الراي السديد
03-14-2012, 09:09 PM
أكد أن الجانب الاجتماعي والنفسي في الثورات هو الأهم (http://www.alwafd.org/أسرة/86-مع%20الناس/177753-د-المهدي-إبعد-عن-السياسة-واحمي-نفسك-من-الإحباط)
http://www.alwafd.org/images/news/7689202359.jpg
كتبت: ليلى حلاوة
"كانت ثورة وراحت".. "يافرحة ما تمت".. "خلاص الواحد مش عارف الثورة رايحة على فين".. "الثورة الناس فهمتها غلط".. "الثورة بقت إنك تخالف المرور وتمشي غلط وتتعدى على أملاك الدولة وتبنى بيتك على الأراضي الزراعية.. كل ده وماحدش يقولك حاجة"..
هكذا أصبحت التعليقات على الثورة المصرية التي أذهلت العالم والتي شارك فيها جموع المصريين منذ ما يزيد على العام، الكثير أصيب بالإحباط بسبب ضعف الرؤية وقلة الإنجازات.. من وجهة نظرهم لم تعد هناك ثورة، فالأمور أصبحت مختلطة والمستقبل غامض والتحالفات تتم في الخفاء وكل شيء غير واضح..
كيف وصل هؤلاء الشباب لهذه الدرجة من الإحباط.. وهل لديهم الحق في هذا الشعور؟ وكيف يستعيد الجميع أملهم في الثورة وفي التغيير مرة أخرى.. ؟ هذا ما يحدثنا عنه د.محمد المهدي ،الطبيب النفسي، في حواره مع بوابة الوفد..
عن الأسباب التي أدت إلى إصابة الكثيرين باليأس من تحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها يقول: العنصر الأساسي في حالة الإحباط أن الناس اختزلت الثورة في بعدها السياسي، وما يحدث على الجانب السياسي محبط بالفعل لأنه على الرغم من سقوط النظام القديم إلا أن النظام الجديد لم يقم بعد ولم تتحدد ملامحه، ولم يجنِ الناس أي ثمرة إيجابية واضحة على هذا المستوى، لذلك فإن الناس لهم كل الحق في أن يشعروا بالإحباط.
وبالرغم من كل هذه الصور التي تبدو محبطة حتى في هذا الجانب السياسي إلا أن ثمة أشياء قد تحققت بالفعل ولكنها تذوب وسط آلاف الأشياء التي ينتظر الناس تحقيقها، فمثلا لا ينكر أحد أنه قد تمت انتخابات مجلس الشعب بلا تزوير.. وأنه قد تم انتخاب أعضاء النقابات المهنية بشكل حر، وكذلك الحال في القيادات الجامعية من رؤساء أقسام وعمداء ورؤساء الجامعات.
ويفسر المهدي عدم شعور الناس بهذه الإيجابيات بأن هناك اختلالا في عنصرين أساسيين في حياتهم يجعلهم لا يشعرون بأي تغييرات نسبية نتجت عن الثورة، وهذان العنصران هما الإنفلات الأمني والتدهور الاقتصادي.
انتصار وانكسار
ويتابع: لكي ننظر إلى الأمر بشكل موضوعي لابد وأن نضع في الاعتبار الرؤية الطولية والرؤية العرضية للثورة، أما الرؤية الطولية فهي تعني البعد الزمنى فعمر الثورة لم يتجاوز إلا العام الواحد
بقليل، وفي تجارب الثورات الناجحة في العالم نجد أن أي ثورة تحتاج إلى عدة سنوات حتى تحقق أهدافها بشكل تدريجي، ولم نرَ ثورة في التاريخ حققت أهدافها دفعة واحدة والثورة الفرنسية احتاجت من خمس سنوات إلى أربعين سنة حتى تنسق أوضاعها وتحقق أهدافها، كما أنها مرت بفترات انتصار وفترات انكسار عديدة حتى وصلت إلى ما نعرفه عنها في صورتها النهائية.
أما من ناحية الرؤية العرضية للثورة فتعني أننا بحاجة لأن نرصد التغيرات التي نتجت عن الثورة ،ليس فقط في دائرة السياسة أو الاقتصاد ولكن في دوائر أخرى شديدة الأهمية، مثل مساحة "الحرية" التي أتاحتها والتغيرات النفسية التي طرأت على قطاع كبير من المصريين.. مثل تحسن صورة الذات والإحساس بالقدرة وتنامي سلوك الإيجابية والمبادرة والمطالبة بالحقوق، وانكسار حواجز الخوف والرغبة في التغيير والخروج عن سلوك القطيع ورفض عودة الاستبداد الفرعوني مرة أخرى.
هذه التغيرات على الجانب النفسي والاجتماعي تعتبر تحولا هائلا في تركيبة الشخصية المصرية سينتج عنها بالضرورة مع الزمن تغيرات على مستويات أخرى، ولكن ذلك يحتاج لبعض الوقت وهذه التغيرات لا تستطيع أي ثورة مضادة انتزاعها أو سرقتها أو إجهاضها، لأنها حدثت في داخل الإنسان المصري فأخرجته إنسانا خاليا من الخوف والخضوع والانكسار والسلبية واللامبالاة التي كان عليها قبل الثورة.
السلبية..حالة طارئة
ويستطرد المهدي قائلا أنه للأسف فإن هذه التغيرات التي حدثت على المستوى النفسي والاجتماعي تشوش عليها ظواهر سلبية طارئة.. مثل الانفلات الأخلاقي لدى بعض الفئات وحالة التشرذم والاشتباك لدى فئات أخرى مما يعطي انطباعا أن حالة المجتمع المصري تسير للأسوأ بينما هي ليست كذلك.
ومن المعروف في علم الثورات ،كما أورد العالم الكبير "جوستاف ليبون" في كتابه القيم "سيكولوجية الثورات"، أن الجانب السياسي للثورة هو أضعف جوانبها، بينما يعول على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي، وتلك الجوانب تحتاج لفعل إيجابي مستمر ومثابر من المفكرين والعلماء الذين تتيح لهم الشرارة الأولى للثورة مساحة من الحرية لبدء العمل والاستمرار فيه، وبناء منظومات حياتية جديدة تحدث نقلة في المجتمع وتغير الأوضاع التي كانت سائدة قبل الثورة إلى أوضاع أفضل.
وذلك يحتاج بالضرورة إلى عدة سنوات من العمل الجماعي المستمر ويحتاج إلى ثقة بالنفس على مستوى قادة الرأي وعلى مستوى الشعب، ويحتاج إلى حالة من الأمل والتفاؤل في أن المستقبل سيحمل الكثير من الانجازات الحضارية التي فجرها الفعل الثوري في لحظاته الأولى، وسيستمر في تفجيرها في صورة موجات ثورية متتالية بعضها صاخب وبعضها هادىء ولكنها في النهاية ستنجح في التغيير.
ويؤكد المهدي أن من قاموا بالثورة في موجتها الأولى ليسوا بالضرورة هم المطالبون بالاستمرار في موجاتها التالية، فلكل موجة ثورية رجالها وإذا كان الشباب هم طليعة الموجة الثورية الأولى للثورة فإن الموجات المتتالية قد تحتاج إلى قادة رأي وقادة فكر وعلماء متخصصين في المجالات المختلفة يقومون بوضوع خريطة للبناء الجديد، ويقومون بحشد الجماهير وراء تحقيق الأهداف
الموضحة في الخريطة، ويقومون كذلك بتيسير سبل المشاركة الإيجابية من طوائف الشعب المختلفة.. وبهذا يصبح القادة الثوريون هم المنقذون لبقية فئات الشعب من حالات الإحباط والضياع التي ربما يشعرون بها نتيجة الاضطراب في الفترة الانتقالية .
أما عن بقية الناس فيلفت أنهم مطالبون كل في موقعه وحسب قدراته أن يندمجوا في حالة البناء الجديدة، وأن يشاركوا في صنع المستقبل الذي يرغبونه انطلاقا من الروح الثورية التي أيقظت المباردة والفاعلية الشخصية في نفوسهم، موضحا أن أكثر الناس خوفا وإحباطا في الثورات هم الذين يكتفون بالمشاهدة ولا يمارسون الفعل العام لأنهم يشعرون بالضياع وبضعف الثقة بالذات وفقدان الأمل في المستقبل.
http://www.alwafd.org/images/news/7689202359.jpg
كتبت: ليلى حلاوة
"كانت ثورة وراحت".. "يافرحة ما تمت".. "خلاص الواحد مش عارف الثورة رايحة على فين".. "الثورة الناس فهمتها غلط".. "الثورة بقت إنك تخالف المرور وتمشي غلط وتتعدى على أملاك الدولة وتبنى بيتك على الأراضي الزراعية.. كل ده وماحدش يقولك حاجة"..
هكذا أصبحت التعليقات على الثورة المصرية التي أذهلت العالم والتي شارك فيها جموع المصريين منذ ما يزيد على العام، الكثير أصيب بالإحباط بسبب ضعف الرؤية وقلة الإنجازات.. من وجهة نظرهم لم تعد هناك ثورة، فالأمور أصبحت مختلطة والمستقبل غامض والتحالفات تتم في الخفاء وكل شيء غير واضح..
كيف وصل هؤلاء الشباب لهذه الدرجة من الإحباط.. وهل لديهم الحق في هذا الشعور؟ وكيف يستعيد الجميع أملهم في الثورة وفي التغيير مرة أخرى.. ؟ هذا ما يحدثنا عنه د.محمد المهدي ،الطبيب النفسي، في حواره مع بوابة الوفد..
عن الأسباب التي أدت إلى إصابة الكثيرين باليأس من تحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها يقول: العنصر الأساسي في حالة الإحباط أن الناس اختزلت الثورة في بعدها السياسي، وما يحدث على الجانب السياسي محبط بالفعل لأنه على الرغم من سقوط النظام القديم إلا أن النظام الجديد لم يقم بعد ولم تتحدد ملامحه، ولم يجنِ الناس أي ثمرة إيجابية واضحة على هذا المستوى، لذلك فإن الناس لهم كل الحق في أن يشعروا بالإحباط.
وبالرغم من كل هذه الصور التي تبدو محبطة حتى في هذا الجانب السياسي إلا أن ثمة أشياء قد تحققت بالفعل ولكنها تذوب وسط آلاف الأشياء التي ينتظر الناس تحقيقها، فمثلا لا ينكر أحد أنه قد تمت انتخابات مجلس الشعب بلا تزوير.. وأنه قد تم انتخاب أعضاء النقابات المهنية بشكل حر، وكذلك الحال في القيادات الجامعية من رؤساء أقسام وعمداء ورؤساء الجامعات.
ويفسر المهدي عدم شعور الناس بهذه الإيجابيات بأن هناك اختلالا في عنصرين أساسيين في حياتهم يجعلهم لا يشعرون بأي تغييرات نسبية نتجت عن الثورة، وهذان العنصران هما الإنفلات الأمني والتدهور الاقتصادي.
انتصار وانكسار
ويتابع: لكي ننظر إلى الأمر بشكل موضوعي لابد وأن نضع في الاعتبار الرؤية الطولية والرؤية العرضية للثورة، أما الرؤية الطولية فهي تعني البعد الزمنى فعمر الثورة لم يتجاوز إلا العام الواحد
بقليل، وفي تجارب الثورات الناجحة في العالم نجد أن أي ثورة تحتاج إلى عدة سنوات حتى تحقق أهدافها بشكل تدريجي، ولم نرَ ثورة في التاريخ حققت أهدافها دفعة واحدة والثورة الفرنسية احتاجت من خمس سنوات إلى أربعين سنة حتى تنسق أوضاعها وتحقق أهدافها، كما أنها مرت بفترات انتصار وفترات انكسار عديدة حتى وصلت إلى ما نعرفه عنها في صورتها النهائية.
أما من ناحية الرؤية العرضية للثورة فتعني أننا بحاجة لأن نرصد التغيرات التي نتجت عن الثورة ،ليس فقط في دائرة السياسة أو الاقتصاد ولكن في دوائر أخرى شديدة الأهمية، مثل مساحة "الحرية" التي أتاحتها والتغيرات النفسية التي طرأت على قطاع كبير من المصريين.. مثل تحسن صورة الذات والإحساس بالقدرة وتنامي سلوك الإيجابية والمبادرة والمطالبة بالحقوق، وانكسار حواجز الخوف والرغبة في التغيير والخروج عن سلوك القطيع ورفض عودة الاستبداد الفرعوني مرة أخرى.
هذه التغيرات على الجانب النفسي والاجتماعي تعتبر تحولا هائلا في تركيبة الشخصية المصرية سينتج عنها بالضرورة مع الزمن تغيرات على مستويات أخرى، ولكن ذلك يحتاج لبعض الوقت وهذه التغيرات لا تستطيع أي ثورة مضادة انتزاعها أو سرقتها أو إجهاضها، لأنها حدثت في داخل الإنسان المصري فأخرجته إنسانا خاليا من الخوف والخضوع والانكسار والسلبية واللامبالاة التي كان عليها قبل الثورة.
السلبية..حالة طارئة
ويستطرد المهدي قائلا أنه للأسف فإن هذه التغيرات التي حدثت على المستوى النفسي والاجتماعي تشوش عليها ظواهر سلبية طارئة.. مثل الانفلات الأخلاقي لدى بعض الفئات وحالة التشرذم والاشتباك لدى فئات أخرى مما يعطي انطباعا أن حالة المجتمع المصري تسير للأسوأ بينما هي ليست كذلك.
ومن المعروف في علم الثورات ،كما أورد العالم الكبير "جوستاف ليبون" في كتابه القيم "سيكولوجية الثورات"، أن الجانب السياسي للثورة هو أضعف جوانبها، بينما يعول على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي، وتلك الجوانب تحتاج لفعل إيجابي مستمر ومثابر من المفكرين والعلماء الذين تتيح لهم الشرارة الأولى للثورة مساحة من الحرية لبدء العمل والاستمرار فيه، وبناء منظومات حياتية جديدة تحدث نقلة في المجتمع وتغير الأوضاع التي كانت سائدة قبل الثورة إلى أوضاع أفضل.
وذلك يحتاج بالضرورة إلى عدة سنوات من العمل الجماعي المستمر ويحتاج إلى ثقة بالنفس على مستوى قادة الرأي وعلى مستوى الشعب، ويحتاج إلى حالة من الأمل والتفاؤل في أن المستقبل سيحمل الكثير من الانجازات الحضارية التي فجرها الفعل الثوري في لحظاته الأولى، وسيستمر في تفجيرها في صورة موجات ثورية متتالية بعضها صاخب وبعضها هادىء ولكنها في النهاية ستنجح في التغيير.
ويؤكد المهدي أن من قاموا بالثورة في موجتها الأولى ليسوا بالضرورة هم المطالبون بالاستمرار في موجاتها التالية، فلكل موجة ثورية رجالها وإذا كان الشباب هم طليعة الموجة الثورية الأولى للثورة فإن الموجات المتتالية قد تحتاج إلى قادة رأي وقادة فكر وعلماء متخصصين في المجالات المختلفة يقومون بوضوع خريطة للبناء الجديد، ويقومون بحشد الجماهير وراء تحقيق الأهداف
الموضحة في الخريطة، ويقومون كذلك بتيسير سبل المشاركة الإيجابية من طوائف الشعب المختلفة.. وبهذا يصبح القادة الثوريون هم المنقذون لبقية فئات الشعب من حالات الإحباط والضياع التي ربما يشعرون بها نتيجة الاضطراب في الفترة الانتقالية .
أما عن بقية الناس فيلفت أنهم مطالبون كل في موقعه وحسب قدراته أن يندمجوا في حالة البناء الجديدة، وأن يشاركوا في صنع المستقبل الذي يرغبونه انطلاقا من الروح الثورية التي أيقظت المباردة والفاعلية الشخصية في نفوسهم، موضحا أن أكثر الناس خوفا وإحباطا في الثورات هم الذين يكتفون بالمشاهدة ولا يمارسون الفعل العام لأنهم يشعرون بالضياع وبضعف الثقة بالذات وفقدان الأمل في المستقبل.