاء صلاة الجمعة وخروج المصلين و أثناء توقفنا أشار السائق إلى سيارة "مرسيدس شبح " متوقفة على جانب الطريق وقال مستنكرا "هيدا لص كبير وبيصلي " وقد لاحظت من لوحة السيارة أنها لشخصية مهمة في الحكومة ، فقلت له إذا كان اللصوص عندكم يصلون فبعضهم في الدول العربية (النفطية) يبنون المساجد .. أخي الحال من بعضه ، ولا مانع يحول دون صلاة هؤلاء وقد يجتمع السارق والمسروق في مسجد واحد وفي صف واحد ولكل منهما دعوته والحَكم العدل في السماء ، أما حكم الأرض فالأمل فيه ضعيف لأن الغالب فيه انه غير بعيد عن الشبهة .
اللصوص موجودون في كل زمان ومكان وهم كثر في أوروبا واسيا مثلما هم في العالم العربي وقد يستخدمون احدث الوسائل في عالم السرقة والفرق بيننا وبينهم أن لصوصنا يجدون من يشرع لهم نهب الأموال والاستيلاء على الأراضي وهناك من يخترع لهم الأعذار .
القوانين الجزائية مكتوبة ومرصودة في كل الدساتير والأنظمة العربية والسؤال المطروح هنا إلى أي حد هي واضحة ونافذة ورادعة .
في ظل الأنظمة الديمقراطية التعددية القوانين الجزائية والأحكام الجنائية واضحة ويخضع لها الجميع ولا تستثني أحدا مهما بلغت منزلته العائلية أو الوظيفية فإذا ما ثبتت قضية سرقة أو اختلاس أو شبهة تجاوزات مالية أو استغلال منصب يقبض عليه ويحاكم ويفضح على وسائل الإعلام ، والأمثلة على ذلك مشهورة منها على سبيل المثال محاكمة الرئيس الفليبيني "فرديناندماركس" وزوجته في فضيحة الاستيلاء على المعونات الأمريكية المقدمة للشعب الفليبيني خلال الفترة بين عامي 1971-1986م .
وقضية شركة "ريكون كوزموس" اليابانية للاتصالات التي قدم على إثرها رئيس الوزراء الياباني "تاكيشيتا"استقالته مع عدد من أعضاء الحكومة اليابانية بسبب ما نشر عن علاقتهم بفضيحة تلقي هدايا ورشاوى للتأثير الإيجابي على تداول اسهم الشركة في البورصة .
ومن القضايا المشهورة ما حصل في إندونيسيا عام 2001م عندما أعلن مكتب المدعي العام الإندونيسي عن استدعاء رئيس البرلمان "اكبر تانجونغ" لاستجوابه في قضية سوء التصرف في الأموال المخصصة لوكالة الغذاء الحكومية والتي تعود أحداثها إلى عام 1999م .
وفي أوروبا وقعت كثير من الفضائح المالية ومثل عدد غير يسير من كبار المسؤولين في تلك الحكومات أمام المؤسسات القضائية ولجان التحقيق واستقال البعض وأقيل آخرون ، فعلى سبيل المثال تعرض المستشار الألماني "هيلموت كول" للاستجواب الرسمي في قضية تبرعات حصل عليها الحزب المسيحي الديموقراطي إضافة إلى مساءلته في عدة صفقات مثيرة للجدل في ألمانيا .
كما قدم مدير عام اللجنة الأولمبية الأمريكية "لويدوورد" بعد زيارة تفتيشية قامت بها لجنة خاصة تابعة للكونجرس الأمريكي واكتشفت خلالها تجاوزات مالية ومحاسبية خلال عام 2002م .
وفي بلادنا العربية تختفي ميزانيات بملايين الدولارات .. عادي ، عندنا يخترعون صفقات لا يحتاجها البلد ولا مواطنوه بدافع الحصول على العمولات وهي أيضا بالملايين ..ما فيه مشكلة الشعب طيب ولكل مجتهد نصيب ، انهم يسمسرون على كل شئ تطاله أيديهم ، ومع أننا نعرف أن فلان حرامي بالوراثة وعلان نصاب إلا أننا نناديهم يا بيه فلان ويا شيخ علان .
والمضحك بعد البكاء أن فلانا من الداعمين علنا للجمعيات الخيرية و أن علانا يبني كل سنه مسجدا وينفق في سبيل الرحمن وطبعا من مال الشعب ، بالعربي تنفق شماله مما نهبت يمينه .. ونحن ندعوا له بالتوفيق !.
أما المبكي بعد الضحك انه لا يقبض على اللصوص "الكبار طبعا " إلا في مسلسلاتنا وأفلامنا العربية أما في الواقع تجد الحرامي أو ابنه هو منتج الفلم طبعا بالفلوس المسروقة وموضوع الفيلم "الوطنية والمصلحة العامة"
لم نسمع عن حاكم في منطقتنا يخضع للمساءلة ولم يقدم أي قريب له للمحاكمة ، ربما لان كل حكامنا وأبناءهم وأقاربهم مبعوثون رحمة وهداية لشعوبهم ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم وان كل ما يشاع عن هواياتهم في الاستيلاء على عائدات ثروات الشعب والسطو على أراضى المواطنين وتورطهم في صفقات مشبوهة هي محض ادعاءات وافتراءات إمبريالية وصهيونية و.....الخ ، وإما أنها مؤشر ودليل على تفشي الفساد وتغلغله في كل الطبقات العليا الرسمية في النظام العربي بحيث يصل التنافس بين الكبار على تقطيع الأوصال ، وهي المرحلة التي يصعب التفريق فيها بين الصالح والطالح ، القصص كثيرة والحوادث اكثر والفضائح المالية بلا حدود ..لكنها محمية .
وفي أصول ثقافتنا وفي الحديث النبوي " إنما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " وكما هو واضح إشارة التحذير من قضايا الفساد المالي لان التهاون في تطبيق القوانين والتمييز في العقوبات والكيل بأكثر من مكيال يؤدي لا محالة إلى استشراء الفساد والفقر و الظلم و تفكك الأنظمة وانعدام الأمن والنتيجة هلاك الأمم .
إذا لماذا تفضح كثير من عمليات الفساد المالي التي يتورط فيها مسؤولون رسميون أو مقربون من السلطة في الدول الديمقراطية ويقدم السارق فيها للمحاكمة بينما ينجو و ينعم اللصوص المعتدون على أموال ومقدرات الشعوب في الدول العربية وعادة ما يكونون من المتنفدين في الحكم .
لا شك أن هناك رابط وثيق بين النظام السياسي المسيطر في أي دولة وبين حجم الفساد المالي والإداري الموجود ، مع التأكيد مرة أخرى على وجود السرقات والتجاوزات المالية في كل الدول مهما كان نظامها إلا أننا ومن خلال المشاهدة والمتابعة نصل إلى نتيجة تكاد تبرز نفسها وهي أن نظام الحكم المؤمن بتداول السلطة الضامن للتعددية السياسية وللحريات العامة التي تمثل فيه المساءلة والنقد القاعدة اللازمة لأي عملية " إصلاح " والتي يجتمع عليها الحاكم والمحكوم هو نظام شفاف قادر على محاصرة الفساد ، لان الشعب هو من يختار الحاكم فهو بالتالي من يراقبه ويحاسبه وبهذا الوضع السياسي والثقافي يتميز المواطن المسروق في هذه الأنظمة الديمقراطية "الحقيقية"عن المواطن المسروق في النظم العربية التي تتغير فيها الأوضاع حيث يعمل فيها الحاكم على مراقبة شعبه ومصادرة حقوقه لمصالح فئة معينة .
Hemah99@hotmail.com
كتابات - إبراهيم الهطلاني
ما تعرضه وسائل الإعلام العربي من تصريحات رسمية عن الشفافية والنزاهة والوطنية واقع الحال يصفها بأنها أحاديث أقنعة وشعارات للاستهلاك المحلي ، المتنفذون يستخدمون كل اللغات المهدئة ويتلونون تبعا للمقام ، منهم من يمتطي الوطنية ومنهم من يتحدث عن الشعب وآخرون يستشهدون بالتنزيل ويلبسون عباءة الدين وهم كاذبون ، شرق وغرب ببصرك تجده مشهدا متشابها من المحيط إلى الخليج .
مؤخرا كنت في زيارة لمدينة الجمال والحرية .. والأوجاع السياسية والاقتصادية "بيروت" وكان يوم الجمعة ، ركبت سيارة تاكسي من وسط المدينة وفي طريقنا للفندق مكان إقامتي مررنا بشارع مزدحم بسبب انتهاء صلاة الجمعة وخروج المصلين و أثناء توقفنا أشار السائق إلى سيارة "مرسيدس شبح " متوقفة على جانب الطريق وقال مستنكرا "هيدا لص كبير وبيصلي " وقد لاحظت من لوحة السيارة أنها لشخصية مهمة في الحكومة ، فقلت له إذا كان اللصوص عندكم يصلون فبعضهم في الدول العربية (النفطية) يبنون المساجد .. أخي الحال من بعضه ، ولا مانع يحول دون صلاة هؤلاء وقد يجتمع السارق والمسروق في مسجد واحد وفي صف واحد ولكل منهما دعوته والحَكم العدل في السماء ، أما حكم الأرض فالأمل فيه ضعيف لأن الغالب فيه انه غير بعيد عن الشبهة .
اللصوص موجودون في كل زمان ومكان وهم كثر في أوروبا واسيا مثلما هم في العالم العربي وقد يستخدمون احدث الوسائل في عالم السرقة والفرق بيننا وبينهم أن لصوصنا يجدون من يشرع لهم نهب الأموال والاستيلاء على الأراضي وهناك من يخترع لهم الأعذار .
القوانين الجزائية مكتوبة ومرصودة في كل الدساتير والأنظمة العربية والسؤال المطروح هنا إلى أي حد هي واضحة ونافذة ورادعة .
في ظل الأنظمة الديمقراطية التعددية القوانين الجزائية والأحكام الجنائية واضحة ويخضع لها الجميع ولا تستثني أحدا مهما بلغت منزلته العائلية أو الوظيفية فإذا ما ثبتت قضية سرقة أو اختلاس أو شبهة تجاوزات مالية أو استغلال منصب يقبض عليه ويحاكم ويفضح على وسائل الإعلام ، والأمثلة على ذلك مشهورة منها على سبيل المثال محاكمة الرئيس الفليبيني "فرديناندماركس" وزوجته في فضيحة الاستيلاء على المعونات الأمريكية المقدمة للشعب الفليبيني خلال الفترة بين عامي 1971-1986م .
وقضية شركة "ريكون كوزموس" اليابانية للاتصالات التي قدم على إثرها رئيس الوزراء الياباني "تاكيشيتا"استقالته مع عدد من أعضاء الحكومة اليابانية بسبب ما نشر عن علاقتهم بفضيحة تلقي هدايا ورشاوى للتأثير الإيجابي على تداول اسهم الشركة في البورصة .
ومن القضايا المشهورة ما حصل في إندونيسيا عام 2001م عندما أعلن مكتب المدعي العام الإندونيسي عن استدعاء رئيس البرلمان "اكبر تانجونغ" لاستجوابه في قضية سوء التصرف في الأموال المخصصة لوكالة الغذاء الحكومية والتي تعود أحداثها إلى عام 1999م .
وفي أوروبا وقعت كثير من الفضائح المالية ومثل عدد غير يسير من كبار المسؤولين في تلك الحكومات أمام المؤسسات القضائية ولجان التحقيق واستقال البعض وأقيل آخرون ، فعلى سبيل المثال تعرض المستشار الألماني "هيلموت كول" للاستجواب الرسمي في قضية تبرعات حصل عليها الحزب المسيحي الديموقراطي إضافة إلى مساءلته في عدة صفقات مثيرة للجدل في ألمانيا .
كما قدم مدير عام اللجنة الأولمبية الأمريكية "لويدوورد" بعد زيارة تفتيشية قامت بها لجنة خاصة تابعة للكونجرس الأمريكي واكتشفت خلالها تجاوزات مالية ومحاسبية خلال عام 2002م .
وفي بلادنا العربية تختفي ميزانيات بملايين الدولارات .. عادي ، عندنا يخترعون صفقات لا يحتاجها البلد ولا مواطنوه بدافع الحصول على العمولات وهي أيضا بالملايين ..ما فيه مشكلة الشعب طيب ولكل مجتهد نصيب ، انهم يسمسرون على كل شئ تطاله أيديهم ، ومع أننا نعرف أن فلان حرامي بالوراثة وعلان نصاب إلا أننا نناديهم يا بيه فلان ويا شيخ علان .
والمضحك بعد البكاء أن فلانا من الداعمين علنا للجمعيات الخيرية و أن علانا يبني كل سنه مسجدا وينفق في سبيل الرحمن وطبعا من مال الشعب ، بالعربي تنفق شماله مما نهبت يمينه .. ونحن ندعوا له بالتوفيق !.
أما المبكي بعد الضحك انه لا يقبض على اللصوص "الكبار طبعا " إلا في مسلسلاتنا وأفلامنا العربية أما في الواقع تجد الحرامي أو ابنه هو منتج الفلم طبعا بالفلوس المسروقة وموضوع الفيلم "الوطنية والمصلحة العامة"
لم نسمع عن حاكم في منطقتنا يخضع للمساءلة ولم يقدم أي قريب له للمحاكمة ، ربما لان كل حكامنا وأبناءهم وأقاربهم مبعوثون رحمة وهداية لشعوبهم ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم وان كل ما يشاع عن هواياتهم في الاستيلاء على عائدات ثروات الشعب والسطو على أراضى المواطنين وتورطهم في صفقات مشبوهة هي محض ادعاءات وافتراءات إمبريالية وصهيونية و.....الخ ، وإما أنها مؤشر ودليل على تفشي الفساد وتغلغله في كل الطبقات العليا الرسمية في النظام العربي بحيث يصل التنافس بين الكبار على تقطيع الأوصال ، وهي المرحلة التي يصعب التفريق فيها بين الصالح والطالح ، القصص كثيرة والحوادث اكثر والفضائح المالية بلا حدود ..لكنها محمية .
وفي أصول ثقافتنا وفي الحديث النبوي " إنما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " وكما هو واضح إشارة التحذير من قضايا الفساد المالي لان التهاون في تطبيق القوانين والتمييز في العقوبات والكيل بأكثر من مكيال يؤدي لا محالة إلى استشراء الفساد والفقر و الظلم و تفكك الأنظمة وانعدام الأمن والنتيجة هلاك الأمم .
إذا لماذا تفضح كثير من عمليات الفساد المالي التي يتورط فيها مسؤولون رسميون أو مقربون من السلطة في الدول الديمقراطية ويقدم السارق فيها للمحاكمة بينما ينجو و ينعم اللصوص المعتدون على أموال ومقدرات الشعوب في الدول العربية وعادة ما يكونون من المتنفدين في الحكم .
لا شك أن هناك رابط وثيق بين النظام السياسي المسيطر في أي دولة وبين حجم الفساد المالي والإداري الموجود ، مع التأكيد مرة أخرى على وجود السرقات والتجاوزات المالية في كل الدول مهما كان نظامها إلا أننا ومن خلال المشاهدة والمتابعة نصل إلى نتيجة تكاد تبرز نفسها وهي أن نظام الحكم المؤمن بتداول السلطة الضامن للتعددية السياسية وللحريات العامة التي تمثل فيه المساءلة والنقد القاعدة اللازمة لأي عملية " إصلاح " والتي يجتمع عليها الحاكم والمحكوم هو نظام شفاف قادر على محاصرة الفساد ، لان الشعب هو من يختار الحاكم فهو بالتالي من يراقبه ويحاسبه وبهذا الوضع السياسي والثقافي يتميز المواطن المسروق في هذه الأنظمة الديمقراطية "الحقيقية"عن المواطن المسروق في النظم العربية التي تتغير فيها الأوضاع حيث يعمل فيها الحاكم على مراقبة شعبه ومصادرة حقوقه لمصالح فئة معينة .
Hemah99@hotmail.com