المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ذكرى الشهيد الصدر الثاني...........................................د :ياسين الموصلي



سيد مرحوم
12-18-2004, 02:18 AM
في ذكرى الشهيد الصدر الثاني

كتابات - الدكتور ياسين الموصلي

تمر هذه الأيام الذكرى السادسة لاستشهاد شهيد الجمعة ومجدد الفكر والنهضة الحسينية آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر(قدسره) ، بيد الإجرام والظلم نظام صدام المقبور. فإذا كانت نهضة الصدر قد تجدست في التفاف المظلومين حولها فإنها تركت أثراً مترسخاً في الضمير العراقي بعد عقود من الإنزواء والهروب من الواقع ، حتى قال قائل لقد تعلمنا من الصدر الشجاعة.

كانت الساحة العراقية قد خليت من مواجهة السلطة منذ فترة ، وذهب المعارضون لها إلى المنافي هربا من البطش والإرهاب الصدامي ، وترك الشعب المظلوم يواجه مصيره في الموت البطئ على يد جلاديه وأعدائه ، ناهيك عن ظروف الحروب والحصار، فيئس الناس من الفرج (حتى قال المؤمنون متى نصر الله). كانت البيوت تتكلم جدرانها متى يفك الطوق عن هذا الخوف ، متى ترى النور بعد سنوات العتمة والقهر، وهي التي حاولت في انتفاضة شعبان/ إذار1991م أن تخرج إلى فضاء الحرية ، ولكن بطش الإجرام بالتعاون مع من جاءت الآن بدعوى التحرير(أمريكا)، وتخاذل المعارضين في الخارج عن النصرة ، فوقف الشعب وحيداً فريدا ، فبكى دماً وألماً بين القبور الجماعية والمعتقلات والمنافي.

كان الشهيد الثاني يدرك بأن الساحة بحاجة إلى تلاحم القيادة والأمة في مصير واحد . فتجربة أستاذه الشهيد الصدر الأول كانت قيادة مرتكزة على النخبوية في غياب الأمة ، وانتفاضة شعبان أمة مندفعة من غير قيادة. لذا كان لابد من الاتجاه نحو القاعدة التي اصابتها الكثير من العلل والأسقام ، خاصة وأنَ غياب الوعي العقائدي لفترة طويلة من الزمن مع جيل ناشئ خلال فترة الثمانينات والتسعينات كان يمثل المحور الأساس للعمل. فبدأ باستقطاب الشباب المتعطش للعمل والفكر وهذا ما حاول بعض المغرضين معاباة تجربة الشهيد بانها جمعت حولها الشبيبة وارتكزت عليها في القيادة.

ومن جهة أخرى وجد الشهيد الثاني أنَ غياب العمل الميداني كانت يمثل نقطة الفراغ والحاجز بين القيادة والأمة. فالمرجعية الدينية كانت تنتظر من يأتيها لتتحدث إليه ، والامة غارقة في الهموم تريد من يمد لها يد العون عبر النزول إلى مستوى التحدي معها. وقبل هذا وذاك كانت الأمراض الاجتماعية التي أصابت الأمة جراء الواقع الفاسد للنظام والظروف بحاجة إلى المعالجة والصلاح. وهذا لا يمكن فرضه من الأعلى على النفوس عبر الرسائل العملية والاستفتاءات ، دون خلق الاستعداد الداخلي في القلوب حتى تتم أسلمة المجتمع وإعادة الثقة إليه ، ومن ثم تدريبه على تنفيذ المطاليب والرؤى الممكنة.

لقد تصدى الشهيد الثاني للمرجعية بعد أن وجدها في مفترق طرق تؤدي أقصرها إلى غيابها. فكان لا بد من إعادة التقويم المنهجي والعملي حتى لا تقتصرعلى الردود والبحث في أمور وقضايا أصبحت تمثل أدنى ما يهم الأمة. والحوزة أصبحت تختصرها في الحيض والنفاس والخمس والخيرة... ، أما الأمور الأخرى الأكثر تلاحماً مع حاجة المجتمع فكان جوابها (لا يمكن الإجابة عنها). لذا لم يتردد الشهيد الثاني في شن حملات النقد الشديدة ضد الأجواء والمتبنيات الحوزوية القديمة والبالية ، واحياء مفاهيم أصيلة وفهم أكثر حضاري للواقع المتردي.

لقد عمل الشهيد الثاني على تربية الأمة وقيادتها ، متخذا من الطابع التربوي والاجتماعي والثقافي الأساس ، لتمكين المجتمع لا حقا من مواجهة الطغيان والاستبداد. فبدأ الشهيد بإعطاء المحاضرات بنفسه، وكان يقول (فإذا كثر الفساد في المجتمع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله). وعمل أيضا من خلال مؤلفاته الكثيرة على إصلاح الواقع المتردي عن طريقة معالجة الأفكار والمفاهيم الخاطئة ، والدعوة إلى نبذها والتوبة عن الرجوع إليها.

وجاءت صلاة الجمعة التي ابتدأت منذ شهر ذي الحجة 1418هـ/ تشرين الثاني 1997م لتشكل علامة فارقة في حركة الشهيد الصدر. فهذه الفريضة المعطلة لدى الشيعة ، والتي هي في الأغلب تمت بعد عصر الأئمة عليهم السلام نتيجة للظلم والتعسف ضدهم، قد أدى إلى فقدان أهم وسيلة مشرعة لإيصال الفكر ومعالجة الهموم والأحداث ، وإظهار الوحدة والتلاحم. فأراد الشهيد أن يجعلها اجتماعا اسبوعيا علنياً وبحضور جماهيري غفير يصدر من خلاله تعليماته وآراءه ، وهو المحاصر من النظام المستبد ، ومن غيره ، ومن الداخل والخارج.

لقد عاش الصدر في ضمير المجتمع وانتشر نهجه سريعا في الآفاق رغم ظلم الطاغوت ، وحقد الحاقدين. فكان وما يزال مثالا حياً للتفاني والعمل في سبيل العقيدة. وهو صاحب الخلق الرفيع الذي تجده يتحدث إليك بلغته البسيطة العامية وهو الفقيه والمفكر والأديب والشاعر. وتجده ينحني ليستمع إليك وهو الذي هابته السلطة الغاشمة ، وعملت على التخلص منه. وتجده ذلك المتواضع الذي كان لا يرضى أن يقبل أحد يده ، وهو يجالس الجميع ويكره أن تتوسد إليه مكانة متميزة بين الحضور.

ولا يمكن انكار الهم العراقي الذي كان يحمله في جميع خطبه ومحاضراته. فكان ينتقد وبصراحة المظاهر السلبية التي خلقها النظام. ولم يكن ينسى الخطر القادم من الخارج والذي سماه الثالوث الاستكباري( الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل) مهما كانت اليد القابضة على السكين ( ويقصد نظام صدام ). فسلام عليك سيدي يوم استشهدت في سبيل دينك وعقيدتك وإظهار كلمة الحق بوجه الطغيان. وسلام عليك يوم تبعث حيا. وإنا على العهد باقون ، ولنهجك متبعون.


أستاذ جا معي

Y_almously@yahoo.com