ديك الجن
01-19-2012, 07:26 PM
مسفر الدوسري - الجريده
http://aljarida.com/wp-content/themes/aljaridaonlineNew/timthumb.php?src=http://aljarida.com/wp-content/uploads/2012/01/18/12425156/mousfer.jpg&h=150&w=110&zc=1&a=t
نشر في 19, January 2012
أزعم أنني نشأت في بيت لم تكن العنصرية بمختلف مذاقاتها الطبق المفضّل على مائدة طعامه، بيت بسيط جداً إلا أنه يسع الناس جميعاً لو قدّر لهم العيش فيه لرحابة صدور من يقطنونه، يدير هذا البيت «أبو فهد» أو «أبو شنب»، كما يحلو لأصدقائه أن يدعوه لطول شواربه.
في كل ليلة بعد صلاة العشاء يلتقي الرجال في مجلس «أبو شنب»، بعضهم من الجيران والمعارف، ورجال آخرون من القبيلة ممن يأتون من السعودية بحثاً عن عمل في الكويت، ويقيمون في البيت لزمن يمتد أحياناً لأشهر طويلة إلى أن تتيسر أمورهم في عمل ما، كما كان ممن «يتعلّلون» في هذا المجلس بشكل شبه مستمر «عم عبّاس» الجزار الوحيد في حيّنا، وهو إيراني، و»عم أبو فتحي» صاحب البقالة، وهو فلسطيني يقيم مع عائلته في ملحق مستأجر عند «العم أبو جزاع»، في هذا المجلس كانت الأحاديث والنقاشات تتناول كل شيء تقريبا من فلسطين إلى حياتهم اليومية البسيطة ومناكفاتهم الظريفة ضد بعض، الكل في ذلك المجلس على اختلاف مذاهبهم وأصولهم ومهنهم وجنسياتهم سواسية، والكل صاحب مكان.
الأحياء التي نشأت فيها أيضاً لم تكن بعيدة عن مثل هذه الروح، في أحد هذه الأحياء التي سكنتها صغيراً كان جارنا على اليمين من قبائل البادية، وجارنا من الجهة الأخرى من أصول إيرانية حتى أن الأب والأم كانا يتحدثان العربية بلحن أعجمي، وكانت أبواب البيوت جميعها مشرّعة للكل، بل انني أتذكر أن المسيرات في شوارع الحي أيام عاشوراء كانت ضمن المشاهد الطبيعية التي تتكرر سنوياً.
هذا ما نشأت عليه صغيراً، وعندما كبرت ترسّخت هذه الروح التسامحية مع الآخر من خلال القراءة وبعض الأصدقاء «المؤدلجين» فكرياً ضد كل فكرة تقسّم الناس على أساس غير طبقي!
حتى أيام قليلة كنت مرتاحاً إلى ما أنا عليه، حتى قرأت مقالاً لأحد الكتاب يصف فيه معاناة الشيعة، وما تعرّضوا له من ظلم في أحداث العنف التي حدثت مؤخراً في القطيف، بعد أن قرأت ذلك المقال الجميل المتضامن مع الذين تعرضوا للظلم، رفعت بصري قليلاً لأعرف كاتب المقال، فكان الكاتب شيعياً، تمنيت حينها في نفسي لو أنه كان سنياً، لحظتها فقط أدركت أنني لم أتخلص تماماً من تعصبي المذهبي، أو أن هذا التعصب تسلّل إلى قلبي مؤخراً بغفلة مني، لا أعلم… إلا أنني سخطت على نفسي كثيراً، إذ ما الفرق أن يكون الكاتب شيعياً أو سنياً، المهم الحقيقة الموجعة في المقال لا صاحبه، حاولت التبرير حياء من ذاتي، فقلت إن القصد لو أن الكاتب سنّي لربما عكس ذلك صورة للتلاحم بين أبناء الوطن، بينما أنا أعرف أن ذلك ليس المقصود، وإنما كان القصد لو أن الكاتب سنّي لأعطى مصداقية أكثر، فقط لأن ذلك المقال يتحدث عن ظلم للشيعة… تصوروا!
حتى لو فرضنا أن كاتب المقال شيعي متعصب، فلا يجب أن ننكر الحقيقة عقاباً لتعصبه، فهذا يعني أننا نرفض التعصب بتعصب مضاد!
قرأت المقال بعين مذهبية لا بعين إنسانية، ما أقبحني تلك اللحظة… وما أقبح التعصب مهما صغر، فهو يحرف القلوب عن رؤية الحقيقة.
http://aljarida.com/2012/01/19/12425156/
http://aljarida.com/wp-content/themes/aljaridaonlineNew/timthumb.php?src=http://aljarida.com/wp-content/uploads/2012/01/18/12425156/mousfer.jpg&h=150&w=110&zc=1&a=t
نشر في 19, January 2012
أزعم أنني نشأت في بيت لم تكن العنصرية بمختلف مذاقاتها الطبق المفضّل على مائدة طعامه، بيت بسيط جداً إلا أنه يسع الناس جميعاً لو قدّر لهم العيش فيه لرحابة صدور من يقطنونه، يدير هذا البيت «أبو فهد» أو «أبو شنب»، كما يحلو لأصدقائه أن يدعوه لطول شواربه.
في كل ليلة بعد صلاة العشاء يلتقي الرجال في مجلس «أبو شنب»، بعضهم من الجيران والمعارف، ورجال آخرون من القبيلة ممن يأتون من السعودية بحثاً عن عمل في الكويت، ويقيمون في البيت لزمن يمتد أحياناً لأشهر طويلة إلى أن تتيسر أمورهم في عمل ما، كما كان ممن «يتعلّلون» في هذا المجلس بشكل شبه مستمر «عم عبّاس» الجزار الوحيد في حيّنا، وهو إيراني، و»عم أبو فتحي» صاحب البقالة، وهو فلسطيني يقيم مع عائلته في ملحق مستأجر عند «العم أبو جزاع»، في هذا المجلس كانت الأحاديث والنقاشات تتناول كل شيء تقريبا من فلسطين إلى حياتهم اليومية البسيطة ومناكفاتهم الظريفة ضد بعض، الكل في ذلك المجلس على اختلاف مذاهبهم وأصولهم ومهنهم وجنسياتهم سواسية، والكل صاحب مكان.
الأحياء التي نشأت فيها أيضاً لم تكن بعيدة عن مثل هذه الروح، في أحد هذه الأحياء التي سكنتها صغيراً كان جارنا على اليمين من قبائل البادية، وجارنا من الجهة الأخرى من أصول إيرانية حتى أن الأب والأم كانا يتحدثان العربية بلحن أعجمي، وكانت أبواب البيوت جميعها مشرّعة للكل، بل انني أتذكر أن المسيرات في شوارع الحي أيام عاشوراء كانت ضمن المشاهد الطبيعية التي تتكرر سنوياً.
هذا ما نشأت عليه صغيراً، وعندما كبرت ترسّخت هذه الروح التسامحية مع الآخر من خلال القراءة وبعض الأصدقاء «المؤدلجين» فكرياً ضد كل فكرة تقسّم الناس على أساس غير طبقي!
حتى أيام قليلة كنت مرتاحاً إلى ما أنا عليه، حتى قرأت مقالاً لأحد الكتاب يصف فيه معاناة الشيعة، وما تعرّضوا له من ظلم في أحداث العنف التي حدثت مؤخراً في القطيف، بعد أن قرأت ذلك المقال الجميل المتضامن مع الذين تعرضوا للظلم، رفعت بصري قليلاً لأعرف كاتب المقال، فكان الكاتب شيعياً، تمنيت حينها في نفسي لو أنه كان سنياً، لحظتها فقط أدركت أنني لم أتخلص تماماً من تعصبي المذهبي، أو أن هذا التعصب تسلّل إلى قلبي مؤخراً بغفلة مني، لا أعلم… إلا أنني سخطت على نفسي كثيراً، إذ ما الفرق أن يكون الكاتب شيعياً أو سنياً، المهم الحقيقة الموجعة في المقال لا صاحبه، حاولت التبرير حياء من ذاتي، فقلت إن القصد لو أن الكاتب سنّي لربما عكس ذلك صورة للتلاحم بين أبناء الوطن، بينما أنا أعرف أن ذلك ليس المقصود، وإنما كان القصد لو أن الكاتب سنّي لأعطى مصداقية أكثر، فقط لأن ذلك المقال يتحدث عن ظلم للشيعة… تصوروا!
حتى لو فرضنا أن كاتب المقال شيعي متعصب، فلا يجب أن ننكر الحقيقة عقاباً لتعصبه، فهذا يعني أننا نرفض التعصب بتعصب مضاد!
قرأت المقال بعين مذهبية لا بعين إنسانية، ما أقبحني تلك اللحظة… وما أقبح التعصب مهما صغر، فهو يحرف القلوب عن رؤية الحقيقة.
http://aljarida.com/2012/01/19/12425156/