سيد مرحوم
12-18-2004, 01:52 AM
التعتيم علي نيغروبونتي
2004/12/17
سامر خير احمد
تماما كما لا يمكن لعاقل ان يصدق ان رجلا شبه امي اسمه ابو مصعب الزرقاوي هو الذي يدير معركة محلها كل العراق مع اعتي قوة في العالم، بل في التاريخ، فان احدا لا يمكن ان يصدق ان موظفا كبيرا في الخارجية الامريكية كان ممثلا لبلاده في الامم المتحدة التي فيها مجلس الامن قبل ان يعين سفيرا في العراق، اي حاكما غير معلن يدير جيشا من الجنود وجيشا من الموظفين، يقبع الان في الظل وسط معمعة القتل والخطف والتحضير السياسي والنفخ الطائفي واعادة تشكيل المجتمع، الدائرة كلها في العراق، وان هذا الرجل، الذي اسمه نيغروبونتي، غائب عن كل ما يجري لدرجة انه ليس ضروريا ايراد اسمه في اي خبر من العراق تبثه الات الاعلام الجهنمية التي ترسم الاحداث علي الشاكلة التي تريدها ان تكون عليها.
هذا التعتيم الذي ينفذه الاعلام علي شخص بحجم ودور نيغروبونتي ليس بريئا ولا يمكن ان يكون، فهذا الرجل ليس غائبا ابدا، فهو من الناحية الوظيفية رقي بارساله الي العراق علي الطريقة التي رقيت بها سابقا مادلين اولبرايت فصارت وزيرة للخارجية (بعد ان كانت مندوبة بلادها في الامم المتحدة)، فكيف يمكن ان يكون بلا دور مع ان اصغر سفير امريكي في اصغر دول العالم واكثرها هامشية يحسب لدوره فيها الف حساب؟! ثم انه ـ نيغروبونتي ـ ومن الناحية الشخصية معروف بـ كفاءته ! في احوال الاضطراب وحروب العصابات، وقيل عنه الكثير في هذا المجال وعن ادواره في امريكا الوسطي، فكيف لنفسه ان تطاوعه بالابتعاد عن مافيا الخطف والذبح وهو الذي يفترض ان يشغل اهم المواقع في العراق الان؟!
دور نيغروبونتي اذن، وتورطه في كل صغيرة او كبيرة في العراق، ليس محل جدل. لكن الغريب هو اتفاق كل وسائل الاعلام، الكثيرة والمتنوعة، علي التعتيم علي اخباره وتجاهل ايراد اسمه او حتي مجرد تذكره او التساؤل عن سر غيابه . ان موقف وسائل الاعلام هذه دليل فاضح علي ان جزءا كبيرا مما يجري في العراق ليس الا مسرحية كبيرة يتم تبليعنا اياها دون ان ندري.
ان الذين يمكن لهم ان يتفقوا علي تغييب دور شخص بحجم ومكانة نيغروبونتي، يمكن لهم ان يتفقوا (اي ان يتوافق سلوكهم) علي اشياء اخري كثيرة تحدث في العراق، فينقلوا اخبارا ناقصة او مزيفة، قد تتعلق بالهجمات ضد الاحتلال الامريكي او بهجمات قوات الاحتلال علي المدن والمواطنين، او بحوادث الخطف والقتل، او حالة التوافق او اللاتوافق بين الطوائف، او بوجهات نظر الرأي العام، او بغيرها مما لا يمكن حصره. ان كل الحكاية هي محل شك فالذي يكذب في جزء من القصة يكذب في القصة كلها.
لكن الغريب والذي يجب ان يكون مثار التساؤل هو التالي: اذا كان مفهوما ان تتآمر محطات التلفزة ووكالات الانباء الامريكية ومعها المحطات والوكالات المتعاونة مع الاحتلال الامريكي وتلك التي لا تستطيع ان ترفض لامريكا طلبا، فما معني ان تفعل ذلك ايضا محطات تلفزة ووكالات انباء حازت ثقتنا باعتبارها محايدة وتنقل الخبر الحقيقي، كيف لنا ان نثق بمصداقيتها في نقل الاحداث وهي ـ ايضا ـ لا تنقل لنا هوية واسم الذي وراء الاحداث؟!
وسائل الاعلام تلك، العربية منها والاوروبية، اما انها تلعب بنا هي الاخري، او انها غير قادرة علي نقل اخبار عن الذي يجري وراء الكواليس، وان المهمة الاساسية التي تقدر عليها هي نقل ما يجري في الميدان بعد ان يحدث. وهكذا، وحتي لو التمسنا لوسائل الاعلام تلك مثل هذا العذر، فاننا في الحقيقة لا نتلقي اخبارا كاملة عما يدور في العراق، ولا يمكن لنا بالتالي ان نشكل صورة حقيقية عن الحالة هناك، فالذي نسمعه ونري بعضه علي شاشات الفضائيات ليس كل شيء ولا يزال ناقصا الكثير، وهو لا يوفر وصفا حقيقيا لحالة الحرب المشتعلة في العراق ولا يرسم لنا الا اجزاء من صورة الاحداث هناك فيما تظل باقي اجزاء الصورة معتمة ومبهمة، وربما مضللة، والدليل هو هذا التعتيم غير الصادق علي دور جون نيغروبونتي، السياسي الداهية وصانع حروب العصابات المعروف!
كاتب من الاردن
2004/12/17
سامر خير احمد
تماما كما لا يمكن لعاقل ان يصدق ان رجلا شبه امي اسمه ابو مصعب الزرقاوي هو الذي يدير معركة محلها كل العراق مع اعتي قوة في العالم، بل في التاريخ، فان احدا لا يمكن ان يصدق ان موظفا كبيرا في الخارجية الامريكية كان ممثلا لبلاده في الامم المتحدة التي فيها مجلس الامن قبل ان يعين سفيرا في العراق، اي حاكما غير معلن يدير جيشا من الجنود وجيشا من الموظفين، يقبع الان في الظل وسط معمعة القتل والخطف والتحضير السياسي والنفخ الطائفي واعادة تشكيل المجتمع، الدائرة كلها في العراق، وان هذا الرجل، الذي اسمه نيغروبونتي، غائب عن كل ما يجري لدرجة انه ليس ضروريا ايراد اسمه في اي خبر من العراق تبثه الات الاعلام الجهنمية التي ترسم الاحداث علي الشاكلة التي تريدها ان تكون عليها.
هذا التعتيم الذي ينفذه الاعلام علي شخص بحجم ودور نيغروبونتي ليس بريئا ولا يمكن ان يكون، فهذا الرجل ليس غائبا ابدا، فهو من الناحية الوظيفية رقي بارساله الي العراق علي الطريقة التي رقيت بها سابقا مادلين اولبرايت فصارت وزيرة للخارجية (بعد ان كانت مندوبة بلادها في الامم المتحدة)، فكيف يمكن ان يكون بلا دور مع ان اصغر سفير امريكي في اصغر دول العالم واكثرها هامشية يحسب لدوره فيها الف حساب؟! ثم انه ـ نيغروبونتي ـ ومن الناحية الشخصية معروف بـ كفاءته ! في احوال الاضطراب وحروب العصابات، وقيل عنه الكثير في هذا المجال وعن ادواره في امريكا الوسطي، فكيف لنفسه ان تطاوعه بالابتعاد عن مافيا الخطف والذبح وهو الذي يفترض ان يشغل اهم المواقع في العراق الان؟!
دور نيغروبونتي اذن، وتورطه في كل صغيرة او كبيرة في العراق، ليس محل جدل. لكن الغريب هو اتفاق كل وسائل الاعلام، الكثيرة والمتنوعة، علي التعتيم علي اخباره وتجاهل ايراد اسمه او حتي مجرد تذكره او التساؤل عن سر غيابه . ان موقف وسائل الاعلام هذه دليل فاضح علي ان جزءا كبيرا مما يجري في العراق ليس الا مسرحية كبيرة يتم تبليعنا اياها دون ان ندري.
ان الذين يمكن لهم ان يتفقوا علي تغييب دور شخص بحجم ومكانة نيغروبونتي، يمكن لهم ان يتفقوا (اي ان يتوافق سلوكهم) علي اشياء اخري كثيرة تحدث في العراق، فينقلوا اخبارا ناقصة او مزيفة، قد تتعلق بالهجمات ضد الاحتلال الامريكي او بهجمات قوات الاحتلال علي المدن والمواطنين، او بحوادث الخطف والقتل، او حالة التوافق او اللاتوافق بين الطوائف، او بوجهات نظر الرأي العام، او بغيرها مما لا يمكن حصره. ان كل الحكاية هي محل شك فالذي يكذب في جزء من القصة يكذب في القصة كلها.
لكن الغريب والذي يجب ان يكون مثار التساؤل هو التالي: اذا كان مفهوما ان تتآمر محطات التلفزة ووكالات الانباء الامريكية ومعها المحطات والوكالات المتعاونة مع الاحتلال الامريكي وتلك التي لا تستطيع ان ترفض لامريكا طلبا، فما معني ان تفعل ذلك ايضا محطات تلفزة ووكالات انباء حازت ثقتنا باعتبارها محايدة وتنقل الخبر الحقيقي، كيف لنا ان نثق بمصداقيتها في نقل الاحداث وهي ـ ايضا ـ لا تنقل لنا هوية واسم الذي وراء الاحداث؟!
وسائل الاعلام تلك، العربية منها والاوروبية، اما انها تلعب بنا هي الاخري، او انها غير قادرة علي نقل اخبار عن الذي يجري وراء الكواليس، وان المهمة الاساسية التي تقدر عليها هي نقل ما يجري في الميدان بعد ان يحدث. وهكذا، وحتي لو التمسنا لوسائل الاعلام تلك مثل هذا العذر، فاننا في الحقيقة لا نتلقي اخبارا كاملة عما يدور في العراق، ولا يمكن لنا بالتالي ان نشكل صورة حقيقية عن الحالة هناك، فالذي نسمعه ونري بعضه علي شاشات الفضائيات ليس كل شيء ولا يزال ناقصا الكثير، وهو لا يوفر وصفا حقيقيا لحالة الحرب المشتعلة في العراق ولا يرسم لنا الا اجزاء من صورة الاحداث هناك فيما تظل باقي اجزاء الصورة معتمة ومبهمة، وربما مضللة، والدليل هو هذا التعتيم غير الصادق علي دور جون نيغروبونتي، السياسي الداهية وصانع حروب العصابات المعروف!
كاتب من الاردن