المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اين المرجلة؟ ....جعفر رجب



بهلول
02-06-2012, 05:25 AM
جعفر رجب




«سقراط» الفيلسوف اليوناني، حكم عليه بالاعدام عبر تناوله جرعة سم، حاول تلاميذه تهريبه، لكنه رفض، اعتبر هروبه مخالفا للمبادئ التي طالما نادى بها، فقد كان يطالب الناس بالالتزام بالقانون، وهروبه يتناقض مع قيمه، لهذا فضل ان يعدم، على ان يخالف مبادئه!

لا يوجد قانون يبرر الخروج على القانون، لان الالتزام بالقانون - الذي اقره المجتمع على نفسه وعبر مؤسساته المدنية - حتى لو كان مخالفا لاهوائي الشخصية، او مصالحي الفئوية، هو بحد ذاته مبدأ اخلاقي يجب الالتزام به قبل كل شيء!

المشكلة ان البعض يحاول الاستذكاء بالكلمات والشعارات، ويضع «كليشات» حول كل مصيبة وكارثة تحصل، فخرجت لنا شعارات «انه خطأ ولكن في مقابل خطيئة، واحترمونا نحترمك، واذا لم يطبق قوة القانون نستخدم قانون القوة، وعدم التزامك بالقانون يبرر خروجي عليه...» ولم يبق الا أن نسمع شعار «من يخزني اخزه» وكلها عبارات وشعارات لا تعني شيئا، ولا تبرر اي فعل مخالف للقانون، الذي وضع وفقا لقيم اخلاقية!

نحن شعوب متخلفة، ليس لاننا لم نصنع سيارة مثلا، بل لاننا لا نملك اخلاقيات تطورنا وتقدمنا، نتصور ان الاخلاق ان نقبل رأس الكبير، ونمسح على رأس الصغير، ونبر الوالدين، ونجتمع كل اسبوع في بيت الوالد نتغدى على حسابه، ونعزي ونهنئ بالمناسبات... انها اخلاقيات، وعادات جميلة، نمارسها، ولكننا في الوقت نفسه نتهرب من الالتزام بمواعيد العمل ومسؤولياته، ولا نعتبرها فعلا غير اخلاقي بل شطارة!
نتمارض، دون سبب عشرات المرات في السنة، ولا نعتبره تزويرا بل فن!

لا ندفع مستحقات الخدمات العامة بقدر الامكان او نؤخرها، ونعتبره حقا طالما غيري لا يدفع!
لا نداوم اساسا ونتسلم معاشاتنا كاملة، وقد يفتخر البعض امام اصدقائه بانه لم يذهب الى العمل منذ سنوات، وسط ضحكاتهم، لانهم يعتبرون فعله عملاً خارقا وذكيا، ولا يعتبر بالنسبة لهم قلة ادب وتربية ان تأخذ من الاموال العامة دون وجه حق!

نكذب وندلس في المستندات الرسمية، وآلاف الملفات المزورة بالطب النفسي، واضعافها في لجان الشؤون والعمل، وآلاف الشهادات العلمية المزورة المضروبة... كلها تدخل في باب الشطارة والذكاء عند البعض وليس في باب الكذب!

خداع وتزوير في ملفات ذوي الاحتياجات الخاصة، من اجل بعض الامتيازات المادية، دون ان يرف للمزور جفن، او يؤنبه ضميره الاخلاقي - ولا اعرف اي نفسية هذه التي تحسد المعاق على بعض الامتيازات التي يتمنى المعاق الا يحصل، بل ويدفع ما يملك من جيبه، من اجل ان يكون مثل غيره - ومع كل حقارة الفعل، مع ذلك لا احد يلومه اخلاقيا...!

وفي المقابل المواطن الغربي الذي قد يكون صديقك لسنوات، بمجرد ان يكتشف انك تتهرب من الضرائب يبلغ عنك ببساطة، لانه يرى تهربك من الضرائب ليست شطارة بل عمل غير اخلاقي، ولا فرق بينك وبين لص يقتحم منزله!

تريدون مجتمعا متطورا لابد ان يكون اخلاقيا بهذا المعنى، اما قصص «بوجيهكم، وتكفى يالربع، ونخيتك ما نخيت الذيب، وحطنا على يمناك، انت تآمر ونحن نطامر...» كلها افعال اخلاقية طريفة، تؤدي الى لا شيء!

الاقتحامات مجرمة قانونا، سواء اقتحمت مجلس الامة، او قناة تلفزيونية، او مقرا انتخابيا، او سفارة، او بيت مواطن، او جاخورا للغنم... وكلها يعاقب عليها القانون، وبما ان المقتحمين يرون ان فعلهم اخلاقي، وانها شجاعة، فاعتقد من الشجاعة ان يتحمل الانسان مسؤولية فعله، لا ان يتباكى ويطالب بالعفو عنه، لان التباكي فعل الجبناء، و«المرجلة» ان تقول وتفعل، ثم تقف متحملا مسؤوليتك، لا ان تختبئ خلف بشت نائب او شيخ...!


جعفر رجب
jjaaffar@hotmail.com