المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الحجاب ر مز ديني أم بيان سياسي؟



مجاهدون
12-12-2004, 04:00 PM
كتاب يتناول تجربة الفتاتين الفرنسيتين المسلمتين من زاوية جديدة بعيداً عن المعلومات الخاطئة والأفكار المسبقة
بيروت: سمير شمس

هل الحجاب رمز ديني ووجودي أم بيان سياسي؟ وهل ما زال المواطن الفرنسي قادراً على ممارسة حريته الدينية، التي تضمنها العلمانية ومؤسساتها السياسية والقانونية، بين سائر المواطنين ومعهم؟

رأى المحاوران أن الإجابة عن هذين السؤالين الأساسيين وما تتفرع عنهما من أسئلة قلقة، تكمن في إجراء هذه الأحاديث مع الفتاتين، لأننا لا نعرف، في الحقيقة دوافع وممارسات هاتين الفتاتين اللتين يتراوح عمراهما بين السادسة عشرة والثامنة عشرة سوى اللغط الإعلامي الذي أطبق على موضوعهما من كل الزوايا فصدر الحكم، سلباً أو إيجاباً بحقهما قبل الفهم.

لكنه وبهذا الحوار أصبحت لدى القارئ تحقيقات سوسيولوجية غنية وقوية الإسناد. فهي تقدم صورة كاملة لشخصين، تكمل النموذجيات الأوسع التي يعرضها باحثون من أمثال فرنسوا غاسبار وجيل كيبيل ونانسي فينيل، لأن هذه الأحاديث نتاج حوار مسجل، جرى تنقيحها لأجل نقلها من الأسلوب الشفهي إلى الأسلوب الكتابي، بغية تنظيم مجراها الروائي، مما يضع القارئ أمام وثيقة سوسيولوجية حقيقية تسمح بإغناء التأمل في مسألة تضاربت حولها الآراء.
وأتاحت هذه الأحاديث، أيضا، وعلى نحو رزين ودقيق معاً، أن تشرح هاتان الفتاتان أسلوب حياتهما ومفهومهما للعالم. فهما تمتلكان صفة تمثيلية أوسع بكثير مما قد يتبادر إلى الذهن لوهلة. فوالدهما يهودي الأصل، ومناضل ينتمي إلى اليسار الجذري، ومحام.

ووالدتهما قبيلية الأصل، ومسلمة معمَّدة بالقوة، ومعلمة. وهما مع ذلك فتاتان كسائر الفتيات، هذا يعني أنهما شخصان أصيلان، لا يماثلان أي شخص، وفي الآن عينه ليستا وجهين استثنائيين.

إن ميزة هاتين الفتاتين تكمن في كونهما تملكان رأسمالا ثقافيا عائليا قويا، ولعل تاريخهما العائلي مفتاح يسمح بفهم شدة مسعاهما الوجودي والديني، ويساعد القارئ على أسباب توجههما نحو الإسلام لا نحو اليهودية أو الإلحاد، وأسباب كون عاداتهما الحياتية أكثر شعبية وأكثر قرباً إلى عادات معظم الفتيات ذوات الأصل الاغترابي منها إلى عادات بنات عائلات الطبقات المتوسطة التقليدية. إن مسيرتهما المدرسية وعلاقتهما المتحفظة والودودة في آن مع الإسلام التقليدي الذي مارسته جدتهما لأمهما تكشف النقاب عن كثير من الأمور في هذا المجال، إضافة إلى كون والدهما محامياً يسارياً قدم لهما المساعدة التي أتاحت لهما أن تجابها بعناد أزمة الطرد والوقوع بين مخالب الإعلام، فجعلت قدرتهما على الرد منهما ناطقتين غير رسميتين باسم فتيات محجبات أخريات.

تكشف الأحاديث الواردة في الكتاب عن مجموعة من الحقائق شوّهت. وجرى التداول بشأنها بغير ما هي عليه. فليلى وألما تشبهان من وجوه كثيرة بنات جيلهما اللواتي لا يرتدين الحجاب. والتزامهما بالإيمان ليس ذا بعد سياسي، ولا هو ذو نزعة تنظيمية. وخيارهما هو خيار محض شخصي: لا تسعى هاتان الفتاتان إلى فرض نمط عيشهما على الآخريات، إنما تمارسان حق أداء دور القدوة.

إن هاتين الفرنسيتين قد استوعبتا بشكل عميق حقوقهما الدستورية في دولة علمانية، ومنها قيم حقوق الأفراد، وهما مشبعتان بإرث الحركة النسائية وتشهدان على واقع أن ارتداء الحجاب في فرنسا لا يتطابق عموماً على صعيد الممارسة مع الخضوع للرجال، فالطهرية المتشددة في القول تبدو في الممارسة أكثر مرونة كما توضح الأحاديث الواردة في الكتاب، كما تتضح شخصيتهما الصافية والقوية من موقفهما تجاه المدرسة ومستقبلهما المهني والعلاقة غير المعقدة التي تربطهما بالضاحية الشمالية من باريس حيث تسكنان.

لا شك في أن ارتداء الحجاب في فرنسا يشكل، في الأكثرية العظمى من الحالات، خياراً يجري من خلاله توكيد الشخصية. وقد يظن الكثيرون لذلك، خصوصاً، من الفرنسيين «الأنقياء»، أن هذه المسألة مستوردة وبعيدة عن مفهومهم الشخصي للحياة ولا تعنيهم. لكن الكتاب يطرح الموضوع من زاوية أخرى تهم كل الفرنسيين. فهو يضع المسألة في إطار كيفية معاملة الأقليات، ويرى أن التسامح الحقيقي يقاس عند تطبيقه على المختلفين عنك حقاً، لأنه ليس من حق أحد أن يعمل على «تحرير» الآخرين رغم أنفسهم. فعلى المجتمع أن يتعامل مع أفراده كما هم، لا بالنظر إلى ما يضعون على رؤوسهم، أو في أعناقهم.

أما الزعم بأن الحجاب هو بحد ذاته رمز للتمييز بين الجنسين يتنافى مع المساواة المعلنة في الدستور الفرنسي بين الرجال والنساء فهي حجة باطلة، لأن الرموز تتغير تبعاً للأوضاع التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما إذا كان الحجاب حرصاً على الحشمة غير متقابل بين الجنسين، فهو ليس الرمز الوحيد الذي يحمل صورة تفريقية بين الرجال والنساء، فعالم الإعلان يتحفنا كل لحظة ويذكرنا بهذه الصورة التراتبية. ويكشف الكتاب أن بعض العلاقات في فرنسا تتقاطع مع مسألة الحجاب، مثل القضية المسماة «داء الضواحي»، والتي تبرز التمييز ضد السكان الاغترابيي الأصل وضد الإسلام.

كما أن مسألة ما يسمى «القدم السوداء» التي تذكر في فرنسا في المواسم الرياضية وتفاخر بهم وتهملهم وتنساهم في المناسبات الأخرى فتنم عن وجود توترات مقلقة في المجتمع الفرنسي.

وبالرغم من ذلك لا توجد في فرنسا اليوم أسباب مقنعة للحد من الحرية الدينية ومنع الحجاب. وإذا كان هناك خطر حقاً في هذا المجال، فمنع الحجاب ليس علاجاً، بل هو حجة للمتطرفين. وقد يعزز في العالم الإسلامي خطر الفكرة القائلة بأن لكل حكومة أن تحدّ من الحريات تبعاً لأيديولوجيتها.
إن النضال من أجل حرية الضمير لا يتـــجزأ ويجب أن يترك للنساء أنفسهن ولوحدهن أن يخترن بين ارتداء الحجاب وعدم ارتدائه. كتاب يطرح أسئلة شائكة ويترك للقارئ الإجابة الصريحة بعد أن يزوده بهذا التحقيق الغني والقوي الإسناد، ويكمل نموذجيات عدد كبير من الباحثين في هذا المضمار كإجابة مبطنة.