سيد مرحوم
12-08-2004, 06:27 PM
الرأسمال الشيعي والتكافل الاجتماعي
الاستاذغالب الشابندر
http://alhewar.jeeran.com/555555.jpg
مقدمة سريعة
المرجعية قيادة إجتماعية موضوعية للأمة الأسلامية تتولى مسيرتها نحو وجود أمثل ، على كل ألاصعدة الفكرية والروحية والمادية ، سواء كانت مبسوطة اليد ( حاكمة ) او غير مبسوطة اليد ، ونحن نقول ذلك لان للمرجعية سلطاناً روحياً في ضمير الوجود الشيعي ، فرداً وجماعات ، وهو عنصر فعال ، بل يكاد أن يكون سحرياً في بعض الأحيان ، لا تملتكه أي قوة في الأرض ، بالسعة والعمق اللذين توفّرا بالنسبة للمرجع الشيعي ، وفي الحقيقة ان هذه الميزة وحدها كافية لأن تكون المرجعية قوة خلاّقة في العالم كله ، ولكن للأسف لم ندرك هذا السر العظيم ، أو أُستخدم في كثير من الأوقات في قضايا جزئية ، او توجّه الى داخل الكيان المرجعي أو الشيعي في سياق صراعي مستعر ، وقد أثبتت التجارب البسيطة عندما خرجت هذه الامكانية الجبارة الى الخارج بأنها مبدعة ، وقادرة على فرض معادلات جديدة في الكون . ولكن مساحة هذا الصيرورة الخارجية كانت نادرة وخاطفة ، فيما هي على أشدها في داخل الكيان بشكل وأخر ، الأمر الذي حجّم في الايام الأخيرة من حضورها في داخل الروح الشيعية ، والأدلة على ذلك واضحة ، ولا تحتاج الى نقاش طويل ، بسبب كونها قضية معيوشة ، ونخشى ان تصدق مقولة الشهيد ا لصدر ، من أن هذا الكيان في طريقه الى الذوبان شيئا فشيئا ، فلم تعد شعبية الرمز الديني كما هي عليه من قبل ، سواء في أيران أو العراق أو غيرهما من بلاد الله التي يتواجد فيها منتسبو أهل البيت ، كثرة أو قلة ، وهناك شبه قطيعة بين المثقفين وهذا الرمز في الدول الاوربية .
وفي تصور شباب آل محمد أن من اهم مصاديق القيادة المرجعية للشيعة على المستوى الواقعي ــ كصدى للمستوى المفهومي ـــ هو أن تتولى المرجعية تحقيق مبدأ التكافل الأجتماعي بين أبناء الخط المحمدي العلوي، حيث ننطلق في ذلك من إعتبارات شرعية وموضوعية ــ نتطرق إليها لاحقاً ــ بل في تصورنا إن هذه القيادة تفقد صلاحيتها الروحية والاصطلاحية ، إذا لم تنجز هذا الهدف الحيوي الجبار ، الذي يتوقف عليه كيان التشيع في سياق قوانين العالم الجديدة ، التي أصبحت فيه القضية الاقتصادية جوهر الهوية العالمية ..
من وحي الشهيد الرابع
كان الشهيد الرابع قد طرح مشروع البنك اللاربوي إستجابة للحاجة الملحة النابعة من ضرورة التكيف مع العالم ، بأعتبار أن النظام المالي العالمي قائم على الربا ، وقد خرج بمشروعه ظافرأ ، ولكن في مقاييس ليست منسجمة مع سياقات مجتمع إسلامي كامل ، لأن صورة البنك الأسلامي في مجتمع إسلامي ، غيرها في مجتمع لا يطبق الأسلام ، وهذه عبقرية فذّة أدركت قسوة الحياة والواقع ، ويمكننا ان نستفيد من روح هذه التجربة الرائدة لطرح نظام إخلاقي إسلامي ، في ظل مجتمع يقوم على قيم بعيدة عن الاسلام بدرجة وأخرى ، وفي مقدمتها الروح الفردية والقوة ، وفي هذا السياق ، نقول ينبغي ان نطرح نظاماُ إقتصاديأ تكافلياً مشتقأ من روح الشريعة ، وهذا النظام ليس جديدأ ولا غريباً ، لأن قواعده الأولى موجودة في الشريعة ، ولكن نعمل على تفعيل هذه القواعد في مجرى عملي مقننن ، يخرجها من الاعتبارت الكيفية والشخصية ، يحقق هدفها الكبير ، ينقذها من العبث ، فليس من شك ، إن قواعد التكافل الأجتماعي موجودة في الشريعة ، ولكن تطبيقاتها ليست دقيقة بالشكل المطلوب ، بالشكل الذي ينسجم مع أهدافها الضخمة ، تخضع في أكثر الأحيان للمزاج وتقديرات اللحظة الأنية ، وذلك حتى في المجال الذي إنصرفت له بشكل ثابت ، أي المجال الحوزوي ، ليس هناك معايير متفق عليها ، ولا سياسة واضحة ، بل هي إجتهاد فردي في أكثر الحالات ، وقد كان ذلك مبعث كثير من المشا كل والأختلافات ، بل مبعث إتهمامات وتسقيط ، إن هذه القواعد جزء من كل في مجتمع يطبق الاسلام ، في محاولته لحل المشكلة الاجتماعية ، ولكنها الأساس الجوهري لعلاج المشكلة المذكورة ، في مجتمع لا يطبق الأسلام ، وبالتالي هي ملاذ و خلاص .
فهل كانت كذلك ؟
الخطأ الكبير الذي وقعنا فيه ، ان هذه القواعد لم تخضع في مجرى التطبيق العملي الى دقة وموضوعية وعلمية ، والحقيقة كثيرأ ما تكون الحلول رائعة من الناحية النظرية ، وكثيرأ ما تكون مادة الحلول جاهزة تماماً ، ولكن تطبيق هذه المادّة يكون هو الكارثة ، حيث لا نعرف كيف نوظّفها ، أو نوظفها بشكل ناقص ، أو تخضع لتقديرات كيفية ، أو لا نشخص الأولويات فتضيع وتتبذّر ، ولا نريد القول ان كل التطبيقات خاطئة وغير منطقية ، بل نقول إنها لم تستوفِ كل الشروط أو أهمها التي تحقق الهدف المرجو ، لقد كان بأمكان هذه الحقوق الشرعية التي هي الاساس المادي في قواعد التكافل الأجتماعي ان تخلق طائفة غير محتاجة ، مكتفية ذاتياً ، طائفة قوية إقتصادياً وأجتماعياً ، ولَمَا كان للمبادئ الهدّامة ان تخرق جسدها المقدس . نقول ذلك ونسمع ، ان الأيام الأخيرة شهدت إنخفاضأ في ميزانية المرجعية الدينية ، حيث يتصرف كثير من المؤمنين بالحقوق الشرعية الواجبة عليهم حسب تقديرهم الشخصي للاولويات ، وهي بادرة ناتجة ـ في رأينا ــ من إعتقاد بعض المكلفين ، من أن التطبيقات غير مستوفية في بعض الأحيان للشروط التي تحقق الاهداف المرجوّة ، وهي بادرة خطرة ، قد تساهم في إضعاف الكيان في المستقبل ، إذا لم نبادرالى الحل الموضوعي العلمي الشامل .
إن الأ موال التي تتجمع في ميزانية المرجعية والتي تُسمّى الحقوق الشرعية هي الركن المادي في موضوعة التكافل الأجتماعي ، وإن أي دراسة لسياسة وإدارة الجانب المالي للمرجعية يجب ان تنطلق من هذا الا عتبار ، إنها حقوق موجّهة لمعالجة المسألة الأجتماعية بالدرجة الأولى .
ملاحظات أوليّة
أولاً : قد يُقال إن مثل هذا المشروع يُعد صعباً جدأ إنْ لم يكن خياليأ ، لأنه يستوجب وحدة الكيان المرجعي وتاجراً شيعياً على درجة متقدمة من الوعي وأُمّة شيعية متطلعة سؤولة ومقلداً ناقداً ، وهذه شروط لمّا تتوفر بعد ، وفي الحقيقة إن الجسم الشيعي يمر بحالة وعي نامية ، خاصّة على صعيد مثقفيه ، وهي في طريقها الى التصاعد ، والزمن الحالي بطبيعته يدفع بشكل عام صوب السؤال ، ولا يقبل بالجواب التبريري والهروبي ، الأمر الذي يجعلنا على أمل كبير في توفير حساسيّة واعية تجاه كل شيء ، امّأ في صدد وحدة المرجعية فقد تكون هي أقرب الى الممعجزة منها الى الواقع ، ولكن يمكن لمرجع واحد ، أنْ يدخل ميدان هذه التجربة المتدينة التقية ، وإذا ما كُتب لها النجاح ــ وأنحن على ثقة من هذا الأمر ــ فإن الكيانات المرجعية الأُخرى ستتبعه خوفأ أو إ يماناً أو طمعاً ، ويمكن أن نفترض مكاناً محدّداً للتطبيق كأن يكون العراق ، بل مدينة بأسمها أو محلة بعنوانها ، وذلك على سبيل التجريب ، وكل هذه تنتمي الى عالم الممكنات القريب وليس البعيد على حد تعبير المناطقة .
ثانياً : إننا ننطلق في هذا المشروع من إقرار بعض الدراسات الحوزية الجديدة ، الذي يذهب إلى أن الضريبة الكبرى ــ أي الخمس ــ حق لكل الشيعة ، وإنه شُّرع من أجل شيعة أل محمد ، وليس هناك تقسيم نسبي يتم بموجبه توزيع هذه الثروة العملاقة ، وبالتالي يكون الخمس ــ وكل الحقوق الأخرى ــ مصدر تكافل إجتماعي وليس مصدر إثراء ، ولا مصدر تصرف يخضع لمزاج شخصي أو عائلي ، بل يخضع لعملية توزيع عادلة ، سنأتي علي بيان بعض معالمها في السطور اللاحقة ، عملية يقررها أهل الخبرة المالية والأقتصادية بالاستناد الى العلم والتقوى والواقع ، وذلك في إ طار الضوابط الشرعية التي هي من إ ختصاص علماء الدين ، وفي الحقيقة إن المشروع ممكن حتى على صعيد التقسيم التقليدي للخمس كما هو واضح ، مؤكدين على سهم الامام ، وإن كانت الدراسات الحديثة قلبت المعادلة بشكل رائع .
ثالثأ : إن هذا المشروع يستوجب قلبأ في بعض العبارات المتداولة ، فليست وظيفة المرجعية قبض الحقوق ، بل وظيفتها توزيع الحقوق ، وذلك وفق خطة التكافل المقترحة ، التي يضطلع بها أهل الأختصاص من مالييين وإقتصاديين وتجار ومثقفين ، في إ طارالضوابط الشرعية كما أسلفت في الملاحظة السابقة ، وأعتقد أن التغيير في الصيغ ضروري جدأ ، يجب أن يكون هناك تطابق دقيق بين الصيغة اللغوية والمضمون الخارجي ، وكثيرأ ما يؤدي الارتباك في هذا التطابق الى حرف المفاهيم وتدميرها . وأعتقد تبديل كلمة القبض بكلمة توزيع يُحدث تطورأ في فهم فلسفة الحقوق الشرعية ، ويحقق نوعأ من حس المراقبة والمسائله ، وهو من أهم ما نحتاجه اليوم في مثل هذه المجالات .
رابعاً : إن هذا لا يتعارض مع العمل السياسي الهادف إلى إنصاف الشيعة وإعطائهم حقوقهم المهضومة ، إن مثل هذا العمل قضية بديهية في عالم اليوم الذي إشتدّت فيه الدعوات المذهبية والقومية ، ثم هو حق طبيعي لا تستطيع أي قوة أن تمنعنا من ذلك .
لماذا هذا المشروع
في الحقيقة هناك أ كثر من سبب موضوعي لأجتراح مثل هذا المشروع الحيوي الكبير ، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال
السبب الاول
لعل من أبسط الاسباب التي تتصل مباشرة بما نحن فيه ، هو ان الحقوق الشرعية من زكاة وخمس ، فضلاً عن الواجبات المالية الأخرى كزكاة الفطرة والكفارات ، زيادة على ذلك العبادات المالية الا ستحبابية ــ أي الصدقة ـ إنما شُرعت أساسأ لمعالجة قضية الفقر ، هذا هو موضوعها الجوهري ، وهي يمكن أن تؤدي هذه الوظيفة الحيوية المصيرية ، في حالة وجود دولة اسلامية وفي حالة عدم وجودها ، وهذا من أسرار قوتها وقابليتها الرائعة على معالجة المشكلة الكبيرة .
إن هذه الحقوق لم توجد أو تٌشرع لتأسيس الحوزات العلمية ، أو لأقامة الأحتفالات السنوية أو للترويج لهذا المرجع أو ذاك ، أو لأقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء أبي عبد ا لله ، أو لبناء المساجد والحسينيات ، بل ولا للصرف على المنشآت العامة كالطرق والمستشفيات والجسور، وإن كان فيها نفع عام ، كل هذه الموارد خارجة في الاساس عن موارد صرف هذه الحقوق ، بل إن موضوع صرفها هي قضية الفقر أولاً وقبل كل شئ ، والنصوص الشرعية تصب في هذا التقرير ، وأعتقد إن السر في ذلك واضح وعميق ، ذلك إن القضاء على الفقر هو المدخل الطبيعي للقضاء على كل العلل التي تهدد المجتمع الأنساني ، وعلى رأسها الألحاد والكفر والتسيب الديني والمرض و الجهل والنفاق والدجل والأنحراف الخلقي واليأس ، والقضاء على الفقر يخلق سيولة إقتصادية كفيلة بتوفير أرقى الخدمات الاجتماعية ، وعليه ، يجب أن تُوجّه هذه الحقوق لا الى رفع العوز الأقتصادي ، فهذا هو الأخر لا ينسجم مع وظيفة هذه الحقوق ، كما هو لسان الروايات عن أهل البيت ، بل ألى القضاء على الفقر ، وهناك فارق نوعي بين الوظيفتين كما سنبين في السطور القادمة إن شاء الله تعالى ، ففي الأثر المحمدي الأمامي ( ... ان الله عز وجل فرض للفقراء في اموال الاغنياء ما يكتفون به ) ـــ الوسائل 9 / 10 ح 11388 ـــ فان الأتفاء هنا مفهوم حضاري كبير ، يتجاوز هذا الفهم التقليدي الوعظي الاستعلائي ، إنه يشير الى المُكنة الذاتيه في المحصلة الأ خيرة ، وفي رواية ذهبية أُخرى ( إن الله عز وجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ) ــ نفس المصدر ــ فان كلمة ( ما يسعهم ) أكبر مفهوماً من المعالجة الوقتية العابرة ، هذا ما توحي به كلمة السعة ، وهذا هو الأسلوب الأمثل في قراءة النصوص الشرعية ، حيث يجب الأجتهاد في إقتناص الغايات الكبيرة للشريعة ، في سياق النظرة العميقة للأنسان ، بأعتباره أشرف وأكرم مخلوق في الكون ، وفي نص رائع اخر يبين أن من أهداف الزكاة ( تقوية الفقراء ، والمعونة على أمر الدين ) ــ نفس المصدر ح 11393 ــ وتبلغ التوجيهات النبويةالامامية الذروة في بيان الصادق سلام الله عليه ( إن الله عزّ وجل جعل للفقراء في أمول الفقراء ما يكفيهم ) فأن لحن الكلام يفيد أرساء قانون الكفاية كخلاص ستراتيجي وليس كعلاج تسكيني مؤقت ، وهو ما يتناسب مع نظرة الأسلام الكريمة الى ألانسان بشكل عام .
السبب الثاني
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، إن الأنسان الشيعي مورد إضطهاد دائم ، وسيبقى كذلك ، وسبب إضطهاده هو الانتماء ليس غير ، ويبدو من خلال المعطيات الحاضرة ، إن هذه الظاهرة ليست قريبة الحل ، وذلك نظرأ لتعقيدات الأوضاع في العالم الاسلامي ، وصعوبة الإننتقال الى أنظمة ديمقراطية تقوم على مبدأ الوطنية الحقة ، ومن هنا نرى أن إغناء الفقير الشيعي من واجب الطائفة ككل ، وهذا لا يعني إننا لا نناضل من أجل دولة للجميع ، بل هو من أبرز ما نعمل عليه ، ولكن في ظل هذه الأوضاع غير المنطقية ، والتي تتعارض مع أبسط مبادئ التحليل السياسي لوظيفة الدولة ، علينا ان نطرح البديل ، وليس هناك من بديل أ فضل من مفهوم التكافل الأجتماعي القائم على قاعدة الحقوق الشرعية ، أي الاخماس والزكوات والصدقات والكقارات وغيرها من الموارد الأخرى ، وفي النصوص النبويةا لا مامية ما يشير الى ذلك ، وبما يتجاوز حتى سقف الحقوق الشرعية ، ففي قرب الاسناد عن الأ مام الصا دق ( ياخيثمة ، إقرأ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأن يعود غنيهم فقيرهم ، وقويهم على ضعيفهم ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فأن لقياهم حياة لأمرنا ) ــ ص 32 ح رقم 105 ــ فإن هذا النص يعبر عن منظومة تكافلية شاملة .
السبب الثالث
إن المال أصبح وسيلة من وسائل الكسب المذهبي ، والأخبار الوافدة من داخل العراق تفيد بأن الحركة الوهابيّة نشطة في الكسب الى صفها من داخل الكيان الشيعي ، وتذكر الاخبار إن العوز المادي من أسباب هذا التحول ، والذي أريد أن أنوه اليه هنا ، إن من الخطأ الاعتقاد إن الكسب على أ ساس الإغراء المالي لا يستمر ، لأن هذا الإغراء مشفوع بفكر ، وليس من شك ، إذا مضى عليه زمن ، قد يخلق نوعاً من الإلتصاق بالإنتماء الجديد بفعل الصيرورة التاريخية ، وذلك كأي إنتماء يمر عليه زمن طويل ، أو يخلق حالة من التذبذب والتشكيك ، وربما يقود الى مبتدعات داخل التشيع ، وكل هذه المقتربات تخلق لنا المتاعب والمشاكل ، وينبغي ان نعرف أن الوهابية ليست كالمسيحية في هذا المجال ، فهي تنتمي الى الا سلام بشكل من الأ شكال .
السبب الرابع
والسبب الرابع يتعلق بالتنظيم الداخلي للطائفة الشيعية ، ذلك إن الطائفة التي يتقارب أبناؤها على المستوى الأقتصادي ، أو على أقل تقدير، التي لم يعرف أبناؤها العوز الأقتصادي والعجز المعيشي ، تتميز بالقوة والتألف ، ويكون لها تأثير قوي في مجرى الحياة السياسية والعقائدية في محيطها ، وقد تكون مصدر إعجاب وإحترام ، حتى على مستوى الأفق الأ قليمي بل العالمي ، فيما تتميز الطائفة المنقسمة طبقياً بالضعف والتناحر والتنابذ ، والحقيقة إن إنعكاسات التناقض الطبقي داخل الطائفة الشيعية في طريقه الى الإشتعال ، بسبب التصرف المشين للحقوق الشرعية ، إذ صارت هذه الحقوق سبباً في نشوء طبقة رأسمالية بطريقة غير إقتصادية .
هذه الاسباب وغيرها تدفعنا الى التفكير جدياًُ في طرح مشروع تكافل إجتماعي فاعل قاعدته الحقوق الشرعية .
مصطلحات جديدة
هذا المشروع يستوجب نحت مصطلحات جديدة تنسجم مع الهدف والفلسفة التي يقوم عليها ، نذكر منها ما يلي : ــ
المصطلح الأول : الرأسمال الشيعي .
أقصد به مجموعة الموارد المالية التي شُرعت أساسأ لمعالجة مشكلة الفقر ، وهي بعد جرد بسيط للكتب الفقهية : ــ
1 : الخمس .
2 : الزكاة .
3 : الكفارات .
4 : زكاة الفطرة .
5 : الحق المعلوم على رأي بعض المدارس الفقهية .
6 : الصدقات .
7 : النذور .
8 : التبرعات .
ويمكن لفقيه جرئ ان يشرّع بعض الضرائب الأخرى للأسهام في تأسيس مشروع كبير يتولى معالجة الفقر الشيعي ، وذلك كأجراء مؤقت ، ولا أعتقد إن ذلك يعدم الحجة الشرعية ، ولنا في سلوك الأئمة الأطهار مثلأ في ذلك ، فهم قد أسّسوا خمس المكاسب في العهد الأخير من تاريخهم ، عندما إتسع الوجود الشيعي وتعقدّت أمور الشيعة ، وأصبحوا محل مضايقة حاصرة من قبل السلطات . وفي الوقت الحاضر يتأكد مثل هذا الموقف ، لأن الشيعة يعانون في هذا الزمن أكثر ممّأ كانوا يعانون في العصور السالفة ، ونظرة الى اوضاع الشيعة في العراق والهند وما ينتظر شيعة لبنان في المستقبل يّنذر بشر مستطير ، إن تشريع ضريبة جديدة لتسوية مشكلة الفقر ليست بدعة ، ويدخل ضمن ذلك توسيع مصاديق الزكاة ، وذلك إن ما ذكر من مفردات في القرأن الكريم إنما هو على نحو الطريقية وليس الموضوعية ، ولهذا أوجب أمير المؤمنين الزكاة على الجياد وقال به صادق آل محمد في الشلب لانه طعام أهل العراق ، ولا نعتقد إن فقه آل محمد عاجز عن معالجة هذه القضية .
المصطلح الثاني : الحقوق الشرعية الشعبية .
إن الموارد السابقة كما هي رأسمال شيعي ، هي بتعبير أخر حقوق شرعية شعبية ، وأنا أضيف شعبية ، لأنها من الشعب والى الشعب ، فهي تُؤخذ من الناس وينبغي ان تصرف على الناس ، ونحن نضيف كلمة شعبية لانها تخلق وعيأ أاضافياً في التعامل مع هذه الحقوق الكريمة .
إن هذا المصطلح في تصوري يوضّح وظيفة الحقوق المذكورة ، ويولُد فضاء معرفي راصد وفاعل .
الاستاذغالب الشابندر
http://alhewar.jeeran.com/555555.jpg
مقدمة سريعة
المرجعية قيادة إجتماعية موضوعية للأمة الأسلامية تتولى مسيرتها نحو وجود أمثل ، على كل ألاصعدة الفكرية والروحية والمادية ، سواء كانت مبسوطة اليد ( حاكمة ) او غير مبسوطة اليد ، ونحن نقول ذلك لان للمرجعية سلطاناً روحياً في ضمير الوجود الشيعي ، فرداً وجماعات ، وهو عنصر فعال ، بل يكاد أن يكون سحرياً في بعض الأحيان ، لا تملتكه أي قوة في الأرض ، بالسعة والعمق اللذين توفّرا بالنسبة للمرجع الشيعي ، وفي الحقيقة ان هذه الميزة وحدها كافية لأن تكون المرجعية قوة خلاّقة في العالم كله ، ولكن للأسف لم ندرك هذا السر العظيم ، أو أُستخدم في كثير من الأوقات في قضايا جزئية ، او توجّه الى داخل الكيان المرجعي أو الشيعي في سياق صراعي مستعر ، وقد أثبتت التجارب البسيطة عندما خرجت هذه الامكانية الجبارة الى الخارج بأنها مبدعة ، وقادرة على فرض معادلات جديدة في الكون . ولكن مساحة هذا الصيرورة الخارجية كانت نادرة وخاطفة ، فيما هي على أشدها في داخل الكيان بشكل وأخر ، الأمر الذي حجّم في الايام الأخيرة من حضورها في داخل الروح الشيعية ، والأدلة على ذلك واضحة ، ولا تحتاج الى نقاش طويل ، بسبب كونها قضية معيوشة ، ونخشى ان تصدق مقولة الشهيد ا لصدر ، من أن هذا الكيان في طريقه الى الذوبان شيئا فشيئا ، فلم تعد شعبية الرمز الديني كما هي عليه من قبل ، سواء في أيران أو العراق أو غيرهما من بلاد الله التي يتواجد فيها منتسبو أهل البيت ، كثرة أو قلة ، وهناك شبه قطيعة بين المثقفين وهذا الرمز في الدول الاوربية .
وفي تصور شباب آل محمد أن من اهم مصاديق القيادة المرجعية للشيعة على المستوى الواقعي ــ كصدى للمستوى المفهومي ـــ هو أن تتولى المرجعية تحقيق مبدأ التكافل الأجتماعي بين أبناء الخط المحمدي العلوي، حيث ننطلق في ذلك من إعتبارات شرعية وموضوعية ــ نتطرق إليها لاحقاً ــ بل في تصورنا إن هذه القيادة تفقد صلاحيتها الروحية والاصطلاحية ، إذا لم تنجز هذا الهدف الحيوي الجبار ، الذي يتوقف عليه كيان التشيع في سياق قوانين العالم الجديدة ، التي أصبحت فيه القضية الاقتصادية جوهر الهوية العالمية ..
من وحي الشهيد الرابع
كان الشهيد الرابع قد طرح مشروع البنك اللاربوي إستجابة للحاجة الملحة النابعة من ضرورة التكيف مع العالم ، بأعتبار أن النظام المالي العالمي قائم على الربا ، وقد خرج بمشروعه ظافرأ ، ولكن في مقاييس ليست منسجمة مع سياقات مجتمع إسلامي كامل ، لأن صورة البنك الأسلامي في مجتمع إسلامي ، غيرها في مجتمع لا يطبق الأسلام ، وهذه عبقرية فذّة أدركت قسوة الحياة والواقع ، ويمكننا ان نستفيد من روح هذه التجربة الرائدة لطرح نظام إخلاقي إسلامي ، في ظل مجتمع يقوم على قيم بعيدة عن الاسلام بدرجة وأخرى ، وفي مقدمتها الروح الفردية والقوة ، وفي هذا السياق ، نقول ينبغي ان نطرح نظاماُ إقتصاديأ تكافلياً مشتقأ من روح الشريعة ، وهذا النظام ليس جديدأ ولا غريباً ، لأن قواعده الأولى موجودة في الشريعة ، ولكن نعمل على تفعيل هذه القواعد في مجرى عملي مقننن ، يخرجها من الاعتبارت الكيفية والشخصية ، يحقق هدفها الكبير ، ينقذها من العبث ، فليس من شك ، إن قواعد التكافل الأجتماعي موجودة في الشريعة ، ولكن تطبيقاتها ليست دقيقة بالشكل المطلوب ، بالشكل الذي ينسجم مع أهدافها الضخمة ، تخضع في أكثر الأحيان للمزاج وتقديرات اللحظة الأنية ، وذلك حتى في المجال الذي إنصرفت له بشكل ثابت ، أي المجال الحوزوي ، ليس هناك معايير متفق عليها ، ولا سياسة واضحة ، بل هي إجتهاد فردي في أكثر الحالات ، وقد كان ذلك مبعث كثير من المشا كل والأختلافات ، بل مبعث إتهمامات وتسقيط ، إن هذه القواعد جزء من كل في مجتمع يطبق الاسلام ، في محاولته لحل المشكلة الاجتماعية ، ولكنها الأساس الجوهري لعلاج المشكلة المذكورة ، في مجتمع لا يطبق الأسلام ، وبالتالي هي ملاذ و خلاص .
فهل كانت كذلك ؟
الخطأ الكبير الذي وقعنا فيه ، ان هذه القواعد لم تخضع في مجرى التطبيق العملي الى دقة وموضوعية وعلمية ، والحقيقة كثيرأ ما تكون الحلول رائعة من الناحية النظرية ، وكثيرأ ما تكون مادة الحلول جاهزة تماماً ، ولكن تطبيق هذه المادّة يكون هو الكارثة ، حيث لا نعرف كيف نوظّفها ، أو نوظفها بشكل ناقص ، أو تخضع لتقديرات كيفية ، أو لا نشخص الأولويات فتضيع وتتبذّر ، ولا نريد القول ان كل التطبيقات خاطئة وغير منطقية ، بل نقول إنها لم تستوفِ كل الشروط أو أهمها التي تحقق الهدف المرجو ، لقد كان بأمكان هذه الحقوق الشرعية التي هي الاساس المادي في قواعد التكافل الأجتماعي ان تخلق طائفة غير محتاجة ، مكتفية ذاتياً ، طائفة قوية إقتصادياً وأجتماعياً ، ولَمَا كان للمبادئ الهدّامة ان تخرق جسدها المقدس . نقول ذلك ونسمع ، ان الأيام الأخيرة شهدت إنخفاضأ في ميزانية المرجعية الدينية ، حيث يتصرف كثير من المؤمنين بالحقوق الشرعية الواجبة عليهم حسب تقديرهم الشخصي للاولويات ، وهي بادرة ناتجة ـ في رأينا ــ من إعتقاد بعض المكلفين ، من أن التطبيقات غير مستوفية في بعض الأحيان للشروط التي تحقق الاهداف المرجوّة ، وهي بادرة خطرة ، قد تساهم في إضعاف الكيان في المستقبل ، إذا لم نبادرالى الحل الموضوعي العلمي الشامل .
إن الأ موال التي تتجمع في ميزانية المرجعية والتي تُسمّى الحقوق الشرعية هي الركن المادي في موضوعة التكافل الأجتماعي ، وإن أي دراسة لسياسة وإدارة الجانب المالي للمرجعية يجب ان تنطلق من هذا الا عتبار ، إنها حقوق موجّهة لمعالجة المسألة الأجتماعية بالدرجة الأولى .
ملاحظات أوليّة
أولاً : قد يُقال إن مثل هذا المشروع يُعد صعباً جدأ إنْ لم يكن خياليأ ، لأنه يستوجب وحدة الكيان المرجعي وتاجراً شيعياً على درجة متقدمة من الوعي وأُمّة شيعية متطلعة سؤولة ومقلداً ناقداً ، وهذه شروط لمّا تتوفر بعد ، وفي الحقيقة إن الجسم الشيعي يمر بحالة وعي نامية ، خاصّة على صعيد مثقفيه ، وهي في طريقها الى التصاعد ، والزمن الحالي بطبيعته يدفع بشكل عام صوب السؤال ، ولا يقبل بالجواب التبريري والهروبي ، الأمر الذي يجعلنا على أمل كبير في توفير حساسيّة واعية تجاه كل شيء ، امّأ في صدد وحدة المرجعية فقد تكون هي أقرب الى الممعجزة منها الى الواقع ، ولكن يمكن لمرجع واحد ، أنْ يدخل ميدان هذه التجربة المتدينة التقية ، وإذا ما كُتب لها النجاح ــ وأنحن على ثقة من هذا الأمر ــ فإن الكيانات المرجعية الأُخرى ستتبعه خوفأ أو إ يماناً أو طمعاً ، ويمكن أن نفترض مكاناً محدّداً للتطبيق كأن يكون العراق ، بل مدينة بأسمها أو محلة بعنوانها ، وذلك على سبيل التجريب ، وكل هذه تنتمي الى عالم الممكنات القريب وليس البعيد على حد تعبير المناطقة .
ثانياً : إننا ننطلق في هذا المشروع من إقرار بعض الدراسات الحوزية الجديدة ، الذي يذهب إلى أن الضريبة الكبرى ــ أي الخمس ــ حق لكل الشيعة ، وإنه شُّرع من أجل شيعة أل محمد ، وليس هناك تقسيم نسبي يتم بموجبه توزيع هذه الثروة العملاقة ، وبالتالي يكون الخمس ــ وكل الحقوق الأخرى ــ مصدر تكافل إجتماعي وليس مصدر إثراء ، ولا مصدر تصرف يخضع لمزاج شخصي أو عائلي ، بل يخضع لعملية توزيع عادلة ، سنأتي علي بيان بعض معالمها في السطور اللاحقة ، عملية يقررها أهل الخبرة المالية والأقتصادية بالاستناد الى العلم والتقوى والواقع ، وذلك في إ طار الضوابط الشرعية التي هي من إ ختصاص علماء الدين ، وفي الحقيقة إن المشروع ممكن حتى على صعيد التقسيم التقليدي للخمس كما هو واضح ، مؤكدين على سهم الامام ، وإن كانت الدراسات الحديثة قلبت المعادلة بشكل رائع .
ثالثأ : إن هذا المشروع يستوجب قلبأ في بعض العبارات المتداولة ، فليست وظيفة المرجعية قبض الحقوق ، بل وظيفتها توزيع الحقوق ، وذلك وفق خطة التكافل المقترحة ، التي يضطلع بها أهل الأختصاص من مالييين وإقتصاديين وتجار ومثقفين ، في إ طارالضوابط الشرعية كما أسلفت في الملاحظة السابقة ، وأعتقد أن التغيير في الصيغ ضروري جدأ ، يجب أن يكون هناك تطابق دقيق بين الصيغة اللغوية والمضمون الخارجي ، وكثيرأ ما يؤدي الارتباك في هذا التطابق الى حرف المفاهيم وتدميرها . وأعتقد تبديل كلمة القبض بكلمة توزيع يُحدث تطورأ في فهم فلسفة الحقوق الشرعية ، ويحقق نوعأ من حس المراقبة والمسائله ، وهو من أهم ما نحتاجه اليوم في مثل هذه المجالات .
رابعاً : إن هذا لا يتعارض مع العمل السياسي الهادف إلى إنصاف الشيعة وإعطائهم حقوقهم المهضومة ، إن مثل هذا العمل قضية بديهية في عالم اليوم الذي إشتدّت فيه الدعوات المذهبية والقومية ، ثم هو حق طبيعي لا تستطيع أي قوة أن تمنعنا من ذلك .
لماذا هذا المشروع
في الحقيقة هناك أ كثر من سبب موضوعي لأجتراح مثل هذا المشروع الحيوي الكبير ، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال
السبب الاول
لعل من أبسط الاسباب التي تتصل مباشرة بما نحن فيه ، هو ان الحقوق الشرعية من زكاة وخمس ، فضلاً عن الواجبات المالية الأخرى كزكاة الفطرة والكفارات ، زيادة على ذلك العبادات المالية الا ستحبابية ــ أي الصدقة ـ إنما شُرعت أساسأ لمعالجة قضية الفقر ، هذا هو موضوعها الجوهري ، وهي يمكن أن تؤدي هذه الوظيفة الحيوية المصيرية ، في حالة وجود دولة اسلامية وفي حالة عدم وجودها ، وهذا من أسرار قوتها وقابليتها الرائعة على معالجة المشكلة الكبيرة .
إن هذه الحقوق لم توجد أو تٌشرع لتأسيس الحوزات العلمية ، أو لأقامة الأحتفالات السنوية أو للترويج لهذا المرجع أو ذاك ، أو لأقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء أبي عبد ا لله ، أو لبناء المساجد والحسينيات ، بل ولا للصرف على المنشآت العامة كالطرق والمستشفيات والجسور، وإن كان فيها نفع عام ، كل هذه الموارد خارجة في الاساس عن موارد صرف هذه الحقوق ، بل إن موضوع صرفها هي قضية الفقر أولاً وقبل كل شئ ، والنصوص الشرعية تصب في هذا التقرير ، وأعتقد إن السر في ذلك واضح وعميق ، ذلك إن القضاء على الفقر هو المدخل الطبيعي للقضاء على كل العلل التي تهدد المجتمع الأنساني ، وعلى رأسها الألحاد والكفر والتسيب الديني والمرض و الجهل والنفاق والدجل والأنحراف الخلقي واليأس ، والقضاء على الفقر يخلق سيولة إقتصادية كفيلة بتوفير أرقى الخدمات الاجتماعية ، وعليه ، يجب أن تُوجّه هذه الحقوق لا الى رفع العوز الأقتصادي ، فهذا هو الأخر لا ينسجم مع وظيفة هذه الحقوق ، كما هو لسان الروايات عن أهل البيت ، بل ألى القضاء على الفقر ، وهناك فارق نوعي بين الوظيفتين كما سنبين في السطور القادمة إن شاء الله تعالى ، ففي الأثر المحمدي الأمامي ( ... ان الله عز وجل فرض للفقراء في اموال الاغنياء ما يكتفون به ) ـــ الوسائل 9 / 10 ح 11388 ـــ فان الأتفاء هنا مفهوم حضاري كبير ، يتجاوز هذا الفهم التقليدي الوعظي الاستعلائي ، إنه يشير الى المُكنة الذاتيه في المحصلة الأ خيرة ، وفي رواية ذهبية أُخرى ( إن الله عز وجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ) ــ نفس المصدر ــ فان كلمة ( ما يسعهم ) أكبر مفهوماً من المعالجة الوقتية العابرة ، هذا ما توحي به كلمة السعة ، وهذا هو الأسلوب الأمثل في قراءة النصوص الشرعية ، حيث يجب الأجتهاد في إقتناص الغايات الكبيرة للشريعة ، في سياق النظرة العميقة للأنسان ، بأعتباره أشرف وأكرم مخلوق في الكون ، وفي نص رائع اخر يبين أن من أهداف الزكاة ( تقوية الفقراء ، والمعونة على أمر الدين ) ــ نفس المصدر ح 11393 ــ وتبلغ التوجيهات النبويةالامامية الذروة في بيان الصادق سلام الله عليه ( إن الله عزّ وجل جعل للفقراء في أمول الفقراء ما يكفيهم ) فأن لحن الكلام يفيد أرساء قانون الكفاية كخلاص ستراتيجي وليس كعلاج تسكيني مؤقت ، وهو ما يتناسب مع نظرة الأسلام الكريمة الى ألانسان بشكل عام .
السبب الثاني
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، إن الأنسان الشيعي مورد إضطهاد دائم ، وسيبقى كذلك ، وسبب إضطهاده هو الانتماء ليس غير ، ويبدو من خلال المعطيات الحاضرة ، إن هذه الظاهرة ليست قريبة الحل ، وذلك نظرأ لتعقيدات الأوضاع في العالم الاسلامي ، وصعوبة الإننتقال الى أنظمة ديمقراطية تقوم على مبدأ الوطنية الحقة ، ومن هنا نرى أن إغناء الفقير الشيعي من واجب الطائفة ككل ، وهذا لا يعني إننا لا نناضل من أجل دولة للجميع ، بل هو من أبرز ما نعمل عليه ، ولكن في ظل هذه الأوضاع غير المنطقية ، والتي تتعارض مع أبسط مبادئ التحليل السياسي لوظيفة الدولة ، علينا ان نطرح البديل ، وليس هناك من بديل أ فضل من مفهوم التكافل الأجتماعي القائم على قاعدة الحقوق الشرعية ، أي الاخماس والزكوات والصدقات والكقارات وغيرها من الموارد الأخرى ، وفي النصوص النبويةا لا مامية ما يشير الى ذلك ، وبما يتجاوز حتى سقف الحقوق الشرعية ، ففي قرب الاسناد عن الأ مام الصا دق ( ياخيثمة ، إقرأ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأن يعود غنيهم فقيرهم ، وقويهم على ضعيفهم ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فأن لقياهم حياة لأمرنا ) ــ ص 32 ح رقم 105 ــ فإن هذا النص يعبر عن منظومة تكافلية شاملة .
السبب الثالث
إن المال أصبح وسيلة من وسائل الكسب المذهبي ، والأخبار الوافدة من داخل العراق تفيد بأن الحركة الوهابيّة نشطة في الكسب الى صفها من داخل الكيان الشيعي ، وتذكر الاخبار إن العوز المادي من أسباب هذا التحول ، والذي أريد أن أنوه اليه هنا ، إن من الخطأ الاعتقاد إن الكسب على أ ساس الإغراء المالي لا يستمر ، لأن هذا الإغراء مشفوع بفكر ، وليس من شك ، إذا مضى عليه زمن ، قد يخلق نوعاً من الإلتصاق بالإنتماء الجديد بفعل الصيرورة التاريخية ، وذلك كأي إنتماء يمر عليه زمن طويل ، أو يخلق حالة من التذبذب والتشكيك ، وربما يقود الى مبتدعات داخل التشيع ، وكل هذه المقتربات تخلق لنا المتاعب والمشاكل ، وينبغي ان نعرف أن الوهابية ليست كالمسيحية في هذا المجال ، فهي تنتمي الى الا سلام بشكل من الأ شكال .
السبب الرابع
والسبب الرابع يتعلق بالتنظيم الداخلي للطائفة الشيعية ، ذلك إن الطائفة التي يتقارب أبناؤها على المستوى الأقتصادي ، أو على أقل تقدير، التي لم يعرف أبناؤها العوز الأقتصادي والعجز المعيشي ، تتميز بالقوة والتألف ، ويكون لها تأثير قوي في مجرى الحياة السياسية والعقائدية في محيطها ، وقد تكون مصدر إعجاب وإحترام ، حتى على مستوى الأفق الأ قليمي بل العالمي ، فيما تتميز الطائفة المنقسمة طبقياً بالضعف والتناحر والتنابذ ، والحقيقة إن إنعكاسات التناقض الطبقي داخل الطائفة الشيعية في طريقه الى الإشتعال ، بسبب التصرف المشين للحقوق الشرعية ، إذ صارت هذه الحقوق سبباً في نشوء طبقة رأسمالية بطريقة غير إقتصادية .
هذه الاسباب وغيرها تدفعنا الى التفكير جدياًُ في طرح مشروع تكافل إجتماعي فاعل قاعدته الحقوق الشرعية .
مصطلحات جديدة
هذا المشروع يستوجب نحت مصطلحات جديدة تنسجم مع الهدف والفلسفة التي يقوم عليها ، نذكر منها ما يلي : ــ
المصطلح الأول : الرأسمال الشيعي .
أقصد به مجموعة الموارد المالية التي شُرعت أساسأ لمعالجة مشكلة الفقر ، وهي بعد جرد بسيط للكتب الفقهية : ــ
1 : الخمس .
2 : الزكاة .
3 : الكفارات .
4 : زكاة الفطرة .
5 : الحق المعلوم على رأي بعض المدارس الفقهية .
6 : الصدقات .
7 : النذور .
8 : التبرعات .
ويمكن لفقيه جرئ ان يشرّع بعض الضرائب الأخرى للأسهام في تأسيس مشروع كبير يتولى معالجة الفقر الشيعي ، وذلك كأجراء مؤقت ، ولا أعتقد إن ذلك يعدم الحجة الشرعية ، ولنا في سلوك الأئمة الأطهار مثلأ في ذلك ، فهم قد أسّسوا خمس المكاسب في العهد الأخير من تاريخهم ، عندما إتسع الوجود الشيعي وتعقدّت أمور الشيعة ، وأصبحوا محل مضايقة حاصرة من قبل السلطات . وفي الوقت الحاضر يتأكد مثل هذا الموقف ، لأن الشيعة يعانون في هذا الزمن أكثر ممّأ كانوا يعانون في العصور السالفة ، ونظرة الى اوضاع الشيعة في العراق والهند وما ينتظر شيعة لبنان في المستقبل يّنذر بشر مستطير ، إن تشريع ضريبة جديدة لتسوية مشكلة الفقر ليست بدعة ، ويدخل ضمن ذلك توسيع مصاديق الزكاة ، وذلك إن ما ذكر من مفردات في القرأن الكريم إنما هو على نحو الطريقية وليس الموضوعية ، ولهذا أوجب أمير المؤمنين الزكاة على الجياد وقال به صادق آل محمد في الشلب لانه طعام أهل العراق ، ولا نعتقد إن فقه آل محمد عاجز عن معالجة هذه القضية .
المصطلح الثاني : الحقوق الشرعية الشعبية .
إن الموارد السابقة كما هي رأسمال شيعي ، هي بتعبير أخر حقوق شرعية شعبية ، وأنا أضيف شعبية ، لأنها من الشعب والى الشعب ، فهي تُؤخذ من الناس وينبغي ان تصرف على الناس ، ونحن نضيف كلمة شعبية لانها تخلق وعيأ أاضافياً في التعامل مع هذه الحقوق الكريمة .
إن هذا المصطلح في تصوري يوضّح وظيفة الحقوق المذكورة ، ويولُد فضاء معرفي راصد وفاعل .