المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اضفاء الوهابية على مليكهم السعودي صفات ربانية: هل هذا كفر أم ماذا؟



د. حامد العطية
01-28-2012, 11:07 PM
اضفاء الوهابية على مليكهم السعودي صفات ربانية: هل هذا كفر أم ماذا؟
د. حامد العطية


يدعى السلفيون الوهابيون بأنهم متفردون في فهم التوحيد، فهماً صحيحاً وكاملاً، وأن عبادتهم – وعلى خلاف بقية المسلمين – نقية من كل أنواع الشرك، كبيره وصغيره، ومنذ ظهور دعوة محمد عبد الوهاب كفروا كثيراً من المسلمين، بدعوى تشوه عقيدتهم بأفكار أو ممارسات شركية.
من جوهر التوحيد انفراد الله بقدرات وصفات، فهو خالق كل شيء، وباسط الرزق، ونور السماوات والأرض، ومجرد اضفاء هذه الصفات على غيره مناقض لعقيدة التوحيد، تناقضاً صارخاً، وذلك من البديهيات، التي يدركها الفقيه وغيره. قال تعالى: ( وَلِلّهِ ‏الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ) [النحل:60]، أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، لا شبيه ولا ند له.
بمحض الصدفة وجدت قصيدة غنائية منشورة في مواقع سعودية، وهي من تأليف الشاعر بدر بن عبد المحسن، وغناء المطرب السعودي الشهير محمد عبده، وتخاطب القصيدة الملك السابق فهد بمناسبة تعافيه من عملية جراحية، وأعيد نشرها وبثها لدى عودة الملك الحالي عبد الله من رحلته العلاجية الأخيرة.
نص القصيدة الغنائية كما يلي:

سلامتك يا شمس الأرض و قمرها
و نور النجوم اللي عليها مراقيب
سلامتك يا سمع الأرض وبصرها
يا سيد الملوك العرب و الأجانيب
سلامتك يا وجه الأرض و نحرها
يا خادم البيتين و أغلى المعازيب

سلامتك يا عشب الأرض و زهرها
يا ماطر الرحمة ويا منقع الطيب
أرض الجزيرة كود مالك ذعرها
لو هو تعب يحميك من يعلم الغيب

واللي خلق روحك و نفسك أمرها
بالخير و نلنا بك أعز المطاليب
ما سار فوق ترابها من بشرها
مثلك زعيمٍ صادقٍ رأيه مصيب

تصف القصيدة ملك السعودية، سواءً السابق أم الحالي، بأنه الشمس والقمر ونور النجوم، ويفهم من ذلك بأنه نور الأرض، وربما السموات أيضاً، لأنه موصوف بنور النجوم، أي مصدر أو خالق نورها، وهي صفة ينفرد بها الله، كما ورد في الآية الكريمة التالية: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [النور:35]، وبما أن الله قد شهد في قرآنه بأنتفاء تعدد الآلهة: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [الأنبياء:22]، وفي آية آخرى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [المؤمنون:91]، وهذا يقود إلى نتيجة هي: أما أن يكون الله أو الملك السعودي نور السموات والأرض، ومن الواضح أن المسلمين من غير السلفيين الوهابيين يؤمنون بأن هذه صفة لله وحده أما المؤسسة الوهابية الحاكمة في السعودية التي تبث هذه الأغنية واتباعها الذين يرددونها شفاهة أو تحريراً فهم –وإن انكروا ذلك - يجاهرون بأن الملك السعودي هو نور السموات والأرض.
ولنتذكر أن من غير المقبول لديهم القول بأن الرسول الأعظم مخلوق من نور لأنهم يعدون ذلك تكذيباً للقرآن الكريم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ) [الكهف: 110 ] ، كما أن الله سبحانه اقسم بالشمس والقمر والنجم، فهل يجوز بعد ذلك وصف الملك الوهابي بأنه الشمس القمر ونور النجوم؟
في البيت الثاني من القصيدة يوصف الملك السعودي بأنه " سمع الأرض وبصرها"، أي طول وعرض الأرض، كما يفسرها القاموس، ولو عرضنا ذلك على القرآن الكريم أيضاً، لبرزت لنا إشكالية خطيرة، إذ أن البيان الرباني ينفي بلوغ الإنسان الجبال طولاًً (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ) [الإسراء:37] ووصف الملك السعودي بأنه طول وعرض الأرض يعني بالضرورة أنه يبلغ الجبال طولاً، وهذا تكذيب للقرآن الكريم.
ملكا السعودية في تقدير الشاعر الوهابي "عشب الأرض وزهرها"، يعني أنهما يختزلان كل الرزق الناتج عن الأرض وما ينبت فيها من محاصيل وثمار، ولو أحد من المسلمين وصف الرسول الأعظم بهذه الصفة لاتهمه السلفيون بالغلو على الأقل.
ولكنهم لا يتوقفون عند ذلك بل يذهبون إلى آخر المدى في وصفهم لمليكهم بأنه "ماطر الرحمة"، وفي القرآن الكريم خطاب للبشر بصيغة سؤال: (أفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) [الواقعة:68-69] وجواب المسلمين على ذلك هو أن الله هو الذي ينزل المطر من السحاب، وهو مصدر الرحمة وكل أنواع الرزق، ولكن السلفيين الوهابيين يرون بأن مليكهم هو ماطر الرحمة.
في البيت الآخير من القصيدة يستمر شطط الوهابية فنقرأ:
ما سار فوق ترابها من بشرها
مثلك زعيمٍ صادقٍ رأيه مصيب
تنطبق صيغة الجملة على الزمن الماضي والحاضر، والتراب فيها إشارة إلى أرض المملكة، وبالتالي يقصد بالبشر جميع الناس الذين ساروا في أرضها، بما فيهم السلف، وهنا لا نجد استثناءات تشمل مثلاً الرسول الأعظم ونساءه وأهل بيته وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، أي كل السلف الصالح لدى الوهابية السلفية، ومن يقرأ هذا البيت يفهم من ظاهر الوصف بأن قائله ومغنيه ومردده يعتقدون بأن الملك الوهابي أصدق وأصوب رأياً من هؤلاء جميعاً وغيرهم.
قد يرد أحدهم بأن كلام الشعراء ضرب من الهزل، لا يخلومن المبالغة، ولا يؤخذ مأخذ الجد، والجواب هو أن قضاة الوهابية في السعودية حكموا على حلاق تركي يعمل في السعودية قبل سنين قلائل بالقصاص لأنه سب الذات الآلهية، علماً بأن تلك عادة دارجة بين سوقة العرب، وربما الأتراك أيضاً، وقد سمعتها مراراً وتكراراً من مسلمين في سورية ولبنان وغيرها، وهم يكررونها من دون ادراك لحرمتها، ولولا تخوف حكومة آل سعود من ردود الفعل التركية لقطعوا رأس المواطن التركي، ولنتذكر أن الطلاق عند الوهابية يقع حتى لو كان على سبيل المزاح، فهل يجوز الهزل في وصف ملك آل سعود بصفات ربانية ولا يجوز في الطلاق وغيره؟
لو قرأ سلفي وهابي هذا المقال فقد يحتج بأن الوصف في القصيدة الغنائية مجازي لا فعلي، ولكنهم أنفسهم يرفضون مثل هذا التبرير من مخالفيهم، ومن المعروف بأن السلفيين الوهابيين يأخذون بظواهر النصوص، فقد قال علماء الوهابية في آيات الصفات: (نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها) [كتاب الدرر السنية، الجزء الأول، ص226] وهنا أيضاً طبقنا هذا المبدأ في فهم نص القصيدة، كما أن الصفات لم تورد على سبيل التشبيه مثل ما جاء في الحديث الموضوع
( أصحابي كالنجوم) بل النص يفيد التماثل والتطابق، أي أن الملك السعودي هو الشمس لا كالشمس وهو القمر لا مثل القمر وهو نور النجوم لا أشبه بنورها.
ليس الهدف من هذا المقال تكفير السلفية الوهابية، لأن تكفير المسلمين من اختصاصهم، ولكني أردت بيان فساد منهجهم وأسلوب تفكيرهم، وأمامهم خياران فأما التراجع عن هذا المنهج الخاطيء أو الشهادة على أنفسهم بما يقتضيه هذا المنهج وبدليل القصيدة الغنائية التي تبثها إذاعتهم ويرددها أتباعهم، وما تتضمنه من بدع وغلو وضلالات وشرك بالله، والله أعلم.
27 كانون الثاني 2012م