حسن العجوز
02-10-2012, 10:47 AM
البشرى العاشرة تقوى المحارم باب المكارم
وهذه بشرى فيها العجب العجاب لماذا؟ أكثر العوام يظنُّ أن الغنى لا يجتمع مع الإيمان وأن العبادة لا بد أن تأتى بالفقر والضعف والحرمان أو تجلب الغلظة والجفاء أو التجهُّم والشحناء وحاشا لله أن يكون هكذا أتباع دينه السعداء إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وحاشا للغنى المغنى أن يرضى لمحبيه أن يكونوا فقراء أذلاء ولايكونوا تعساء أو أشقياء فتصاريف القدر فوق عقل العقلاء فما بالك بفهم الناس البسطاء ولذا احتجنا لحكمة العلماء ولا أطيل عليكم فأظنكم متشوقون للبشرى بشرى الحبيب إلى كل حبيب ولكل عبد مقبل على الله منيب وكل من يرجو التقى والهدى والعفاف والغنى{أقبل النبى على أصحابه يوماً فسألهم مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلَ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمَ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قال: فَأَخَذَ بِيَدِي وَعَدَّ خَمْساً قالَ{اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ}[1] الله أكبر بشرى خمسة فى واحد كيف هذا وظاهرها خمسة أوامر ونواهى؟قديما قالوا:أعمال الخير والبر يقوم بها البار والفاجر ولكن المعاصى والمحرَّمات لا يتركها إلا المؤمن الصابر وهنا السرُّ ياإخوانى فاتقاء المحارم تشمل توقِّى المحرَّمات التى هى فعل المنهيَّات وترك المأمورات لأن ترك المأمورات من أوَّل المنهيَّات والمحرَّمات أفرأيتم لفظان فيهما عماد الأمر والنهى ورأس زاوية كل صلاح وغى فمن اتقى الحرمات وأتمَّ المأمورات أفتراه يحمل حسداً أو غشاً أو ضغينة أو حقدا؟ً فالأولى تجعله من أوائل العابدين والثانية نتيجة من الأولى وتجعله من الراضين الشاكرين ثم هل ترى هذا يؤذى له جاراً وأذيته من أول المنهيات والإحسان إلية من أقوى المأمورات فمثل هذا أمنه جاره وعاش بجانبه فى أمن وأمان أفمثل هذا يغشُّ إخوانه أو لا يحبَّ لهم الخير كما يحبُّه لنفسه؟لا بل قد يؤثر إخوانه على نفسه أفلا يكون التارك للمحرمات والمواظب على الطاعات إذاً مسلماً حقاً ومؤمنا صدقاً ومثله يكثر جدُّه ويقلُّ هزله وإذا مزح فلا يقول كذبا فكل تلك الخيرات فروع وثمار لشجرة ترك المحرمات والمنهيات فمن كان ترك المحرمات همه وقصده فهو عابدٌ فى صدق راضٍ فى يقين يشعُّ سلاماً لمن حوله ومحبة بل وبشاشةً ومودة فمن منكم يريد أن يكون أعبد الناس وأغنى الناس مسلماً على حق ومؤمنا بصدق من يريد هذا سيقول: ولكن الرجاء بعيد والنوال أبعد لا والله فالرجاء يسير والنوال أقرب والبشرى هائلة وعظيمة وبابها هو الأوسع الأرحب فالبشرى العظيمة ياأحبائى السعداء سرها كلمة واحدة تديرها فى رأسك وتجعلها نصب عينك:لا تقترف المحرمات ولاتنتهك الحرمات ولا تتجرأ على المنهيات هل فهمنا ووعينا تلك البشرى إن جميع الطاعات ولو ملأت الأرض والسموات يطيح بها مرتكبو المحرمات قال النبى{لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ: يَارَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا}[2]وحتى نكون من أهل تلك البشرى يلزم إيضاح أن الرضا بالمقسوم لا يعنى بحال أن نرضى بما قسم الله لنا حتى لو كنا فى الفقر أو المرض لأن هذا فهم سقيم لكلام النبي الكريم ولكن الفهم المستقيم أن ترضي بما قسم الله لك من أحوال الإيمان العلية أو المعيشة الهنية ولكن لا ترضى المعاصى أو الدنيَّة أو المصيبة والبليَّة ولا تحرك ساكناً وتقول رضيت بالقضية فالرضا ألا يتغير قلبك على مولاك بنزول البلاء ولكن قل هو لحكمة ظاهرةً أو خفية وتستعين به وبأسباب كونه لرفع البليَّة مع دعاء العبودية لربِّ البريَّة فالشفاء لا يأتى إلا بدواء وطبيب كما الرزق لا يأتى إلا بطرق باب الرزاق المجيب فتذهب للطبيب ثم تطلب من ربِّ الطبيب أن يجعل الشفاء على يده وترفع الدواء إلى فيك وتسأل خالقك وباريك: اللهم شفاؤك ليعافيك فيجعل الشفاء فى الدواء فهذا هو فهم الرضا بالقسمة والقضاء الذى يجعلك من أهل البشرى السعداء ولله درُّ الشاعر الحكيم الذى نظم فى بشريات الحديث شعراً رائعا جمع فأوعى فقال:
عن الـهادي أتانا لـه بشيرٌ عليه صَلِّ ما لاحَ الضياء
مقالٌ قد حوى كلَّ العطايا فعمَّ الفرح أرضاً والسماء
إِذا ما المرءُ كنَّ به خُماسٌ فذاك هو السعيد لـه الحَبَاء
فصبرٌ عن محارم ذاتِ ربي ورضى الأمر ما قسم القضاء
وأحسان الجوار ولو أساءوا وحبُّ الناس مفتاح العطاء
فعبد قد رضى آمن وأسلم له فى المزح قلُّ لا إجتراء
فمن جمع وأحسن ذا الحوايا ففى الدنيا هناه وفى اللقاء
كما قال شعراء آخرون فى بشريات إجتناب الحرام والكف عن الآثام :
وبي من حَصين الدين درعُ وِقايَة به أتَوَقّى من وقوع المآثم
ولي من جميع الطيّبات بشارةٌ بقول كفوا عن ركوب المحارم
وقال بعضهم ناصحاً إخوانه بثمرة ترك الحرام وقد تولى العمر وفات فقال:
جد في الجد قد تولى العمر فما التفريط وقد تدانى الخطر
تب فعسى لقد جاء الخبر دع الحرام تكف كل الأمر
البشرى الحادية عشر استغفار النبى والملأ الأعلى للمؤمنين
وقد رأينا فيما سبق من بشارة عظم رحمة الله تعالى بعباده، فما أن يعودوا إليه ويستغفروه حتى يغفر لهم ما قد سلف أما فى هذه البشرى الثانية فتكاد الأنفس تزهق من الشكر لمولاها على مدى سعة الفضل الإلهى المتنزل الذى لا مثيل له فالله تعالى شمل بعطفه ورحمته ومغفرته حتى من نسى منهم أن يستغفر أو لم يفعل كما أمر الله فإذا لم يستغفر المرء يقول الله سبحانه وتعالى لحضرة النبى{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}الله الله الله على هذه البشرى وسعة فضل الله وتحنُّنه على عباده أتباع رسول الله يأمر الله النبى أن يستغفر لنا وليس هذا فحسب بل تزداد البشرى ويعظم الفضل فيأمر الله تعالى عالم الملائكة بأنواعهم وأصنافهم أنَّ عبادته التى يطلبها منهم أن يستغفرون لنا يأمر الملائكة أن تستغفر لنا من أرقى الأنواع حملة العرش يأمرهم{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}ماذا يقولون؟{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} فالنبى يستغفر لنا أجمعين من استغفر ومن نسى أن يستغفر والملائكة الكرام البررة تستغفر لنا ولا حد لفضل الله ولا منتهى ولا مزيد على كرم الله إلا المزيد من كرمه وعطفه ولطفه فالحمد الله على فضله والشكر له على ما أولانا أياه وساق لنا فى كتابه الكريم أو على يد ولسان الحبيب قال الرجل الصالح :
وفى الذكر أُمِرَت ملائك ربى استغفروا رفعت عنا الوبيلا
ربنا وَسعت كل شيىء رحمة ياغفار قد أقلت الذليلا
ومن الحلم منك وَاللطف بخلقك قد بعثت لهم محمداً رسولا
وأمرته أن استغفر لذنبك بالمؤمنين كان رؤوفا رحيما
البشرى الثانية عشر استغفار المؤمنين للمؤمنين على مرِّ السنين
وهنا بشرى العجب وليس بعد ذلك لأحد طلب إن الله يغفر لعباده إن استغفروه ورسوله يستغفر لهم فيقبل الله استغفاره ويغفر لهم ما أذنبوه وتعبَّد الله ملائكته بأن يستغفروا للمؤمنين فيقبل الله استغفارهم لهم ويقيلهم مما اقترفوا وارتكبوه فهل بعذ ذلك فضل؟أو وراء ذلك ما لم نعرف بعد؟نعم يا إخوانى مازالت الأفضال تترى والبشريات تتوالى ألم تسمعوا قول ربِّ العزة للأتقياء والصلحاء من المؤمنين أن استغفروا للخطائين والمذنبين ألم يقل الله{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ}ما هذه البشرى العجيبة يا إخوانى؟كيف ذلك؟هل فهمنا ما هى البشرى؟ أم نحن نمر على الآيات الشريفة مرور الكرام ولانعى ما يريد أن يخبرنا به الملك العلام؟ سأسألكم سؤالاً: أتعرفون لماذا يقول الإمام فى الدعاء فى نهاية الخطبة الثانية للجمعة{اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ إنَّك قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ} اسمعوا السر من سيد الرسل والسادات حيث يقول فى أحاديث عديدة{مَنْ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً}[3]{مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِنَاتِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً كانَ مِنَ الَّذِينَ يُسْتَـجَابُ لَهُمْ وَيُرْزَقُ بِهِمْ أَهْلُ الأَرْضِ}[4]كل هذا العطاء والفضل والمنة والرزق لأنك استغفرت للمؤمنين والمؤمنات فهل سمعتم بشرى مثل هذه؟ هل رأيتم فضلاً أوسع من هذا الفضل؟بل ويؤكد هذا العطاء أنه بعددهم من لدن آدم إلى يوم القيامة الله أكبر على الفضل الذى لا منتهى له ولا مثيل قال عليه افضل الصلاة وأتم التسليم {من استغفر للمؤمنين والمؤمنات ردَّ الله عليه عن كل مؤمن مضى من أول الدهر أو هو كائن إلى يوم القيامة}[5] وقد قال الشاعر الحكيم جامعا الإشارة للآية وللحديث معاً:
ما ضرَّ مُسْتَغْفِرٌ فِى اليَوْم سَبْعِينَ فَمَا عطا مَنْ جازوا الحلَّ والحينا
منح إلإلهُ الأْجْرَ منه هديةُ أعداد من أسلفوا واللاحقينا
أهْدَى الحبيب بُشْـرَاه لنَّـا مِـنَّةً بدعائنا لمن أسـلموا وللمؤمنينا
فإن دَعْوتَ حُبيتَ وفى العَطَا وِسْعَةٌ تَنَالُ بقول ورا الإمام آمِينا
وفى آى "لايرجون" أمْرٌ رَحْمَةً بحق مَنْ نسوا الأيَامَ تعيينا
وصلِّ مولاى على الحبيب محمد ما كـان ويكون بدءاً وتكوينا
فأين تبلغ بشراك إذا أمنت وراء الإمام فى دعاء الجمعة للمؤمنين والمؤمنات وكم تحصل فى كل الجمع طوال سنين عمرك وأنت تؤمن وتدعو للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات هل يمكن لأحد أن يحسب ذلك؟ كم لنا فى تلك التأمينات من حسنات؟ مقابل جميع المؤمنين والمؤمنات من لدن آدم ليوم الميقات ولا يعلم عددهم إلا خالق الأرض والسموات ما هذا الفضل وما هذا الكرم! وما هذا الجود الإلهى؟ وما مدى تلك العطايا والإتحافات
البشرى الثالثة عشر توبوا تبدل سيئاتكم حسنات
ولا منتهى لفضل الله ولا رادَّ لقوله يفعل مايشاء ولا حدّ لكرمه ففوق كل الكرم الذى شهدنا والفضل المتوالى الذى ولانا به مولانا يقول الله لملائكته.لو أذنب عبدى ثم ندم وتاب وأصلح فضعوا له مكان كل ذنب حسنة{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}ولذا قال النبى فى حديث شريف منيف{ لِيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ لَوْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيئَاتِ الَّذِينَ بَدَّلَ اللَّهُ سَيئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }[6] ومن هنا نظم الرجل الصالح فقال :
هتَكَ العاصون بالذنوب حِمَا هم سوَّدوا الوجوه والصفحات
جاءَ نَصُّ الحساب عليها عسيــراً عدا من هٌدُوا قبل فَوَاتِ
بالذُّل جاءوا ربهم بفعَـالٍ صدق خيرٍ وصالحـاتِ
فتمنَّى القوم لو أكثروا لـمْــمَا بَدَلَ الله سَيّئاتِهم حَسَناتِ
قلتُ ياربنا كم أفضت عليــنا من آى بشرِ نيِّراتِ
بها الخيرُ آت لنا وَعَنْــنَا الشَّرُ زالَ والنعيمُ مُواتِ
فلو بقى نفسٌ فى العمر إلــلا آىُ القران أتت بنجاتى
فكيف نفي بالشكر حقاً علـيــنا عمَّنا حياةً وبعد مماتى
رحمة الله يا إخوانى بنا لا تُعد ولا تُحدّ ولو علمنا على قدرنا سعة رحمة الله بنا ما إلتفتنا عن وجهه وعن ذكره وعن شكره وعن طاعته طرفة عين ولا أقل فلم يقل إن الله يحب العابدين أمثالنا أوالمصلين أو الصائمين أو القائمين أو التاليين ولكنه يُنبئ لنا عن رحمته فيقول{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}علم ضعفنا وعلم جهلنا وعلم أن النفس تتقلب علينا ففتح لنا أبواب التوبة بلا حدود حتى إذا أخطأنا أو سهونا أوجهلنا أو نسينا نرفع أكفّ الضراعة ونقول يا رب فإذا تبنا قال : وأنا قبلت إذا تبت يقول تعالى للملائكة:يا عبادى إفتحوا أبواب السماوات لقبول توبته ولدخول أنفاس حضرته فلنفس العبد التائب يا ملائكتى أعزّ عندى من السماوات والأراضين وما فيهن نعم يا أخى أنظر إلى رحمة الله وإلى شفقة الله قارون آتاه الله مالاً يعجز الجمع الكثير عن حمل مفاتيح خزائنه حتى رأى انه هو وحده الذى يستحق الوجاهة فى بنى إسرائيل ولم يرى منافساً له فى الوجاهة بين بنى إسرائيل إلاّ نبى الله موسى فضاق ذرعاً بذلك فأراد أن يُسقط مكانته بين بنى إسرائيل فى زعمه لينفرد بالجاه فانتظر حتى جاء عيد لبنى إسرائيل وإتفق مع إمرأة بغّى أن يعطيها مالاً كثيراً على أن تتهم موسى بالفاحشة على الملأ من بنى إسرائيل عند إجتماعهم للعيد فجاءت المرأة وقد تجمّع الناس جميعاً وجلس قارون على كرسىّ من ذهب وله تاج من جواهر ينتظر إتمام خطته لكن الله غيّر قلب هذه المرأة فقالت فى نفسها : إنكِ لم تفعلى خيراً قط فقولى اليوم الحق لعلّ الله يغفر لك فلما قدّمها قارون وقال إنها تزعم أن موسى فعل معها كذا وكذا قالت المرأة: لا أنت الذى أمرتنى بقول ذلك على مبلغ كذا من المال فغضب موسى وقال: يارب أيوصف عبدك ونبيك بالزنى واخذ يُلحّ على الله حتى قال له مولاه: مُر الأرض بما شئت فهى طوع أمرك فقال موسى للأرض يا أرض خذيه وأشار إلى قارون فانشقت الأرض وهمّت أن تبتلعه فقال قارون : تبت يا إبن الخالة فلما سمعت الأرض كلمة تُبتُ إلتأمت مرةً أخرى فكرر موسى قوله وكررت الأرض فعلها وكرر قارون استنجاده بموسى فتكرر الأرض إلتئامها عند قول تبت سبعين مرة يتكرر الأمر وبعد السبعين إنشقت الأرض وإبتلعته فعاتب الرحمن الرحيم موسى وقال : يا موسى يستغيث بك سبعين مرة فلا تغثه وعزّتى وجلالى لو إستغاث بى مرةً واحدةً لأغثته يا إخوانى إنَّ الله تعالى سمّى نفسه من أجلكم الرحمن الرحيم ولم يقل لك قل : باسم الجبار أو المنتقم أو القهار لكن قل : بسم الله الرحمن الرحيم هل وعينا الدرس وتنسمنا نسيم البشرى قال الرجل الصالح أبو مسلم العمانى فى قصيدة خماسية طويلة جداً مناجاة رائعة أخذنا منها تلك الأبيات ....:
أصبحت والذنب عظيماً موبقاً أوقعني في أسر اشراك الشقا
إن لم يكن لي سيدي موفقاً ولم يكن لتوبتي محققا
فأين منجاتي كلا لا وزر أصبحت عبداً في مقام الذلـه
قضيت عمري باطلاً وضلـه أبارز اللّه بقبح الخلـه
انتهك الزلة بعد الزلـه كأنني أمنت خزياً منتظر
أصبحت عبداً بذنوبي معتقلّ قد غرني الجهل وأرداني الأمل
يا ويلتاه قد دنا مني الأجل ولم أقدم صالحاً من العمل
أجاهر النعمة مني بالبطر تلك صفاتي بئس وصف المتصف
عن كل ما يرضي الـهي منحرف أواه أواه عبيد مقترف
مصرح عما جنيت معترف لا أرعوي لحكمة ومزدجر
وقال أحد الصالحين فى تلك المعانى العالية لتبديل السيئات بالحسنات وقبول الله للعباد على خطاياهم وسوء فعالهم:
تجل بغفار عفو وتواب وبالفضل أكرمنا بخير متاب
فأنت كريم واسع الجود والعطا تبدل بالحسنى إساءة مرتاب
خطاياي لا تحصى وعفوك شامل وما هي يا مولاي في عفو وهاب
إذا ما ملأت الأرض ظلما وبدعة فإنك تبدلـها بخير ثواب
بجانب عفو اللـه كل كبائري تبدل بالحسنى بغير عتاب
أنا طامع في العفو والظلم شيمتي وعفوك مرجو بنص كتاب
أنلني حبا منك يمحو كبائري وإن لم تهب لي الحب طال عذابي
وفي محكم القران آي صريحة (فإني قريب) حجة الأحباب
[1] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة الترغيب والترهيب
[2] وروى ابن ماجه عن ثوبان قال ورواته ثقات
[3] حاشية الجمل وكثير غيرها
[4] الأول رواه الطبرانى وإسناده جيد والثانى للطبراني في الكبير عن أبـي الدرداء الفتح الكبير
[5] حديث آدم فى أمالي (ابن بشران)عن أنس والثانى فى تخريج أحاديث الإحياء العراقي عن أنس أيضاً
[6] رواه الحاكم فى مستدركه ورمز لصحته وصححه السيوطى كذا رواه الديلمى والثعلبى والقشيرى عن أبى هريرة
وهذه بشرى فيها العجب العجاب لماذا؟ أكثر العوام يظنُّ أن الغنى لا يجتمع مع الإيمان وأن العبادة لا بد أن تأتى بالفقر والضعف والحرمان أو تجلب الغلظة والجفاء أو التجهُّم والشحناء وحاشا لله أن يكون هكذا أتباع دينه السعداء إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وحاشا للغنى المغنى أن يرضى لمحبيه أن يكونوا فقراء أذلاء ولايكونوا تعساء أو أشقياء فتصاريف القدر فوق عقل العقلاء فما بالك بفهم الناس البسطاء ولذا احتجنا لحكمة العلماء ولا أطيل عليكم فأظنكم متشوقون للبشرى بشرى الحبيب إلى كل حبيب ولكل عبد مقبل على الله منيب وكل من يرجو التقى والهدى والعفاف والغنى{أقبل النبى على أصحابه يوماً فسألهم مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلَ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمَ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قال: فَأَخَذَ بِيَدِي وَعَدَّ خَمْساً قالَ{اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِماً، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ}[1] الله أكبر بشرى خمسة فى واحد كيف هذا وظاهرها خمسة أوامر ونواهى؟قديما قالوا:أعمال الخير والبر يقوم بها البار والفاجر ولكن المعاصى والمحرَّمات لا يتركها إلا المؤمن الصابر وهنا السرُّ ياإخوانى فاتقاء المحارم تشمل توقِّى المحرَّمات التى هى فعل المنهيَّات وترك المأمورات لأن ترك المأمورات من أوَّل المنهيَّات والمحرَّمات أفرأيتم لفظان فيهما عماد الأمر والنهى ورأس زاوية كل صلاح وغى فمن اتقى الحرمات وأتمَّ المأمورات أفتراه يحمل حسداً أو غشاً أو ضغينة أو حقدا؟ً فالأولى تجعله من أوائل العابدين والثانية نتيجة من الأولى وتجعله من الراضين الشاكرين ثم هل ترى هذا يؤذى له جاراً وأذيته من أول المنهيات والإحسان إلية من أقوى المأمورات فمثل هذا أمنه جاره وعاش بجانبه فى أمن وأمان أفمثل هذا يغشُّ إخوانه أو لا يحبَّ لهم الخير كما يحبُّه لنفسه؟لا بل قد يؤثر إخوانه على نفسه أفلا يكون التارك للمحرمات والمواظب على الطاعات إذاً مسلماً حقاً ومؤمنا صدقاً ومثله يكثر جدُّه ويقلُّ هزله وإذا مزح فلا يقول كذبا فكل تلك الخيرات فروع وثمار لشجرة ترك المحرمات والمنهيات فمن كان ترك المحرمات همه وقصده فهو عابدٌ فى صدق راضٍ فى يقين يشعُّ سلاماً لمن حوله ومحبة بل وبشاشةً ومودة فمن منكم يريد أن يكون أعبد الناس وأغنى الناس مسلماً على حق ومؤمنا بصدق من يريد هذا سيقول: ولكن الرجاء بعيد والنوال أبعد لا والله فالرجاء يسير والنوال أقرب والبشرى هائلة وعظيمة وبابها هو الأوسع الأرحب فالبشرى العظيمة ياأحبائى السعداء سرها كلمة واحدة تديرها فى رأسك وتجعلها نصب عينك:لا تقترف المحرمات ولاتنتهك الحرمات ولا تتجرأ على المنهيات هل فهمنا ووعينا تلك البشرى إن جميع الطاعات ولو ملأت الأرض والسموات يطيح بها مرتكبو المحرمات قال النبى{لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً قَالَ ثَوْبَانُ: يَارَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا}[2]وحتى نكون من أهل تلك البشرى يلزم إيضاح أن الرضا بالمقسوم لا يعنى بحال أن نرضى بما قسم الله لنا حتى لو كنا فى الفقر أو المرض لأن هذا فهم سقيم لكلام النبي الكريم ولكن الفهم المستقيم أن ترضي بما قسم الله لك من أحوال الإيمان العلية أو المعيشة الهنية ولكن لا ترضى المعاصى أو الدنيَّة أو المصيبة والبليَّة ولا تحرك ساكناً وتقول رضيت بالقضية فالرضا ألا يتغير قلبك على مولاك بنزول البلاء ولكن قل هو لحكمة ظاهرةً أو خفية وتستعين به وبأسباب كونه لرفع البليَّة مع دعاء العبودية لربِّ البريَّة فالشفاء لا يأتى إلا بدواء وطبيب كما الرزق لا يأتى إلا بطرق باب الرزاق المجيب فتذهب للطبيب ثم تطلب من ربِّ الطبيب أن يجعل الشفاء على يده وترفع الدواء إلى فيك وتسأل خالقك وباريك: اللهم شفاؤك ليعافيك فيجعل الشفاء فى الدواء فهذا هو فهم الرضا بالقسمة والقضاء الذى يجعلك من أهل البشرى السعداء ولله درُّ الشاعر الحكيم الذى نظم فى بشريات الحديث شعراً رائعا جمع فأوعى فقال:
عن الـهادي أتانا لـه بشيرٌ عليه صَلِّ ما لاحَ الضياء
مقالٌ قد حوى كلَّ العطايا فعمَّ الفرح أرضاً والسماء
إِذا ما المرءُ كنَّ به خُماسٌ فذاك هو السعيد لـه الحَبَاء
فصبرٌ عن محارم ذاتِ ربي ورضى الأمر ما قسم القضاء
وأحسان الجوار ولو أساءوا وحبُّ الناس مفتاح العطاء
فعبد قد رضى آمن وأسلم له فى المزح قلُّ لا إجتراء
فمن جمع وأحسن ذا الحوايا ففى الدنيا هناه وفى اللقاء
كما قال شعراء آخرون فى بشريات إجتناب الحرام والكف عن الآثام :
وبي من حَصين الدين درعُ وِقايَة به أتَوَقّى من وقوع المآثم
ولي من جميع الطيّبات بشارةٌ بقول كفوا عن ركوب المحارم
وقال بعضهم ناصحاً إخوانه بثمرة ترك الحرام وقد تولى العمر وفات فقال:
جد في الجد قد تولى العمر فما التفريط وقد تدانى الخطر
تب فعسى لقد جاء الخبر دع الحرام تكف كل الأمر
البشرى الحادية عشر استغفار النبى والملأ الأعلى للمؤمنين
وقد رأينا فيما سبق من بشارة عظم رحمة الله تعالى بعباده، فما أن يعودوا إليه ويستغفروه حتى يغفر لهم ما قد سلف أما فى هذه البشرى الثانية فتكاد الأنفس تزهق من الشكر لمولاها على مدى سعة الفضل الإلهى المتنزل الذى لا مثيل له فالله تعالى شمل بعطفه ورحمته ومغفرته حتى من نسى منهم أن يستغفر أو لم يفعل كما أمر الله فإذا لم يستغفر المرء يقول الله سبحانه وتعالى لحضرة النبى{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}الله الله الله على هذه البشرى وسعة فضل الله وتحنُّنه على عباده أتباع رسول الله يأمر الله النبى أن يستغفر لنا وليس هذا فحسب بل تزداد البشرى ويعظم الفضل فيأمر الله تعالى عالم الملائكة بأنواعهم وأصنافهم أنَّ عبادته التى يطلبها منهم أن يستغفرون لنا يأمر الملائكة أن تستغفر لنا من أرقى الأنواع حملة العرش يأمرهم{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}ماذا يقولون؟{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} فالنبى يستغفر لنا أجمعين من استغفر ومن نسى أن يستغفر والملائكة الكرام البررة تستغفر لنا ولا حد لفضل الله ولا منتهى ولا مزيد على كرم الله إلا المزيد من كرمه وعطفه ولطفه فالحمد الله على فضله والشكر له على ما أولانا أياه وساق لنا فى كتابه الكريم أو على يد ولسان الحبيب قال الرجل الصالح :
وفى الذكر أُمِرَت ملائك ربى استغفروا رفعت عنا الوبيلا
ربنا وَسعت كل شيىء رحمة ياغفار قد أقلت الذليلا
ومن الحلم منك وَاللطف بخلقك قد بعثت لهم محمداً رسولا
وأمرته أن استغفر لذنبك بالمؤمنين كان رؤوفا رحيما
البشرى الثانية عشر استغفار المؤمنين للمؤمنين على مرِّ السنين
وهنا بشرى العجب وليس بعد ذلك لأحد طلب إن الله يغفر لعباده إن استغفروه ورسوله يستغفر لهم فيقبل الله استغفاره ويغفر لهم ما أذنبوه وتعبَّد الله ملائكته بأن يستغفروا للمؤمنين فيقبل الله استغفارهم لهم ويقيلهم مما اقترفوا وارتكبوه فهل بعذ ذلك فضل؟أو وراء ذلك ما لم نعرف بعد؟نعم يا إخوانى مازالت الأفضال تترى والبشريات تتوالى ألم تسمعوا قول ربِّ العزة للأتقياء والصلحاء من المؤمنين أن استغفروا للخطائين والمذنبين ألم يقل الله{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ}ما هذه البشرى العجيبة يا إخوانى؟كيف ذلك؟هل فهمنا ما هى البشرى؟ أم نحن نمر على الآيات الشريفة مرور الكرام ولانعى ما يريد أن يخبرنا به الملك العلام؟ سأسألكم سؤالاً: أتعرفون لماذا يقول الإمام فى الدعاء فى نهاية الخطبة الثانية للجمعة{اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ إنَّك قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ} اسمعوا السر من سيد الرسل والسادات حيث يقول فى أحاديث عديدة{مَنْ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً}[3]{مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْـمُؤْمِنِـينَ وَالـمُؤْمِنَاتِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً كانَ مِنَ الَّذِينَ يُسْتَـجَابُ لَهُمْ وَيُرْزَقُ بِهِمْ أَهْلُ الأَرْضِ}[4]كل هذا العطاء والفضل والمنة والرزق لأنك استغفرت للمؤمنين والمؤمنات فهل سمعتم بشرى مثل هذه؟ هل رأيتم فضلاً أوسع من هذا الفضل؟بل ويؤكد هذا العطاء أنه بعددهم من لدن آدم إلى يوم القيامة الله أكبر على الفضل الذى لا منتهى له ولا مثيل قال عليه افضل الصلاة وأتم التسليم {من استغفر للمؤمنين والمؤمنات ردَّ الله عليه عن كل مؤمن مضى من أول الدهر أو هو كائن إلى يوم القيامة}[5] وقد قال الشاعر الحكيم جامعا الإشارة للآية وللحديث معاً:
ما ضرَّ مُسْتَغْفِرٌ فِى اليَوْم سَبْعِينَ فَمَا عطا مَنْ جازوا الحلَّ والحينا
منح إلإلهُ الأْجْرَ منه هديةُ أعداد من أسلفوا واللاحقينا
أهْدَى الحبيب بُشْـرَاه لنَّـا مِـنَّةً بدعائنا لمن أسـلموا وللمؤمنينا
فإن دَعْوتَ حُبيتَ وفى العَطَا وِسْعَةٌ تَنَالُ بقول ورا الإمام آمِينا
وفى آى "لايرجون" أمْرٌ رَحْمَةً بحق مَنْ نسوا الأيَامَ تعيينا
وصلِّ مولاى على الحبيب محمد ما كـان ويكون بدءاً وتكوينا
فأين تبلغ بشراك إذا أمنت وراء الإمام فى دعاء الجمعة للمؤمنين والمؤمنات وكم تحصل فى كل الجمع طوال سنين عمرك وأنت تؤمن وتدعو للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات هل يمكن لأحد أن يحسب ذلك؟ كم لنا فى تلك التأمينات من حسنات؟ مقابل جميع المؤمنين والمؤمنات من لدن آدم ليوم الميقات ولا يعلم عددهم إلا خالق الأرض والسموات ما هذا الفضل وما هذا الكرم! وما هذا الجود الإلهى؟ وما مدى تلك العطايا والإتحافات
البشرى الثالثة عشر توبوا تبدل سيئاتكم حسنات
ولا منتهى لفضل الله ولا رادَّ لقوله يفعل مايشاء ولا حدّ لكرمه ففوق كل الكرم الذى شهدنا والفضل المتوالى الذى ولانا به مولانا يقول الله لملائكته.لو أذنب عبدى ثم ندم وتاب وأصلح فضعوا له مكان كل ذنب حسنة{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}ولذا قال النبى فى حديث شريف منيف{ لِيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ لَوْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيئَاتِ الَّذِينَ بَدَّلَ اللَّهُ سَيئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }[6] ومن هنا نظم الرجل الصالح فقال :
هتَكَ العاصون بالذنوب حِمَا هم سوَّدوا الوجوه والصفحات
جاءَ نَصُّ الحساب عليها عسيــراً عدا من هٌدُوا قبل فَوَاتِ
بالذُّل جاءوا ربهم بفعَـالٍ صدق خيرٍ وصالحـاتِ
فتمنَّى القوم لو أكثروا لـمْــمَا بَدَلَ الله سَيّئاتِهم حَسَناتِ
قلتُ ياربنا كم أفضت عليــنا من آى بشرِ نيِّراتِ
بها الخيرُ آت لنا وَعَنْــنَا الشَّرُ زالَ والنعيمُ مُواتِ
فلو بقى نفسٌ فى العمر إلــلا آىُ القران أتت بنجاتى
فكيف نفي بالشكر حقاً علـيــنا عمَّنا حياةً وبعد مماتى
رحمة الله يا إخوانى بنا لا تُعد ولا تُحدّ ولو علمنا على قدرنا سعة رحمة الله بنا ما إلتفتنا عن وجهه وعن ذكره وعن شكره وعن طاعته طرفة عين ولا أقل فلم يقل إن الله يحب العابدين أمثالنا أوالمصلين أو الصائمين أو القائمين أو التاليين ولكنه يُنبئ لنا عن رحمته فيقول{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}علم ضعفنا وعلم جهلنا وعلم أن النفس تتقلب علينا ففتح لنا أبواب التوبة بلا حدود حتى إذا أخطأنا أو سهونا أوجهلنا أو نسينا نرفع أكفّ الضراعة ونقول يا رب فإذا تبنا قال : وأنا قبلت إذا تبت يقول تعالى للملائكة:يا عبادى إفتحوا أبواب السماوات لقبول توبته ولدخول أنفاس حضرته فلنفس العبد التائب يا ملائكتى أعزّ عندى من السماوات والأراضين وما فيهن نعم يا أخى أنظر إلى رحمة الله وإلى شفقة الله قارون آتاه الله مالاً يعجز الجمع الكثير عن حمل مفاتيح خزائنه حتى رأى انه هو وحده الذى يستحق الوجاهة فى بنى إسرائيل ولم يرى منافساً له فى الوجاهة بين بنى إسرائيل إلاّ نبى الله موسى فضاق ذرعاً بذلك فأراد أن يُسقط مكانته بين بنى إسرائيل فى زعمه لينفرد بالجاه فانتظر حتى جاء عيد لبنى إسرائيل وإتفق مع إمرأة بغّى أن يعطيها مالاً كثيراً على أن تتهم موسى بالفاحشة على الملأ من بنى إسرائيل عند إجتماعهم للعيد فجاءت المرأة وقد تجمّع الناس جميعاً وجلس قارون على كرسىّ من ذهب وله تاج من جواهر ينتظر إتمام خطته لكن الله غيّر قلب هذه المرأة فقالت فى نفسها : إنكِ لم تفعلى خيراً قط فقولى اليوم الحق لعلّ الله يغفر لك فلما قدّمها قارون وقال إنها تزعم أن موسى فعل معها كذا وكذا قالت المرأة: لا أنت الذى أمرتنى بقول ذلك على مبلغ كذا من المال فغضب موسى وقال: يارب أيوصف عبدك ونبيك بالزنى واخذ يُلحّ على الله حتى قال له مولاه: مُر الأرض بما شئت فهى طوع أمرك فقال موسى للأرض يا أرض خذيه وأشار إلى قارون فانشقت الأرض وهمّت أن تبتلعه فقال قارون : تبت يا إبن الخالة فلما سمعت الأرض كلمة تُبتُ إلتأمت مرةً أخرى فكرر موسى قوله وكررت الأرض فعلها وكرر قارون استنجاده بموسى فتكرر الأرض إلتئامها عند قول تبت سبعين مرة يتكرر الأمر وبعد السبعين إنشقت الأرض وإبتلعته فعاتب الرحمن الرحيم موسى وقال : يا موسى يستغيث بك سبعين مرة فلا تغثه وعزّتى وجلالى لو إستغاث بى مرةً واحدةً لأغثته يا إخوانى إنَّ الله تعالى سمّى نفسه من أجلكم الرحمن الرحيم ولم يقل لك قل : باسم الجبار أو المنتقم أو القهار لكن قل : بسم الله الرحمن الرحيم هل وعينا الدرس وتنسمنا نسيم البشرى قال الرجل الصالح أبو مسلم العمانى فى قصيدة خماسية طويلة جداً مناجاة رائعة أخذنا منها تلك الأبيات ....:
أصبحت والذنب عظيماً موبقاً أوقعني في أسر اشراك الشقا
إن لم يكن لي سيدي موفقاً ولم يكن لتوبتي محققا
فأين منجاتي كلا لا وزر أصبحت عبداً في مقام الذلـه
قضيت عمري باطلاً وضلـه أبارز اللّه بقبح الخلـه
انتهك الزلة بعد الزلـه كأنني أمنت خزياً منتظر
أصبحت عبداً بذنوبي معتقلّ قد غرني الجهل وأرداني الأمل
يا ويلتاه قد دنا مني الأجل ولم أقدم صالحاً من العمل
أجاهر النعمة مني بالبطر تلك صفاتي بئس وصف المتصف
عن كل ما يرضي الـهي منحرف أواه أواه عبيد مقترف
مصرح عما جنيت معترف لا أرعوي لحكمة ومزدجر
وقال أحد الصالحين فى تلك المعانى العالية لتبديل السيئات بالحسنات وقبول الله للعباد على خطاياهم وسوء فعالهم:
تجل بغفار عفو وتواب وبالفضل أكرمنا بخير متاب
فأنت كريم واسع الجود والعطا تبدل بالحسنى إساءة مرتاب
خطاياي لا تحصى وعفوك شامل وما هي يا مولاي في عفو وهاب
إذا ما ملأت الأرض ظلما وبدعة فإنك تبدلـها بخير ثواب
بجانب عفو اللـه كل كبائري تبدل بالحسنى بغير عتاب
أنا طامع في العفو والظلم شيمتي وعفوك مرجو بنص كتاب
أنلني حبا منك يمحو كبائري وإن لم تهب لي الحب طال عذابي
وفي محكم القران آي صريحة (فإني قريب) حجة الأحباب
[1] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة الترغيب والترهيب
[2] وروى ابن ماجه عن ثوبان قال ورواته ثقات
[3] حاشية الجمل وكثير غيرها
[4] الأول رواه الطبرانى وإسناده جيد والثانى للطبراني في الكبير عن أبـي الدرداء الفتح الكبير
[5] حديث آدم فى أمالي (ابن بشران)عن أنس والثانى فى تخريج أحاديث الإحياء العراقي عن أنس أيضاً
[6] رواه الحاكم فى مستدركه ورمز لصحته وصححه السيوطى كذا رواه الديلمى والثعلبى والقشيرى عن أبى هريرة