مطيري شيعي
03-17-2012, 03:18 PM
http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/465img/p21_20120314_pic1.jpg
الثلج في تبوك بداية الشهر الحالي (رويترز)
توبي ماتيسن - مجلة فورن بوليسي
خلال الأشهر الأخيرة، سببت قوى الأمن في شرق المملكة العربية السعودية مقتل سبعة من الشيعة بالرصاص وجرح عدّة عشرات. فيما تبقى تفاصيل إطلاق النار غامضة، وتدعي وزارة الداخلية أنّ الأشخاص الذين تعرضوا لإطلاق النار كانوا يهاجمون قوى الأمن، تلت احتجاجات حاشدة مراسم جنازة المتوفين. ليست هذه الأحداث إلا التطوّرات الأخيرة في نضال السعوديين الشيعة الذي استمر لعقود واتخذ طابعاً ملحاً جديداً في ظل انتفاضات 2011 الإقليمية، لكنّ وسائل الإعلام الرئيسية تجاهلتها إلى حدٍّ كبير. أذكت أحداث الربيع العربي التوترات القديمة العهد في المحافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
بعد ثلاثة أيام من بداية الاحتجاجات الواسعة النطاق في البحرين في 14 شباط/ فبراير 2011، بدأت الاحتجاجات في المحافظة الشرقية التي تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة، عبر جسر ممتد من البحرين. وليس من المستغرب، ربما، أنّ وزارة الداخلية السعودية وعدت بسحق الاحتجاجات «بقبضة من حديد»، وأطلقت حملة تشويهٍ إعلامي على الاحتجاجات، والشيعة عموماً. فيما هدأت الاحتجاجات خلال فصل الصيف، بدأت مجدداً في تشرين الأول/ أكتوبر، وأصبحت أكبر حجماً منذ ذلك الحين، ما أدى إلى ردٍّ أكثر صرامة من أي وقت مضى من قبل قوى الأمن.
يمثّل هذا الرد القمعي، والخطاب المتميز الذي يذكّر بخطاب نظام بشار الأسد في سوريا، تحديّاً خطراً للسياسة الخارجية السعودية الحديثة. فاحتجاجات الناس في المحافظة الشرقية شرعية بقدر الاحتجاجات في سوريا.
وإن لم تستجب المملكة العربية السعودية لتلك الدعوات إلى الإصلاح على الصعيد المحلي، فكيف تستطيع أن تدّعي بنحو جدي أنّها ستهبّ للدفاع عن الديموقراطية في سوريا؟ لقد أسهمت التدابير الأمنية الصارمة في المملكة العربية السعودية والبحرين في إعطاء النظامين الإيراني والسوري، فضلاً عن الحركات السياسية الشيعية في لبنان والعراق، استراتيجية خطابية مفيدة لصدّ خصومهم الإقليميين.
تضم المحافظة الشرقية معظم نفط السعودية تقريباً، وتؤوي أقلية شيعية كبيرة، تُقدَّر بما بين مليون ونصف ومليونين نسمة تقريباً، أو نحو 10 في المئة من مجموع مواطني المملكة العربية سعودية. لقد نمّى المذهب الوهابي المتفرع عن الإسلام السنّي الذي ترعاه الدولة عداءً خاصاً تجاه الشيعة. بالمقابل، لطالما اشتكى المواطنون السعوديون الشيعة من التمييز لناحية الممارسة الدينية، الوظائف الحكومية، ومن التهميش عموماً.
طوال عقود، رفعت المجموعات المعارضة التي تتألف من أفراد سعوديين شيعة، يساريين وإسلاميين، إلى جانب مئات العرائض التي قدمها وجهاء الشيعة، المطالب نفسها: وضع حدّ للتمييز الطائفي في التوظيف والتمثيل الحكومي في القطاعات الأساسية في الدولة، بما في ذلك على المستوى الوزاري؛ إنماء أكبر للمناطق الشيعية؛ تعزيز السلطة القضائية الشيعية؛ ووضع حد للاعتقالات العشوائية بحق الشيعة لأسباب دينية أو سياسية.
لن تؤدي أي من هذه المطالب إلى تقويض مكانة الأسرة المالكة إلى حد كبير، أو إلى تهديد سلامة المملكة العربية السعودية. بل على العكس، ستعزز النظام السياسي الحالي وتشتري ولاء مليوني شخص ممن يتحكمون بقطاع النفط في المملكة. منذ العام الماضي، تضمنت المطالب أيضاً إطلاق سراح أو إعادة محاكمة تسعة سجناء سياسيين شيعة وانسحاب القوات السعودية من البحرين، أو على الأقل إيجاد حل تفاوضي للنزاع هناك، إلى جانب إصلاحات سياسية أكثر شمولية في المملكة العربية السعودية. وعدت الحكومة نشطاء شباناً بأنّ شكاويهم ستُعالج في نيسان/ أبريل 2011، فأوقف هؤلاء احتجاجاتهم استجابة لدعوة من كبار رجال الدين السعوديين الشيعة.
لكنّ الحكومة لم تنفّذ وعودها، بل ردّت بالقمع في فصل الصيف، رغم أنّها أطلقت سراح بعض السجناء الذين أوقفوا خلال الاحتجاجات الممتدة من شباط/ فبراير إلى نيسان/ أبريل 2011. بالتالي، بقي الوضع متوتراً، وعندما قُتِل أربعة شيعة بالرصاص في تشرين الثاني/ نوفمبر، تحوّلت مراسم جنازتهم إلى تجمعات حاشدة مناهضة للحكومة ضمّت مئة ألف مشاركٍ تقريباً. دفع إدراك هذا التمييز المنهجي بعض السعوديين الشيعة إلى تبني إيديولوجيات ثورية على مرّ العقود.
فيما لا تزال المجموعات الموالية لإيران حاضرة في صفوف الخليجيين الشيعة. هي ليست الأكثر نفوذاً في ما بين السعوديين الشيعة، وقد تخلّت إلى حد كبير عن العنف باعتباره أداة سياسية، وذلك منذ منتصف التسعينيات على الأقل. لكنّ رد المملكة العربية السعودية القمعي على تلك الاحتجاجات، وسياسة عدم تقديم أي تنازلات، توفّران أرضاً خصبة للمجموعات المعارضة في المستقبل.
بالتالي من المحتمل كما يبدو أن يتكرر السيناريو السياسي الذي اتبعه الشيعة منذ ما بعد 1979، عندما غادر مئات الشبان الشيعة البحرين والناحية الشرقية من المملكة العربية السعودية، ليصبحوا ناشطين في حركات ثورية إقليمية.
فيما لم تحظَ الاحتجاجات في البحرين، وبخاصةٍ في القطيف، إلا باهتمامٍ محدود من القنوات الخليجية مثل «الجزيرة» و«العربية»، يُضطر الشيعة في هذه المناطق إلى مشاهدة قناة «العالم» المدعومة من إيران، والناطقة باللغة العربية، أو قناة «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله، أو قناة «أهل البيت» التلفزيونية العراقية، أو غيرها من القنوات الموالية للأسد، وذلك لمعرفة آخر تطورات الوضع في منطقتهم.
لقد تحوّلت الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط إلى حربٍ إعلامية مكتملة، تُصنَّف وسائل الإعلام في إطارها بأنّها إما مؤيدة للاحتجاجات في البحرين والقطيف ولنظام الأسد، وإما مؤيّدة للاحتجاجات في سوريا وضد الاحتجاجات الطائفية المزعومة في البحرين والقطيف.
ليس الوضع بالنسبة إلى السعوديين الشيعة في المحافظة الشرقية بالأمر السري. في هذا السياق، يورد التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والمقدّم إلى الكونغرس بشأن الحرية الدينية الدولية خلال النصف الثاني من 2010، أي الفترة التي سبقت مباشرة الربيع العربي، اعتقالات تعسفية، إغلاق مساجد، واعتقال مصلّين شيعة.
وقد كشفت البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرتها «ويكيليكس»، أنّ دبلوماسيين أميركيين، وبوجه الخصوص الموظفين العاملين في القنصلية الأميركية في الظهران، يملكون كمّاً هائلاً من المعلومات عن الجماعات الشيعية المحلية، ويبدون شبه مهووسين بالشكاوى التي يعدّونها شرعية. لكن المشاكل المحددة للسعوديين الشيعة لا تُطرَح غالباً في الاجتماعات الرفيعة المستوى مع مسؤولين سعوديين.
لا يُعزى ذلك إلى التحالف الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة فحسب؛ فالأميركيون يتشاركون أحياناً الشكوك التي تتغلغل في بعض الأنظمة المتحالفة معهم، بشأن شيعة الخليج. ترتبط هذه الشكوك جزئياً بإيران، لكنّ جذورها تمتد أيضاً إلى تفجير أبراج الخبر في 1996 الذي أودى بحياة 19 جندياً أميركياً. ومنذ 1996، اعتُقِلَ تسعة سجناء شيعة لانتمائهم المزعوم إلى حزب الله ـــــ الحجاز، وتورطهم في التفجيرات.
لقد أُدينوا في الولايات المتحدة في 2001، لكن بما أنّ أولويات السياسة الخارجية الأميركية تغيّرت بعد 11 أيلول/ سبتمبر أصبح هؤلاء «منسيّين»، وهو الاسم الذي يُعرفون به في صفوف السعوديين الشيعة. تلمّح لائحة الاتهام إلى تورط حزب الله اللبناني وإيران، لكن لم يُكشَف علانية عن أي دليل. في تلك الفترة، دعا بعض الأميركيين إلى الانتقام من إيران رداً على التفجيرات.
لكن بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بدأت أصابع الاتهام توجَّه إلى تنظيم القاعدة بصفته متورطاً في هذه الاعتداءات، ما طرح تساؤلاتٍ عن إدانة هؤلاء السجناء.
أسهمت السريّة التي لفّت هذه القضية في إرساء جوّ من عدم الثقة تجاه الدولة، والشك من جهة أفراد أسر المعتقلين والجماعات السعودية الشيعية على نطاق أوسع. تبنى المحتجون السياسيون الشيعة هذا العام قضية السجناء التسعة. فقد رُفِعَت صور هؤلاء في تجمعات تطالب بالإفراج عنهم؛ إذ أدى أفراد عائلاتهم دوراً بارزاً. لقد كانوا موجودين في حملة احتجاج جرت تزامناً أمام وزارة الداخلية في الرياض من قِبَل أفراد عائلات السجناء السياسيين الذين اعتُقِلوا بسبب الاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة.
لكن بخلاف هؤلاء السجناء، لا يستطيع السجناء الشيعة يوماً أن يأملوا الخضوع لـ«إعادة تأهيل»، في إطار أحد البرامج الحكومية الهادفة إلى اجتثاث التطرف التي يُعلَن عنها كثيراً. بالتالي تبدو المطالبة على الأقل بمحاكمة علنية أمراً مبرراً، وهي خطوة أيّدتها مراراً وتكراراً «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية. لكن يبدو أنّ محاكمة مماثلة لم تُدرج على أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
من خلال تصرّف القيادة السعودية، يمكن الاستخلاص أنّ قمع الشيعة جزء أساسي من الشرعية السياسية السعودية.
لا تريد الدولة تغيير وضع الشيعة، وتستغل الاحتجاجات الشيعية لإخافة السُّنّة من استيلاء الإيرانيين على حقول النفط، بمساعدة الشيعة في هذه المنطقة. طوال أشهر، رُوِّج لسيناريوات مماثلة في وسائل الإعلام التابعة لمجلس التعاون الخليجي، وذلك على حساب جعل الانقسام الطائفي في دول الخليج أعمق. يُذكر في هذا السياق أنّ تدخّل مجلس التعاون الخليجي في البحرين أدى إلى تدهورٍ شديدٍ في العلاقات الطائفية في الخليج وخارجه لتصل إلى مستوياتٍ لم نشهدها منذ الثورة الإيرانية.
بيد أنّ هذه الطائفية السعودية المفتوحة أدّت سابقاً إلى انعكاسات سلبية في العراق كما في سوريا ولبنان والكويت. ويبدو أنّه بانتظار البحرين سنوات من النزاع الطائفي، فقد تفككت العلاقات بين الجماعات كلياً، والدولة تنظم حملة «تطهير عرقي»، على حدّ تعبير الناشطين الشيعة. عوضاً عن كسب عداء الشيعة الكامل، على المملكة العربية السعودية والبحرين التفاوض بشأن عقدٍ اجتماعي معهم. سيؤدي فشل هاتين الدولتين في ذلك إلى سنواتٍ من عدم الاستقرار ستكون نتائجها غير مؤكدة. كذلك، من المستبعد ألا تشجّع الاحتجاجات الشيعية سعوديين آخرين، كما أظهر تصريحٌ حديثٌ صادرٌ عن السعوديين الليبراليين من كافة أنحاء المملكة، يدين التدابير الأمنية الصارمة في القطيف.
في نهاية المطاف، على الغرب أن يضغط على حلفائه، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية والبحرين، ليكفوا عن إطلاق النار على مواطنيهم الشيعة واعتقالهم وتصويرهم كعملاء إيرانيين وخونة. فتنفير الشبان الشيعة، يوفّر أرضاً خصبة مثالية لنشوء حركة معارضة شيعية جديدة في الخليج، ويصب في مصلحة النظام الإيراني مباشرة. حتى من دون مساعدة خارجية للمحتجين المحليين الشيعة، تبدو المنطقة مهيأة للعودة إلى السياسات الطائفية المتوترة التي اعتُمِدَت في الثمانينيات. بالتالي، على الولايات المتحدة، لمصلحتها الخاصة ولمصلحة دول الخليج، أن تسعى إلى مصالحة حقيقية بين شيعة البحرين والسعودية وحكوماتهم، وإلا فستهيمن الطائفية على الخليج، ما يضرّ بالجميع.
* أستاذ باحث في مجال الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة كامبريدج، عن مجلة «فورين بوليسي» (ترجمة باسكال شلهوب)
http://www.al-akhbar.com/sites/default/files/imagecache/465img/p21_20120314_pic1.jpg
الثلج في تبوك بداية الشهر الحالي (رويترز)
توبي ماتيسن - مجلة فورن بوليسي
خلال الأشهر الأخيرة، سببت قوى الأمن في شرق المملكة العربية السعودية مقتل سبعة من الشيعة بالرصاص وجرح عدّة عشرات. فيما تبقى تفاصيل إطلاق النار غامضة، وتدعي وزارة الداخلية أنّ الأشخاص الذين تعرضوا لإطلاق النار كانوا يهاجمون قوى الأمن، تلت احتجاجات حاشدة مراسم جنازة المتوفين. ليست هذه الأحداث إلا التطوّرات الأخيرة في نضال السعوديين الشيعة الذي استمر لعقود واتخذ طابعاً ملحاً جديداً في ظل انتفاضات 2011 الإقليمية، لكنّ وسائل الإعلام الرئيسية تجاهلتها إلى حدٍّ كبير. أذكت أحداث الربيع العربي التوترات القديمة العهد في المحافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
بعد ثلاثة أيام من بداية الاحتجاجات الواسعة النطاق في البحرين في 14 شباط/ فبراير 2011، بدأت الاحتجاجات في المحافظة الشرقية التي تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة، عبر جسر ممتد من البحرين. وليس من المستغرب، ربما، أنّ وزارة الداخلية السعودية وعدت بسحق الاحتجاجات «بقبضة من حديد»، وأطلقت حملة تشويهٍ إعلامي على الاحتجاجات، والشيعة عموماً. فيما هدأت الاحتجاجات خلال فصل الصيف، بدأت مجدداً في تشرين الأول/ أكتوبر، وأصبحت أكبر حجماً منذ ذلك الحين، ما أدى إلى ردٍّ أكثر صرامة من أي وقت مضى من قبل قوى الأمن.
يمثّل هذا الرد القمعي، والخطاب المتميز الذي يذكّر بخطاب نظام بشار الأسد في سوريا، تحديّاً خطراً للسياسة الخارجية السعودية الحديثة. فاحتجاجات الناس في المحافظة الشرقية شرعية بقدر الاحتجاجات في سوريا.
وإن لم تستجب المملكة العربية السعودية لتلك الدعوات إلى الإصلاح على الصعيد المحلي، فكيف تستطيع أن تدّعي بنحو جدي أنّها ستهبّ للدفاع عن الديموقراطية في سوريا؟ لقد أسهمت التدابير الأمنية الصارمة في المملكة العربية السعودية والبحرين في إعطاء النظامين الإيراني والسوري، فضلاً عن الحركات السياسية الشيعية في لبنان والعراق، استراتيجية خطابية مفيدة لصدّ خصومهم الإقليميين.
تضم المحافظة الشرقية معظم نفط السعودية تقريباً، وتؤوي أقلية شيعية كبيرة، تُقدَّر بما بين مليون ونصف ومليونين نسمة تقريباً، أو نحو 10 في المئة من مجموع مواطني المملكة العربية سعودية. لقد نمّى المذهب الوهابي المتفرع عن الإسلام السنّي الذي ترعاه الدولة عداءً خاصاً تجاه الشيعة. بالمقابل، لطالما اشتكى المواطنون السعوديون الشيعة من التمييز لناحية الممارسة الدينية، الوظائف الحكومية، ومن التهميش عموماً.
طوال عقود، رفعت المجموعات المعارضة التي تتألف من أفراد سعوديين شيعة، يساريين وإسلاميين، إلى جانب مئات العرائض التي قدمها وجهاء الشيعة، المطالب نفسها: وضع حدّ للتمييز الطائفي في التوظيف والتمثيل الحكومي في القطاعات الأساسية في الدولة، بما في ذلك على المستوى الوزاري؛ إنماء أكبر للمناطق الشيعية؛ تعزيز السلطة القضائية الشيعية؛ ووضع حد للاعتقالات العشوائية بحق الشيعة لأسباب دينية أو سياسية.
لن تؤدي أي من هذه المطالب إلى تقويض مكانة الأسرة المالكة إلى حد كبير، أو إلى تهديد سلامة المملكة العربية السعودية. بل على العكس، ستعزز النظام السياسي الحالي وتشتري ولاء مليوني شخص ممن يتحكمون بقطاع النفط في المملكة. منذ العام الماضي، تضمنت المطالب أيضاً إطلاق سراح أو إعادة محاكمة تسعة سجناء سياسيين شيعة وانسحاب القوات السعودية من البحرين، أو على الأقل إيجاد حل تفاوضي للنزاع هناك، إلى جانب إصلاحات سياسية أكثر شمولية في المملكة العربية السعودية. وعدت الحكومة نشطاء شباناً بأنّ شكاويهم ستُعالج في نيسان/ أبريل 2011، فأوقف هؤلاء احتجاجاتهم استجابة لدعوة من كبار رجال الدين السعوديين الشيعة.
لكنّ الحكومة لم تنفّذ وعودها، بل ردّت بالقمع في فصل الصيف، رغم أنّها أطلقت سراح بعض السجناء الذين أوقفوا خلال الاحتجاجات الممتدة من شباط/ فبراير إلى نيسان/ أبريل 2011. بالتالي، بقي الوضع متوتراً، وعندما قُتِل أربعة شيعة بالرصاص في تشرين الثاني/ نوفمبر، تحوّلت مراسم جنازتهم إلى تجمعات حاشدة مناهضة للحكومة ضمّت مئة ألف مشاركٍ تقريباً. دفع إدراك هذا التمييز المنهجي بعض السعوديين الشيعة إلى تبني إيديولوجيات ثورية على مرّ العقود.
فيما لا تزال المجموعات الموالية لإيران حاضرة في صفوف الخليجيين الشيعة. هي ليست الأكثر نفوذاً في ما بين السعوديين الشيعة، وقد تخلّت إلى حد كبير عن العنف باعتباره أداة سياسية، وذلك منذ منتصف التسعينيات على الأقل. لكنّ رد المملكة العربية السعودية القمعي على تلك الاحتجاجات، وسياسة عدم تقديم أي تنازلات، توفّران أرضاً خصبة للمجموعات المعارضة في المستقبل.
بالتالي من المحتمل كما يبدو أن يتكرر السيناريو السياسي الذي اتبعه الشيعة منذ ما بعد 1979، عندما غادر مئات الشبان الشيعة البحرين والناحية الشرقية من المملكة العربية السعودية، ليصبحوا ناشطين في حركات ثورية إقليمية.
فيما لم تحظَ الاحتجاجات في البحرين، وبخاصةٍ في القطيف، إلا باهتمامٍ محدود من القنوات الخليجية مثل «الجزيرة» و«العربية»، يُضطر الشيعة في هذه المناطق إلى مشاهدة قناة «العالم» المدعومة من إيران، والناطقة باللغة العربية، أو قناة «المنار» اللبنانية التابعة لحزب الله، أو قناة «أهل البيت» التلفزيونية العراقية، أو غيرها من القنوات الموالية للأسد، وذلك لمعرفة آخر تطورات الوضع في منطقتهم.
لقد تحوّلت الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط إلى حربٍ إعلامية مكتملة، تُصنَّف وسائل الإعلام في إطارها بأنّها إما مؤيدة للاحتجاجات في البحرين والقطيف ولنظام الأسد، وإما مؤيّدة للاحتجاجات في سوريا وضد الاحتجاجات الطائفية المزعومة في البحرين والقطيف.
ليس الوضع بالنسبة إلى السعوديين الشيعة في المحافظة الشرقية بالأمر السري. في هذا السياق، يورد التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والمقدّم إلى الكونغرس بشأن الحرية الدينية الدولية خلال النصف الثاني من 2010، أي الفترة التي سبقت مباشرة الربيع العربي، اعتقالات تعسفية، إغلاق مساجد، واعتقال مصلّين شيعة.
وقد كشفت البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرتها «ويكيليكس»، أنّ دبلوماسيين أميركيين، وبوجه الخصوص الموظفين العاملين في القنصلية الأميركية في الظهران، يملكون كمّاً هائلاً من المعلومات عن الجماعات الشيعية المحلية، ويبدون شبه مهووسين بالشكاوى التي يعدّونها شرعية. لكن المشاكل المحددة للسعوديين الشيعة لا تُطرَح غالباً في الاجتماعات الرفيعة المستوى مع مسؤولين سعوديين.
لا يُعزى ذلك إلى التحالف الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة فحسب؛ فالأميركيون يتشاركون أحياناً الشكوك التي تتغلغل في بعض الأنظمة المتحالفة معهم، بشأن شيعة الخليج. ترتبط هذه الشكوك جزئياً بإيران، لكنّ جذورها تمتد أيضاً إلى تفجير أبراج الخبر في 1996 الذي أودى بحياة 19 جندياً أميركياً. ومنذ 1996، اعتُقِلَ تسعة سجناء شيعة لانتمائهم المزعوم إلى حزب الله ـــــ الحجاز، وتورطهم في التفجيرات.
لقد أُدينوا في الولايات المتحدة في 2001، لكن بما أنّ أولويات السياسة الخارجية الأميركية تغيّرت بعد 11 أيلول/ سبتمبر أصبح هؤلاء «منسيّين»، وهو الاسم الذي يُعرفون به في صفوف السعوديين الشيعة. تلمّح لائحة الاتهام إلى تورط حزب الله اللبناني وإيران، لكن لم يُكشَف علانية عن أي دليل. في تلك الفترة، دعا بعض الأميركيين إلى الانتقام من إيران رداً على التفجيرات.
لكن بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بدأت أصابع الاتهام توجَّه إلى تنظيم القاعدة بصفته متورطاً في هذه الاعتداءات، ما طرح تساؤلاتٍ عن إدانة هؤلاء السجناء.
أسهمت السريّة التي لفّت هذه القضية في إرساء جوّ من عدم الثقة تجاه الدولة، والشك من جهة أفراد أسر المعتقلين والجماعات السعودية الشيعية على نطاق أوسع. تبنى المحتجون السياسيون الشيعة هذا العام قضية السجناء التسعة. فقد رُفِعَت صور هؤلاء في تجمعات تطالب بالإفراج عنهم؛ إذ أدى أفراد عائلاتهم دوراً بارزاً. لقد كانوا موجودين في حملة احتجاج جرت تزامناً أمام وزارة الداخلية في الرياض من قِبَل أفراد عائلات السجناء السياسيين الذين اعتُقِلوا بسبب الاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة.
لكن بخلاف هؤلاء السجناء، لا يستطيع السجناء الشيعة يوماً أن يأملوا الخضوع لـ«إعادة تأهيل»، في إطار أحد البرامج الحكومية الهادفة إلى اجتثاث التطرف التي يُعلَن عنها كثيراً. بالتالي تبدو المطالبة على الأقل بمحاكمة علنية أمراً مبرراً، وهي خطوة أيّدتها مراراً وتكراراً «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية. لكن يبدو أنّ محاكمة مماثلة لم تُدرج على أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
من خلال تصرّف القيادة السعودية، يمكن الاستخلاص أنّ قمع الشيعة جزء أساسي من الشرعية السياسية السعودية.
لا تريد الدولة تغيير وضع الشيعة، وتستغل الاحتجاجات الشيعية لإخافة السُّنّة من استيلاء الإيرانيين على حقول النفط، بمساعدة الشيعة في هذه المنطقة. طوال أشهر، رُوِّج لسيناريوات مماثلة في وسائل الإعلام التابعة لمجلس التعاون الخليجي، وذلك على حساب جعل الانقسام الطائفي في دول الخليج أعمق. يُذكر في هذا السياق أنّ تدخّل مجلس التعاون الخليجي في البحرين أدى إلى تدهورٍ شديدٍ في العلاقات الطائفية في الخليج وخارجه لتصل إلى مستوياتٍ لم نشهدها منذ الثورة الإيرانية.
بيد أنّ هذه الطائفية السعودية المفتوحة أدّت سابقاً إلى انعكاسات سلبية في العراق كما في سوريا ولبنان والكويت. ويبدو أنّه بانتظار البحرين سنوات من النزاع الطائفي، فقد تفككت العلاقات بين الجماعات كلياً، والدولة تنظم حملة «تطهير عرقي»، على حدّ تعبير الناشطين الشيعة. عوضاً عن كسب عداء الشيعة الكامل، على المملكة العربية السعودية والبحرين التفاوض بشأن عقدٍ اجتماعي معهم. سيؤدي فشل هاتين الدولتين في ذلك إلى سنواتٍ من عدم الاستقرار ستكون نتائجها غير مؤكدة. كذلك، من المستبعد ألا تشجّع الاحتجاجات الشيعية سعوديين آخرين، كما أظهر تصريحٌ حديثٌ صادرٌ عن السعوديين الليبراليين من كافة أنحاء المملكة، يدين التدابير الأمنية الصارمة في القطيف.
في نهاية المطاف، على الغرب أن يضغط على حلفائه، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية والبحرين، ليكفوا عن إطلاق النار على مواطنيهم الشيعة واعتقالهم وتصويرهم كعملاء إيرانيين وخونة. فتنفير الشبان الشيعة، يوفّر أرضاً خصبة مثالية لنشوء حركة معارضة شيعية جديدة في الخليج، ويصب في مصلحة النظام الإيراني مباشرة. حتى من دون مساعدة خارجية للمحتجين المحليين الشيعة، تبدو المنطقة مهيأة للعودة إلى السياسات الطائفية المتوترة التي اعتُمِدَت في الثمانينيات. بالتالي، على الولايات المتحدة، لمصلحتها الخاصة ولمصلحة دول الخليج، أن تسعى إلى مصالحة حقيقية بين شيعة البحرين والسعودية وحكوماتهم، وإلا فستهيمن الطائفية على الخليج، ما يضرّ بالجميع.
* أستاذ باحث في مجال الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة كامبريدج، عن مجلة «فورين بوليسي» (ترجمة باسكال شلهوب)