المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجل دين متهم بالسرقة



غفوري
02-11-2012, 08:58 AM
رجل دين متهم بالسرقة





http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2012/02/10/fbb141ba-6b74-45c5-af3e-88118468d385_mainNew.jpg


شريف صالح - النهار

Sherifsaleh2000@gmail.com


قبل سنوات وقف شباب ملتح وفتيات محجبات «طوابير» في معرض الكتاب في القاهرة لشراء كتاب «لا تحزن» للداعية المعروف الشيخ عائض القرني، إلى درجة أن ألواح الزجاج تكسرت من تدافع القوم! وللمرء أن يسأل: كيف يكون الحال لو كان آينشتاين بنفسه يوقع كتاباً عن النظرية النسبية؟!

ثم قرأت تقارير عن عشرات الطبعات وملايين النسخ، إلى درجة القول إن الكتاب بيع منه ثلاثة ملايين نسخة حلال أيام معدودة! فهنيئاً للناشر والمؤلف هذا الرواج التجاري!

كل هذا أثار فضولي لمعرفة ما الأفكار التي يطرحها الكتاب وخلبت الألباب حد الهوس؟ وهو ما لم يحدث على حد علمي لروائي مثل حنا مينة ولا مفكر مثل علي الوردي ولا عالم مثل أحمد زويل ولا حتى رجل دين مثل الشيخ الشعراوي!

وعندما اطلعت على تقرير حول موضوع الكتاب، كانت صدمتي لا حدود لها، فالكتاب ليس سوى «قص ولصق» لكتاب شهير قرأته في مراهقتي عنوانه «دع القلق وابدأ الحياة» للكاتب الأميركي ديل كارنيغي، كان نشره عام 1948 وتصدر قوائم المبيعات لسنوات ثم ترجمه عبد المنعم الزيادي ونشرته مكتبة الخانجي منذ عقود!

ثم، وبالمصادفة، قرأت في المرحلة الجامعية كتاباً للشيخ محمد الغزالي بعنوان «جدد حياتك» ليس سوى إعادة صياغة لكتاب كارنيغي، مع تأصيل أفكاره إسلامياً بآيات من القرآن والأحاديث النبوية، ولم يغفل الغزالي الإشارة إلى الكتاب الأصلي وإبداء الإعجاب به إلى درجة تأصيل أفكاره وفق رؤية إسلامية، وأيضاً حقق كتاب الغزالي رواجا لا بأس به في أوساط الشباب والمتدينين.

ثم جاء الشيخ القرني عام2007، وأعاد نفس أفكار كارنيغي، ونفس تأصيل الغزالي ما يشبه السطو المزدوج على فكرتين لكن بصياغته الخاصة، ودون أن يشير إليهما. طبعاً من سيقرأ كتابه «لا تحزن» ليس بالضرورة مطلعاً على الكتابين الآخرين، وسيتوهم أنها أفكار أصيلة للشيخ القرني، ولن يتخيل على الإطلاق حدوث أي نوع من السطو من رجل دين على ما ابتكر غيره.

وأذكر أنني خضت سجالاً في الفضاء الافتراضي، متهماً الشيخ بـ «السرقة»ـ أشدد متهماً لأسباب كثيرة، أولها تجاهل الكاتب الأميركي صاحب الأفكار الأصلية، وكذلك تجاهل الشيخ الغزالي صاحب ابتكار تأصيل تلك الأفكار إسلامياً، وثانيها أن كل ما فعله ليس سوى «اجترار» لما ابتدعه الاثنان، مستثمراً الرواج التجاري لكتابيهما. وهو ما يتعارض كلياً مع حقوق الملكية الفكرية، وصون الحقوق الأدبية للآخرين، فعندما أعيد إنتاج فكرة ما، يفترض أن أشير إلى من سبقني إليها. وثالثاً لو جردنا كتاب «لا تحزن» من أفكار كارنيغي وتأصيل الغزالي، لن يبقى منه ما يستحق الذكر.

لكن للأسف لن نعدم من يدافع عما فعله الشيخ القرني، بمزاعم وتبريرات مختلفة مثل: الأمر «توارد خواطر»! حتى لو كان حذو النعل بالنعل! أو مجرد «اقتباس»، رغم أن للاقتباس شروطه الأكاديمية سواء نقل الكلام بالمعنى أو نصاً، أو «تأثر» ولو كان الأمر كذلك، وبحسن نية، لذكر الكاتب من تأثر بهما! ثم إن التأثر لا يصل إلى هذا الحد، والطريف أن البعض يدافع بحجة أن كتاب القرني ضعف كتاب كارنيغي في الحجم!

لكي ندرك حالة التزييف التي نعانيها، والكيل بمكيالين، لنتذكر أن وزير الدفاع الألماني كارل تيودور استقال من منصبه، لأنه نسخ «فقرات» من باحثين آخرين في رسالة الدكتوراه الخاصة به، دون أن يشير إلى أسماء هؤلاء الباحثين، رغم إشارته إليهم في مراجع رسالته، ما يعني «عدم التعمد» ومع ذلك تعرض الوزير لحملة شعواء ووصف بأنه «وزير النسخ واللصق» ودعا الوزير المسؤول عن «جودة التعليم» إلى «معاقبة من يزور» حفاظا على «سمعة» ألمانيا العلمية. نحن هنا نتحدث عن اقتباس فقرتين أو ثلاث وليس عن «اقتباس كتابين كاملين»!

لم أكن وحدي الذي انتبه للأمر، فعلى سبيل المثال كتب د.عيد بلبع مقالاً يفند فيه عملية السطو، فمثلا من عناوين فصول كتاب الغزالي: «لا تبك على فائت» و«عش في حدود يومك» و«لا تنتظر الشكر من أحد»، و«اصنع من الليمونة المالحة شراباً حلواً» تحولت عند القرني إلى «ما مضى فات»، و«يومك يومك» و«لا تنتظر شكراً من أحد»، و«اصنع من الليمون شراباً حلواً».

وتساءل د. بلبع هل توجد ما يسمى سرقة إسلامية؟ هل يندرج ذلك في سياق الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا؟ هل المال الذي حصل عليه (القرني) حلال أم حرام؟

من الصعب افتراض سلامة النية، بالتوازي مع الترويج غير المسبوق للكتاب باعتباره «بديعة» فكرية، و«إنجاز» لرجل دين إسلامي! خصوصا أن المسألة تكررت مرة ثانية مع الشيخ القرني نفسه، لكن هذه المرة كانت التهمة مع كتاب بعنوان «لا تيأس» على وزن «لا تحزن»، حيث اتهمته مواطنته الكاتبة سلوى العضيدان صراحة بـ «سرقة» كتابها «اهزموا اليأس»، وصدر حكم تاريخي للجنة المخالفات في وزارة الثقافة والإعلام في السعودية يدين الشيخ ويغرمه مبلغ 330 ألف ريال وسحب كتابه من الأسواق، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام!

مثل هذا الحكم يجعل اتهام الشيخ بالسرقة، لم يعد اتهاما أو مجرد وجهة نظر للحاقدين على شهرته!

وقديماً قيل إن الإمام البخاري سافر شهرين كي يروى حديثاً عن رجل ثم رآه «يدلس» على ناقته، بوعاء فارغ من الطعام! فعاد البخاري قائلاً: لن آخذ الحديث عن رجل يغش ناقته!