المهدى
12-09-2004, 09:30 AM
كتابات - شباب آل محمد
خاص بـ كتابات
المقدمة
يتحدث كثير من الكتاب الشيعة عن المرجعية الشيعية ،و قد تصاعدت وتيرة هذا الحديث بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ،وما تبعها من استحقاقات كثيرة و معقدة ، على أن اغلب هذه الكتابات ذات طابع مناقبي ، تتصل بقضايا السلوك و المنزلة العلمية ومداخلات الأنساب و الأحساب ، و قليلاً ما نلتقي بالتحليل التاريخي لظاهرة المرجعية ، و علاقتها بالزمن ككائن حي متحرك ، وهو أمر يحتل موقعاً مركزياً من مهمة النهوض بالطائفة من جميع الجهات ، و تزداد هذه الضرورة إلحاحاَ في هذا الزمن الصعب ، حيث كثيراً ما يتوقف الاختيار الناضج على استيعاب التاريخ وملابساته ، فضلاً عن الإحاطة الواعية بثقافة العصر الذي راح يتفجر بالوقائع و الأحداث ، حتى بات من الصعب ان نقول ان هناك تاريخاً ، و قد استدعي هذا الطوفان خوفاً و قلقاً على ضياع الهوية ، مهما كان جوهرها و حقيقتها .
إن أقصى ما نسمعه ونقرأه في هذا المجال ، مما يصب في المحاولات الجادة ، لا يتعدى وصف المرجعية من منظور الحاجة الشرعية ،
في سياق من العمومية ، مع بعض ا لإشارات الى الدور المرجعي في بعض مفاصل التاريخ المعاصر ، وهذا يعود الى افتقاد النظرة الموضوعية الدقيقة في التعامل مع المرجعية ، وبالتالي افتقاد آليات التحليل التي تتناسب مع طبيعة الظاهرة و فلسفتها ومهماتها ، ان كل ظاهرة كائن ، له مقوماته ، وأي عملية تحليل ودراسة للظاهرة تتعين إلى حد كبير ، في ضوء الجدل الحاصل بين الظاهرة ككل و الواقع الخارجي ، كذلك على هدي علاقات المكونات الداخلية ، هذه العلاقات التي يؤدي إغفالها الى نظرة ساذجة مبتسرة ، تغري بمزيد من الرخاوة في التواصل مع أي بنية في هذا الوجود ، ومن ثم باسترشاد الوظيفة المرتقبة الوظيفة القائمة.، وللأسف الشديد لم نصادف دراسة للمرجعية في هذه السعة و الشمولية و العمق ، وهي حاجة ترتبط بعمق الوجود الشيعي ، فكراً و غاية و كياناً ، ونحن ـ شباب آل محمد في شمال أُوربا نتطلع إلى هذه الدراسة الجادة على طريق الكيانية الشيعية العالمية ـ .ولكن افتقاد هذه الإنجاز على أرض الواقع ، لا يمنع من بعض الإسهامات البسيطة المتواضعة ، التي من شأنها تسليط الضوء على جملة من إشكاليات هذه القضية المصيرية .
قوام الوجود :
المرجعية بالنسبة لنا ليست حاجة ، وذلك مهما وصفت بالضرورة ، ان هذا التقييم يتجاهل نقطة جوهرية ، ان المرجعية قوام الشيعة فكرياً و روحياً ، الشيعة كفكر ووجود ومصير وتاريخ وحياة ترتبط ـ شئنا أم أبينا ـ بالمرجعية ، فهي المسؤولة عن تصميم التكوين الذاتي للمسلم الشيعي ، تبعاً لتحديدها أحكام ا لله وبيان الموقف المطلوب إزاءها ، وهي التي تحدد لنا معالم الطريق التي بموجبها نبرئ الذمة ، و بذلك تشكل منبعاً من منابع الاطمئنان الديني ، و المسلم الشيعي ينظر الى المرجع قدوة في السلوك و التصرف و الممارسة ، في شؤون الدين و الدنيا ، مثله الأعلى على امتداد الأئمة من أهل البيت ، و المرجع سلوة المسلم الشيعي في مواجهة الفراغ الكبير الذي تركه غياب القيادة المعصومة ، فالمرجع في نظر هذا ا لمسلم انعكاس للقيادة المذكورة ، الأمر الذي يخفف من وطأه هذا الغياب القاسي ، ان هذه الشعور متغلغل في الضمير الشيعي من دون ان يشعر ، ترسب في أعماقه عبر جدل تاريخي وفكري طويل ، يمارس دوره في الخفاء الى مديات كبيرة ، و المرجعية قيادة فكرية و سياسية اكتسبت شرعيتها من تراث عقائدي متين ، و تعززت بمرور الزمن ، وذلك بسبب ما مرت به هذه الطائفة من حالات اضطهاد و حرمان و تشريد ، و بسب الموقع النيابي للمرجعية عن الأئمة الأطهار … هذه القيادة ليس لها بديل أو نظير ، تجاذبت كل أسبابها الشرعية و الزمنية و الموضعية عبر تاريخ طويل ، ولقد تصدت طوال عقود من الزمن لاداء دورها ، تصيب تارة و تخطئ ، تنجح مرة و تخفق ، كأي قيادة بشرية ، و طالما تنتج نماذج متميزة ، تنتقل بها الى آفاق رحبة من إنتاج الفكر ، و تحديد المهمات ، وخلق الآليات ، و تشخيص الأدوار ، وربما تشهد نماذج من نوع آخر ، تجمد على القديم ، ولا تجرؤ على الجديد ، تنزوي بعيداً ، و تفكر بان اقتحام الزمن يشكل مخاطرة غير محسوبة ، و ربما تفرز نماذج من نوع ثالث ، تخضع لتطورات الزمن بحذر ، تنظر الى الماضي كي تستمد منه الثقة في مواجهة المستحدث ، و تمضي خطوات وئيدة لتخفيف ضغوط الزحف القادم بقوة وشراسة ، و انطلاقاً من كل هذه المقتربات ، تكون المرجعية مادة للنقد و التقويم والتقييم ، شريطة الالتزام بالقواعد الأخلاقية وا لموضوعية ومن أهمها ان يكون النقد في المجالات التي تتصل بوظيفة المرجعية حقاًَ ، ومهما يكن ، نستطيع ان نقول :لا بديل عن المرجعية ، لأنه لا مندوحة من الحكم الشرعي ، و لا بد من قيادة نابعة من طبيعة التركيبة الشيعية عقيدة و تاريخاً ، و بالتوازي مع هذه المعادلة ، يتقرر مصير الشيعة بالمرجعية قبل أي عنصر من عناصر الوجود الشيعي ، سواء كان هذا العنصر حزباً او تاجراً او مثقفاً ، فالمرجعية عقل الشيعة و التشيع و الروح التي تسري في أوصال هذا الجسم ، و الدم الذي يغذي خلاياه و عظامه و أعصابه ، وليس سراً ، ان أي مشروع نهضوي يهدف للارتفاع بالوجود الشيعي ، على الصعيد الثقافي او السياسي او الاقتصادي ، يتلكأ و يتعثر ، و قد يخفق الى الأبد إذا لم ينل مباركة المرجعية ، و لو بكلمة بسيطة أو إشارة عابرة ،و التجارب أثبتت ذلك بلغة الواقع الحي ، ومن هنا تتأكد الحاجة اكثر الى النقد ، فأن مشروعاً بهذه الضخامة ينبغي ان يخضع للعملية النقدية باستمرار ، النقد يمارس دوره في المجالات التي تؤسس التاريخ اكثر من أي مجال آخر ، النقد عملية تنقيح للمسؤولية ، إنقاذ للتاريخ ، وننقد المرجعية يساوي إنقاذ الشيعة بكل مفرداتها المادية و المعنوية ، و إذا كنا قد اشترطنا الخلق والموضوعية اللذين من شأنهما صب النقد في إطار التحديد الصحيح للمشكلة ، فان التوسل بالآليات المناسبة شرط علمي ثالث .
إن الشيعة اليوم يتطلعون الى المرجعية أكثر من أي وقت مضى ، يتطلعون إليها كمنقذ من المخاطر التي تهدد هذا الوجود في الصميم و الجوهر ، بل تهدد المرجعية ذاتها ، وما قيمة الكيان المرجعي ، مهما بلغ من ضخامة و ألق فكري و شخصي إذا كان الشيعة يعانون من الفقر و الظلم و التمزق و التناحر ؟ ما قيمة هذا الكيان مهما أبدع في علومه و فنونه و الوهابية تنخر في قاعدته البشرية ؟ و المعلومات تشير الى أن سرطان الوهابية بدأ ينفذ سمومه في معاقل ا لوجود الشيعي ، و يرتكب خطأً منهجياً من يعتقد إنها مجرد موجة عابرة ، و ليس من شك ان بعض دوافع هذا التعليل هو العجز عن مواجهة المشكلة ، أو هي محاولة للهروب من تبعة المسؤولية التي أصبحت جادة ، لا ترحم و لا تسامح .
خطر التغريب
نحن نعتقد إن لكل مساحة شيعية مشكلتها الخاصة في درجة ملحوظة بل بارزة ، ويمكن تشخيصها بسهولة ، و هذا ما فصلنا به القول في الحلقة السابقة ، و لكن هناك مشكلة أعمق و أخطر ، إذا استفحلت سوف تأكل الأخضر واليابس ، تلتهم الهوية وتدمر الذات و تنسي التاريخ ، و نعني بها قضية التغريب ، و هي قضية قد رصد لها امكانات ضخمة ، على صعيد الفكر و المال و الإعلام و المؤسسات ، إننا لا نواجه محاولة تغريب عفوية ، لا نواجه عملية تغريب آلية ، بل هناك تخطيط شمولي يهدف الى تغيير العقلية من الأساس ، إحداث انقلاب جذري في الذات ، تحويل الرؤية تماماَ ، و قد بدأت بوادر هذا التخطيط تلوح في الأُفق ، و نحن لا نشير هنا الى نتف من الفكر الغربي في مجال اللغة و علوم النفس و الاجتماع ، تهب بين آونة وأُخرى على ثقافتنا و فكرنا ، بل نشير الى هذا الانفعال العام بالغرب ، دون مراجعة ، و لعل من معالم هذا البلاء ان تخضع عقلنة الدين الى مناهج البنيوية و القطيعة و النص المنفي ، وغيرها من آليات التحليل الغربي لقضايا الإنسان و المجتمع ، ان هذه المنهجية تجد لها صدى جميلاً و محبباً في عقول شبابنا و مفكرينا ، وهي ذات سمة حركية تغري بتوليد الفكر و تنشيط العقل ، تنسجم مع التحولات الهائلة التي يمر بها المجتمع العالمي ، و ربما تتحول الى أَدوات لمحاكمة قواعد التفكير التي درجت عليها مجامعنا العلمية ، وبكل صراحة ، متبنياتنا في التفسير و التحقيق و الاستنباط في الفقه و الحديث و التاريخ وكل مجالاتنا المعرفية ، لا نقول ان هذه المناهج صحيحة ، و لكن لا بد من موقف علمي قوي و رصين في التعامل معها ، ولا بد من استحداث آليات جديدة في عقلنة حياتنا الدينية بالشكل الذي يستوعب هذا التغير الهائل ، الذي راح يهز مملكة اليقين في كل شيء ، و هذه مهمة المرجعية في الدرجة الأُولى ، ونعتقد أن بداية الطريق هو ان تتواصل المرجعية مع ذوي الاختصاص من خريجي الجامعات الغربية للتعاون الفعلي و الجاد في هذا الخصوص ، ان هذه الشريحة من الجسم الشيعي مهملة ، و لم تلتفت إليها المرجعية كطاقة جبارة خلاقة ، و قد جاء دورها اليوم في مواجهة خطر التغريب ، لقد تصدى بعض هؤلاء لهذه المشكلة و قدموا جهداً لا بأس به ، خاصة بعض المفكرين في المغرب العربي ، و لكن نحن على ثقة ان المرجعية الدينية الشيعية إذا شمرت عن ساعدها بحماس و تخطيط سوف تقدم ما هو أعمق وأثري ، إن مواجهة التغريب تحتاج إلى رؤية شاملة تتناول القضية بالتفصيل ، و ليست المسألة فتوى على سؤال او تحذير أخلاقي وعظي ، إن التغريب مدرسة تمتلك أدوات معرفية خطرة تحفر في المعرفة بعيداً ، و تستطيع أن تقلب المفاهيم والموروث و المقدس ، تستعين برصيد هائل من المذخور المعرفي في مجال علوم النفس و الاجتماع ، ومما يذكر هنا ان الفكر الغربي الحالي مشغول بتوسيع التجربة لجعلها صاحبة القرار الأخير في كل مجالات المعرفة ، بما في ذلك مصدر المعرفة الذي هو من متبقيات الفكر الفلسفي .
ان المرجعية باعتبارها القيادة الروحية للمسلمين تتحمل العبء الأكبر و الأصعب في إنقاذ المجتمع المسلم من هذا الخطر العالمي ، و كما قلنا إن أهل الاختصاص مرتكز الجهد المطلوب .
الغزو الوهابي
و إذا كانت إشكالية التغريب تخص العقل المسلم بصرف النظر عن أي انتماء مذهبي أو قومي ، فإن الغزو الوهابي من القضايا التي تخصنا كشيعة في الصميم ، و من الملاحظ حقاً ، إن العمل الوهابي في الوسط الشيعي كان عابراً أو بسيطاً الى حد ملموس ، أما الآن فهو عمل منظم بدقة ، ونتصور إن هذه النقلة في أسلوب العمل ، إنما جاءت في ضوء تشخيص دقيق للواقع الشيعي في العالم ، إن الوهابية وجدت فرصتها الذهبية في حالات التمزق التي يعاني منها الجسم الشيعي ، إن هذا التمزق يساعد موضوعياً على إحلال البديل المضاد ، ان العمل الوهابي في الوسط الشيعي يعتمد على ستراتيجية منظمة ، ولم يعد مجرد شكوك مثارة أو أسئلة مطروحة أو قرأن يهدى … هذه الاستراتيجية مشتقة من وضع الشيعة بالذات ، فإن الاخفاقات التي مني بها الجسم الشيعي هي مادة هذه الاستراتيجية ، هذه الاخفاقات التي تمثلت بوضوح في مصاديق صارخة ، قد يوحي النظر ـ صواباً أو خطأً ، قصداً أو سهواً ـ بأنها دليل على العجز العقائدي و التردي الفكري ، و لعل من أبرز هذه الاخفاقات ما نراه من صراع مدمر داخل هذا الجسم ، وهو صراع حاد تجاوز في كثير من الأحيان لياقات
الحوار ، ولم يضع في الحساب مصلحة الشيعة و التشيع ، و لعل منها تعثر المشروع السياسي المتمثل بالدولة الأمل ، فان هذه الاخفاقات و غيرها تحدث ثقوباً و مساحات فارغة و نتوءات في عمق الجسم ، مما يغري بالتسلل الى هذا العمق
نجح الوهابيون في اختراق قلاع الوجود الشيعي ، فهم متواجدون حتى في النجف و كربلاء و قم ، ونحن نحذر من استصغار الخطر الذي طالما ابتلى به الشيعة طوال تاريخهم ، و الغريب إننا لم نتعلم من أخطاءنا رغم أنها باهضة الثمن ، حيث كلفتنا كثيراً .
ان مواجهة الغزو الوهابي باتت مهمة جوهرية ، وهي الأُخرى في حاجة الى تخطيط شامل تشترك في إعداده كل ا لطاقات الشيعية ، بصرف النظر عن كل خلاف مرجعي أو حزبي أو قومي أو سياسي ، لان المصير المجهول يسحق الجميع ، لا يعرف تمييزاً او استثناءً ، يهدد العقيدة ويفتك بالهوية الدينية بلا رحمة ، ويبدو ان الوهابية مصممة على الغزو
وفق خطة مبرمجة ، تعتمد على المراجعة و التقويم المستمر ، إنه عمل تبشيري ، يتعدى توزيع الكتب و الأشرطة و المحاضرات ، بل هو تبني ، يقوم على الرعاية الفكرية و المعاشية و السياسية ، و لهذا كثيراً ما يركزون على السادة من آل محمد ، و يركزون على المدن المقدسة ، و في خدمة الدعوة الهدامة متفانون ، مخلصون للوهابية بالذات ، الأمر الذي يفعل من وتيرة العمل ، انها دعوة ، وليست مجرد نداء او حوار ، دعوة متبناة ، و الأخبار تفيد ان النظام في العراق وغيره يساند الجهود المبذولة في هذا الطريق ، لغايات لم تعد مجهولة للواعيين ، ومرة أُخرى نحذر من الاستخفاف بالأمر ، هذا الاستخفاف الذي يعد من مميزات العقلية الشيعية في التعامل مع الحوادث و الوقائع ، بما فيها الأزمات ، لقد استصغرنا الخطر الصدامي و تعاملنا معه بتعالي ، و كنا نقول ان المرجعية موجودة ، و ان المساجد عامرة ، وان العشائر حاضرة ، وإن المنبر الحسيني قائم ، و النظام كان مرتاحاً لهذا التقدير المغلوط ، و قد استثمره بمهارة وفن ، وكلنا يعرف النتيجة التي آل اليه المصير .
ان التصدي للغزو الوهابي اصبح مهمة تدخل في نطاق الأولويات ، فيما نحن في غفلة ، و قد نعي سعة الخطر و آفاقه المخيفة ، ولكن لا نحرك ساكناً ، اللهم إلا في حدود جهود تكاد ان تكون مخجلة ، ومرة أُخرى نقول ان العمل المخطط لا يضارعه إلا عمل مخطط ، و نعتقد ان مواجهة هذا الغزو لا يحتاج الى الجهد الفكري المركز فقط ، بل إضافة الى ذلك الى تخطيط إعلامي مدروس ، يضع تفاصيله أهل الاختصاص من أبنائنا المثقفين ، المطلعين على الفكر ا لوهابي تاريخاً و مضموناً ، فالمرجعية مدعوة الى عقد ندوات ومؤتمرات عمل لهذه الغاية .
ان مواجهة هذا الخطر جزء لا يتجزأ من مفهوم المرجعية ، لأنها داخلة في إطار الإنذار الذي أناط القرآن مهمته على عاتق المرجعية ، انها الملاذ من الوقوع في الشبهات الفكرية والدينية ، وعدم التصدي للغزو الوهابي و غيره إنما يعني التخلي عن الأمة ، وتركها عرضة للأهواء و المطبات ، و إلا ما قيمة البحوث و الدراسات الفقهية و الأصولية و القرآنية و الجسد الشيعية يعاني من النخر الوهابي ؟ أين موقع هذا العلم من هذه المعركة الشرسة ؟
ترميم النسيج الممزق
المهمة الثالثة التي تنتظر المرجعية هي ترميم النسيج الممزق ، النسيج الشيعي يفتقد تماماً الى النظم الذي من شأنه ضبط العلاقة بين مفرداته و مكوناته الداخلية ، بل العكس هو الصحيح ، حيث تتحكم في هذا الوجود سمات التنافر و قوانين التناحر ، و بالتالي ، فإن هذا الجسم خاضع لسنة التآكل من الداخل ، ان الشيعة هي الكيان العقائدي / البشري الوحيد الذي يمتلك كل أعضاء الجسم الكامل ، الذي من شأنه ان يتحرك بقوة و فاعلية قي مجرى التاريخ ، ولكن للأسف الشديد إن هذه الأعضاء بدل أن تتكامل تتآكل ، ان الصراع الشيعي / الشيعي نذير شؤم ، انه مقدمة شر مستطير ، خاصة وان الصراع دخل أطواراً غير منطقية ، و ذلك من تشهير وهتك وتكفير و تشكيك ، فالكيان في طريقة الى التفتت و التمزق ، انه كيان عليل ، و علته من داخله ، و هذا الصراع يتسم بالشمولية ، فهو بين المراجع والحواشي و الأحزاب و الجمعيات و المساجد و خطباء المنبر الحسيني و الحوزات العلمية ، و قد لوحظ في الأيام الأخيرة ان الصراع أخذ يتفاقم على صعيد الوسائل ، و قد صرفت أموال طائلة ، و أُهدرت طاقات هائلة ، و أُهدر زمن ثمين ، في هذا الصراع المؤسف .
ان المرجعية مدعوة الى طرح بيان شرف ، و من ثم برنامج عمل من أجل المصالحة الشيعية / الشيعية ، و في الواقع مهما اختلفت التصورات حول الأولويات ، و مهما تباعدت الرؤى في بعض المسائل العقائدية ، يبقى التفاهم على خطوط عمل عامة قائم وممكن ، و لكن شريطة ان تتوفر النوايا الحسنة ، ولا نعتقد أن يهود إسرائيل اقدر منا على تقدير هذه الحقيقة ، ومن ثم العمل وفق مقتضاها و منطقها ، ان ترميم هذا النسيج لا يتناقض مع تعدد الأولويات ، و لا يصطدم بتعدد الهموم ، بل الطائفة الناضجة هي التي تستفيد من هذا التعدد لخلق كيان متفاهم متفاعل ، يتبادل الخبرات و الأدوار في سياق نظرية عمل متطورة ، تتسم بالمرونة ، بل هنا تتجلى روعة التخطيط و التدبير و التوجيه .
ان المرجعية تمتلك كل المؤهلات التي تمكنها من إحداث هذه النقلة على صعيد التشكيل الداخلي للجسم الشيعي ، هي تملك المال و الرجال و القواعد الشعبية و الفكر ، فما الذي يعوزها ؟ وما الذي تفتقده ؟ وكلنا يعرف ان كلمة المرجعية في هذه القضية و قضايا أُخرى حاسمة أو شبه حاسمة ، تؤدي دورها بفاعلية وسرعة ، و لا نغالي إذا قلنا انها هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا المجال ، و لا يوجد أي مبرر للتأخر او التلكؤ ، بل مثل هذا الموقف يزيد من عملية التفكك و التشظي والتشتت .
لجنة إدارة الأزمات
العالم يتغير بسرعة غير معهودة ، يتغير تكنولوجياً و فكرياً و سياسياً ، وتيرة هذا التغير فلتت من زمام السيطرة و التحكم و التوجيه ، التغير هو الذي يملك زمام القيادة و التصميم و التقييم ، ولم يعد الثبات سيد الموقف ، ومن نتائج هذه التحولات المدهشة انعدام التاريخ ، و تزلزل الهوية ، وارتهان اليقين الى منطق النسبية ، والصراع السياسي بين القوى و الدول و الطوائف و الأديان تداخلَ و تمازجَ بشكل معقد ، كما ان الصراع الاقتصادي اتخذ أساليب معقدة …فالعالم يمر في فوضى ، الأمر الذي دعا الكثير من العلماء و الباحثين الى دراسة قوانين الفوضى!
ان هذه الفوضى الكونية تخلق الأزمات تلو الأزمات ، للإنسان و المجتمع و الدول و الطوائف و الأحزاب ، ومن الطبيعي أن تزدحم و تتعمق و تتكاثر هذه الأزمات في مجال الوجودات الحية الفاعلة و المنفعلة في العالم ، وفي ميدان النشاطات المتواصلة مع الآخر سلباً و ايجاباً بقوة و فاعلية ، ان مزيداً من التماس بالعالم يعني مزيداً من الأزمات … مزيداً من المواجهة الساخنة … مزيداَ من الجديد الذي يتطلب الموقف الجاد … ولأن الشيعة من المفردات الحية الصاخبة في الساحة الإنسانية بشكل عام ، فأنها معرضة لمزيد من الأزمات على كافة المستويات وعلى جميع الأصعدة ، إننا طائفة مأزومة شأنا أم أبينا ، العالم المشتعل من جهة وطبيعة حضورنا من جهة أُخرى ، يساهمان في خلق هذه المعادلة ، فهي طبيعية و موضوعية ، وهي من علامات التوقد الفكري و السياسي و الاجتماعي ، وعلى الإجمال هي من سمات التألق الحضاري ، ان الطائفة التي لا تعاني من أزمات في هذا العصر المتفجر تعتبر طائفة ميتة ، مفردة ملقاة على هامش التاريخ ، تتنفس أجواء القبور و الأقبية الرطبة ، خاملة ، ولكن النقطة الجوهرية هنا كيفية التعامل مع الأزمات كي نخرج ظافرين ، هذه هي المسألة التي ينبغي طرحها ومعالجتها ، إن التغيرات الهائلة تجابهنا و تفاجئنا باستمرار وعلى حين غرة ، هذه هي لغة العصر ، لا يعرف المقدمات ، منطقه السرعة و المفاجأة في كل شيء ، الفكر و السياسة و الاقتصاد و العلم والتربية و الأعلام و كل مجالات الحياة ، بلا استثناء ، على مستوى العالم و الأقاليم و الأوطان ، في كل جزء من أجزاء العالم ، إننا نعاني من أزمة قيادة ، و أزمة ثقة متبادلة ، و أزمة جواب عصري على أسئلة عقائدية ، و أزمة موقف إزاء الأنظمة و الحكومات ، و أزمة ضمير من بعضنا البعض ، وأزمة تشخيص الأولويات ، و أزمة المصير المجهول ، و أزمة ضياع في أُوربا ، و أزمة خوف من مستجدات الحياة و خاصة هذه الثورات العلمية الهائلة ، و أزمة جهل بالإنجازات الغربية الحديثة على صعيد اللغة و العلوم الإنسانية الأخرى و أزمة تنظير في التعامل مع الزمن ، و أزمة غربة بين المثقف و العالم الديني ، و أزمة تناقض طبقي ، و أزمة ثارات مؤجلة ، وكل أزمة من هذه الأزمات عبارة عن تحدي ـ مع الاعتذار لأن هناك من يفرق بين المصطلحين ـ وليس من شك ان بعض هذه التحديات تحتاج الى موقف سريع ، خاصة التحديات السياسية ، وهي من ابرز التحديات التي ابتلينا بها نحن الشيعة ، قديماً و حديثاً ، و عديم تقدير الموقف الصحيح من هذه التحديات سبّب لنا الكثير من المشاكل ، من دماء وحرمان و تشريد ، إن الشيعي لا يعرف موقفه من هذه التحديات ، يتسم بالاجتهاد الفردي ، أو يخضع فيه لتوجيه اديولوجي خارج انتمائه الديني و المذهبي ، و إذا كانت بعض المواقف قد تحددت أخيراً فهي على نحو عام ، و غالباً ما تتسم بلحاظ جغرافي معين ، بحيث كانت سبباً في إحراج شيعة آخرين ، بل سبباً في قتل شيعة آخرين ، انها جريمة في حق الشيعة و التشيع .
ان القضية برمتها تتطلب من المرجعية ان تؤسس لجنة أزمات دائمة تتشكل من علماء كبار، ومن هل الاختصاصات المتنوعة لدراسة كل أزمة طارئة ـ و نحن نركز هنا على الأزمات السياسية ـ و تشخيص الموقف المطلوب ، و لو و فق حدود عامة ، ان المرجعية إذا أقدمت على هذه الخطوة ستدخل في عمق التاريخ
لتصنعه من جديد على صعيد الكيان الذي تعهدت برعايته و حمايته .
ان هذا الإجراء ليس صعباً ، وكل مستلزماته موجودة ، ان خطوة بسيطة على هذا الطريق ستخلق مناخاً شيعياً حيوياً ، سينتج أفكارا و طموحات و تصورات من شأنها تحديد الأهداف ، و اكتشاف الموقع و تنقية الخلافات بدرجة معقولة و تشخيص الحاجات .
إننا لا نبالغ إذا قلنا إننا في حاجة إلى غرفة أزمات لمواجهة الفوضى العارمة ، و نعتقد لو أن مرجعاً واعياً يبادر لوضع لبنة بسيطة في هذا المشروع الحيوي ، سيعطي ثماره بسرعة قياسية ، بل سيلقى تأييداً شعبياً منقطع النظير ومن كل الشيعة ، و سوف تتحول اطروحاته إلى بيانات و أفكار جماهيرية ، تتناقلها الأوساط الشيعة وتناقشها و بجرأة و إصرار ، فالشيعة في الظروف العصيبة المستجدة ، و في ضوء هذه الحالة المتردية ، تنتظر الكلمة الحرة التي تضع الإصبع على الجرح ، وبكل صراحة ، إن هذه الكلمة لا تجد صداها المدوي الذي يستتبعه الأثر الكبير ، إلا إذا كانت كلمة مرجع .
الأزمة مفهوم زمني ، أي لها تاريخ ، ولكن هناك مصطلح آخر ، أو بالأحرى قضية أُخرى ، قد تكون أخطر ، أقصد بذلك الطوارئ ، أي ما يواجهنا من كوارث ، ترى ما هو موقفنا إذا تعرضت الدولة الأمل لانتكاسة كبيرة ؟ ما هو موقفنا لو أن النظام الصدامي قرر استئصال الحوزة العلمية كلياً ؟ ما هو موقفنا لو اتخذت طالبان قراراً حاسماً بتصفية شيعة الأفغان ؟ ما هو موقفنا إذا ثبت لنا أن نسبة عالية من أطفالنا في المهجر لا يحمل متبنيات المذهب ؟
كل هذه طوارئ محتملة .
خاص بـ كتابات
المقدمة
يتحدث كثير من الكتاب الشيعة عن المرجعية الشيعية ،و قد تصاعدت وتيرة هذا الحديث بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ،وما تبعها من استحقاقات كثيرة و معقدة ، على أن اغلب هذه الكتابات ذات طابع مناقبي ، تتصل بقضايا السلوك و المنزلة العلمية ومداخلات الأنساب و الأحساب ، و قليلاً ما نلتقي بالتحليل التاريخي لظاهرة المرجعية ، و علاقتها بالزمن ككائن حي متحرك ، وهو أمر يحتل موقعاً مركزياً من مهمة النهوض بالطائفة من جميع الجهات ، و تزداد هذه الضرورة إلحاحاَ في هذا الزمن الصعب ، حيث كثيراً ما يتوقف الاختيار الناضج على استيعاب التاريخ وملابساته ، فضلاً عن الإحاطة الواعية بثقافة العصر الذي راح يتفجر بالوقائع و الأحداث ، حتى بات من الصعب ان نقول ان هناك تاريخاً ، و قد استدعي هذا الطوفان خوفاً و قلقاً على ضياع الهوية ، مهما كان جوهرها و حقيقتها .
إن أقصى ما نسمعه ونقرأه في هذا المجال ، مما يصب في المحاولات الجادة ، لا يتعدى وصف المرجعية من منظور الحاجة الشرعية ،
في سياق من العمومية ، مع بعض ا لإشارات الى الدور المرجعي في بعض مفاصل التاريخ المعاصر ، وهذا يعود الى افتقاد النظرة الموضوعية الدقيقة في التعامل مع المرجعية ، وبالتالي افتقاد آليات التحليل التي تتناسب مع طبيعة الظاهرة و فلسفتها ومهماتها ، ان كل ظاهرة كائن ، له مقوماته ، وأي عملية تحليل ودراسة للظاهرة تتعين إلى حد كبير ، في ضوء الجدل الحاصل بين الظاهرة ككل و الواقع الخارجي ، كذلك على هدي علاقات المكونات الداخلية ، هذه العلاقات التي يؤدي إغفالها الى نظرة ساذجة مبتسرة ، تغري بمزيد من الرخاوة في التواصل مع أي بنية في هذا الوجود ، ومن ثم باسترشاد الوظيفة المرتقبة الوظيفة القائمة.، وللأسف الشديد لم نصادف دراسة للمرجعية في هذه السعة و الشمولية و العمق ، وهي حاجة ترتبط بعمق الوجود الشيعي ، فكراً و غاية و كياناً ، ونحن ـ شباب آل محمد في شمال أُوربا نتطلع إلى هذه الدراسة الجادة على طريق الكيانية الشيعية العالمية ـ .ولكن افتقاد هذه الإنجاز على أرض الواقع ، لا يمنع من بعض الإسهامات البسيطة المتواضعة ، التي من شأنها تسليط الضوء على جملة من إشكاليات هذه القضية المصيرية .
قوام الوجود :
المرجعية بالنسبة لنا ليست حاجة ، وذلك مهما وصفت بالضرورة ، ان هذا التقييم يتجاهل نقطة جوهرية ، ان المرجعية قوام الشيعة فكرياً و روحياً ، الشيعة كفكر ووجود ومصير وتاريخ وحياة ترتبط ـ شئنا أم أبينا ـ بالمرجعية ، فهي المسؤولة عن تصميم التكوين الذاتي للمسلم الشيعي ، تبعاً لتحديدها أحكام ا لله وبيان الموقف المطلوب إزاءها ، وهي التي تحدد لنا معالم الطريق التي بموجبها نبرئ الذمة ، و بذلك تشكل منبعاً من منابع الاطمئنان الديني ، و المسلم الشيعي ينظر الى المرجع قدوة في السلوك و التصرف و الممارسة ، في شؤون الدين و الدنيا ، مثله الأعلى على امتداد الأئمة من أهل البيت ، و المرجع سلوة المسلم الشيعي في مواجهة الفراغ الكبير الذي تركه غياب القيادة المعصومة ، فالمرجع في نظر هذا ا لمسلم انعكاس للقيادة المذكورة ، الأمر الذي يخفف من وطأه هذا الغياب القاسي ، ان هذه الشعور متغلغل في الضمير الشيعي من دون ان يشعر ، ترسب في أعماقه عبر جدل تاريخي وفكري طويل ، يمارس دوره في الخفاء الى مديات كبيرة ، و المرجعية قيادة فكرية و سياسية اكتسبت شرعيتها من تراث عقائدي متين ، و تعززت بمرور الزمن ، وذلك بسبب ما مرت به هذه الطائفة من حالات اضطهاد و حرمان و تشريد ، و بسب الموقع النيابي للمرجعية عن الأئمة الأطهار … هذه القيادة ليس لها بديل أو نظير ، تجاذبت كل أسبابها الشرعية و الزمنية و الموضعية عبر تاريخ طويل ، ولقد تصدت طوال عقود من الزمن لاداء دورها ، تصيب تارة و تخطئ ، تنجح مرة و تخفق ، كأي قيادة بشرية ، و طالما تنتج نماذج متميزة ، تنتقل بها الى آفاق رحبة من إنتاج الفكر ، و تحديد المهمات ، وخلق الآليات ، و تشخيص الأدوار ، وربما تشهد نماذج من نوع آخر ، تجمد على القديم ، ولا تجرؤ على الجديد ، تنزوي بعيداً ، و تفكر بان اقتحام الزمن يشكل مخاطرة غير محسوبة ، و ربما تفرز نماذج من نوع ثالث ، تخضع لتطورات الزمن بحذر ، تنظر الى الماضي كي تستمد منه الثقة في مواجهة المستحدث ، و تمضي خطوات وئيدة لتخفيف ضغوط الزحف القادم بقوة وشراسة ، و انطلاقاً من كل هذه المقتربات ، تكون المرجعية مادة للنقد و التقويم والتقييم ، شريطة الالتزام بالقواعد الأخلاقية وا لموضوعية ومن أهمها ان يكون النقد في المجالات التي تتصل بوظيفة المرجعية حقاًَ ، ومهما يكن ، نستطيع ان نقول :لا بديل عن المرجعية ، لأنه لا مندوحة من الحكم الشرعي ، و لا بد من قيادة نابعة من طبيعة التركيبة الشيعية عقيدة و تاريخاً ، و بالتوازي مع هذه المعادلة ، يتقرر مصير الشيعة بالمرجعية قبل أي عنصر من عناصر الوجود الشيعي ، سواء كان هذا العنصر حزباً او تاجراً او مثقفاً ، فالمرجعية عقل الشيعة و التشيع و الروح التي تسري في أوصال هذا الجسم ، و الدم الذي يغذي خلاياه و عظامه و أعصابه ، وليس سراً ، ان أي مشروع نهضوي يهدف للارتفاع بالوجود الشيعي ، على الصعيد الثقافي او السياسي او الاقتصادي ، يتلكأ و يتعثر ، و قد يخفق الى الأبد إذا لم ينل مباركة المرجعية ، و لو بكلمة بسيطة أو إشارة عابرة ،و التجارب أثبتت ذلك بلغة الواقع الحي ، ومن هنا تتأكد الحاجة اكثر الى النقد ، فأن مشروعاً بهذه الضخامة ينبغي ان يخضع للعملية النقدية باستمرار ، النقد يمارس دوره في المجالات التي تؤسس التاريخ اكثر من أي مجال آخر ، النقد عملية تنقيح للمسؤولية ، إنقاذ للتاريخ ، وننقد المرجعية يساوي إنقاذ الشيعة بكل مفرداتها المادية و المعنوية ، و إذا كنا قد اشترطنا الخلق والموضوعية اللذين من شأنهما صب النقد في إطار التحديد الصحيح للمشكلة ، فان التوسل بالآليات المناسبة شرط علمي ثالث .
إن الشيعة اليوم يتطلعون الى المرجعية أكثر من أي وقت مضى ، يتطلعون إليها كمنقذ من المخاطر التي تهدد هذا الوجود في الصميم و الجوهر ، بل تهدد المرجعية ذاتها ، وما قيمة الكيان المرجعي ، مهما بلغ من ضخامة و ألق فكري و شخصي إذا كان الشيعة يعانون من الفقر و الظلم و التمزق و التناحر ؟ ما قيمة هذا الكيان مهما أبدع في علومه و فنونه و الوهابية تنخر في قاعدته البشرية ؟ و المعلومات تشير الى أن سرطان الوهابية بدأ ينفذ سمومه في معاقل ا لوجود الشيعي ، و يرتكب خطأً منهجياً من يعتقد إنها مجرد موجة عابرة ، و ليس من شك ان بعض دوافع هذا التعليل هو العجز عن مواجهة المشكلة ، أو هي محاولة للهروب من تبعة المسؤولية التي أصبحت جادة ، لا ترحم و لا تسامح .
خطر التغريب
نحن نعتقد إن لكل مساحة شيعية مشكلتها الخاصة في درجة ملحوظة بل بارزة ، ويمكن تشخيصها بسهولة ، و هذا ما فصلنا به القول في الحلقة السابقة ، و لكن هناك مشكلة أعمق و أخطر ، إذا استفحلت سوف تأكل الأخضر واليابس ، تلتهم الهوية وتدمر الذات و تنسي التاريخ ، و نعني بها قضية التغريب ، و هي قضية قد رصد لها امكانات ضخمة ، على صعيد الفكر و المال و الإعلام و المؤسسات ، إننا لا نواجه محاولة تغريب عفوية ، لا نواجه عملية تغريب آلية ، بل هناك تخطيط شمولي يهدف الى تغيير العقلية من الأساس ، إحداث انقلاب جذري في الذات ، تحويل الرؤية تماماَ ، و قد بدأت بوادر هذا التخطيط تلوح في الأُفق ، و نحن لا نشير هنا الى نتف من الفكر الغربي في مجال اللغة و علوم النفس و الاجتماع ، تهب بين آونة وأُخرى على ثقافتنا و فكرنا ، بل نشير الى هذا الانفعال العام بالغرب ، دون مراجعة ، و لعل من معالم هذا البلاء ان تخضع عقلنة الدين الى مناهج البنيوية و القطيعة و النص المنفي ، وغيرها من آليات التحليل الغربي لقضايا الإنسان و المجتمع ، ان هذه المنهجية تجد لها صدى جميلاً و محبباً في عقول شبابنا و مفكرينا ، وهي ذات سمة حركية تغري بتوليد الفكر و تنشيط العقل ، تنسجم مع التحولات الهائلة التي يمر بها المجتمع العالمي ، و ربما تتحول الى أَدوات لمحاكمة قواعد التفكير التي درجت عليها مجامعنا العلمية ، وبكل صراحة ، متبنياتنا في التفسير و التحقيق و الاستنباط في الفقه و الحديث و التاريخ وكل مجالاتنا المعرفية ، لا نقول ان هذه المناهج صحيحة ، و لكن لا بد من موقف علمي قوي و رصين في التعامل معها ، ولا بد من استحداث آليات جديدة في عقلنة حياتنا الدينية بالشكل الذي يستوعب هذا التغير الهائل ، الذي راح يهز مملكة اليقين في كل شيء ، و هذه مهمة المرجعية في الدرجة الأُولى ، ونعتقد أن بداية الطريق هو ان تتواصل المرجعية مع ذوي الاختصاص من خريجي الجامعات الغربية للتعاون الفعلي و الجاد في هذا الخصوص ، ان هذه الشريحة من الجسم الشيعي مهملة ، و لم تلتفت إليها المرجعية كطاقة جبارة خلاقة ، و قد جاء دورها اليوم في مواجهة خطر التغريب ، لقد تصدى بعض هؤلاء لهذه المشكلة و قدموا جهداً لا بأس به ، خاصة بعض المفكرين في المغرب العربي ، و لكن نحن على ثقة ان المرجعية الدينية الشيعية إذا شمرت عن ساعدها بحماس و تخطيط سوف تقدم ما هو أعمق وأثري ، إن مواجهة التغريب تحتاج إلى رؤية شاملة تتناول القضية بالتفصيل ، و ليست المسألة فتوى على سؤال او تحذير أخلاقي وعظي ، إن التغريب مدرسة تمتلك أدوات معرفية خطرة تحفر في المعرفة بعيداً ، و تستطيع أن تقلب المفاهيم والموروث و المقدس ، تستعين برصيد هائل من المذخور المعرفي في مجال علوم النفس و الاجتماع ، ومما يذكر هنا ان الفكر الغربي الحالي مشغول بتوسيع التجربة لجعلها صاحبة القرار الأخير في كل مجالات المعرفة ، بما في ذلك مصدر المعرفة الذي هو من متبقيات الفكر الفلسفي .
ان المرجعية باعتبارها القيادة الروحية للمسلمين تتحمل العبء الأكبر و الأصعب في إنقاذ المجتمع المسلم من هذا الخطر العالمي ، و كما قلنا إن أهل الاختصاص مرتكز الجهد المطلوب .
الغزو الوهابي
و إذا كانت إشكالية التغريب تخص العقل المسلم بصرف النظر عن أي انتماء مذهبي أو قومي ، فإن الغزو الوهابي من القضايا التي تخصنا كشيعة في الصميم ، و من الملاحظ حقاً ، إن العمل الوهابي في الوسط الشيعي كان عابراً أو بسيطاً الى حد ملموس ، أما الآن فهو عمل منظم بدقة ، ونتصور إن هذه النقلة في أسلوب العمل ، إنما جاءت في ضوء تشخيص دقيق للواقع الشيعي في العالم ، إن الوهابية وجدت فرصتها الذهبية في حالات التمزق التي يعاني منها الجسم الشيعي ، إن هذا التمزق يساعد موضوعياً على إحلال البديل المضاد ، ان العمل الوهابي في الوسط الشيعي يعتمد على ستراتيجية منظمة ، ولم يعد مجرد شكوك مثارة أو أسئلة مطروحة أو قرأن يهدى … هذه الاستراتيجية مشتقة من وضع الشيعة بالذات ، فإن الاخفاقات التي مني بها الجسم الشيعي هي مادة هذه الاستراتيجية ، هذه الاخفاقات التي تمثلت بوضوح في مصاديق صارخة ، قد يوحي النظر ـ صواباً أو خطأً ، قصداً أو سهواً ـ بأنها دليل على العجز العقائدي و التردي الفكري ، و لعل من أبرز هذه الاخفاقات ما نراه من صراع مدمر داخل هذا الجسم ، وهو صراع حاد تجاوز في كثير من الأحيان لياقات
الحوار ، ولم يضع في الحساب مصلحة الشيعة و التشيع ، و لعل منها تعثر المشروع السياسي المتمثل بالدولة الأمل ، فان هذه الاخفاقات و غيرها تحدث ثقوباً و مساحات فارغة و نتوءات في عمق الجسم ، مما يغري بالتسلل الى هذا العمق
نجح الوهابيون في اختراق قلاع الوجود الشيعي ، فهم متواجدون حتى في النجف و كربلاء و قم ، ونحن نحذر من استصغار الخطر الذي طالما ابتلى به الشيعة طوال تاريخهم ، و الغريب إننا لم نتعلم من أخطاءنا رغم أنها باهضة الثمن ، حيث كلفتنا كثيراً .
ان مواجهة الغزو الوهابي باتت مهمة جوهرية ، وهي الأُخرى في حاجة الى تخطيط شامل تشترك في إعداده كل ا لطاقات الشيعية ، بصرف النظر عن كل خلاف مرجعي أو حزبي أو قومي أو سياسي ، لان المصير المجهول يسحق الجميع ، لا يعرف تمييزاً او استثناءً ، يهدد العقيدة ويفتك بالهوية الدينية بلا رحمة ، ويبدو ان الوهابية مصممة على الغزو
وفق خطة مبرمجة ، تعتمد على المراجعة و التقويم المستمر ، إنه عمل تبشيري ، يتعدى توزيع الكتب و الأشرطة و المحاضرات ، بل هو تبني ، يقوم على الرعاية الفكرية و المعاشية و السياسية ، و لهذا كثيراً ما يركزون على السادة من آل محمد ، و يركزون على المدن المقدسة ، و في خدمة الدعوة الهدامة متفانون ، مخلصون للوهابية بالذات ، الأمر الذي يفعل من وتيرة العمل ، انها دعوة ، وليست مجرد نداء او حوار ، دعوة متبناة ، و الأخبار تفيد ان النظام في العراق وغيره يساند الجهود المبذولة في هذا الطريق ، لغايات لم تعد مجهولة للواعيين ، ومرة أُخرى نحذر من الاستخفاف بالأمر ، هذا الاستخفاف الذي يعد من مميزات العقلية الشيعية في التعامل مع الحوادث و الوقائع ، بما فيها الأزمات ، لقد استصغرنا الخطر الصدامي و تعاملنا معه بتعالي ، و كنا نقول ان المرجعية موجودة ، و ان المساجد عامرة ، وان العشائر حاضرة ، وإن المنبر الحسيني قائم ، و النظام كان مرتاحاً لهذا التقدير المغلوط ، و قد استثمره بمهارة وفن ، وكلنا يعرف النتيجة التي آل اليه المصير .
ان التصدي للغزو الوهابي اصبح مهمة تدخل في نطاق الأولويات ، فيما نحن في غفلة ، و قد نعي سعة الخطر و آفاقه المخيفة ، ولكن لا نحرك ساكناً ، اللهم إلا في حدود جهود تكاد ان تكون مخجلة ، ومرة أُخرى نقول ان العمل المخطط لا يضارعه إلا عمل مخطط ، و نعتقد ان مواجهة هذا الغزو لا يحتاج الى الجهد الفكري المركز فقط ، بل إضافة الى ذلك الى تخطيط إعلامي مدروس ، يضع تفاصيله أهل الاختصاص من أبنائنا المثقفين ، المطلعين على الفكر ا لوهابي تاريخاً و مضموناً ، فالمرجعية مدعوة الى عقد ندوات ومؤتمرات عمل لهذه الغاية .
ان مواجهة هذا الخطر جزء لا يتجزأ من مفهوم المرجعية ، لأنها داخلة في إطار الإنذار الذي أناط القرآن مهمته على عاتق المرجعية ، انها الملاذ من الوقوع في الشبهات الفكرية والدينية ، وعدم التصدي للغزو الوهابي و غيره إنما يعني التخلي عن الأمة ، وتركها عرضة للأهواء و المطبات ، و إلا ما قيمة البحوث و الدراسات الفقهية و الأصولية و القرآنية و الجسد الشيعية يعاني من النخر الوهابي ؟ أين موقع هذا العلم من هذه المعركة الشرسة ؟
ترميم النسيج الممزق
المهمة الثالثة التي تنتظر المرجعية هي ترميم النسيج الممزق ، النسيج الشيعي يفتقد تماماً الى النظم الذي من شأنه ضبط العلاقة بين مفرداته و مكوناته الداخلية ، بل العكس هو الصحيح ، حيث تتحكم في هذا الوجود سمات التنافر و قوانين التناحر ، و بالتالي ، فإن هذا الجسم خاضع لسنة التآكل من الداخل ، ان الشيعة هي الكيان العقائدي / البشري الوحيد الذي يمتلك كل أعضاء الجسم الكامل ، الذي من شأنه ان يتحرك بقوة و فاعلية قي مجرى التاريخ ، ولكن للأسف الشديد إن هذه الأعضاء بدل أن تتكامل تتآكل ، ان الصراع الشيعي / الشيعي نذير شؤم ، انه مقدمة شر مستطير ، خاصة وان الصراع دخل أطواراً غير منطقية ، و ذلك من تشهير وهتك وتكفير و تشكيك ، فالكيان في طريقة الى التفتت و التمزق ، انه كيان عليل ، و علته من داخله ، و هذا الصراع يتسم بالشمولية ، فهو بين المراجع والحواشي و الأحزاب و الجمعيات و المساجد و خطباء المنبر الحسيني و الحوزات العلمية ، و قد لوحظ في الأيام الأخيرة ان الصراع أخذ يتفاقم على صعيد الوسائل ، و قد صرفت أموال طائلة ، و أُهدرت طاقات هائلة ، و أُهدر زمن ثمين ، في هذا الصراع المؤسف .
ان المرجعية مدعوة الى طرح بيان شرف ، و من ثم برنامج عمل من أجل المصالحة الشيعية / الشيعية ، و في الواقع مهما اختلفت التصورات حول الأولويات ، و مهما تباعدت الرؤى في بعض المسائل العقائدية ، يبقى التفاهم على خطوط عمل عامة قائم وممكن ، و لكن شريطة ان تتوفر النوايا الحسنة ، ولا نعتقد أن يهود إسرائيل اقدر منا على تقدير هذه الحقيقة ، ومن ثم العمل وفق مقتضاها و منطقها ، ان ترميم هذا النسيج لا يتناقض مع تعدد الأولويات ، و لا يصطدم بتعدد الهموم ، بل الطائفة الناضجة هي التي تستفيد من هذا التعدد لخلق كيان متفاهم متفاعل ، يتبادل الخبرات و الأدوار في سياق نظرية عمل متطورة ، تتسم بالمرونة ، بل هنا تتجلى روعة التخطيط و التدبير و التوجيه .
ان المرجعية تمتلك كل المؤهلات التي تمكنها من إحداث هذه النقلة على صعيد التشكيل الداخلي للجسم الشيعي ، هي تملك المال و الرجال و القواعد الشعبية و الفكر ، فما الذي يعوزها ؟ وما الذي تفتقده ؟ وكلنا يعرف ان كلمة المرجعية في هذه القضية و قضايا أُخرى حاسمة أو شبه حاسمة ، تؤدي دورها بفاعلية وسرعة ، و لا نغالي إذا قلنا انها هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا المجال ، و لا يوجد أي مبرر للتأخر او التلكؤ ، بل مثل هذا الموقف يزيد من عملية التفكك و التشظي والتشتت .
لجنة إدارة الأزمات
العالم يتغير بسرعة غير معهودة ، يتغير تكنولوجياً و فكرياً و سياسياً ، وتيرة هذا التغير فلتت من زمام السيطرة و التحكم و التوجيه ، التغير هو الذي يملك زمام القيادة و التصميم و التقييم ، ولم يعد الثبات سيد الموقف ، ومن نتائج هذه التحولات المدهشة انعدام التاريخ ، و تزلزل الهوية ، وارتهان اليقين الى منطق النسبية ، والصراع السياسي بين القوى و الدول و الطوائف و الأديان تداخلَ و تمازجَ بشكل معقد ، كما ان الصراع الاقتصادي اتخذ أساليب معقدة …فالعالم يمر في فوضى ، الأمر الذي دعا الكثير من العلماء و الباحثين الى دراسة قوانين الفوضى!
ان هذه الفوضى الكونية تخلق الأزمات تلو الأزمات ، للإنسان و المجتمع و الدول و الطوائف و الأحزاب ، ومن الطبيعي أن تزدحم و تتعمق و تتكاثر هذه الأزمات في مجال الوجودات الحية الفاعلة و المنفعلة في العالم ، وفي ميدان النشاطات المتواصلة مع الآخر سلباً و ايجاباً بقوة و فاعلية ، ان مزيداً من التماس بالعالم يعني مزيداً من الأزمات … مزيداً من المواجهة الساخنة … مزيداَ من الجديد الذي يتطلب الموقف الجاد … ولأن الشيعة من المفردات الحية الصاخبة في الساحة الإنسانية بشكل عام ، فأنها معرضة لمزيد من الأزمات على كافة المستويات وعلى جميع الأصعدة ، إننا طائفة مأزومة شأنا أم أبينا ، العالم المشتعل من جهة وطبيعة حضورنا من جهة أُخرى ، يساهمان في خلق هذه المعادلة ، فهي طبيعية و موضوعية ، وهي من علامات التوقد الفكري و السياسي و الاجتماعي ، وعلى الإجمال هي من سمات التألق الحضاري ، ان الطائفة التي لا تعاني من أزمات في هذا العصر المتفجر تعتبر طائفة ميتة ، مفردة ملقاة على هامش التاريخ ، تتنفس أجواء القبور و الأقبية الرطبة ، خاملة ، ولكن النقطة الجوهرية هنا كيفية التعامل مع الأزمات كي نخرج ظافرين ، هذه هي المسألة التي ينبغي طرحها ومعالجتها ، إن التغيرات الهائلة تجابهنا و تفاجئنا باستمرار وعلى حين غرة ، هذه هي لغة العصر ، لا يعرف المقدمات ، منطقه السرعة و المفاجأة في كل شيء ، الفكر و السياسة و الاقتصاد و العلم والتربية و الأعلام و كل مجالات الحياة ، بلا استثناء ، على مستوى العالم و الأقاليم و الأوطان ، في كل جزء من أجزاء العالم ، إننا نعاني من أزمة قيادة ، و أزمة ثقة متبادلة ، و أزمة جواب عصري على أسئلة عقائدية ، و أزمة موقف إزاء الأنظمة و الحكومات ، و أزمة ضمير من بعضنا البعض ، وأزمة تشخيص الأولويات ، و أزمة المصير المجهول ، و أزمة ضياع في أُوربا ، و أزمة خوف من مستجدات الحياة و خاصة هذه الثورات العلمية الهائلة ، و أزمة جهل بالإنجازات الغربية الحديثة على صعيد اللغة و العلوم الإنسانية الأخرى و أزمة تنظير في التعامل مع الزمن ، و أزمة غربة بين المثقف و العالم الديني ، و أزمة تناقض طبقي ، و أزمة ثارات مؤجلة ، وكل أزمة من هذه الأزمات عبارة عن تحدي ـ مع الاعتذار لأن هناك من يفرق بين المصطلحين ـ وليس من شك ان بعض هذه التحديات تحتاج الى موقف سريع ، خاصة التحديات السياسية ، وهي من ابرز التحديات التي ابتلينا بها نحن الشيعة ، قديماً و حديثاً ، و عديم تقدير الموقف الصحيح من هذه التحديات سبّب لنا الكثير من المشاكل ، من دماء وحرمان و تشريد ، إن الشيعي لا يعرف موقفه من هذه التحديات ، يتسم بالاجتهاد الفردي ، أو يخضع فيه لتوجيه اديولوجي خارج انتمائه الديني و المذهبي ، و إذا كانت بعض المواقف قد تحددت أخيراً فهي على نحو عام ، و غالباً ما تتسم بلحاظ جغرافي معين ، بحيث كانت سبباً في إحراج شيعة آخرين ، بل سبباً في قتل شيعة آخرين ، انها جريمة في حق الشيعة و التشيع .
ان القضية برمتها تتطلب من المرجعية ان تؤسس لجنة أزمات دائمة تتشكل من علماء كبار، ومن هل الاختصاصات المتنوعة لدراسة كل أزمة طارئة ـ و نحن نركز هنا على الأزمات السياسية ـ و تشخيص الموقف المطلوب ، و لو و فق حدود عامة ، ان المرجعية إذا أقدمت على هذه الخطوة ستدخل في عمق التاريخ
لتصنعه من جديد على صعيد الكيان الذي تعهدت برعايته و حمايته .
ان هذا الإجراء ليس صعباً ، وكل مستلزماته موجودة ، ان خطوة بسيطة على هذا الطريق ستخلق مناخاً شيعياً حيوياً ، سينتج أفكارا و طموحات و تصورات من شأنها تحديد الأهداف ، و اكتشاف الموقع و تنقية الخلافات بدرجة معقولة و تشخيص الحاجات .
إننا لا نبالغ إذا قلنا إننا في حاجة إلى غرفة أزمات لمواجهة الفوضى العارمة ، و نعتقد لو أن مرجعاً واعياً يبادر لوضع لبنة بسيطة في هذا المشروع الحيوي ، سيعطي ثماره بسرعة قياسية ، بل سيلقى تأييداً شعبياً منقطع النظير ومن كل الشيعة ، و سوف تتحول اطروحاته إلى بيانات و أفكار جماهيرية ، تتناقلها الأوساط الشيعة وتناقشها و بجرأة و إصرار ، فالشيعة في الظروف العصيبة المستجدة ، و في ضوء هذه الحالة المتردية ، تنتظر الكلمة الحرة التي تضع الإصبع على الجرح ، وبكل صراحة ، إن هذه الكلمة لا تجد صداها المدوي الذي يستتبعه الأثر الكبير ، إلا إذا كانت كلمة مرجع .
الأزمة مفهوم زمني ، أي لها تاريخ ، ولكن هناك مصطلح آخر ، أو بالأحرى قضية أُخرى ، قد تكون أخطر ، أقصد بذلك الطوارئ ، أي ما يواجهنا من كوارث ، ترى ما هو موقفنا إذا تعرضت الدولة الأمل لانتكاسة كبيرة ؟ ما هو موقفنا لو أن النظام الصدامي قرر استئصال الحوزة العلمية كلياً ؟ ما هو موقفنا لو اتخذت طالبان قراراً حاسماً بتصفية شيعة الأفغان ؟ ما هو موقفنا إذا ثبت لنا أن نسبة عالية من أطفالنا في المهجر لا يحمل متبنيات المذهب ؟
كل هذه طوارئ محتملة .