الراي السديد
01-22-2012, 05:57 PM
مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 09-01-2012
بقلم الدكتوره مضاوي الرشيد
ويتوقع النظام السعودي ردودا نمطية من المجتمع فان هو سجن السلفي يستجدي من يقف على المنصة المقابلة ان يقتنع بانه ارهابي وان سجن الليبرالي يتوقع من السلفي ان يفرح بسجن تغريبي مفسد للاخلاق والفضيلة وان قتل شيعيا يفرح الآخر السني بجريمة تخلصه من الرافضي الصفوي ولكن هذه الصورة النمطية وان كان لها دعاتها ومروجوها بدأت تدريجيا بالتلاشي والتآكل وهذا ما يخيف النظام السعودي
يبدو ان النظام السعودي قد اصيب بحالة تشنج شلت قدرته على تحديد عدوه الحقيقي فراح يسجن ويمنع من السفر ويعتقل النساء والرجال ويصوب الرصاص على المتظاهرين في محاولة بائسة لاحكام قبضته على المجتمع وتطبيع حالة ذعر وخوف كردع اي حراك سلمي ومطالبة بالحقوق
وهو اليوم يضرب بيد من حديد يمينا ويسارا فسجونه لم تعد حكرا على شريحة معينة وفيها من السلفي والحقوقي والنساء المعتقلات ما يدل على اتساع عريضة القمع التي تطال الجميع باختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية والمذهبية وعند ابواب وزاراته تحتشد جموع البطالة بحق العمل تأتي من كل صوب لتضغط بشكل سلمي من اجل وظيفة يعجز النظام على توفيرها من معلمة الى خريج معهد صحي يفتقد هؤلاء الى ابسط الحقوق ولا يجد النظام حلا الا بالمزيد من الحصار على الناشطين في الداخل كان آخر فصولها منع محمد سعيد الطيب من السفر الى القاهرة لحضور زفاف ابنته وقبلها منع الشيخ سلمان العودة من الذهاب الى مصر وكلا الشخصيتين لم يعرف عنهما الا الولاء للنظام رغم بعض المطالب الاصلاحية تحت مظلة النظام ذاته.
يرد النظام علىاي حراك شعبي باصدار لوائح المطلوبين التي تحيك خيوطها وزارة الداخلية وفي مجملها تعكس آحادية الفكر السعودي الرسمي الذي قرر ان عدوه خارجي تسانده ايران لتثير الفتنة وتقوض الامن والامان ويستغل النظام التفكك المناطقي والطائفية وانعدام اللحمة الاجتماعية والاجماع على مطالب اصلاحية سياسية ليمرر سردياته في محاولة بائسة لاحتواء تداعيات الربيع العربي وتأجيل وصول رياحها الى السعودية.
وقد ظهر تخبط النظام وعشوائية اتهاماته بوضوح خاصة بعد ان ظهرت ملامح المرحلة الجديدة بتولي نايف بن عبدالعزيز ولاية العهد بالاضافة الى وزارة الداخلية فسقط قناع النظام المصلح الذي روج له مع فترة حكم الملك عبدالله منذ عام 2005. اليوم يجد المجتمع السعودي نفسه وجها لوجه مع قيادة مشحونة تحاول تصدير همومها الداخلية الى الخارج دون ان تتعاطى بجدية مع معطيات التغيير الجديدة على ارض الواقع والحراك الشعبي البسيط اذا ما قارناه مع الدول العربية الاخرى. فتحول النظام الى نظام غير قادر على تحديد عدوه الحقيقي ولم يبق له سوى تكرار شعارات فارغة تستجدي الشرعية الدينية ففي كل مناسبة وكل خطاب'يردد النظام انه الدولة السلفية التي تحكم بالشريعة وكأنها بذلك الاصرار تعكس تشكيك البعض في قربه من السلفية واهلها.
وهو بذلك يتجاوز النقلة النوعية والتي تقيم الانظمة بانجازها ومدى قدرتها على توفير احتياجات مواطنيها واحترام حقوقهم بدلا من شعارات فارغة لا تنفع اليوم حتى للاستهلاك الاعلامي. فالشعار لم يعد يوفر الامن المطلوب للمجتمع بل تحول الى ذريعة يتم تحت جناحها انتهاك حقوق الانسان بالسجن التعسفي والمنع من السفر ويتجاوز ذلك في بعض مناطق المملكة الى اطلاق الرصاص على المتظاهرين وتحت شعار الدولة السلفية يجد الكثير من السلفيين انفسهم خلف قضبان النظام وربما يتقاسمون الزنزانات مع اضدادهم الذين لا يشاركونهم قناعاتهم السياسية تماما كما حدث للناشط علي الدميني عندما شاركه تجربة السجن من يقف على منصة فكرية تختلف عنه تماما وهذا ما وثقه في مذكراته التي نشرت منذ اعوام.
وفي ذلك دخلت السعودية مرحلة اشبه ما تكون بتلك التي تطورت في مصر تحت نظام السادات ومبارك والتي عاشها الاكاديمي سعد الدين ابراهيم حيث في سجنه تعرف على طيف كبير من الاسلاميين. وان دلت تجربة هؤلاء على شيء فهي تدل على ان انظمة القمع تصاب بطيش مماثل رغم اختلاف تجاربها واساليبها الا انها تلجأ الى القمع العشوائي خاصة ساعة قرب احتضارها وتلاشي قدرتها على استيعاب الاستياء الشعبي والذي يأتي من كل صوب ومن كل الاطياف الفكرية والسياسية.
ويتوقع النظام السعودي ردودا نمطية من المجتمع فان هو سجن السلفي يستجدي من يقف على المنصة المقابلة ان يقتنع بانه ارهابي وان سجن الليبرالي يتوقع من السلفي ان يفرح بسجن تغريبي مفسد للاخلاق والفضيلة وان قتل شيعيا يفرح الآخر السني بجريمة تخلصه من الرافضي الصفوي ولكن هذه الصورة النمطية وان كان لها دعاتها ومروجوها بدأت تدريجيا بالتلاشي والتآكل وهذا ما يخيف النظام السعودي
حيث نلاحظ تبلور خطاب جديد حقوقي يتجاوز تصنيفات النظام الفئوية الهدامة للوحدة الوطنية وان خلت الصحافة الرسمية من هذا الخطاب الجديد وظلت تردد فكر المؤامرة ومصطلحات الخلايا السرية الارهابية المرتبطة بالخارج الا ان الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي بدأت تحتضن اطروحات تبتعد عن مفاهيم قديمة هدفها تقسيم المجتمع وابتعاده عن الوحدة الحقيقية مما اضطر النظام'ودعاته لبث السموم القديمة في حنايا العوالم الافتراضية لاهميتها وقدرتها على تفكيك مصطلحات النظام وسردياته. فانتقلت المعركة بين الدعاية النظامية وردود الفعل الشعبية الى مساحات جديدة سيكون لها اثر كبير على تطوير وعي جديد يرفض التقسيمات القديمة ومصطلحاتها. ومن اهم مظاهر هذا الوعي الجديد بيان اصدرته مجموعة من الناشطين والحقوقيين على خلفية اعتقالات جدة واحداث القطيف ادانت بشكل واضح وصريح الانتهاكات المستمرة والقمع وربطت بين الحالتين بطريقة لم يكن النظام يتوقعها وربما تكون هذه البادرة سببا جوهريا في قضية محمد سعيد الطيب ومنعه من السفر حيث انه من الموقعين البارزين على هذا البيان.
وبينما نجد ان هذا الوعي يتشكل ويتطور رغم الصعوبات والعثرات يظل النظام يحاول جاهدا ان يصرف الحراك والحوار عن قضايا جوهرية ويزج به في امرين لا ثالث لهما. اولا الخطر الايراني وثانيا القضايا المتعلقة بالمرأة حيث يضمن بذلك تسطيح القضايا السياسية العالقة في الداخل. يبدو تصوير الخطر الايراني وتعظيمه دليلا على اهمية افتراضية العدو الخارجي الذي يؤجل فتح القضايا الداخلية وملفاتها دون ان يحسم المعركة لصالح النظام رغم كل الاصوات المتعالية وصفقات الاسلحة والطائرات فمزيد من التسلح وصرف الملايين عليه قد لا يكون الخيار الصائب لحظة بدء المعركة الحقيقية ذات العواقب غير المعلومة. اما قضية المرأة فهي القضية الاكثر سخونة وهي قادرة على تشتيت فكر الكثيرين المهووسين بها دون غيرها من القضايا حيث تسقط كل الملفات والقضايا وينشغل بها طيف يعارض وأخر يناصر حتى استهلكت جميع مصطلحات الادانة والشجب والرفض.
كان آخر هذه الفرقعات الحدث التاريخي الذي وصف كذلك وهو ما سمي 'تأنيث محلات بيع الملابس الداخلية النسائية' رغم معارضة المفتي لمثل هذا الاجراء والحدث الآخر وصف بانه خزي وعار التصق بمؤتمر للمثقفين في قاعة فندق من فنادق الرياض حين لمح احد الصحافيين المتواجدين شعر إمرأة!. عملية تسطيح الملفات السعودية الداخلية لا تخدم سوى محاولات الهاء المجتمع اما بعدو خارجي او قضية شعر أمرأة لا يخدم الا مصلحة النظام الطائش الذي يصدر طيشه الى المجتمع لصرفه عن المطالبة بحقوق سياسية عالقة.
لا يواجه النظام السعودية اشرس من عدو واحد وهو تجاهل استحقاقات سياسية واصلاحات حقيقية تنقل النظام الى مرحلة جديدة تتناغم مع طموحات الكثيرين. وكلما تجاهل النظام هذا الملف كلما حفر قبره بيده فالمملكة وشعبها لا يعيشون في عالم آخر منعزل عن محيطه العربي والعالم وطموحات المجتمع لا تختلف عن طموحات غيره في تحقيق الامن الحقيقي الذي يضمن الحريات المسلم بها والحقوق المعترف بها عالميا. ولا يمكن للنظام ان يستمر في ممارسة السلطة بمعزل عن المشاركة السياسية والمراقبة القضائية المستقلة وان لم يفتح ملف المعتقلين السياسيين ويتعاطى مع حقوقهم المسلوبة فسيظل هذا الملف ساخنا قد ينفجر اي لحظة مثله مثل ملف البطالة التي تهدر طاقات جيل جديد من الشباب والشابات وتنذر بآفات اجتماعية لن يسلم منها المجتمع لسنوات بعيدة. وبدلا من ان يدشن ولي العهد الجديد حكمه بمبادرة حسن النوايا نجده يتماهى في استمرارية الاساليب القديمة والتي لم تسلم منها حتى النساء في ظاهرة تنذر بمستقبل اسود ستقدم عليه السعودية نظاما وادارة. وان اقترنت بداية العهود السعودية سابقا بمكارم ملكية تؤدي الى الافراج عن الابرياء في السجون الا ان هذا قد انعدم اليوم بل ان السجناء يجدون انفسهم في الزنزانات حتى بعد مماتهم اذا اخذنا بعين الاعتبار مدة الاحكام بحق بعض المسنين تماما كما حصل لمجموعة اصلاحيي جدة. ان استجابة النظام السعودي لبعض هذه المطالب قد يعتبر من المستحيل حيث انه اثبت تشنجا وعدم تجاوب مع الاصلاح السياسي وطيشا ربما تحت تأثير الطفرة الحالية لكن هذه الاخيرة اثبتت عدم قدرتها على اخماد الاصوات الاصلاحية رغم بريقها ونأمل ان لا تهدر هذه الثروة ويبقى الطيش.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
بقلم الدكتوره مضاوي الرشيد
ويتوقع النظام السعودي ردودا نمطية من المجتمع فان هو سجن السلفي يستجدي من يقف على المنصة المقابلة ان يقتنع بانه ارهابي وان سجن الليبرالي يتوقع من السلفي ان يفرح بسجن تغريبي مفسد للاخلاق والفضيلة وان قتل شيعيا يفرح الآخر السني بجريمة تخلصه من الرافضي الصفوي ولكن هذه الصورة النمطية وان كان لها دعاتها ومروجوها بدأت تدريجيا بالتلاشي والتآكل وهذا ما يخيف النظام السعودي
يبدو ان النظام السعودي قد اصيب بحالة تشنج شلت قدرته على تحديد عدوه الحقيقي فراح يسجن ويمنع من السفر ويعتقل النساء والرجال ويصوب الرصاص على المتظاهرين في محاولة بائسة لاحكام قبضته على المجتمع وتطبيع حالة ذعر وخوف كردع اي حراك سلمي ومطالبة بالحقوق
وهو اليوم يضرب بيد من حديد يمينا ويسارا فسجونه لم تعد حكرا على شريحة معينة وفيها من السلفي والحقوقي والنساء المعتقلات ما يدل على اتساع عريضة القمع التي تطال الجميع باختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية والمذهبية وعند ابواب وزاراته تحتشد جموع البطالة بحق العمل تأتي من كل صوب لتضغط بشكل سلمي من اجل وظيفة يعجز النظام على توفيرها من معلمة الى خريج معهد صحي يفتقد هؤلاء الى ابسط الحقوق ولا يجد النظام حلا الا بالمزيد من الحصار على الناشطين في الداخل كان آخر فصولها منع محمد سعيد الطيب من السفر الى القاهرة لحضور زفاف ابنته وقبلها منع الشيخ سلمان العودة من الذهاب الى مصر وكلا الشخصيتين لم يعرف عنهما الا الولاء للنظام رغم بعض المطالب الاصلاحية تحت مظلة النظام ذاته.
يرد النظام علىاي حراك شعبي باصدار لوائح المطلوبين التي تحيك خيوطها وزارة الداخلية وفي مجملها تعكس آحادية الفكر السعودي الرسمي الذي قرر ان عدوه خارجي تسانده ايران لتثير الفتنة وتقوض الامن والامان ويستغل النظام التفكك المناطقي والطائفية وانعدام اللحمة الاجتماعية والاجماع على مطالب اصلاحية سياسية ليمرر سردياته في محاولة بائسة لاحتواء تداعيات الربيع العربي وتأجيل وصول رياحها الى السعودية.
وقد ظهر تخبط النظام وعشوائية اتهاماته بوضوح خاصة بعد ان ظهرت ملامح المرحلة الجديدة بتولي نايف بن عبدالعزيز ولاية العهد بالاضافة الى وزارة الداخلية فسقط قناع النظام المصلح الذي روج له مع فترة حكم الملك عبدالله منذ عام 2005. اليوم يجد المجتمع السعودي نفسه وجها لوجه مع قيادة مشحونة تحاول تصدير همومها الداخلية الى الخارج دون ان تتعاطى بجدية مع معطيات التغيير الجديدة على ارض الواقع والحراك الشعبي البسيط اذا ما قارناه مع الدول العربية الاخرى. فتحول النظام الى نظام غير قادر على تحديد عدوه الحقيقي ولم يبق له سوى تكرار شعارات فارغة تستجدي الشرعية الدينية ففي كل مناسبة وكل خطاب'يردد النظام انه الدولة السلفية التي تحكم بالشريعة وكأنها بذلك الاصرار تعكس تشكيك البعض في قربه من السلفية واهلها.
وهو بذلك يتجاوز النقلة النوعية والتي تقيم الانظمة بانجازها ومدى قدرتها على توفير احتياجات مواطنيها واحترام حقوقهم بدلا من شعارات فارغة لا تنفع اليوم حتى للاستهلاك الاعلامي. فالشعار لم يعد يوفر الامن المطلوب للمجتمع بل تحول الى ذريعة يتم تحت جناحها انتهاك حقوق الانسان بالسجن التعسفي والمنع من السفر ويتجاوز ذلك في بعض مناطق المملكة الى اطلاق الرصاص على المتظاهرين وتحت شعار الدولة السلفية يجد الكثير من السلفيين انفسهم خلف قضبان النظام وربما يتقاسمون الزنزانات مع اضدادهم الذين لا يشاركونهم قناعاتهم السياسية تماما كما حدث للناشط علي الدميني عندما شاركه تجربة السجن من يقف على منصة فكرية تختلف عنه تماما وهذا ما وثقه في مذكراته التي نشرت منذ اعوام.
وفي ذلك دخلت السعودية مرحلة اشبه ما تكون بتلك التي تطورت في مصر تحت نظام السادات ومبارك والتي عاشها الاكاديمي سعد الدين ابراهيم حيث في سجنه تعرف على طيف كبير من الاسلاميين. وان دلت تجربة هؤلاء على شيء فهي تدل على ان انظمة القمع تصاب بطيش مماثل رغم اختلاف تجاربها واساليبها الا انها تلجأ الى القمع العشوائي خاصة ساعة قرب احتضارها وتلاشي قدرتها على استيعاب الاستياء الشعبي والذي يأتي من كل صوب ومن كل الاطياف الفكرية والسياسية.
ويتوقع النظام السعودي ردودا نمطية من المجتمع فان هو سجن السلفي يستجدي من يقف على المنصة المقابلة ان يقتنع بانه ارهابي وان سجن الليبرالي يتوقع من السلفي ان يفرح بسجن تغريبي مفسد للاخلاق والفضيلة وان قتل شيعيا يفرح الآخر السني بجريمة تخلصه من الرافضي الصفوي ولكن هذه الصورة النمطية وان كان لها دعاتها ومروجوها بدأت تدريجيا بالتلاشي والتآكل وهذا ما يخيف النظام السعودي
حيث نلاحظ تبلور خطاب جديد حقوقي يتجاوز تصنيفات النظام الفئوية الهدامة للوحدة الوطنية وان خلت الصحافة الرسمية من هذا الخطاب الجديد وظلت تردد فكر المؤامرة ومصطلحات الخلايا السرية الارهابية المرتبطة بالخارج الا ان الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي بدأت تحتضن اطروحات تبتعد عن مفاهيم قديمة هدفها تقسيم المجتمع وابتعاده عن الوحدة الحقيقية مما اضطر النظام'ودعاته لبث السموم القديمة في حنايا العوالم الافتراضية لاهميتها وقدرتها على تفكيك مصطلحات النظام وسردياته. فانتقلت المعركة بين الدعاية النظامية وردود الفعل الشعبية الى مساحات جديدة سيكون لها اثر كبير على تطوير وعي جديد يرفض التقسيمات القديمة ومصطلحاتها. ومن اهم مظاهر هذا الوعي الجديد بيان اصدرته مجموعة من الناشطين والحقوقيين على خلفية اعتقالات جدة واحداث القطيف ادانت بشكل واضح وصريح الانتهاكات المستمرة والقمع وربطت بين الحالتين بطريقة لم يكن النظام يتوقعها وربما تكون هذه البادرة سببا جوهريا في قضية محمد سعيد الطيب ومنعه من السفر حيث انه من الموقعين البارزين على هذا البيان.
وبينما نجد ان هذا الوعي يتشكل ويتطور رغم الصعوبات والعثرات يظل النظام يحاول جاهدا ان يصرف الحراك والحوار عن قضايا جوهرية ويزج به في امرين لا ثالث لهما. اولا الخطر الايراني وثانيا القضايا المتعلقة بالمرأة حيث يضمن بذلك تسطيح القضايا السياسية العالقة في الداخل. يبدو تصوير الخطر الايراني وتعظيمه دليلا على اهمية افتراضية العدو الخارجي الذي يؤجل فتح القضايا الداخلية وملفاتها دون ان يحسم المعركة لصالح النظام رغم كل الاصوات المتعالية وصفقات الاسلحة والطائرات فمزيد من التسلح وصرف الملايين عليه قد لا يكون الخيار الصائب لحظة بدء المعركة الحقيقية ذات العواقب غير المعلومة. اما قضية المرأة فهي القضية الاكثر سخونة وهي قادرة على تشتيت فكر الكثيرين المهووسين بها دون غيرها من القضايا حيث تسقط كل الملفات والقضايا وينشغل بها طيف يعارض وأخر يناصر حتى استهلكت جميع مصطلحات الادانة والشجب والرفض.
كان آخر هذه الفرقعات الحدث التاريخي الذي وصف كذلك وهو ما سمي 'تأنيث محلات بيع الملابس الداخلية النسائية' رغم معارضة المفتي لمثل هذا الاجراء والحدث الآخر وصف بانه خزي وعار التصق بمؤتمر للمثقفين في قاعة فندق من فنادق الرياض حين لمح احد الصحافيين المتواجدين شعر إمرأة!. عملية تسطيح الملفات السعودية الداخلية لا تخدم سوى محاولات الهاء المجتمع اما بعدو خارجي او قضية شعر أمرأة لا يخدم الا مصلحة النظام الطائش الذي يصدر طيشه الى المجتمع لصرفه عن المطالبة بحقوق سياسية عالقة.
لا يواجه النظام السعودية اشرس من عدو واحد وهو تجاهل استحقاقات سياسية واصلاحات حقيقية تنقل النظام الى مرحلة جديدة تتناغم مع طموحات الكثيرين. وكلما تجاهل النظام هذا الملف كلما حفر قبره بيده فالمملكة وشعبها لا يعيشون في عالم آخر منعزل عن محيطه العربي والعالم وطموحات المجتمع لا تختلف عن طموحات غيره في تحقيق الامن الحقيقي الذي يضمن الحريات المسلم بها والحقوق المعترف بها عالميا. ولا يمكن للنظام ان يستمر في ممارسة السلطة بمعزل عن المشاركة السياسية والمراقبة القضائية المستقلة وان لم يفتح ملف المعتقلين السياسيين ويتعاطى مع حقوقهم المسلوبة فسيظل هذا الملف ساخنا قد ينفجر اي لحظة مثله مثل ملف البطالة التي تهدر طاقات جيل جديد من الشباب والشابات وتنذر بآفات اجتماعية لن يسلم منها المجتمع لسنوات بعيدة. وبدلا من ان يدشن ولي العهد الجديد حكمه بمبادرة حسن النوايا نجده يتماهى في استمرارية الاساليب القديمة والتي لم تسلم منها حتى النساء في ظاهرة تنذر بمستقبل اسود ستقدم عليه السعودية نظاما وادارة. وان اقترنت بداية العهود السعودية سابقا بمكارم ملكية تؤدي الى الافراج عن الابرياء في السجون الا ان هذا قد انعدم اليوم بل ان السجناء يجدون انفسهم في الزنزانات حتى بعد مماتهم اذا اخذنا بعين الاعتبار مدة الاحكام بحق بعض المسنين تماما كما حصل لمجموعة اصلاحيي جدة. ان استجابة النظام السعودي لبعض هذه المطالب قد يعتبر من المستحيل حيث انه اثبت تشنجا وعدم تجاوب مع الاصلاح السياسي وطيشا ربما تحت تأثير الطفرة الحالية لكن هذه الاخيرة اثبتت عدم قدرتها على اخماد الاصوات الاصلاحية رغم بريقها ونأمل ان لا تهدر هذه الثروة ويبقى الطيش.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية