المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما رشح بعض العراقيين السير برسي كوكس ملكاً للعراق



د. حامد العطية
12-26-2011, 07:52 PM
عندما رشح بعض العراقيين السير برسي كوكس ملكاً للعراق
د. حامد العطية

هي حقيقة، وإن كانت اغرب من الخيال، وصحيحة وإن رفضها العقل، وليست من قبيل المزاح، وإن كانت تبعث على السخرية.
الزمن هو بداية العقد الثاني من القرن الماضي، ولمن لا يتذكر دروس التاريخ برسي كوكس هو المندوب السامي في العراق، وممثل العرش البريطاني، أي حاكم العراق الفعلي آنذاك.
بعد ثورة العشرين عدلت الحكومة البريطانية عن فكرة ادارة العراق بصورة مباشرة او إلحاقها بإدارة مستعمراتها في الهند وسلمت بإنشاء حكومة محلية تحت الانتداب البريطاني، وكانت الخطوة الأولى اختيار ملك للعراق.
تضمنت قائمة المرشحين الرسمية لعرش العراق فيصل بن الحسين وخزعل شيخ المحمرة واثنان من عائلة النقيب وحتى عبد العزيز بن سعود وآخرين، ولم يكن من بينهم السير برسي كوكس.
ينقل يعقوب يوسف كورية في كتابه (إنجليز في حياة فيصل الأول) نصاً مقتبساً من كتاب الحقائق الناصعة لعلي البازركان وكالتالي: ( إن في بغداد كمن في غيرها من المدن العراقية من كان يود أن يبقى الانكليز في العراق وان يكون السير برسي ملكا متوجا عليه ولا زلت اذكر يوم ذهابي إلى جانب الكرخ وشاهدني السيد قاسم الخضيري [ وهو من عائلة عراقية معروفة] في رأس الجسر من جانب الكرخ وهو يصيح بأعلى صوته من يريد الحرية فليوقع هنا ويشير إلى ورقة كانت في يده وقلت له: ما هذا يا أبا جميل واخذت الورقة من يده وإذا فيها (نحن أهالي بغداد نريد السير برسي كوكس ملكاً علينا وان يكون استقلالنا تحت حماية بريطانيا) ولما سألته باستغراب عن عمله هذا [أجابني:] أما تشوف كيف عاملني الاتراك وأنت الذي عجلت بإطلاق سراحي من السجن قلت له أن الاتراك قد ذهبوا وان عملك هذا [عبارة مبهمة] نحن العراقيين ثم انصرفت وكان يستغل جهل العامة للقراءة والكتابة فيأخذ تواقيعهم) [ص 147 ]
برسي كوكس بريطاني، ورئيس إدارة الاحتلال البريطاني للعراق، ولم يبدي اهتماماً بعرش العراق، والخضيري عراقي مسلم، ومن أهل السنة، ومع ذلك دعا العراقيين البسطاء لاختيار كوكس ملكاً للعراق، كرهاً بحكام العراق السابقين من الأتراك، وبدعوى أن ذلك سيحقق لهم الحرية.
حظي فيصل بن الحسين بالعرش لكن برسي كوكس احتفظ بالسلطة، فكان يعين رؤوساء الوزارات والوزراء.
حتى اليوم لم يطالبوا بتنصيب بريمر لرئاسة الجمهورية أو الوزراء، أسوة ببرسي كوكس، ولم يقيموا تمثالاً للجنرال بترايوس، كما فعلوا للجنرال مود قائد قوات الاحتلال البريطاني صاحب البيان المعروف الذي استهله "جئنا محررين لا فاتحين..." وهو أيضاً حظي بتكريم ثان إذ اطلقوا اسمه على جسر من جسور بغداد، وبالتأكيد ليس لدى الأمريكان صنو "الخاتون" المس جرترود بيل التي اختارت فيصل الأول لعرش العراق لتستحق تمثالاً في المتحف العراقي.
الأمريكيون مختلفون عن الإنجليز، يغفلون التاريخ، لأن أسلافهم رعاة البقر أبادوا سكان شمال أمريكا الأصليين، وهم تركوا المتحف العراقي لينهب وتحطم محتوياته، لذلك لا تهمهم التماثيل والنصب، وتكفيهم الاتفاقية الاستراتيجية والسفارة الضخمة، التي وصفها أحد الكتاب الغربيين بأنها أشبه بقلعة صليبية، فهما دليلان على أنهم مروا من هنا* وباقون.
26 كانون الأول 2011م
* مكتوب على جدران بابل الخربة (لن يمر الأعداء من هنا)