بركان
01-27-2012, 01:45 AM
25/01/2012
تصويبات
حول دراسة د. فيصل الكندري بشأن الجالية اليهودية في الكويت
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2012/01/25/c747d233-8562-4051-9bdc-03c1fa913e4f.jpg
وثائق عدسانية
من خلال قراءتي لتاريخ الكويت الحديث والمعاصر أعتقد أنه مازال هناك الكثير من الموضوعات الشيقة لم تعالج في تاريخ الكويت، والتي تعطي المؤرخين بشكل عام جهدا جديدا لتبني دراسات أكاديمية جديدة وسد الثغرات التي لم تحظ باهتمام المختصين في تاريخ الكويت كموضوع اليهود في الكويت مثلا، والذي طرح في الآونة الأخيرة من بعض المؤرخين الكويتيين أمثال الأستاذ الفاضل يوسف المطيري والدكتور الفاضل فيصل الكندري. غير أن الدراسات التاريخية كغيرها من العلوم الانسانية قد تتخللها أخطاء نقل حقائق تاريخية اما بقصد او بغير، وهنا بيت القصيد والذي من خلاله أود أن أوضح الخطأ الذي وقع فيه الدكتور فيصل الكندري، الاستاذ في قسم التاريخ في جامعة الكويت والمختص في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر.
فقد نشر د. الكندري دراسة قام باعدادها حديثا عن الجالية اليهودية في الكويت، للفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بعنوان «اليهود في الكويت» الجزء الاول في جريدة القبس في تاريخ 10 من ديسمبر 2011. ما يهمنا من تلك الدراسة هو ليس الجالية اليهودية بل الطائفة الشيعية، كون أن الشيعة أقحموا في الدراسة إما بقصد أو بغير،
حيث ان الدكتور الفاضل يزعم استنادا الى تقرير مدحت باشا أثناء زيارته للكويت عام 1871 بأنه لا يوجد شيعة في الكويت أثناء تلك الفترة، أي في عهد عبدالله الصباح 1892-1866، حيث يقول مدحت باشا وفقا لما نشره الكندري، «يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن، رغم انها محاطة من الناحية البرية بكثير من مواطنيها من العشائر والقبائل البدوية الذين يشتركون في ادارتها. ويزداد عمرانها من يوم لآخر ويرتقي، واكثر اهالي القصبة نفسها على المذهب الشافعي، وقليل منهم على المذهب الحنفي، وكثير منهم على المذهب المالكي، وفضلا عن ان سكانها لا يوجد بينهم يهود او مسيحيون، كما لا يوجد بينهم وهابيون او شيعة ايضا».
ثم يقول الكندري «ويتضح لنا من التقرير أن مدحت باشا قد قابل الشيخ عبدالله الصباح عدة مرات، ولا شك انه قد سأله عن رعاياه، واستقى منه معلوماته عن الكويت واهلها، واستنادا الى ما قاله مدحت باشا، فنستطيع القول ان الكويت كانت تخلو من اليهود والنصارى حتى هذا التاريخ».
من خلال تلك العبارتين والعنوان يغمز د. الكندري بالقول.. انه لا وجود لسكان شيعة في الكويت قبل 1871، وخصوصا أنه لم يستنكر او يؤكد وجود الشيعة أوعدمه كما فعل مع المسيحيين واليهود، على الرغم من ان دراسته عن اليهود فقط! الأمر الذي جعلني أوضح مسألة وجود الشيعة انذاك وفقا ليس لوثيقة واحدة فقط كما استند اليه الدكتور بل لعدة وثائق عدسانية وبريطانية والتي تبطل كلام الباشا والدكتور، كوني مختصا في تاريخ الخليج القديم ومطلعا بشكل جيد على تاريخ الخليج الحديث والمعاصر.
هجرات الشيعة والسنة
اولاً: عندما نتحدث تاريخيا عن تأسيس منطقة الخليج، خاصة المشيخات العربية على الساحل الغربي، ابتداء من الكويت مرورا بالاحساء فالبحرين ثم قطر والساحل المتصالح (الامارات العربية المتحدة حاليا) فاننا نتحدث عن منطقة توصف من قبل المؤرخين بأنها منطقة اتصال عالمي contact zone تكتنفها شعوب تتباين في أعراقها وأديانها وثقافاتها ولغاتها، (انظر M. Redha Bhacker وAbdul Sheriff وLawrence Potter في كتاب The Persian Gulf in History)، خاصة أنها احتضنت موانئ عالمية كانت بمنزلة حلقة الوصل لطرق التجارة في ما بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، الأمر الذي أدى الى مثل هذا التنوع البشري. فعلى سبيل المثال، اعتبرت موانئ الخليج، مثل مسقط وصحار في عمان وهرمز وصراف وبندر عباس وبوشهر ولنجة والمحمرة في ايران والبصرة في بلاد الرافدين، وبشكل اقل ميناءي الكويت والبحرين ذات أهمية جغرافية. اذ لعبت دورا تجاريا مهما في حقب تاريخية مختلفة ما بين القرن الثامن الميلادي ومنتصف القرن العشرين، مما جعل منطقة الخليج مركزا تجاريا عالميا cosmopolitan trade centre لتبادل البضائع ومحطة «ترانزيت» للسفن القادمة والخارجة في ما بين الكثير من القارات، مثل جنوب وشرق آسيا وشرق أفريقيا وأوربا. ونتيجة لذلك أدت مثل هذه التبادلات الاقتصادية - التي كانت مستقلة عن أي قيود حدودية - الى سهولة هجرات متبادلة وانتقال جماعات ذات أصول عرقية مختلفة، كالعرب والايرانيين أو «العجم» والاتراك والبلوش واليهود وغيرهم من منطقة الى أخرى في الخليج، وفقا لعوامل الجذب والطرد push-pull المرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالمنطقة.
الأمر الذي ساعد على تشكيل وتأسيس مجتمعات مكونة من مزيج من شعوب تحمل أعراقا وأديانا وطوائف ولغات وثقافات وممارسات اجتماعية متباينة في الدول العربية في الخليج، كالكويت والامارات العربية المتحدة وقطر، وسهولة الانسجام بعضهم مع بعض. لذلك، فان عوامل الجذب والطرد كانت - أيضا - أحد مسببات انتقال قبائل العتوب، بما فيها أسرة آل الصباح وآل الخليفة من مواطنهم الأم وتأسيس امارات في كل من الكويت والبحرين ابان القرن الثامن عشر. ونتيجة لذلك، فان الهجرات لكل من الشيعة والسنة بدأت على المنوال نفسه منذ مراحل مبكرة من تأسيس الكويت وفقا للقلاقل السياسية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والاضطهاد الديني التي كانت تعانيه في مواطنها الأصلية. لذلك نستخلص ان منطقة الخليج في التاريخ الحديث والمعاصر كانت تعتبر منطقة ذات طابع هجرات ديناميكية مستمرة وفقا للعوامل المذكورة، آنفا.
مرحلة مبارك
ثانيا: ان طفرة زيادة عدد سكان الكويت من جميع الطوائف سنة وشيعة وغيرهم من طوائف، جاءت في فترة الشيخ مبارك الصباح وما بعد، وفقا للوثائق البريطانية، وباعتراف من الشيخ مبارك الصباح بنفسه في مخاطباته السياسية مع الوكيل البريطاني في الكويت شكسبير والمقيم البريطاني في بوشهر كاكس - آنذاك - (انظر الوثائق البريطانية في R/15/1/511 و179/ 5/ 15/ R، وان السبب في تلك الزيادة هو ليس انتعاش الكويت اقتصاديا ولكن بسبب دخول الكويت لأول مرة في الدوامة السياسية لتصبح مسرحا لتنافس القوى المحلية المتمثلة بالصراع السياسي في ما بين ابن رشيد وابن سعود والشريف حسين من جهة والصراع السياسي الاقليمي العالمي بين الدولة العثمانية والقوة الخارجية المتمثلة في بريطانيا من جهة، والأخيرة وفرنسا وألمانيا وروسيا في السيطرة على الخليج من جهة اخرى.
الأمر الذي أدى الى دخول الكويت تحت الجناح البريطاني وعقد اتفاقية حماية في عام 1899. غير أنه في المناطق الأخرى حصلت الكثير من القلاقل السياسية وانتكاسات اقتصادية أدت الى هجرات من مختلف الأجناس والأديان من الساحل الشرقي وأيضا من مشيخات الساحل الغربي للخليج بحثا عن الأمان والعمل معا. خاصة ان الكويت بشيوخها وشعبها كانت أكثر مناطق الخليج تقبلا للأديان والطوائف الأخرى كما يتوافر فيها الأمان بدرجة عالية اذا ما قورنت مع بقية المشيخات العربية ومناطق الساحل الشرقي من الخليج.
نضيف الى ذلك انه منذ تأسيس الكويت الى الثلاثينات من القرن العشرين كانت الكويت تتميز بقلة الضرائب والجمارك على سكان الكويت، لذا كانت محط أنظار لهجرة الكثير من التجار من مختلف مناطق الخليج (انظر Halla Fatah). لاسيما ان تأسيس امارة مثل الكويت ثم دولة سياسية تتطلب تشجيع هجرات شعوب من جميع الطبقات، تجارا وحرفيين وعمالا، من مختلف الطوائف ما دامت هذه الطوائف لا تؤثر في الأمن والنسيج الاجتماعي والتوازن الاقتصادي للكويت. ولكن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من العوائل الشيعية والسنية منذ المراحل الأولى من تأسيس الكويت.
سكان الإحساء والبحرين
ثالثا: وفقا لأغلبية المؤرخين الموضوعيين المختصين في تاريخ الخليج فان السكان الأصليين في كل من منطقة الاحساء والبحرين هم من الشيعة منذ قرون قبيل ظهور الحركة الوهابية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ووصول ال خليفة للبحرين في عام 1783 (انظر مثلا Rosemarie Zahlan وJuan Cole وLouër, Laurence).
لذلك أدت مثل تلك التغيرات وبسبب التقارب الجغرافي الى هجرات الكثير من العوائل الشيعية والسنية من الاحساء والبحرين الى مناطق الخليج بما فيها الكويت والمحمرة والساحل الشرقي للخليج خاصة للذين لم يتقبلوا تلك الأنظمة السياسية الجديدة في الفترة الزمنية المذكورة. فمن الطبيعي اذن أن تكون هجرات للسكان الشيعة من مواطنهم الأم منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر الى الربع الاول من القرن التاسع عشر وهذا سرد تاريخي، بل ان حركة تلك الهجرات مذكورة في الكثير من المراجع الاجنبية التي نقلت وكتبت في تاريخ البحرين او الاحساء (انظر حمزة الحسن وGraham Fuller وYitzhak Nakash) ونحن هنا ليس للاسهاب في هذا الموضوع بل لوضع تسلسل تاريخي منطقي.
القلاليف والاستادية
رابعا: منذ بداية تأسيس الكويت حتى الخمسينات من القرن العشرين، وسكان الكويت كانوا يعتمدون على السفن بمختلف أنواعها، البوم والبلم والشيوعي وغيرها، (في التبادل التجاري مع الهند ومنطقة الخليج وشرق أفريقيا وجنوب وشرق آسيا أيضا).
خصوصا أن السفينة هي السبيل الوحيد لتأمين سبل العيش لمنطقة تفتقر الى الاكتفاء الاقتصادي الذاتي كالكويت. علما بأن جميع المنتجات والبضائع الرئيسية، مثل القمح والحنطة والأرز والفواكه والخضار والتمور، كانت تورد للكويت، بما فيها الماء العذب من المناطق المجاورة.
واذا افترضنا أن القلاليف (صناع السفن)، والأستادية (المشرفون على بناء السفن) وهم من الطائفة الشيعية من أصول بحرينية (بحارنه) لم يكونوا متواجدين منذ تأسيس الكويت في القرن السابع عشر، فمن قام ببناء تلك السفن اذاً؟
علما بأن القلاليف والأستادية كانو متواجدين على أقل تقدير في القرن الثامن عشر وما بعد، خاصة ان التبادل التجاري وحرفة صيد الاسماك والغوص على اللؤلؤ تحتاج الى وجود السفن، الى جانب الدليل التاريخي والمنطقي، يشير تقرير لويس بيلي Lewis Pelly، أحد الوكلاء البريطانيين السياسيين في منطقة الخليج، أثناء زيارته للكويت عام 1865 على وجود الشيعة بشكل غير مباشر قبل 1871م. حيث أن التقرير المعنون كالتالي:
Report of a Journey to the Wahabee Capital of Riyadh in Central Arabia in Journal of a Journey from Persia to India: Through Herat and Candahar
يصف سكان الكويت بأنهم الأفضل في الخليج في بناء السفن، عندما يقول: «الكويتيون لديهم تجارة كبيرة، وربما يعتبرون أفضل صانعي السفن في جميع أنحاء الخليج» (انظر المصدر السابق). نلاحظ هنا أن بيلي لم يذكر الشيعة، بل قال الكويتيين، وكان يقصد سكان الكويت، لأنه لم يكن هناك تعريف للكويتيين او لأي جنسية أخرى في الخليج كمصطلح وطني، لأن «الحركة الوطنية» اوnational movement لم تكتسح وتؤثر في الشرق الأوسط بشكل عام والخليج بشكل خاص الا في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين. لذلك ان كلمة كويتيين أو احسائيين أو نجديين دائما كانت تدل على هوية سكان المنطقة في بقعة جغرافية معينة كالكويت أو الأحساء أو نجد. والجدير بالذكر أنه حتى داخل الكويت كان يسمى الكويتيون من أصل نجد بالنجديون، والكويتيون من أصل ايراني بالايرانيون، وهكذا لبقية السكان كالاحسائيين والبحارنة. ولذلك نلاحظ أن الكثير من الرحاله والوكلاء البريطانيين حتى نهايات القرن التاسع عشر،
لم يفرقوا في تقاريرهم بين السنة والشيعة، لعدم وجود تلك التفرقة الطائفية في الكويت. حتى وان افترضنا أن بيلي كان يعلم أن صانعي السفن هم من سكان الكويت الشيعة أو من السنة، فهو في التقرير كان يريد أن يوضح أهمية تلك المهارة التي يمتلكها سكان الكويت آنذاك، وليس طائفتهم! ونحن نعلم ككويتيين أن هناك حرفا ومهنا وأسواقا مقتصرة على عوائل كويتية سنية واخرى شيعية (انظر محمد عبدالهادي جمال) منذ تأسيس الكويت، والبعض منهم حتى وقتنا الحاضر وأن مهنة القلافة كانت مقتصرة بشكل كبير على الشيعة. لذلك حتى لو نفترض أن الشيعة لم يكونوا متواجدين قبل 1865 م فانهم كانوا في الكويت قبل 1871م، وهذا دليل اخر يدحض تقرير الباشا وتحليل الكندري!.
وثيقة عثمانية واحدة
خامسا: اعتمد الدكتور على وثيقة عثمانية فقط كمنهجية علمية في اعطاء حكم على وجود طائفة مثل الشيعية دون محاولة مقارنتها مع وثائق أخرى سواء عدسانيات أو تقارير بريطانية! ولاعطاء فكرة مبسطة عن كتابة التاريخ للقراء، فان المؤرخ يستعمل الكثير من الطرق العلمية كآلية للوصول لأقرب استنتاج تاريخي موضوعي.
أهم تلك الطرق هي الاعتماد على المصادر المختلفة التي عاصرت الحدث المراد الكتابة عنه والتي قد تكون منها الوثائق المكتوبة بلغات متباينة، او استنادا للرواة الشفهية المعاصرة للحدث وهو ما لم يفعله الكندري خاصة لاثبات وجود الشيعة من عدمه انذاك. وعلى الرغم من ان الكندري استقصد فقط اليهود من تلك الدراسة وليس الشيعة في الكويت الا أنه يجب أن نكرر أنه اقحم الشيعة دون اعطاء تعليق على الاطلاق. كما أن استناده ضعيف ليس لأنه اعتمد على وثيقة واحدة، بل لأنه لم يقم بمقارنة كلام الباشا في الوثيقة مع المصادرالاخرى كالوثائق البريطانية، مع العلم أنه استند على التقارير البريطانية عندما أراد توضيح انتعاش الكويت الاقتصادي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر!
وتجب الاشارة هنا الى أن أهمية الوثائق البريطانية في تلك الفترة لا تقل أهمية عن العثمانية او العدسانية، خاصة أن منطقة الخليج في الربع الأخيرمن القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين أصبحت كما يسميها الحاكم العام للهند جورج كرتزن (1899 - 1905) «بحيرة بريطانية». والدليل على ذلك ان حكومة الهند البريطانية كان لها مركز سياسي للمقيم البريطاني في بوشهر كما ينتشر الوكلاء البريطانيون في أغلب مناطق الخليج بما فيها المشايخ العربية ليسجلوا تفاصيل وأحداثا سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية يومية، بل حتى وصف تلك المشيخات ومدنها وأعداد سكانها بما فيها أعراقهم وطوائفهم.
لذلك هناك الكثير من الوثائق تشير لتجار وعدد سكان اليهود وغيرهم في الأرشيف البريطاني والتي لم يعتمد عليها الدكتور (انظر مثلا فايل R/15/1/504) رغم أنني لست في صدد مناقشة الجالية اليهودية. وعلى الرغم من ان تلك المصادر المتمثلة (باليوميات البريطانية) او political diaries والخطابات السياسية الرسمية بين حكومة الهند والمقيم البريطاني في بوشهر ووكلائه في الامارات او المشيخات العربية بما فيها الكويت تظل من وجهة نظر تاريخية بريطانية الا أنها اكثر الوثائق دقة وتفصيلا عن غيرها، ولكن هذا لايعني تعرضها لبعض الأخطاء كالمصادرالأخرى وهذا شيء وارد. الى جانب توافر الوثائق البريطانية لتغطية تاريخ الكويت في القرن التاسع عشر والعشرين الميلادي ووجود أيضا وثائق فرنسية وروسية وألمانية لايسائل عليها الدكتور بحكم عائق اللغة وبحكم أنها تغلب عليها الطابع السياسي وليس الاجتماعي والاقتصادي. لذلك
وبشكل عام كلما زادت المهارات اللغوية للمؤرخ، كلما زادت امكاناته للوصول الى وجهات نظر مختلفة، الأمر الذي يعطيه إمكانية التحليل والنقد التاريخي، وبالتالي نقل الحقائق بصورة أدق.
أرشيف الديوان وتاجر الأسلحة
بقي أن نشير الى السجلات العامة المحتفظ بها لحسن الحظ في أرشيف الديوان الاميري (مشكورين)، والتي هي عبارة عن رسائل باللغة العربية بين حكام الكويت (منذ عهد الشيخ مبارك الصباح الى عهد الشيخ أحمد الجابر) مع الوكلاء البريطانيين في الكويت.
علما بأن جزءا من هذه السجلات متوافرة في الأرشيف البريطاني (المكتبة البريطانية والأرشيف الوطني) التي فيها بعض الوثائق عن الجالية اليهودية في الكويت (انظر مثلا سجل عام رقم 1 فايل 398 ص 42 و فايل 141 ص 119 ووثيقة أخرى ص 181 - 182). ان هذه الوثائق المحلية المحتفظة في مركز الديوان الأميري هي متوافرة للباحثين والمؤرخين، لم تحظ باهتمام الدكتور لادخالها أيضا في دراسته على الرغم من أهميتها! أما آخر وسيلة كان من الممكن للدكتور الاعتماد عليها في دراسته، هي ما يسمى بالأرشيف المحلي أو individual archives، وهي عادة تتكون اما من رسائل أو معاملات تجارية، أو وصولات ودفاتر حساب، وغيرها بين التجار الكويتيين فيما بينهم، او مع تجار المنطقة بمختلف أعراقهم وطوائفهم بما فيهم الأجانب. فهناك كثير من العوائل الكويتية مازالت تحتفظ بها أو بنسخ عنها، ولا يصعب الحصول على نسخة منها، اذا ما عرف صاحب الأرشيف أهميتها لدى الباحث للوصول الى حقيقية تاريخية معينة.
هذه الوثائق موجودة لدى أسر كريمة كويتية، ساهم أجدادها في بناء الكويت من الناحية الاقتصادية. كما انهم قاموا بالتجارة مع اليهود أمثال عائلة ماتقي المتمثله بتاجر الأسلحة المعروف الحاج نجف بن غالب، والذي اعتبر ذراع الشيخ مبارك اليمنى في تأمين السلاح له. حيث إن الاخير كانت له معاملات تجارية مع التاجر اليهودي صالح المحلب مثل المشاركة في شراء أرض ساحة الصفاة (وثيقة يمتلكها بيت ماتقي).
لذلك نستنتج أن آلية المقارنة بين المصادر مثل الوثائق في أراشيف مختلفة وفق امكانات المهارة اللغوية، بالإضافة الى مقارنتها مع أرشيفات محلية للعوائل الكويتية والرواة الشفهية وحتى المراجع المتنوعة لم تكن أحد دعائم الدكتور في وصوله الى حقيقة أن الشيعة متواجدون في الكويت قبل أو بعد التاريخ المزعوم. كما أن هذا ينطبق على دراسته للجالية اليهودية، خاصة وأن الدراسات التاريخية لا تستند إلى وثيقة أو وثيقتين (بريطانية أو عدسانية أو عثمانية او غيرها). بل تحتاج الى الاطلاع على وثائق كثيرة للتدقيق والتحليل التاريخي والمقارنة بشكل أفضل للوصول للنتيجة المرجوة. وهنا يأتي دور المؤرخ بالبحث وجمع المعلومات الكافية، والتأني في نشر دراسة أو الادلاء بأي رأي يفتقر للدقة. وانني هنا لا أقلل من شأن الدراسة العلمية التي قام بها الدكتور مشكورا، ولكن أشير الى الأخطاء التي وقع فيها كوني مؤرخا عرضة للوقوع في مثلها أيضا.
وجود الشيعة
لذلك نستنتج وفقا للوثائق العدسانية والوثائق البريطانية وأيضا الرواة الشفهيين من العوائل الشيعية والسنية أن الشيعة بجميع أعراقهم (عجم او عرب) كانوا مستقرين في الكويت قرابة قبيل النصف الاول من القرن التاسع عشر اذا لم يكن حتى قبل ذلك. ولإثبات صحة ما ندعي اليكم صور بعض الوثائق وتواريخها التي تؤكد وجود السكان الشيعة في الكويت قبل التاريخ المزعوم من الباشا والدكتور. الأمر الذي يجعلنا نشك في النتيجة التي وصل اليها والدكتور من عدم وجود الشيعة في الكويت قبل 1871!
أ - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن بيع مبارك الصباح لما يملكه (الكاركه) في مرحلة مبكرة من عمره الى علي حسن عبدالرضا الخباز تعود الى 15 صفر عام 1282 هجري أي ما يعادل 1865م تقريبا.
ب - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن شراء محمد رفيع بن محمد زمون أملاكا من كل من حسين بن السيد أحمد الرفاعي ومحمد بن فهد وعبدالعزيز عبدالله المطوع وسالم بن سلطان ويوسف بن عبدالله بن عيسى بن ابراهيم وعثمان بن عبدالله العنجري وغيرهم، كما هو موضح في الوثيقة في 3 رجب 1293 اي ما يعادل 1876 م تقريبا. نلاحظ هنا أن تاريخ شراء البيت يأتي بعد العام المفترض لعدم وجود الشيعة 1871م بخمس سنوات، ولكن السؤال المطروح هو اذا كان محمد رفيع زمون ليس من أهل الكويت القدماء كيف يباع له البيت بعد أقل من خمس سنوات من استقراره في الكويت؟ وكيف يثق أهل الكويت بشخص «غريب» لم يستقر بالكويت الا لفترة وجيزة؟ الأهم من ذلك أنه بناء على الرواة الشفهيين فان بيت معرفي من أقدم العوائل الشيعية التي وطأت أقدامها ارض الكويت.
ت - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن بيع براك عيسى بن عبدالعزيز القطان بيتا يعود الى 25 شعبان عام 1272 هجري اي ما يعادل 1856م تقريبا.
ث - وثيقة بريطانية وهي عبارة عن رسالة من الوكيل البريطاني مور الى سكرتير الحكومة في بغداد يعطي تقديرات عن عدد الايرانيين في الكويت في عام 1921 بعشرة آلاف شخص. حيث يؤكد أن الكثير منهم استقروا بالكويت منذ جيلين أو ثلاثة أجيال تسبق عام 1921، كما يؤكد أنهم فقدوا شعورهم بأنهم من ذوي الهوية الايرانية نتيجة لاستقرارهم القديم في الكويت. ثم يقول انه ممكن أن تكون تقديراتهم أقل من عشرة آلاف تتراوح ما بين خمسة الى ستة آلاف. لذلك اذا افترضنا خمسا وعشرين سنة المعدل الطبيعي والأقل تقديرا لكل جيل فان الشيعة ذوي الأصول الايرانية يرجع وجودهم بالكويت الى ما قبل 1850.
ج - وثيقة بريطانية وهي عبارة عن رسالة من الوكيل البريطاني في الكويت ديكسون الى المقيم البريطاني في بوشهر آنذاك في عام 1936 توضح عدد الايرانيين وفقا لتقديرات ديكسون بالكويت عام 1936 بثمانية آلاف، وهم نتيجة هجرة أجدادهم في القرن الماضي، أي في القرن التاسع عشر كما تذكر الوثيقة! ونحن نستنتج أنها قبل 1871 وفقا للوثيقة البريطانية السابقة والوثائق العدسانية أيضا. وعلى ضوء السرد التاريخي لمنطقة الخليج، واعتمادنا على المصادر المختلفة ومقارنتها نستخلص بالحجة والبرهان أن سكان الكويت من الطائفة الشيعية كانوا متواجدين ومستقرين في فترات زمنية مبكرة من تاريخ الكويت.
على الرغم اننا لم نعتمد في هذا التقرير على الرواة الشفهيين والمراجع العربية والأجنبية التي لديها الكثير عن تاريخ الشيعة في الكويت، أبرزها قصة استشهاد كل من محمد الشمالي ونجم الوزان في معركة الرقة عام 1782 - 1783 كما يذكرها حمد محمد السعيدان في الموسوعة الكويتية المختصرة والشيخ حسين خلف خزعل في التاريخ السياسي للكويت.
محمد الحبيب
(طالب دكتوراه - قسم التاريخ - جامعة رويال هولووي - لندن)
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2012/01/25/fffffdd1-de94-4c6f-a6c6-dedd12129c24.jpg
وثيقة بريطانية
تصويبات
حول دراسة د. فيصل الكندري بشأن الجالية اليهودية في الكويت
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2012/01/25/c747d233-8562-4051-9bdc-03c1fa913e4f.jpg
وثائق عدسانية
من خلال قراءتي لتاريخ الكويت الحديث والمعاصر أعتقد أنه مازال هناك الكثير من الموضوعات الشيقة لم تعالج في تاريخ الكويت، والتي تعطي المؤرخين بشكل عام جهدا جديدا لتبني دراسات أكاديمية جديدة وسد الثغرات التي لم تحظ باهتمام المختصين في تاريخ الكويت كموضوع اليهود في الكويت مثلا، والذي طرح في الآونة الأخيرة من بعض المؤرخين الكويتيين أمثال الأستاذ الفاضل يوسف المطيري والدكتور الفاضل فيصل الكندري. غير أن الدراسات التاريخية كغيرها من العلوم الانسانية قد تتخللها أخطاء نقل حقائق تاريخية اما بقصد او بغير، وهنا بيت القصيد والذي من خلاله أود أن أوضح الخطأ الذي وقع فيه الدكتور فيصل الكندري، الاستاذ في قسم التاريخ في جامعة الكويت والمختص في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر.
فقد نشر د. الكندري دراسة قام باعدادها حديثا عن الجالية اليهودية في الكويت، للفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بعنوان «اليهود في الكويت» الجزء الاول في جريدة القبس في تاريخ 10 من ديسمبر 2011. ما يهمنا من تلك الدراسة هو ليس الجالية اليهودية بل الطائفة الشيعية، كون أن الشيعة أقحموا في الدراسة إما بقصد أو بغير،
حيث ان الدكتور الفاضل يزعم استنادا الى تقرير مدحت باشا أثناء زيارته للكويت عام 1871 بأنه لا يوجد شيعة في الكويت أثناء تلك الفترة، أي في عهد عبدالله الصباح 1892-1866، حيث يقول مدحت باشا وفقا لما نشره الكندري، «يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن، رغم انها محاطة من الناحية البرية بكثير من مواطنيها من العشائر والقبائل البدوية الذين يشتركون في ادارتها. ويزداد عمرانها من يوم لآخر ويرتقي، واكثر اهالي القصبة نفسها على المذهب الشافعي، وقليل منهم على المذهب الحنفي، وكثير منهم على المذهب المالكي، وفضلا عن ان سكانها لا يوجد بينهم يهود او مسيحيون، كما لا يوجد بينهم وهابيون او شيعة ايضا».
ثم يقول الكندري «ويتضح لنا من التقرير أن مدحت باشا قد قابل الشيخ عبدالله الصباح عدة مرات، ولا شك انه قد سأله عن رعاياه، واستقى منه معلوماته عن الكويت واهلها، واستنادا الى ما قاله مدحت باشا، فنستطيع القول ان الكويت كانت تخلو من اليهود والنصارى حتى هذا التاريخ».
من خلال تلك العبارتين والعنوان يغمز د. الكندري بالقول.. انه لا وجود لسكان شيعة في الكويت قبل 1871، وخصوصا أنه لم يستنكر او يؤكد وجود الشيعة أوعدمه كما فعل مع المسيحيين واليهود، على الرغم من ان دراسته عن اليهود فقط! الأمر الذي جعلني أوضح مسألة وجود الشيعة انذاك وفقا ليس لوثيقة واحدة فقط كما استند اليه الدكتور بل لعدة وثائق عدسانية وبريطانية والتي تبطل كلام الباشا والدكتور، كوني مختصا في تاريخ الخليج القديم ومطلعا بشكل جيد على تاريخ الخليج الحديث والمعاصر.
هجرات الشيعة والسنة
اولاً: عندما نتحدث تاريخيا عن تأسيس منطقة الخليج، خاصة المشيخات العربية على الساحل الغربي، ابتداء من الكويت مرورا بالاحساء فالبحرين ثم قطر والساحل المتصالح (الامارات العربية المتحدة حاليا) فاننا نتحدث عن منطقة توصف من قبل المؤرخين بأنها منطقة اتصال عالمي contact zone تكتنفها شعوب تتباين في أعراقها وأديانها وثقافاتها ولغاتها، (انظر M. Redha Bhacker وAbdul Sheriff وLawrence Potter في كتاب The Persian Gulf in History)، خاصة أنها احتضنت موانئ عالمية كانت بمنزلة حلقة الوصل لطرق التجارة في ما بين المحيط الهندي والبحر المتوسط، الأمر الذي أدى الى مثل هذا التنوع البشري. فعلى سبيل المثال، اعتبرت موانئ الخليج، مثل مسقط وصحار في عمان وهرمز وصراف وبندر عباس وبوشهر ولنجة والمحمرة في ايران والبصرة في بلاد الرافدين، وبشكل اقل ميناءي الكويت والبحرين ذات أهمية جغرافية. اذ لعبت دورا تجاريا مهما في حقب تاريخية مختلفة ما بين القرن الثامن الميلادي ومنتصف القرن العشرين، مما جعل منطقة الخليج مركزا تجاريا عالميا cosmopolitan trade centre لتبادل البضائع ومحطة «ترانزيت» للسفن القادمة والخارجة في ما بين الكثير من القارات، مثل جنوب وشرق آسيا وشرق أفريقيا وأوربا. ونتيجة لذلك أدت مثل هذه التبادلات الاقتصادية - التي كانت مستقلة عن أي قيود حدودية - الى سهولة هجرات متبادلة وانتقال جماعات ذات أصول عرقية مختلفة، كالعرب والايرانيين أو «العجم» والاتراك والبلوش واليهود وغيرهم من منطقة الى أخرى في الخليج، وفقا لعوامل الجذب والطرد push-pull المرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالمنطقة.
الأمر الذي ساعد على تشكيل وتأسيس مجتمعات مكونة من مزيج من شعوب تحمل أعراقا وأديانا وطوائف ولغات وثقافات وممارسات اجتماعية متباينة في الدول العربية في الخليج، كالكويت والامارات العربية المتحدة وقطر، وسهولة الانسجام بعضهم مع بعض. لذلك، فان عوامل الجذب والطرد كانت - أيضا - أحد مسببات انتقال قبائل العتوب، بما فيها أسرة آل الصباح وآل الخليفة من مواطنهم الأم وتأسيس امارات في كل من الكويت والبحرين ابان القرن الثامن عشر. ونتيجة لذلك، فان الهجرات لكل من الشيعة والسنة بدأت على المنوال نفسه منذ مراحل مبكرة من تأسيس الكويت وفقا للقلاقل السياسية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والاضطهاد الديني التي كانت تعانيه في مواطنها الأصلية. لذلك نستخلص ان منطقة الخليج في التاريخ الحديث والمعاصر كانت تعتبر منطقة ذات طابع هجرات ديناميكية مستمرة وفقا للعوامل المذكورة، آنفا.
مرحلة مبارك
ثانيا: ان طفرة زيادة عدد سكان الكويت من جميع الطوائف سنة وشيعة وغيرهم من طوائف، جاءت في فترة الشيخ مبارك الصباح وما بعد، وفقا للوثائق البريطانية، وباعتراف من الشيخ مبارك الصباح بنفسه في مخاطباته السياسية مع الوكيل البريطاني في الكويت شكسبير والمقيم البريطاني في بوشهر كاكس - آنذاك - (انظر الوثائق البريطانية في R/15/1/511 و179/ 5/ 15/ R، وان السبب في تلك الزيادة هو ليس انتعاش الكويت اقتصاديا ولكن بسبب دخول الكويت لأول مرة في الدوامة السياسية لتصبح مسرحا لتنافس القوى المحلية المتمثلة بالصراع السياسي في ما بين ابن رشيد وابن سعود والشريف حسين من جهة والصراع السياسي الاقليمي العالمي بين الدولة العثمانية والقوة الخارجية المتمثلة في بريطانيا من جهة، والأخيرة وفرنسا وألمانيا وروسيا في السيطرة على الخليج من جهة اخرى.
الأمر الذي أدى الى دخول الكويت تحت الجناح البريطاني وعقد اتفاقية حماية في عام 1899. غير أنه في المناطق الأخرى حصلت الكثير من القلاقل السياسية وانتكاسات اقتصادية أدت الى هجرات من مختلف الأجناس والأديان من الساحل الشرقي وأيضا من مشيخات الساحل الغربي للخليج بحثا عن الأمان والعمل معا. خاصة ان الكويت بشيوخها وشعبها كانت أكثر مناطق الخليج تقبلا للأديان والطوائف الأخرى كما يتوافر فيها الأمان بدرجة عالية اذا ما قورنت مع بقية المشيخات العربية ومناطق الساحل الشرقي من الخليج.
نضيف الى ذلك انه منذ تأسيس الكويت الى الثلاثينات من القرن العشرين كانت الكويت تتميز بقلة الضرائب والجمارك على سكان الكويت، لذا كانت محط أنظار لهجرة الكثير من التجار من مختلف مناطق الخليج (انظر Halla Fatah). لاسيما ان تأسيس امارة مثل الكويت ثم دولة سياسية تتطلب تشجيع هجرات شعوب من جميع الطبقات، تجارا وحرفيين وعمالا، من مختلف الطوائف ما دامت هذه الطوائف لا تؤثر في الأمن والنسيج الاجتماعي والتوازن الاقتصادي للكويت. ولكن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من العوائل الشيعية والسنية منذ المراحل الأولى من تأسيس الكويت.
سكان الإحساء والبحرين
ثالثا: وفقا لأغلبية المؤرخين الموضوعيين المختصين في تاريخ الخليج فان السكان الأصليين في كل من منطقة الاحساء والبحرين هم من الشيعة منذ قرون قبيل ظهور الحركة الوهابية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ووصول ال خليفة للبحرين في عام 1783 (انظر مثلا Rosemarie Zahlan وJuan Cole وLouër, Laurence).
لذلك أدت مثل تلك التغيرات وبسبب التقارب الجغرافي الى هجرات الكثير من العوائل الشيعية والسنية من الاحساء والبحرين الى مناطق الخليج بما فيها الكويت والمحمرة والساحل الشرقي للخليج خاصة للذين لم يتقبلوا تلك الأنظمة السياسية الجديدة في الفترة الزمنية المذكورة. فمن الطبيعي اذن أن تكون هجرات للسكان الشيعة من مواطنهم الأم منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر الى الربع الاول من القرن التاسع عشر وهذا سرد تاريخي، بل ان حركة تلك الهجرات مذكورة في الكثير من المراجع الاجنبية التي نقلت وكتبت في تاريخ البحرين او الاحساء (انظر حمزة الحسن وGraham Fuller وYitzhak Nakash) ونحن هنا ليس للاسهاب في هذا الموضوع بل لوضع تسلسل تاريخي منطقي.
القلاليف والاستادية
رابعا: منذ بداية تأسيس الكويت حتى الخمسينات من القرن العشرين، وسكان الكويت كانوا يعتمدون على السفن بمختلف أنواعها، البوم والبلم والشيوعي وغيرها، (في التبادل التجاري مع الهند ومنطقة الخليج وشرق أفريقيا وجنوب وشرق آسيا أيضا).
خصوصا أن السفينة هي السبيل الوحيد لتأمين سبل العيش لمنطقة تفتقر الى الاكتفاء الاقتصادي الذاتي كالكويت. علما بأن جميع المنتجات والبضائع الرئيسية، مثل القمح والحنطة والأرز والفواكه والخضار والتمور، كانت تورد للكويت، بما فيها الماء العذب من المناطق المجاورة.
واذا افترضنا أن القلاليف (صناع السفن)، والأستادية (المشرفون على بناء السفن) وهم من الطائفة الشيعية من أصول بحرينية (بحارنه) لم يكونوا متواجدين منذ تأسيس الكويت في القرن السابع عشر، فمن قام ببناء تلك السفن اذاً؟
علما بأن القلاليف والأستادية كانو متواجدين على أقل تقدير في القرن الثامن عشر وما بعد، خاصة ان التبادل التجاري وحرفة صيد الاسماك والغوص على اللؤلؤ تحتاج الى وجود السفن، الى جانب الدليل التاريخي والمنطقي، يشير تقرير لويس بيلي Lewis Pelly، أحد الوكلاء البريطانيين السياسيين في منطقة الخليج، أثناء زيارته للكويت عام 1865 على وجود الشيعة بشكل غير مباشر قبل 1871م. حيث أن التقرير المعنون كالتالي:
Report of a Journey to the Wahabee Capital of Riyadh in Central Arabia in Journal of a Journey from Persia to India: Through Herat and Candahar
يصف سكان الكويت بأنهم الأفضل في الخليج في بناء السفن، عندما يقول: «الكويتيون لديهم تجارة كبيرة، وربما يعتبرون أفضل صانعي السفن في جميع أنحاء الخليج» (انظر المصدر السابق). نلاحظ هنا أن بيلي لم يذكر الشيعة، بل قال الكويتيين، وكان يقصد سكان الكويت، لأنه لم يكن هناك تعريف للكويتيين او لأي جنسية أخرى في الخليج كمصطلح وطني، لأن «الحركة الوطنية» اوnational movement لم تكتسح وتؤثر في الشرق الأوسط بشكل عام والخليج بشكل خاص الا في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين. لذلك ان كلمة كويتيين أو احسائيين أو نجديين دائما كانت تدل على هوية سكان المنطقة في بقعة جغرافية معينة كالكويت أو الأحساء أو نجد. والجدير بالذكر أنه حتى داخل الكويت كان يسمى الكويتيون من أصل نجد بالنجديون، والكويتيون من أصل ايراني بالايرانيون، وهكذا لبقية السكان كالاحسائيين والبحارنة. ولذلك نلاحظ أن الكثير من الرحاله والوكلاء البريطانيين حتى نهايات القرن التاسع عشر،
لم يفرقوا في تقاريرهم بين السنة والشيعة، لعدم وجود تلك التفرقة الطائفية في الكويت. حتى وان افترضنا أن بيلي كان يعلم أن صانعي السفن هم من سكان الكويت الشيعة أو من السنة، فهو في التقرير كان يريد أن يوضح أهمية تلك المهارة التي يمتلكها سكان الكويت آنذاك، وليس طائفتهم! ونحن نعلم ككويتيين أن هناك حرفا ومهنا وأسواقا مقتصرة على عوائل كويتية سنية واخرى شيعية (انظر محمد عبدالهادي جمال) منذ تأسيس الكويت، والبعض منهم حتى وقتنا الحاضر وأن مهنة القلافة كانت مقتصرة بشكل كبير على الشيعة. لذلك حتى لو نفترض أن الشيعة لم يكونوا متواجدين قبل 1865 م فانهم كانوا في الكويت قبل 1871م، وهذا دليل اخر يدحض تقرير الباشا وتحليل الكندري!.
وثيقة عثمانية واحدة
خامسا: اعتمد الدكتور على وثيقة عثمانية فقط كمنهجية علمية في اعطاء حكم على وجود طائفة مثل الشيعية دون محاولة مقارنتها مع وثائق أخرى سواء عدسانيات أو تقارير بريطانية! ولاعطاء فكرة مبسطة عن كتابة التاريخ للقراء، فان المؤرخ يستعمل الكثير من الطرق العلمية كآلية للوصول لأقرب استنتاج تاريخي موضوعي.
أهم تلك الطرق هي الاعتماد على المصادر المختلفة التي عاصرت الحدث المراد الكتابة عنه والتي قد تكون منها الوثائق المكتوبة بلغات متباينة، او استنادا للرواة الشفهية المعاصرة للحدث وهو ما لم يفعله الكندري خاصة لاثبات وجود الشيعة من عدمه انذاك. وعلى الرغم من ان الكندري استقصد فقط اليهود من تلك الدراسة وليس الشيعة في الكويت الا أنه يجب أن نكرر أنه اقحم الشيعة دون اعطاء تعليق على الاطلاق. كما أن استناده ضعيف ليس لأنه اعتمد على وثيقة واحدة، بل لأنه لم يقم بمقارنة كلام الباشا في الوثيقة مع المصادرالاخرى كالوثائق البريطانية، مع العلم أنه استند على التقارير البريطانية عندما أراد توضيح انتعاش الكويت الاقتصادي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر!
وتجب الاشارة هنا الى أن أهمية الوثائق البريطانية في تلك الفترة لا تقل أهمية عن العثمانية او العدسانية، خاصة أن منطقة الخليج في الربع الأخيرمن القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين أصبحت كما يسميها الحاكم العام للهند جورج كرتزن (1899 - 1905) «بحيرة بريطانية». والدليل على ذلك ان حكومة الهند البريطانية كان لها مركز سياسي للمقيم البريطاني في بوشهر كما ينتشر الوكلاء البريطانيون في أغلب مناطق الخليج بما فيها المشايخ العربية ليسجلوا تفاصيل وأحداثا سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية يومية، بل حتى وصف تلك المشيخات ومدنها وأعداد سكانها بما فيها أعراقهم وطوائفهم.
لذلك هناك الكثير من الوثائق تشير لتجار وعدد سكان اليهود وغيرهم في الأرشيف البريطاني والتي لم يعتمد عليها الدكتور (انظر مثلا فايل R/15/1/504) رغم أنني لست في صدد مناقشة الجالية اليهودية. وعلى الرغم من ان تلك المصادر المتمثلة (باليوميات البريطانية) او political diaries والخطابات السياسية الرسمية بين حكومة الهند والمقيم البريطاني في بوشهر ووكلائه في الامارات او المشيخات العربية بما فيها الكويت تظل من وجهة نظر تاريخية بريطانية الا أنها اكثر الوثائق دقة وتفصيلا عن غيرها، ولكن هذا لايعني تعرضها لبعض الأخطاء كالمصادرالأخرى وهذا شيء وارد. الى جانب توافر الوثائق البريطانية لتغطية تاريخ الكويت في القرن التاسع عشر والعشرين الميلادي ووجود أيضا وثائق فرنسية وروسية وألمانية لايسائل عليها الدكتور بحكم عائق اللغة وبحكم أنها تغلب عليها الطابع السياسي وليس الاجتماعي والاقتصادي. لذلك
وبشكل عام كلما زادت المهارات اللغوية للمؤرخ، كلما زادت امكاناته للوصول الى وجهات نظر مختلفة، الأمر الذي يعطيه إمكانية التحليل والنقد التاريخي، وبالتالي نقل الحقائق بصورة أدق.
أرشيف الديوان وتاجر الأسلحة
بقي أن نشير الى السجلات العامة المحتفظ بها لحسن الحظ في أرشيف الديوان الاميري (مشكورين)، والتي هي عبارة عن رسائل باللغة العربية بين حكام الكويت (منذ عهد الشيخ مبارك الصباح الى عهد الشيخ أحمد الجابر) مع الوكلاء البريطانيين في الكويت.
علما بأن جزءا من هذه السجلات متوافرة في الأرشيف البريطاني (المكتبة البريطانية والأرشيف الوطني) التي فيها بعض الوثائق عن الجالية اليهودية في الكويت (انظر مثلا سجل عام رقم 1 فايل 398 ص 42 و فايل 141 ص 119 ووثيقة أخرى ص 181 - 182). ان هذه الوثائق المحلية المحتفظة في مركز الديوان الأميري هي متوافرة للباحثين والمؤرخين، لم تحظ باهتمام الدكتور لادخالها أيضا في دراسته على الرغم من أهميتها! أما آخر وسيلة كان من الممكن للدكتور الاعتماد عليها في دراسته، هي ما يسمى بالأرشيف المحلي أو individual archives، وهي عادة تتكون اما من رسائل أو معاملات تجارية، أو وصولات ودفاتر حساب، وغيرها بين التجار الكويتيين فيما بينهم، او مع تجار المنطقة بمختلف أعراقهم وطوائفهم بما فيهم الأجانب. فهناك كثير من العوائل الكويتية مازالت تحتفظ بها أو بنسخ عنها، ولا يصعب الحصول على نسخة منها، اذا ما عرف صاحب الأرشيف أهميتها لدى الباحث للوصول الى حقيقية تاريخية معينة.
هذه الوثائق موجودة لدى أسر كريمة كويتية، ساهم أجدادها في بناء الكويت من الناحية الاقتصادية. كما انهم قاموا بالتجارة مع اليهود أمثال عائلة ماتقي المتمثله بتاجر الأسلحة المعروف الحاج نجف بن غالب، والذي اعتبر ذراع الشيخ مبارك اليمنى في تأمين السلاح له. حيث إن الاخير كانت له معاملات تجارية مع التاجر اليهودي صالح المحلب مثل المشاركة في شراء أرض ساحة الصفاة (وثيقة يمتلكها بيت ماتقي).
لذلك نستنتج أن آلية المقارنة بين المصادر مثل الوثائق في أراشيف مختلفة وفق امكانات المهارة اللغوية، بالإضافة الى مقارنتها مع أرشيفات محلية للعوائل الكويتية والرواة الشفهية وحتى المراجع المتنوعة لم تكن أحد دعائم الدكتور في وصوله الى حقيقة أن الشيعة متواجدون في الكويت قبل أو بعد التاريخ المزعوم. كما أن هذا ينطبق على دراسته للجالية اليهودية، خاصة وأن الدراسات التاريخية لا تستند إلى وثيقة أو وثيقتين (بريطانية أو عدسانية أو عثمانية او غيرها). بل تحتاج الى الاطلاع على وثائق كثيرة للتدقيق والتحليل التاريخي والمقارنة بشكل أفضل للوصول للنتيجة المرجوة. وهنا يأتي دور المؤرخ بالبحث وجمع المعلومات الكافية، والتأني في نشر دراسة أو الادلاء بأي رأي يفتقر للدقة. وانني هنا لا أقلل من شأن الدراسة العلمية التي قام بها الدكتور مشكورا، ولكن أشير الى الأخطاء التي وقع فيها كوني مؤرخا عرضة للوقوع في مثلها أيضا.
وجود الشيعة
لذلك نستنتج وفقا للوثائق العدسانية والوثائق البريطانية وأيضا الرواة الشفهيين من العوائل الشيعية والسنية أن الشيعة بجميع أعراقهم (عجم او عرب) كانوا مستقرين في الكويت قرابة قبيل النصف الاول من القرن التاسع عشر اذا لم يكن حتى قبل ذلك. ولإثبات صحة ما ندعي اليكم صور بعض الوثائق وتواريخها التي تؤكد وجود السكان الشيعة في الكويت قبل التاريخ المزعوم من الباشا والدكتور. الأمر الذي يجعلنا نشك في النتيجة التي وصل اليها والدكتور من عدم وجود الشيعة في الكويت قبل 1871!
أ - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن بيع مبارك الصباح لما يملكه (الكاركه) في مرحلة مبكرة من عمره الى علي حسن عبدالرضا الخباز تعود الى 15 صفر عام 1282 هجري أي ما يعادل 1865م تقريبا.
ب - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن شراء محمد رفيع بن محمد زمون أملاكا من كل من حسين بن السيد أحمد الرفاعي ومحمد بن فهد وعبدالعزيز عبدالله المطوع وسالم بن سلطان ويوسف بن عبدالله بن عيسى بن ابراهيم وعثمان بن عبدالله العنجري وغيرهم، كما هو موضح في الوثيقة في 3 رجب 1293 اي ما يعادل 1876 م تقريبا. نلاحظ هنا أن تاريخ شراء البيت يأتي بعد العام المفترض لعدم وجود الشيعة 1871م بخمس سنوات، ولكن السؤال المطروح هو اذا كان محمد رفيع زمون ليس من أهل الكويت القدماء كيف يباع له البيت بعد أقل من خمس سنوات من استقراره في الكويت؟ وكيف يثق أهل الكويت بشخص «غريب» لم يستقر بالكويت الا لفترة وجيزة؟ الأهم من ذلك أنه بناء على الرواة الشفهيين فان بيت معرفي من أقدم العوائل الشيعية التي وطأت أقدامها ارض الكويت.
ت - وثيقة عدسانية وهي عبارة عن بيع براك عيسى بن عبدالعزيز القطان بيتا يعود الى 25 شعبان عام 1272 هجري اي ما يعادل 1856م تقريبا.
ث - وثيقة بريطانية وهي عبارة عن رسالة من الوكيل البريطاني مور الى سكرتير الحكومة في بغداد يعطي تقديرات عن عدد الايرانيين في الكويت في عام 1921 بعشرة آلاف شخص. حيث يؤكد أن الكثير منهم استقروا بالكويت منذ جيلين أو ثلاثة أجيال تسبق عام 1921، كما يؤكد أنهم فقدوا شعورهم بأنهم من ذوي الهوية الايرانية نتيجة لاستقرارهم القديم في الكويت. ثم يقول انه ممكن أن تكون تقديراتهم أقل من عشرة آلاف تتراوح ما بين خمسة الى ستة آلاف. لذلك اذا افترضنا خمسا وعشرين سنة المعدل الطبيعي والأقل تقديرا لكل جيل فان الشيعة ذوي الأصول الايرانية يرجع وجودهم بالكويت الى ما قبل 1850.
ج - وثيقة بريطانية وهي عبارة عن رسالة من الوكيل البريطاني في الكويت ديكسون الى المقيم البريطاني في بوشهر آنذاك في عام 1936 توضح عدد الايرانيين وفقا لتقديرات ديكسون بالكويت عام 1936 بثمانية آلاف، وهم نتيجة هجرة أجدادهم في القرن الماضي، أي في القرن التاسع عشر كما تذكر الوثيقة! ونحن نستنتج أنها قبل 1871 وفقا للوثيقة البريطانية السابقة والوثائق العدسانية أيضا. وعلى ضوء السرد التاريخي لمنطقة الخليج، واعتمادنا على المصادر المختلفة ومقارنتها نستخلص بالحجة والبرهان أن سكان الكويت من الطائفة الشيعية كانوا متواجدين ومستقرين في فترات زمنية مبكرة من تاريخ الكويت.
على الرغم اننا لم نعتمد في هذا التقرير على الرواة الشفهيين والمراجع العربية والأجنبية التي لديها الكثير عن تاريخ الشيعة في الكويت، أبرزها قصة استشهاد كل من محمد الشمالي ونجم الوزان في معركة الرقة عام 1782 - 1783 كما يذكرها حمد محمد السعيدان في الموسوعة الكويتية المختصرة والشيخ حسين خلف خزعل في التاريخ السياسي للكويت.
محمد الحبيب
(طالب دكتوراه - قسم التاريخ - جامعة رويال هولووي - لندن)
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2012/01/25/fffffdd1-de94-4c6f-a6c6-dedd12129c24.jpg
وثيقة بريطانية