المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نجوم الخطاب الديني



سمير
12-10-2004, 11:42 AM
آمال موسى*
* كاتبة وأديبة تونسية

من دون أي مجازفة، يمكننا أن نلاحظ أن معظم القنوات الفضائية العربية اليوم، تعيش حالة تنافس شديدة حول تقديم مادة دينية بإمضاء نجم من نجوم الخطاب الديني الحالي. وقد أضحى الكل تقريبا متأكدا من أن إدراج برامج دينية لا يمثل بالضرورة تعبيرا عن قناعات أصحاب الفضائيات، بقدر ما هي مسألة مشاهدة أو عدم مشاهدة، أي جلب المشاهد أو خسارته.
لذلك، فإن التنافس يظهر على أشده بين القنوات الخاصة، أكثر بكثير من التلفزيونات التابعة والناطقة باسم الدول العربية، إذ أن صاحب رأس المال معني بتحقيق أكبر نسبة من المشاهدين.

وكي تصبح القناة مشروعا مربحا، لابد من الاستجابة لحاجيات المشاهدين، ومنها وضمن الأوليات المؤكدة المادة الدينية، وإبرام العقود مع شخصيات خاضت تجربة الإعلام الديني تلفزيونيا، فنجحت وتحولت إلى نجوم ومشاهير.

إذا هناك معطى جديد، يسترعي الاهتمام، وهو أن البرنامج الديني يحقق ذروة المشاهدة سواء في الفضائيات الدينية الصرفة، أو في الفضائيات ذات المضمون الإعلامي المتنوع.
فما هي مواصفات نجوم الخطاب الديني، وما هي أهميّة ما يقدّم في هذه البرامج ذات الإقبال الهائل وهل تلعب الدور المنتظر منها؟

في الحقيقة إن السمات الغالبة على نجوم البرامج الدينية ذات طابع إيجابي. ومن أهمّ صفاتهم امتلاكهم تكوينا علميا دينيا يجعلهم إلى صفة عالم الدين أقرب من أي صفة أخرى. ويمتازون بالمرونة وبتغليب اليسر على العسر في مقارباتهم، وذلك قصد الترغيب في الدين. ومن مهارات هؤلاء النجوم، التمكن من أساليب التأثير في المتلقي، إذ تتوفر فيهم صفات الكاريزما الدينية المتأتية أساسا من بلاغتهم، وقدرتهم اللافتة على الإقناع والتأثير والهيمنة، إضافة إلى أن بعضا منهم، يظهر أنه لديهم علاقة بالدين يغلب عليها التصوف.

وبالنظر إلى كل هذه المناقب، فإن المنتظر من هؤلاء كثير، وفي حجم ما نعانيه من خيبات ومن انحرافات ومن انكسارات، ينبع معظمها من البنية الثقافية والاجتماعية للذات العربية والمسلمة.
فسوسيولوجياً، نجد أن مفهوم الدور يجد ضالته عند هؤلاء، إذ أنهم أصحاب دور خطير ودقيق وحساس. ومن الخسارة الكبرى أن يلعب الدور بعيدا عن شبكة المرمى.

وبالتمعن في خصائص الخطاب الديني الذي تقدمه نجوم دينية لامعة، نستخلص جملة من الاستنتاجات. أولها عدم خضوع ذلك الخطاب الديني إلى خطة واستراتيجيات، تضبط حاجات المجتمعات الإسلامية في الوقت الراهن. ونعتقد أن أي مادة، ومهما كان نوعها، من المفروض أن يحدد جدواها، وأن ترسم لها خطة محكمة ذات خلفيات وطموحات وأهداف مطلوبة ومرادة التحقيق.

ذلك أن غياب «بيداغوجية» دينية، تقوم على رؤية مفكر فيها جيدا، سيؤثر سلبا على مردود هذه البرامج، بل أنها أحيانا قد تصيب أهدافا لا تخدم مجتمعاتنا في شيء.
ومن خلال متابعة مستفيضة لهذه البرامج للتمكن من خوض الموضوع بموضوعية، تبين لي أن الخط العام لمعظم البرامج تطغى عليه النزعة القدرية، وتغييب فعل الإنسان في الحياة وحصره في التلقي السلبي. وأظن أن طمس إرادة الإنسان وتكريس صورة من لا حول له ولا قوة، ليسا بالمطلب الحيوي، لاسيما أن وضع المجتمعات العربية وما تعانيه من استعمار متعدد الوجوه، إضافة إلى مظاهر العجز والسلبية والتقاعس عن الفعل الخلاق، سيزيد في قتل إرادة الكائن العربي، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى خطاب يركز على فعل الذات، وقدرتها على التجاوز وعلى البناء وعلى الترميم، وعلى الاستئناف من جديد مهما كان الفشل كثير الأصفار.

فمن المهم جدا التوفق في اختيار الموضوع المناسب للظرف الآني، والابتعاد عن التعامل العام مع الأفكار الدينية، بدون وضعها في سياقها الداخلي، أو في سياق التلقي وشروطه الحاصلة. ومعنى ذلك أنه لكي نحقق الجدوى ويقوم الفاعل الديني بدوره بأكثر ما يمكن من ذكاء وتكتيك اعلامي ناجح، نرى أنه من الضروري اعتماد طريقة انتقائية للأفكار ذات الحاجة الملحة أكثر من غيرها. ذلك أن ديننا غني جدا بتمجيد العقل، وبيان قيمته ومسؤوليته فيما يصدر عن الذات من أفعال. كما لا يخلو من مظاهر حب الحياة، وتقديس النفس البشرية ونبذ فكرة الانتحار واليأس وانتهاك حرمة الجسد.

والمقصود بتوخي طريقة الانتقاء أيضا، الانتباه إلى اختلاف مستويات التلقي من السطحي إلى التلقي العميق. وقد يذهب بعض المتلقين للرسالة الدينية، إلى ظاهر الفكرة دون مقاصدها الباطنية. من هنا وجب الحذر في الدعوة لبعض الأفكار، من خلال التمييز بين معناها المباشر ومعناها الباطني.

إن الربط بين حاجياتنا من الأفكار الإسلامية في الوقت الحالي، وبين مضمون المادة الدينية التي تقدم ويشاهدها الملايين، يمثل التعاطي الأمثل مع ديننا والسبيل الأكثر فائدة وجدوى، إذا ما أراد نجوم الخطاب الديني في الفضائيات، أن يلعبوا الدور الفعال الذي يمس من جهة البعد التربوي التثقيفي، الديني للفرد المسلم، ومن جهة أخرى، يعيد تشكيل الذات المسلمة ونقدها بناء على مراجعة تستند إلى الأفكار الإسلامية الدافعة إلى الأمام، والتي تدعو إلى إعمال العقل، والحال أن الله عز وجل جعل الإنسان خليفته في الأرض وميزه بالعقل، كي يفكر ويختار ويميز ويتحمل مسؤوليته في الدنيا وفي الآخرة.