مجاهدون
12-12-2004, 03:57 PM
المحلل النفسي جوستن فرانك يضع الرئيس الأميركي «على كرسي الاعتراف»
http://www.asharqalawsat.com/2004/12/12/images/books.270660.jpg
يصدر قريباً عن «الدار العربية للعلوم» كتاب شيق يستخدم الطب النفسي لتحليل شخصية الرئيس الأميركي جورج بوش، ويلقى الضوء على أسرار طفولته وتربيته العائلية وعلاقته بأمه وتأثير وفاة أخته فيه وهو ما يزال طفلاً. انطلاقاً من هذا التحليل يحاول المحلل النفسي جوستن فرانك في كتابه «بوش على كرسي الاعتراف» أن يفهم مواقفه السياسية، فلماذا يبدو الرئيس الأميركي جورج بوش متناقضاً في رؤاه، ميالاً لاستخدام العنف على أنه الطريق الأسهل إلى الخير، ومصراً على استخدام الحجج الكاذبة وكأنها حقيقة قاطعة يصعب التشكيك فيها؟ ماذا في لاوعي هذا الرجل الذي يحكم العالم اليوم، من أسرار وكوامن، وما دور والدته المتسلطة برباره بوش ووالده الغائب الحاضر؟ لقد وجد هذه الكتاب صدى واسعاً لا سيما بعد أن استخدمه فيدل كاسترو كمرجع استند إليه لمهاجمة الرئيس جورج بوش وتعديد مثالبه. «الشرق الأوسط» تنشر مقطعاً من هذا الكتاب الذي لا بد سيجد فيه قارئ العربية متعة وكثير فائدة.
نوفمبر 1953: جلسة لعائلة بوش الثرية والقوية. الأب جورج هربرت ولكر بوش غير المبالي والغائب بكل ما للكلمة من معنى، وصل متأخراً، وغادر باكراً. الأم باربره بوش باردة وغير متجاوبة، الزوجان في حداد على ابنتهما التي توفيت منذ شهر وهي في الثالثة من العمر، بقي جيب بوش الرضيع الذي لم يكن موجوداً في الجلسة، والابن البكر جورج دبليو بوش ابن السبع سنوات لطيف وحريص على أن يسّر الآخرين، يملك مؤشرات على نشاط مفرط محتمل، وعدم قدرة على التعلم. الوالدان يظهران عدم رغبة بالتواصل مع ابنهما، الذي علم بمرض أخته بعد وفاتها. يبدو أن تركه لوحده، ومظهر المهارات الاجتماعية قد يخفي صعوبات تطويرية قد تسبب له المتاعب في السنين القادمة. هناك اقتراح بمعالجته في المستقبل، لكن الوالدين يعربان عن قلة ارتياحهما للعملية كما لا يهتمان بمتابعتها.
لم تحصل هذه الجلسة بالطبع. إن مفهوم خضوع عائلة بوش للعلاج يتحدى كل ما نعرفه حول آل بوش ونفورهم الشهير من الاستبطان (وهو فحص مشاعر وأفكار ودوافع المرء). وكما قال جيب بوش حديثاً عن عائلته: «ليس من الطبيعي بالنسبة لنا أن نتحول إلى طريقة التأمل هذه ونقول بطريقة ما ما عندنا». كان والده صريحاً حول ازدرائه «الأريكة»، وهو الشيء الذي سيرثه عنه جورج دبليو بوش عندما يكبر، مستهزئاً بأية محاولة لتقييم عائلة بوش.
ومع ذلك، فلو استشير طبيب العائلة النفسي في ذلك الوقت لكان قد لاحظ بأن الفتى جورج دبليو بوش، ابن السبع سنوات، كان يواجه تحديات قد تعيق تطوره النفسي وسيتردد صداها طيلة حياته. ومع أنه من المستحيل أن نحدد كل الآثار الطويلة الأمد لعائلة بوش في تطور سلوك الرئيس الحالي، إلا أن تأثيرات صباه المبكر تعطينا مجموعة استنتاجات محددة. إن قصة السنين الأولى لجورج دبليو بوش بما فيها ذكرياته الأولى، تحتوي على جذور عدة عناصر أولية لما يظهر اليوم في شخصيته. وكما سنرى، كشفت ردة فعل العائلة على مرض أخته الصغرى روبين وموتها، بدون شك، توترات ضمنية جعلت بعض الأمور الأخرى أسوأ. إن تاريخ عائلة بوش ـ العاطفي أكثر من الواقعي ـ كان موجوداً بعمق في قلبه وعقله حتى قبل أن تولد أخته الصغرى.
في الوقت الحاضر نعرف بعض المعلومات الأساسية عن السنوات الأولى لجورج دبليو بوش من خلال مجموعة من السير الذاتيّة المنشورة حول حياته. كان جورج دبليو بوش الابن البكر لبطل حرب وعروسه ذات النسب الاجتماعي الفتية. ولد جورج دبليو بوش في يوليو (تموز) عام 1946، بينما كان والده لا يزال في يال، حيث كان لديه القليل من الوقت ليساعد زوجته في واجبات تربية أولاده نتيجة متطلبات برنامجه الاجتماعي والرياضي والأكاديمي.
وبعد تخرجه عام 1948، توجه بوش الأب ليلاحق فرص الثروة في فورة غرب تكساس النفطية، مستقراً في أوديسا، مدينة الطبقة العاملة الشقيقة لميدلاند. كانت شقة العائلة المؤلفة من غرفتين بعيدة كل البعد عن نشأة باربره المتميزة في ضاحية من ضواحي نيويورك، « نيويورك مكان مختلف عن راي، بكل شيء يمكنك تصوره»، بحسب ما جاء في مذكراتها والتي تصف فيها عائلة من المومسات حيث كانت تشاركهن الحمام المشترك.
إن بعد إقامة السيدة بوش عن عائلتها والرحلات المتكررة التي فرضتها ظروف العمل الجديد لزوجها، تركتها لوحدها طيلة أيام الأسبوع. انتقلت العائلة إلى أول مسكن لائق من أصل سلسلة من أربعة أماكن في كاليفورنيا حيث عاشوا خلال فترة حمل السيدة بوش بابنتهما روبين، والتي ولدت في يناير (كانون الأول) لعام 1949.
سميّت المولودة الجديدة على اسم والدة السيدة بوش، بولين روبنسون بيرس، والتي قتلت في حادث سياّرة ذلك الخريف. ومع أن السيدة بوش سافرت شرقاً قبل الحادث بأسابيع قليلة إلاّ أنها لم تحضر جنازة أمها.
عادت العائلة الشابة إلى تكساس في السنة التالية، وهذه المرة إلى ميدلاند حيث كانوا يعيشون عندما ولد الابن الثاني جيب، في وقت مبكر من عام 1953. أخذت السيدة بوش على عاتقها تربية الأولاد في غياب زوجها أثناء أسفاره. وكما أوضحت باميلا كيليان في سيرة حياتها وسمتها «حاكمة الأسرة الحاكمة»: «كانت لدي لحظات شعرت فيها بالغيرة من أولئك النسوة الشابات في عالم الرجال. حسناً، كنت أفكر بأن جورج وهو في رحلته يفعل كل الأشياء المدهشة التي تحلو له وأنا هنا ملتزمة بيتي مع أولاد لامعين بدون شك، والذين يشغلونني كل الأسبوع».
كان جورج دبليو بوش في السادسة من عمره عند بداية الحادثة المأساوية التي قال عنها إنها أثمرت أولى ذكريات صباه الحية ـ مرض وموت أخته ـ شُخصت روبين الصغيرة على أنها مصابة بمرض اللوكيميا (سرطان الدم) في ربيع عام 1953، الأمر الذي تسبب بالبدء بسلسلة رحلات واسعة نحو الساحل الشرقي قامت بها الأسرة مع الطفلة من أجل العلاج الذي لم يُجدِ نفعاً في النهاية. على أية حال، وبشكل يدعو للتساؤل لم يتم إخبار جورج الفتى عن سبب الغياب المتكرر والمفاجئ. وطُلب من جورج ببساطة أن يلعب مع البنت التي كانت تزوره كثيراً والتي نشأ بقربها، كل ذلك وهو لا يعلم بأن أخته كانت مريضة. توفيت روبين في نيويورك في نوفمبر عام 1953.
أمضى والداها اليوم التالي في لعب الغولف في «راي»، ثم حضروا صلاة تذكارية في اليوم التالي قبل أن يطيروا عائدين لتكساس. لم يعلم جورج بمرض أخته إلاّ بعد موتها، عندما عاد والداه إلى تكساس حيث بقيت الأسرة بينما دفن جسد الطفلة في قطعة أرض تابعة لعائلة من كونكتيكت. ولم تجرَ للطفلة أية جنازة.
من الطبيعي أن لا يتحضر الأهل أبداً لكارثة مثل فقدان ولد، وقد عبّرت السيدة بوش عن شكوكها بشأن كيفية معالجتها المسألة مع ابنها، الذي كان كبيراً بما فيه الكفاية لكي يتأثر بفقدان أخته. عندما كانت تأتي الأسر إلّي ويطلبون معالجة مثل هذه الحادثة الكاسحة فإنني أصغي لكلا الوالدين والأبناء بحثاً عن دلائل على استجابة العائلة للخسارة. إنني أبحث أيضاً عن أي دليل على اتجاهات تطويرية سابقة تكون قد بدأت بالتشكل مسبقاً في فترة طفولة الابن. إن التطور النفسي للابن الباقي يكون قد شق طريقه قبل أن تضرب الفاجعة، وعادة ما تعقد الصدمة أي مشاكل تكون موجودة مسبقاً.
وكمعالج نفسي أعمل وفق أساليب ميلاني كلاين والتي تتبع تكوين الشخصية منذ الولادة، أهتم بصفة خاصة بالعلاقة بين الأم والطفل الرضيع، والتي تتمتع بتأثير قوي وطويل في كيفية نمو الطفل ونظرته للعالم. وإن كانت لدينا ذاكرة أم تتميز بالانتقائية وتحديدات معرفية للولد، فإننا لا نستطيع أن نعرف ماذا جرى بالضبط بين الأم وطفلها.
ومع هذا، فباستطاعتنا أن نستكشف تاريخ الأم وسلوكها من أجل الحصول على مؤشرات تدل على الطبيعة المحددة لحركية الأم/الطفل كي نستنتج الأثر المتشكل عنها في تطور الطفل. وفي حالة باربره بوش، التي كتبت ما يكشف تجاربها كأم وطفلة على السواء، ليس على المرء أن يفتش كثيراً. باربره بوش التي يشير إليها أولادها بـ«فارضة الأوامر»، كانت على الدوام فارضة النظام في العائلة. لقد كانت وبحسب معظم الروايات، هي التي تحدد المهام بكل برودة، وكانت تضرب أولادها بسرعة.
وقد أسمتها صديقة مقربة للعائلة «الشخص الذي يستدعي الخوف»، واعتادت أن تحسم الخلافات بين أولادها بجرأة، وذلك عن طريق «إنزالهم وصفعهم»، ما زالت الآن، وبعد مضي عقود، تتمسك بدورها كفيصل للعقاب، كما فعلت عندما وصفت الحادثة التي كاد ابنها أن يختنق فيها بسبب قطعة بسكويت بأنها «رسالة من السماء كي يتوقف عن انتقاد طبخ أمه». والسيدة بوش، مثل أمها تماماً، لم تترك في تراث طبخها أي شيء لأولادها كي ينتقدوه. نقل رون سسكند في كتابه ثمن الولاء عن الرئيس بوش أنه أبلغ نانسي أونيل «لم تطبخ أمي أبدا. كانت تعاني هذه السيدة من قرصة برد في أصابعها. وكانت تأتي بكل شيء مباشرة من الثلاجة». كانت تصرح دائماً عن استعدادها للدخول في مشاجرات، عندما أبلغت مشاهدي لاري كينغ «باستطاعتكم انتقادي، لكن لا تنتقدوا أبنائي وزوجات أبنائي ولا تنتقدوا زوجي، وإلا ستموتون».
وفي ما يتعدى شهرتها بالقوة، إن لم يكن العنف، سلطت السيدة بوش القليل من الضوء المباشر على نهجها في تنشئة طفلها الأول، وخلت مذكراتها تماماً من أي ذكر للموضوع، مركزة بدلاً من ذلك على المرات العديدة التي اضطرت فيها للانتقال خلال السنوات الأولى لزواجها، والغياب المتكرر لوالد طفلها عن البيت. أما أبرز أحاديثها صراحة عن فترة أمومتها فقد تناولت أمها هي، وجاءت فيها لمحات عن علاقتها مع المرأة التي كانت مرشحة أكثر من غـــــيرها كي تعلمها كيف تكون أماً. كشفت أيضاً عن نزعتين عميقتين انتقلتا من عائلة أمها إلى عائلــــته وهما: الاستهانة المستمرة بالذات، والحاجة إلى نظام مستقل. وخلال ذلك كله كانت مثال الأم التي تترك مشاعرها خلفها، والتي تحسم مواقفها الجدال أو تكبح الارتباطات العاطفية.
قالت في الصباح الذي تلا خسارة زوجها معركة إعادة انتخابه لصالح بيل كلينتون، وبحسب مذكرات ابنها جورج، «حسناً، الآن كل هذا أصبح وراءنا. حان الوقت لنتصرف». نجد هنا المرأة التي دأبت على حماية نفسها وعائلتها من المشاعر أو الألم أو الغضب.
http://www.asharqalawsat.com/2004/12/12/images/books.270660.jpg
يصدر قريباً عن «الدار العربية للعلوم» كتاب شيق يستخدم الطب النفسي لتحليل شخصية الرئيس الأميركي جورج بوش، ويلقى الضوء على أسرار طفولته وتربيته العائلية وعلاقته بأمه وتأثير وفاة أخته فيه وهو ما يزال طفلاً. انطلاقاً من هذا التحليل يحاول المحلل النفسي جوستن فرانك في كتابه «بوش على كرسي الاعتراف» أن يفهم مواقفه السياسية، فلماذا يبدو الرئيس الأميركي جورج بوش متناقضاً في رؤاه، ميالاً لاستخدام العنف على أنه الطريق الأسهل إلى الخير، ومصراً على استخدام الحجج الكاذبة وكأنها حقيقة قاطعة يصعب التشكيك فيها؟ ماذا في لاوعي هذا الرجل الذي يحكم العالم اليوم، من أسرار وكوامن، وما دور والدته المتسلطة برباره بوش ووالده الغائب الحاضر؟ لقد وجد هذه الكتاب صدى واسعاً لا سيما بعد أن استخدمه فيدل كاسترو كمرجع استند إليه لمهاجمة الرئيس جورج بوش وتعديد مثالبه. «الشرق الأوسط» تنشر مقطعاً من هذا الكتاب الذي لا بد سيجد فيه قارئ العربية متعة وكثير فائدة.
نوفمبر 1953: جلسة لعائلة بوش الثرية والقوية. الأب جورج هربرت ولكر بوش غير المبالي والغائب بكل ما للكلمة من معنى، وصل متأخراً، وغادر باكراً. الأم باربره بوش باردة وغير متجاوبة، الزوجان في حداد على ابنتهما التي توفيت منذ شهر وهي في الثالثة من العمر، بقي جيب بوش الرضيع الذي لم يكن موجوداً في الجلسة، والابن البكر جورج دبليو بوش ابن السبع سنوات لطيف وحريص على أن يسّر الآخرين، يملك مؤشرات على نشاط مفرط محتمل، وعدم قدرة على التعلم. الوالدان يظهران عدم رغبة بالتواصل مع ابنهما، الذي علم بمرض أخته بعد وفاتها. يبدو أن تركه لوحده، ومظهر المهارات الاجتماعية قد يخفي صعوبات تطويرية قد تسبب له المتاعب في السنين القادمة. هناك اقتراح بمعالجته في المستقبل، لكن الوالدين يعربان عن قلة ارتياحهما للعملية كما لا يهتمان بمتابعتها.
لم تحصل هذه الجلسة بالطبع. إن مفهوم خضوع عائلة بوش للعلاج يتحدى كل ما نعرفه حول آل بوش ونفورهم الشهير من الاستبطان (وهو فحص مشاعر وأفكار ودوافع المرء). وكما قال جيب بوش حديثاً عن عائلته: «ليس من الطبيعي بالنسبة لنا أن نتحول إلى طريقة التأمل هذه ونقول بطريقة ما ما عندنا». كان والده صريحاً حول ازدرائه «الأريكة»، وهو الشيء الذي سيرثه عنه جورج دبليو بوش عندما يكبر، مستهزئاً بأية محاولة لتقييم عائلة بوش.
ومع ذلك، فلو استشير طبيب العائلة النفسي في ذلك الوقت لكان قد لاحظ بأن الفتى جورج دبليو بوش، ابن السبع سنوات، كان يواجه تحديات قد تعيق تطوره النفسي وسيتردد صداها طيلة حياته. ومع أنه من المستحيل أن نحدد كل الآثار الطويلة الأمد لعائلة بوش في تطور سلوك الرئيس الحالي، إلا أن تأثيرات صباه المبكر تعطينا مجموعة استنتاجات محددة. إن قصة السنين الأولى لجورج دبليو بوش بما فيها ذكرياته الأولى، تحتوي على جذور عدة عناصر أولية لما يظهر اليوم في شخصيته. وكما سنرى، كشفت ردة فعل العائلة على مرض أخته الصغرى روبين وموتها، بدون شك، توترات ضمنية جعلت بعض الأمور الأخرى أسوأ. إن تاريخ عائلة بوش ـ العاطفي أكثر من الواقعي ـ كان موجوداً بعمق في قلبه وعقله حتى قبل أن تولد أخته الصغرى.
في الوقت الحاضر نعرف بعض المعلومات الأساسية عن السنوات الأولى لجورج دبليو بوش من خلال مجموعة من السير الذاتيّة المنشورة حول حياته. كان جورج دبليو بوش الابن البكر لبطل حرب وعروسه ذات النسب الاجتماعي الفتية. ولد جورج دبليو بوش في يوليو (تموز) عام 1946، بينما كان والده لا يزال في يال، حيث كان لديه القليل من الوقت ليساعد زوجته في واجبات تربية أولاده نتيجة متطلبات برنامجه الاجتماعي والرياضي والأكاديمي.
وبعد تخرجه عام 1948، توجه بوش الأب ليلاحق فرص الثروة في فورة غرب تكساس النفطية، مستقراً في أوديسا، مدينة الطبقة العاملة الشقيقة لميدلاند. كانت شقة العائلة المؤلفة من غرفتين بعيدة كل البعد عن نشأة باربره المتميزة في ضاحية من ضواحي نيويورك، « نيويورك مكان مختلف عن راي، بكل شيء يمكنك تصوره»، بحسب ما جاء في مذكراتها والتي تصف فيها عائلة من المومسات حيث كانت تشاركهن الحمام المشترك.
إن بعد إقامة السيدة بوش عن عائلتها والرحلات المتكررة التي فرضتها ظروف العمل الجديد لزوجها، تركتها لوحدها طيلة أيام الأسبوع. انتقلت العائلة إلى أول مسكن لائق من أصل سلسلة من أربعة أماكن في كاليفورنيا حيث عاشوا خلال فترة حمل السيدة بوش بابنتهما روبين، والتي ولدت في يناير (كانون الأول) لعام 1949.
سميّت المولودة الجديدة على اسم والدة السيدة بوش، بولين روبنسون بيرس، والتي قتلت في حادث سياّرة ذلك الخريف. ومع أن السيدة بوش سافرت شرقاً قبل الحادث بأسابيع قليلة إلاّ أنها لم تحضر جنازة أمها.
عادت العائلة الشابة إلى تكساس في السنة التالية، وهذه المرة إلى ميدلاند حيث كانوا يعيشون عندما ولد الابن الثاني جيب، في وقت مبكر من عام 1953. أخذت السيدة بوش على عاتقها تربية الأولاد في غياب زوجها أثناء أسفاره. وكما أوضحت باميلا كيليان في سيرة حياتها وسمتها «حاكمة الأسرة الحاكمة»: «كانت لدي لحظات شعرت فيها بالغيرة من أولئك النسوة الشابات في عالم الرجال. حسناً، كنت أفكر بأن جورج وهو في رحلته يفعل كل الأشياء المدهشة التي تحلو له وأنا هنا ملتزمة بيتي مع أولاد لامعين بدون شك، والذين يشغلونني كل الأسبوع».
كان جورج دبليو بوش في السادسة من عمره عند بداية الحادثة المأساوية التي قال عنها إنها أثمرت أولى ذكريات صباه الحية ـ مرض وموت أخته ـ شُخصت روبين الصغيرة على أنها مصابة بمرض اللوكيميا (سرطان الدم) في ربيع عام 1953، الأمر الذي تسبب بالبدء بسلسلة رحلات واسعة نحو الساحل الشرقي قامت بها الأسرة مع الطفلة من أجل العلاج الذي لم يُجدِ نفعاً في النهاية. على أية حال، وبشكل يدعو للتساؤل لم يتم إخبار جورج الفتى عن سبب الغياب المتكرر والمفاجئ. وطُلب من جورج ببساطة أن يلعب مع البنت التي كانت تزوره كثيراً والتي نشأ بقربها، كل ذلك وهو لا يعلم بأن أخته كانت مريضة. توفيت روبين في نيويورك في نوفمبر عام 1953.
أمضى والداها اليوم التالي في لعب الغولف في «راي»، ثم حضروا صلاة تذكارية في اليوم التالي قبل أن يطيروا عائدين لتكساس. لم يعلم جورج بمرض أخته إلاّ بعد موتها، عندما عاد والداه إلى تكساس حيث بقيت الأسرة بينما دفن جسد الطفلة في قطعة أرض تابعة لعائلة من كونكتيكت. ولم تجرَ للطفلة أية جنازة.
من الطبيعي أن لا يتحضر الأهل أبداً لكارثة مثل فقدان ولد، وقد عبّرت السيدة بوش عن شكوكها بشأن كيفية معالجتها المسألة مع ابنها، الذي كان كبيراً بما فيه الكفاية لكي يتأثر بفقدان أخته. عندما كانت تأتي الأسر إلّي ويطلبون معالجة مثل هذه الحادثة الكاسحة فإنني أصغي لكلا الوالدين والأبناء بحثاً عن دلائل على استجابة العائلة للخسارة. إنني أبحث أيضاً عن أي دليل على اتجاهات تطويرية سابقة تكون قد بدأت بالتشكل مسبقاً في فترة طفولة الابن. إن التطور النفسي للابن الباقي يكون قد شق طريقه قبل أن تضرب الفاجعة، وعادة ما تعقد الصدمة أي مشاكل تكون موجودة مسبقاً.
وكمعالج نفسي أعمل وفق أساليب ميلاني كلاين والتي تتبع تكوين الشخصية منذ الولادة، أهتم بصفة خاصة بالعلاقة بين الأم والطفل الرضيع، والتي تتمتع بتأثير قوي وطويل في كيفية نمو الطفل ونظرته للعالم. وإن كانت لدينا ذاكرة أم تتميز بالانتقائية وتحديدات معرفية للولد، فإننا لا نستطيع أن نعرف ماذا جرى بالضبط بين الأم وطفلها.
ومع هذا، فباستطاعتنا أن نستكشف تاريخ الأم وسلوكها من أجل الحصول على مؤشرات تدل على الطبيعة المحددة لحركية الأم/الطفل كي نستنتج الأثر المتشكل عنها في تطور الطفل. وفي حالة باربره بوش، التي كتبت ما يكشف تجاربها كأم وطفلة على السواء، ليس على المرء أن يفتش كثيراً. باربره بوش التي يشير إليها أولادها بـ«فارضة الأوامر»، كانت على الدوام فارضة النظام في العائلة. لقد كانت وبحسب معظم الروايات، هي التي تحدد المهام بكل برودة، وكانت تضرب أولادها بسرعة.
وقد أسمتها صديقة مقربة للعائلة «الشخص الذي يستدعي الخوف»، واعتادت أن تحسم الخلافات بين أولادها بجرأة، وذلك عن طريق «إنزالهم وصفعهم»، ما زالت الآن، وبعد مضي عقود، تتمسك بدورها كفيصل للعقاب، كما فعلت عندما وصفت الحادثة التي كاد ابنها أن يختنق فيها بسبب قطعة بسكويت بأنها «رسالة من السماء كي يتوقف عن انتقاد طبخ أمه». والسيدة بوش، مثل أمها تماماً، لم تترك في تراث طبخها أي شيء لأولادها كي ينتقدوه. نقل رون سسكند في كتابه ثمن الولاء عن الرئيس بوش أنه أبلغ نانسي أونيل «لم تطبخ أمي أبدا. كانت تعاني هذه السيدة من قرصة برد في أصابعها. وكانت تأتي بكل شيء مباشرة من الثلاجة». كانت تصرح دائماً عن استعدادها للدخول في مشاجرات، عندما أبلغت مشاهدي لاري كينغ «باستطاعتكم انتقادي، لكن لا تنتقدوا أبنائي وزوجات أبنائي ولا تنتقدوا زوجي، وإلا ستموتون».
وفي ما يتعدى شهرتها بالقوة، إن لم يكن العنف، سلطت السيدة بوش القليل من الضوء المباشر على نهجها في تنشئة طفلها الأول، وخلت مذكراتها تماماً من أي ذكر للموضوع، مركزة بدلاً من ذلك على المرات العديدة التي اضطرت فيها للانتقال خلال السنوات الأولى لزواجها، والغياب المتكرر لوالد طفلها عن البيت. أما أبرز أحاديثها صراحة عن فترة أمومتها فقد تناولت أمها هي، وجاءت فيها لمحات عن علاقتها مع المرأة التي كانت مرشحة أكثر من غـــــيرها كي تعلمها كيف تكون أماً. كشفت أيضاً عن نزعتين عميقتين انتقلتا من عائلة أمها إلى عائلــــته وهما: الاستهانة المستمرة بالذات، والحاجة إلى نظام مستقل. وخلال ذلك كله كانت مثال الأم التي تترك مشاعرها خلفها، والتي تحسم مواقفها الجدال أو تكبح الارتباطات العاطفية.
قالت في الصباح الذي تلا خسارة زوجها معركة إعادة انتخابه لصالح بيل كلينتون، وبحسب مذكرات ابنها جورج، «حسناً، الآن كل هذا أصبح وراءنا. حان الوقت لنتصرف». نجد هنا المرأة التي دأبت على حماية نفسها وعائلتها من المشاعر أو الألم أو الغضب.