المهدى
12-13-2004, 03:45 PM
توماس فريدمان *
قرات وانا في طائرة متجهة نحو الخليج مقالا بالفاينانشيال تايمز يتناول العراك الداخلي في الناتو، حول ارسال عدة عشرات من المدربين الى الجيش العراقي. ولم املك الا ان اتعجب بيني وبين نفسي: هناك الان 26 بلدا بالناتو، ولو وفر كل قطر 100 جندي فقط، فاننا يمكن ان نكون قد وفرنا خمسة جنود تقريبا لحراسة كل محطة اقتراع في العراق خلال انتخابات يناير (كانون الثاني) المقبل. وستكون هذه مساعدة ضخمة.
وعلى كل حال، ما هي مهام الناتو اليوم، ان لم تكن حماية الانتخابات الحرة النزيهة في العراق، التي تعارضها اقلية شرسة شعارها الوحيد: «ان تصوت تمت... تسقط تسقط الانتخابات». فهل نكون قد طالبنا بالكثير اذا طلبنا من كل بلد عضو في حلف الناتو ان يوفر 100 جندي، خلال نهاية عطلة اسبوع طويلة، لزيادة نصيب الانتخابات العراقية من النجاح؟ استطيع انا نفسي ان اوفر تذاكر السفر، لبضع مئات من جنود الاتحاد الاوروبي من الدول التي لا تنتمي الى الناتو، فما تزال لدي اميال كثيرة من الطيران باعتباري مسافرا دائما.
ولكن مهلا: هل قلت الاتحاد الاوروبي؟ هل تعرف كم من الاشجار قطعت لنشر الدراسات حول المبادرة الدفاعية الاوروبية، والتي تعبر عن طموح الاتحاد الاوروبي لانشاء قوة عسكرية مستقلة عن الناتو وعن اميركا؟ ان غابات كاملة قد قطعت لهذا السبب. ولذلك بدأت افكر: ماذا تعني مبادرة الدفاع الاوروبية ان لم تكن تعني ارسال قوة من 500 جندي الى العراق، خلال عطلة اسبوع طويلة، حتى يبدأ العراقيون في بناء أول ديمقراطية من القاعدة الى القمة في الجامعة العربية؟
ولكن مهلا ايضا: هل قلت الجامعة العربية؟ فقد ظلت الجامعة العربية منذ ان قامت الولايات المتحدة بإسقاط الطاغية صدام حسين، تقول عن الحكومة العراقية انها لا تمثل الشعب العراقي. حسنا، اننا نحاول الان ان نقيم حكومة ستكون الاكثر تمثيلا في العالم العربي، فماذا تفعل الجامعة العربية؟
انها لا تفعل شيئا تقريبا. لماذا لا تقترح ارسال بعض الجنود العرب لحماية الانتخابات في المدن السنية بالعراق؟
فقط لو كان بامكاننا ان نسمي الانتخابات العراقية: «سمنار حول الانتخابات العراقية: لماذا انتهى الناتو واصبحت المبادرة الدفاعية الاوروبية هي المستقبل؟»، فاننا يمكن ان نغري الاف الاوروبيين بالمشاركة. فقط لو كان من الممكن ان نسمي الانتخابات العراقية: «سمنار حول جورج بوش وجنكيز خان: لماذا نرى ان بوش هو الاسوأ؟» فان الجامعة العربية يمكن ان ترسل عددا هائلا من الناس بحيث تضطر الى ردهم على اعقابهم. كما ان قناة الحزيرة ستتحول الى نظام الدفع عن كل مشهد.
وبالطبع انا لا اعرف اي نوع من الحكومات سينتخب العراقيون. واعتقد انها خطوتهم الاولى في رحلة الالف ميل لجعل ذلك البلد محترما وطبيعيا، او سائرا في هذا الاتجاه. ولكنني اعرف ما يلي: هناك كثير من العراقيين الذي يرغبون بصدق في التصويت من اجل رسم مستقبل بلادهم، كما ان هناك اقلية شرسة تقتل الناس وتقيم لهم المجازر، لانها لا تريد ان تتيح للاغلبية هذه الفرصة. صحيح ان عدم كفاءة فريق بوش في تحقيق الاستقرار في العراق، يعد امرا فاضحا، ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحا، هل من الصعب على العرب والاوروبيين ان يحددوا في اي صف يقفون؟ هل يشعرون فعلا بالراحة لانهم لم يحركوا ساكنا؟
قال لي غازي الياور، رئيس العراق الانتقالي، اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن:
«نحن في العراق نشعر بخيبة امل كبيرة من كثير من جيراننا». وقال ان جيران العراق يجلسون على الحائط، «يدلون ارجلهم ويمضغون الفستق» في الوقت الذي تقوم فيه «قوى الظلام» بتدمير العراق. وقال الياور الرجل الذكي المحترم:
«نحن لا نفهم لماذا يكون انتحاري شرير يقتل الابرياء، ارهابيا في بلد ما، ولكنه يصبح في العراق مقاتلا من اجل الحرية؟».
ما يحدث في العراق يمثل صورة مصغرة لما يحدث في كل انحاء العالم العربي اليوم. والى اية جهة اتجهت تجد ان الحوار انتهى ولكن القتال مستمر. وذلك لان اقليات صلبة وشرسة تبذل كل ما في وسعها لاحباط ارادة الاغلبية، بينما بلغت هذه الاغلبية من الضعف والتمزق والانقسام درجة لا تستطيع معها ان تقاوم وترد. اغلبية الاسرائليين تريد الخروج من غزة، ولكن اقلية يهودية شرسة وخطرة تدفعهم الى الوراء. والحوار انتهى ايضا بين الفلسطينيين ولكن القتال ما يزال مستمرا. ومن الواضح ان اغلبية الفلسطينيين يريدون انهاء النزاع مع اسرائيل وفتح الابواب لحياة مستقرة،، ولكن اقلية شرسة من حماس تقاوم هذا الاتجاه. وامل ان تكون اغلبية اقطار الناتو، راغبة في نتيجة ايجابية في العراق، ولكن اقلية قوية الارادة، تقلقها احتمالات النجاح الاميركي اكثر مما تقلقها احتمالات الفشل العراقي، هي التي تقاوم الناتو وتجبره على موقفه السلبي.
ولذلك دع التاريخ يسجل، انه عندما قرر العراق اجراء انتخابات حرة ونزيهة، فان جميع الاشرار قرروا الادلاء باصواتهم، بينما كان الاخيار يجلسون على الحائط، يحركون ارجلهم ويمضغون الفستق.
* خدمة نيويورك تايمز
قرات وانا في طائرة متجهة نحو الخليج مقالا بالفاينانشيال تايمز يتناول العراك الداخلي في الناتو، حول ارسال عدة عشرات من المدربين الى الجيش العراقي. ولم املك الا ان اتعجب بيني وبين نفسي: هناك الان 26 بلدا بالناتو، ولو وفر كل قطر 100 جندي فقط، فاننا يمكن ان نكون قد وفرنا خمسة جنود تقريبا لحراسة كل محطة اقتراع في العراق خلال انتخابات يناير (كانون الثاني) المقبل. وستكون هذه مساعدة ضخمة.
وعلى كل حال، ما هي مهام الناتو اليوم، ان لم تكن حماية الانتخابات الحرة النزيهة في العراق، التي تعارضها اقلية شرسة شعارها الوحيد: «ان تصوت تمت... تسقط تسقط الانتخابات». فهل نكون قد طالبنا بالكثير اذا طلبنا من كل بلد عضو في حلف الناتو ان يوفر 100 جندي، خلال نهاية عطلة اسبوع طويلة، لزيادة نصيب الانتخابات العراقية من النجاح؟ استطيع انا نفسي ان اوفر تذاكر السفر، لبضع مئات من جنود الاتحاد الاوروبي من الدول التي لا تنتمي الى الناتو، فما تزال لدي اميال كثيرة من الطيران باعتباري مسافرا دائما.
ولكن مهلا: هل قلت الاتحاد الاوروبي؟ هل تعرف كم من الاشجار قطعت لنشر الدراسات حول المبادرة الدفاعية الاوروبية، والتي تعبر عن طموح الاتحاد الاوروبي لانشاء قوة عسكرية مستقلة عن الناتو وعن اميركا؟ ان غابات كاملة قد قطعت لهذا السبب. ولذلك بدأت افكر: ماذا تعني مبادرة الدفاع الاوروبية ان لم تكن تعني ارسال قوة من 500 جندي الى العراق، خلال عطلة اسبوع طويلة، حتى يبدأ العراقيون في بناء أول ديمقراطية من القاعدة الى القمة في الجامعة العربية؟
ولكن مهلا ايضا: هل قلت الجامعة العربية؟ فقد ظلت الجامعة العربية منذ ان قامت الولايات المتحدة بإسقاط الطاغية صدام حسين، تقول عن الحكومة العراقية انها لا تمثل الشعب العراقي. حسنا، اننا نحاول الان ان نقيم حكومة ستكون الاكثر تمثيلا في العالم العربي، فماذا تفعل الجامعة العربية؟
انها لا تفعل شيئا تقريبا. لماذا لا تقترح ارسال بعض الجنود العرب لحماية الانتخابات في المدن السنية بالعراق؟
فقط لو كان بامكاننا ان نسمي الانتخابات العراقية: «سمنار حول الانتخابات العراقية: لماذا انتهى الناتو واصبحت المبادرة الدفاعية الاوروبية هي المستقبل؟»، فاننا يمكن ان نغري الاف الاوروبيين بالمشاركة. فقط لو كان من الممكن ان نسمي الانتخابات العراقية: «سمنار حول جورج بوش وجنكيز خان: لماذا نرى ان بوش هو الاسوأ؟» فان الجامعة العربية يمكن ان ترسل عددا هائلا من الناس بحيث تضطر الى ردهم على اعقابهم. كما ان قناة الحزيرة ستتحول الى نظام الدفع عن كل مشهد.
وبالطبع انا لا اعرف اي نوع من الحكومات سينتخب العراقيون. واعتقد انها خطوتهم الاولى في رحلة الالف ميل لجعل ذلك البلد محترما وطبيعيا، او سائرا في هذا الاتجاه. ولكنني اعرف ما يلي: هناك كثير من العراقيين الذي يرغبون بصدق في التصويت من اجل رسم مستقبل بلادهم، كما ان هناك اقلية شرسة تقتل الناس وتقيم لهم المجازر، لانها لا تريد ان تتيح للاغلبية هذه الفرصة. صحيح ان عدم كفاءة فريق بوش في تحقيق الاستقرار في العراق، يعد امرا فاضحا، ولكن حتى إذا كان ذلك صحيحا، هل من الصعب على العرب والاوروبيين ان يحددوا في اي صف يقفون؟ هل يشعرون فعلا بالراحة لانهم لم يحركوا ساكنا؟
قال لي غازي الياور، رئيس العراق الانتقالي، اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن:
«نحن في العراق نشعر بخيبة امل كبيرة من كثير من جيراننا». وقال ان جيران العراق يجلسون على الحائط، «يدلون ارجلهم ويمضغون الفستق» في الوقت الذي تقوم فيه «قوى الظلام» بتدمير العراق. وقال الياور الرجل الذكي المحترم:
«نحن لا نفهم لماذا يكون انتحاري شرير يقتل الابرياء، ارهابيا في بلد ما، ولكنه يصبح في العراق مقاتلا من اجل الحرية؟».
ما يحدث في العراق يمثل صورة مصغرة لما يحدث في كل انحاء العالم العربي اليوم. والى اية جهة اتجهت تجد ان الحوار انتهى ولكن القتال مستمر. وذلك لان اقليات صلبة وشرسة تبذل كل ما في وسعها لاحباط ارادة الاغلبية، بينما بلغت هذه الاغلبية من الضعف والتمزق والانقسام درجة لا تستطيع معها ان تقاوم وترد. اغلبية الاسرائليين تريد الخروج من غزة، ولكن اقلية يهودية شرسة وخطرة تدفعهم الى الوراء. والحوار انتهى ايضا بين الفلسطينيين ولكن القتال ما يزال مستمرا. ومن الواضح ان اغلبية الفلسطينيين يريدون انهاء النزاع مع اسرائيل وفتح الابواب لحياة مستقرة،، ولكن اقلية شرسة من حماس تقاوم هذا الاتجاه. وامل ان تكون اغلبية اقطار الناتو، راغبة في نتيجة ايجابية في العراق، ولكن اقلية قوية الارادة، تقلقها احتمالات النجاح الاميركي اكثر مما تقلقها احتمالات الفشل العراقي، هي التي تقاوم الناتو وتجبره على موقفه السلبي.
ولذلك دع التاريخ يسجل، انه عندما قرر العراق اجراء انتخابات حرة ونزيهة، فان جميع الاشرار قرروا الادلاء باصواتهم، بينما كان الاخيار يجلسون على الحائط، يحركون ارجلهم ويمضغون الفستق.
* خدمة نيويورك تايمز