مرتاح
12-23-2011, 12:45 PM
جريدة السفير اللبنانية
إذا كانت إحدى ميزات لبنان أنه يستطيع أن يصغّر الكبائر وأن يكبر الصغائر، فإن إعلان المقاومة عن كشف عملاء لجهاز الـ«سي آي ايه» أولا، ثم كشف تفاصيل دقيقة جدا عن محطة «سي آي ايه» في بيروت المسماة «عوكر 2»، ثانيا، ترك الأميركيين في حيرة من أمرهم، وهم يسعون الى الحصول على جواب حول الطريقة التي تمكنت من خلالها المقاومة من كشف المحطة وأسماء الضباط وتفاصيل أخرى.
ومن المعروف أن جهاز الـ«سي آي ايه» يتمتع بسمعةٍ دولية عالية، بوصفه الجهاز الاستخباراتي الأول في العالم، وفي زمن «الحرب الباردة» مع الاتحاد السوفياتي السابق، كانت «حرب الجواسيس» تؤدي إلى تأزيم العلاقات الدولية، لمجرد الكشف عن اسم جاسوس واحد، حتى في العلاقات بين الحلفاء (أميركا ـ إسرائيل) فإن اكتشاف الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد، أدّى إلى توتّرٍ في العلاقات ولم تستجب الولايات المتحدة لكل الضغوط الإسرائيلية لطيّ ملفّه أو الإفراج عنه.
وإذا كان افتضاح أمر جاسوس أو ضابط استخبارات، يشكّل خسارةً كبيرة، فكيف الأمر بفضح محطةٍ بأكملها؟
تشكل محطة الـ«سي آي ايه» في لبنان مركزاً حيوياً للاستخبارات الأميركية، حيث يتعدى دورها الأراضي اللبنانية ليشمل سوريا، ويتركز نشاطها الأمني والاستخباراتي لبنانيا على المقاومة، وخاصة منذ تموز 2006، في ما بدا أنه محاولة لتعويض الفشل الإسرائيلي في حرب الثلاثة وثلاثين يوما من جهة وتهاوي الشبكات الأمنية الإسرائيلية، من جهة ثانية، ولذلك اختار الجهاز الأميركي نخبة من ضباطه للعمل في محطة لبنان من أجل إدارة نشاط أمني معقد تزايد بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية بهدف إحداث اختراقات نوعية في المجتمع اللبناني، وبخاصة في بيئة المقاومة.
بدا واضحا أن قرار الـ«سي آي ايه» بالعمل بصفة وكيل عن الاستخبارات الإسرائيلية، جعل عيون جهاز أمن المقاومة لا تغمض دقيقة واحدة على كل ما يمكن أن يندرج في خانة «التجسس الأميركي على لبنان وفي لبنان»، وبالتالي اعتبرت المقاومة مكافحة هذا التجسس مهمة توازي من حيث أهميتها مكافحة التجسس الإسرائيلي، وصارت الحرب الأمنية تدور على جبهتين في آن واحد.
تمكن أمن المقاومة من كشف التجسس الأميركي وملاحقة خيوطه، سواءً في ما يتعلق بالمحطة المشغلة أو بالعملاء والجواسيس. أكثر من ذلك، قدمت المقاومة جزءاً من المعطيات للرأي العام، عبر قناة «المنار» ، حيث كشفت أسماء الضباط الذين يتولون إدارة المحطة ومن يعملون بداخلها من أميركيين ينتحلون صفة موظفين دبلوماسيين، كذلك كشفت ما يتعلق بعملها وبرامج إدارة العملاء وأساليب التجنيد وبنك الأهداف والبرنامج المعلوماتي المتماهي مع البرنامج الإسـرائيلي.
يطرح ما قدمته المقاومة من معطيات أسئلة كثيرة حول القيمة الاستخباراتية للضابط وكيفية الانتقاء والتجنيد والاعداد وصولا الى السواتر التي تستخدم للتستر عليه وكم تبلغ كلفة هذه العملية من ألفها الى يائها وماذا يعني انكشافها؟ وكيف تمكنت المقاومة من كشف المحطة والعملاء، أي المُشَغِل والمُشَغَّل؟
جرت العادة أن يتم اختيار الضباط بإحدى طريقتين هما:
1ـ الانتساب المباشر لـجهاز الـ«سي آي ايه»، ومن ثَمّ التدرّج بعد الخضوع لدورات تدريب وتأهيل، في ظل تكتّمٍ وسريّةٍ شديدين، على أن يرافق مراحل التدرّج تأمين ساتر واقعي، لطمس الهوية الأمنية، كأن يكلَّف القيام بأعمال تجارية، أو يلحق بمؤسسة دراسات أو وسيلة إعلام أو مركز أبحاث، أو أي ساتر يخفي وظيفته الحقيقية كضابط استخبارات.
2- التهديف: يتم التهديف الأمني على أشخاص مؤهلين للقيام بدور ضابط استخبارات، إذ يتم اختيارهم من داخل المجتمع ولديهم عمل واقعي، كطبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي... إلخ، بحيث يجري التحرّي عن الهدف ودراسة وضعيّته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، قبل أن يتمّ استقطابه داخل الـ«سي أي ايه»، بحيث يدرَّب، ثم يؤَهَّل، وبعد اجتيازه المراحل كافّة، يُنتدب لمهمّة في المحطات الخارجية، لكن تبعا لمهنته الواقعية التي تعتبر الساتر له كضابط اســتخبارات.
ويعتبر الساتر المستخدم لإخفاء الهوية الأمنية هو العامل الرئيس لنجاح أو فشل ضابط الاستخبارات، وبالتالي يصبح انهيار هذا الساتر بمثابة ضربةً قاصمةً لعمله إذ يكشف الهوية الأمنية (ضابط استخبارات) ويفضح الانتماء لجهاز «سي أي ايه».
يعتبر العمل الدبلوماسي من السواتر التي تستخدمها الـ«سي أي ايه»، فهي تنتدب موظّفين قد يحملون أيضاً معهم عملهم الواقعي، وفي بلدٍ مثل لبنان يعتبر العمل الدبلوماسي من السّواتر المسهّلة لحركة الاستخبارات.
في كلتا حالتي الاختيار لضباط الاستخبارات، فإنّ السريّة (إخفاء الهوية والانتماء) تعتبر ركيزة العمل، إذ أنه من دون هذه السرية، لا يمكن لضباط الاستخبارات التحرّك في الولايات المتحدة نفسها، فكيف في المحطات الخارجية مثل بيروت وغيرها؟.
في ظل السّاتر المستخدم والسّريّة المطبَّقة، كيف أمكن للمقاومة أن تخترق هذين الأمرين؟
إن التفاصيل التي سربها أمن المقاومة، عبر «المنار» وغيرها، توحي باحتمالاتٍ ثلاثة:
1- إما أن تكون المقاومة قد تمكّنت من اختراق جهاز «سي أي ايه»، بحيث استطاعت قلب السّحر على السّاحر، وانتظرت اللحظة المناسبة لتوجيه هذه الضّربة، خاصة وان الأميركيين هم الذين بادروا الى كسر القواعد المألوفة في تعاملهم مع المقاومة و«حزب الله» في لبنان.
2- أو أن تكون المقاومة نجحت في زرع عملاء مزدوجين تغلغلوا داخل المحطة اللبنانية، وصاروا محلّ ثقة الـ«سي أي ايه»، وتمكّنوا من خلال ذلك من كشف أسرار المحطة، بضبّاطها (الأسماء الحقيقية والحركية وتاريخ الميلاد) وأفرادها وأماكنها ووسائل حركتها، وأماكن اللقاءات وتكتيكاتها، فضلاً عن البرامج المعلوماتية التي كانت تسعى للحصول عليها.
3- وإما أنّ المقاومة و«حُلفاءها» في لبنان، وربما أبعد من لبنان، يضعون أفراد المحطة تحت المجهر المباشر ويحصون الأنفاس فيها ويتابعون عن كثبٍ كلّ حركةٍ يقومون بها.
إن احتمالا من هذه الاحتمالات الثلاثة او اثنين منها، او الاحتمالات الثلاثة معا، قد تكون مكّنت المقاومة من فضح نشاط المخابرات الاميركية في لبنان، والكشف عن اسماء الضباط الأميركيين وتواجدهم في سفارة عوكر... وهو الأمر الذي ما انفك الأميركيون يعملون ليل نهار، في بيروت، كما في واشنطن، من أجل فك طلاسمه.
إن ما قدّمته المقاومة وما أكّدت التسريبات الأميركية صحّته، يعني بالنسبة للمحطة والضباط الآتي:
أولا، انهيار المحطة اللبنانية بإدارتها وضبّاطها وعملائها وبرامجها، وبالتالي عدم قدرتها على مواصلة العمل، بـ«عدة الشغل» نفسها.
ثانيا، انهيار أفراد المحطة، بما في ذلك التصفية الوظيفية لعملهم، بعدما أصبحوا عمليا في حكم «المحروقين» وذهب جهد سنوات طويلة سدى.
ثالثا، انهيار شبكات العملاء.
رابعا، انكشاف البرنامج الأمني وخطط العمل.
خامسا، انكشاف أساليب العمل (التجنيد، اللقاءات، تكتيكات الحركة والتمويهات الأمنية).
إنّ حجم الأضرار اللاحقة مادّياً ومعنوياً بالـمحطة اللبنانية للـ«سي أي ايه» يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ، فهي خسرت محطّةً وضباطاً وعملاء من الصعب تعويضهم بسرعة، ويعني ترميم هذه الأضرار الحاجة إلى وقتٍ طويل.
الأهم من ذلك، أنّ سمعة «سي أي ايه» أصيبت بضربةٍ قاسيةٍ، وهذه الأضرار مجتمعة تتجاوز، على الأرجح، السّاحة اللبنانية، خاصةً أنّ أصداء ما حصل دوّت داخل جدران الـ«سي أي ايه» في العاصمة الأميركية كما أظهرت ذلك التسريبات المتتالية..
يعني ذلك من وجهة نظر المقاومة، أن من استطاع تقويض أسطورة الردع النوعي الإسرائيلي وحطّم أسطورة «الميركافا» والتفوّق النّوعي لوحدات النخبة والسيطرة البحريّة وتهاوت أمامه أسطورة الذراع الطويلة لجهاز «الموساد» في السنوات الأخيرة، ها هو اليوم يضيف الى سجله القدرة على مبارزة المخابرات المركزية الأميركية بعدما استنجد بها «الموساد»، لكن نفَس الوكالة كان قصيرا للغاية لا بل أقصر بكثير ممّا كان يتوقّع الاسرائيليون.
إنّ قرار الـ«سي أي ايه» بمجابهة المقاومة في لبنان، والتحول من جهاز استخبارات عالمي إلى مخبرٍ عند «الموساد»، أوقعها تحت قبضة المقاومة.
كان الانطباع السائد أن المقاومة كشفت شبكة تمكنت المخابرات الأميركية من تجنيدها، وهذه نقطة تسجل للأميركيين، ليتبين بعد ذلك أن المقاومة، لم تتجاوز صدمة الاختراق وحسب، بل رمت بعض الأوراق أمام الأميركيين، حتى يضعوا سلما جديدا للربح والخسارة. الأكيد أن ما تم تسريبه من معلومات يشي بأن المسألة تجاوزت موقوفا أو اثنين أو ثلاثة موقوفين، وأن ثمة لعبة خطرة دشنها الأميركيون ولم يعد من السهل عليهم أن يضعوا حدودا لمن تورطوا بـ«اللعب» معه، خاصة وأن الاحتمالات عديدة وكل واحد منها يحتاج الى خارطة طريق، قبل أن يعرف الأميركيون الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2034&articleId=2517&ChannelId=48269
إذا كانت إحدى ميزات لبنان أنه يستطيع أن يصغّر الكبائر وأن يكبر الصغائر، فإن إعلان المقاومة عن كشف عملاء لجهاز الـ«سي آي ايه» أولا، ثم كشف تفاصيل دقيقة جدا عن محطة «سي آي ايه» في بيروت المسماة «عوكر 2»، ثانيا، ترك الأميركيين في حيرة من أمرهم، وهم يسعون الى الحصول على جواب حول الطريقة التي تمكنت من خلالها المقاومة من كشف المحطة وأسماء الضباط وتفاصيل أخرى.
ومن المعروف أن جهاز الـ«سي آي ايه» يتمتع بسمعةٍ دولية عالية، بوصفه الجهاز الاستخباراتي الأول في العالم، وفي زمن «الحرب الباردة» مع الاتحاد السوفياتي السابق، كانت «حرب الجواسيس» تؤدي إلى تأزيم العلاقات الدولية، لمجرد الكشف عن اسم جاسوس واحد، حتى في العلاقات بين الحلفاء (أميركا ـ إسرائيل) فإن اكتشاف الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد، أدّى إلى توتّرٍ في العلاقات ولم تستجب الولايات المتحدة لكل الضغوط الإسرائيلية لطيّ ملفّه أو الإفراج عنه.
وإذا كان افتضاح أمر جاسوس أو ضابط استخبارات، يشكّل خسارةً كبيرة، فكيف الأمر بفضح محطةٍ بأكملها؟
تشكل محطة الـ«سي آي ايه» في لبنان مركزاً حيوياً للاستخبارات الأميركية، حيث يتعدى دورها الأراضي اللبنانية ليشمل سوريا، ويتركز نشاطها الأمني والاستخباراتي لبنانيا على المقاومة، وخاصة منذ تموز 2006، في ما بدا أنه محاولة لتعويض الفشل الإسرائيلي في حرب الثلاثة وثلاثين يوما من جهة وتهاوي الشبكات الأمنية الإسرائيلية، من جهة ثانية، ولذلك اختار الجهاز الأميركي نخبة من ضباطه للعمل في محطة لبنان من أجل إدارة نشاط أمني معقد تزايد بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية بهدف إحداث اختراقات نوعية في المجتمع اللبناني، وبخاصة في بيئة المقاومة.
بدا واضحا أن قرار الـ«سي آي ايه» بالعمل بصفة وكيل عن الاستخبارات الإسرائيلية، جعل عيون جهاز أمن المقاومة لا تغمض دقيقة واحدة على كل ما يمكن أن يندرج في خانة «التجسس الأميركي على لبنان وفي لبنان»، وبالتالي اعتبرت المقاومة مكافحة هذا التجسس مهمة توازي من حيث أهميتها مكافحة التجسس الإسرائيلي، وصارت الحرب الأمنية تدور على جبهتين في آن واحد.
تمكن أمن المقاومة من كشف التجسس الأميركي وملاحقة خيوطه، سواءً في ما يتعلق بالمحطة المشغلة أو بالعملاء والجواسيس. أكثر من ذلك، قدمت المقاومة جزءاً من المعطيات للرأي العام، عبر قناة «المنار» ، حيث كشفت أسماء الضباط الذين يتولون إدارة المحطة ومن يعملون بداخلها من أميركيين ينتحلون صفة موظفين دبلوماسيين، كذلك كشفت ما يتعلق بعملها وبرامج إدارة العملاء وأساليب التجنيد وبنك الأهداف والبرنامج المعلوماتي المتماهي مع البرنامج الإسـرائيلي.
يطرح ما قدمته المقاومة من معطيات أسئلة كثيرة حول القيمة الاستخباراتية للضابط وكيفية الانتقاء والتجنيد والاعداد وصولا الى السواتر التي تستخدم للتستر عليه وكم تبلغ كلفة هذه العملية من ألفها الى يائها وماذا يعني انكشافها؟ وكيف تمكنت المقاومة من كشف المحطة والعملاء، أي المُشَغِل والمُشَغَّل؟
جرت العادة أن يتم اختيار الضباط بإحدى طريقتين هما:
1ـ الانتساب المباشر لـجهاز الـ«سي آي ايه»، ومن ثَمّ التدرّج بعد الخضوع لدورات تدريب وتأهيل، في ظل تكتّمٍ وسريّةٍ شديدين، على أن يرافق مراحل التدرّج تأمين ساتر واقعي، لطمس الهوية الأمنية، كأن يكلَّف القيام بأعمال تجارية، أو يلحق بمؤسسة دراسات أو وسيلة إعلام أو مركز أبحاث، أو أي ساتر يخفي وظيفته الحقيقية كضابط استخبارات.
2- التهديف: يتم التهديف الأمني على أشخاص مؤهلين للقيام بدور ضابط استخبارات، إذ يتم اختيارهم من داخل المجتمع ولديهم عمل واقعي، كطبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي... إلخ، بحيث يجري التحرّي عن الهدف ودراسة وضعيّته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، قبل أن يتمّ استقطابه داخل الـ«سي أي ايه»، بحيث يدرَّب، ثم يؤَهَّل، وبعد اجتيازه المراحل كافّة، يُنتدب لمهمّة في المحطات الخارجية، لكن تبعا لمهنته الواقعية التي تعتبر الساتر له كضابط اســتخبارات.
ويعتبر الساتر المستخدم لإخفاء الهوية الأمنية هو العامل الرئيس لنجاح أو فشل ضابط الاستخبارات، وبالتالي يصبح انهيار هذا الساتر بمثابة ضربةً قاصمةً لعمله إذ يكشف الهوية الأمنية (ضابط استخبارات) ويفضح الانتماء لجهاز «سي أي ايه».
يعتبر العمل الدبلوماسي من السواتر التي تستخدمها الـ«سي أي ايه»، فهي تنتدب موظّفين قد يحملون أيضاً معهم عملهم الواقعي، وفي بلدٍ مثل لبنان يعتبر العمل الدبلوماسي من السّواتر المسهّلة لحركة الاستخبارات.
في كلتا حالتي الاختيار لضباط الاستخبارات، فإنّ السريّة (إخفاء الهوية والانتماء) تعتبر ركيزة العمل، إذ أنه من دون هذه السرية، لا يمكن لضباط الاستخبارات التحرّك في الولايات المتحدة نفسها، فكيف في المحطات الخارجية مثل بيروت وغيرها؟.
في ظل السّاتر المستخدم والسّريّة المطبَّقة، كيف أمكن للمقاومة أن تخترق هذين الأمرين؟
إن التفاصيل التي سربها أمن المقاومة، عبر «المنار» وغيرها، توحي باحتمالاتٍ ثلاثة:
1- إما أن تكون المقاومة قد تمكّنت من اختراق جهاز «سي أي ايه»، بحيث استطاعت قلب السّحر على السّاحر، وانتظرت اللحظة المناسبة لتوجيه هذه الضّربة، خاصة وان الأميركيين هم الذين بادروا الى كسر القواعد المألوفة في تعاملهم مع المقاومة و«حزب الله» في لبنان.
2- أو أن تكون المقاومة نجحت في زرع عملاء مزدوجين تغلغلوا داخل المحطة اللبنانية، وصاروا محلّ ثقة الـ«سي أي ايه»، وتمكّنوا من خلال ذلك من كشف أسرار المحطة، بضبّاطها (الأسماء الحقيقية والحركية وتاريخ الميلاد) وأفرادها وأماكنها ووسائل حركتها، وأماكن اللقاءات وتكتيكاتها، فضلاً عن البرامج المعلوماتية التي كانت تسعى للحصول عليها.
3- وإما أنّ المقاومة و«حُلفاءها» في لبنان، وربما أبعد من لبنان، يضعون أفراد المحطة تحت المجهر المباشر ويحصون الأنفاس فيها ويتابعون عن كثبٍ كلّ حركةٍ يقومون بها.
إن احتمالا من هذه الاحتمالات الثلاثة او اثنين منها، او الاحتمالات الثلاثة معا، قد تكون مكّنت المقاومة من فضح نشاط المخابرات الاميركية في لبنان، والكشف عن اسماء الضباط الأميركيين وتواجدهم في سفارة عوكر... وهو الأمر الذي ما انفك الأميركيون يعملون ليل نهار، في بيروت، كما في واشنطن، من أجل فك طلاسمه.
إن ما قدّمته المقاومة وما أكّدت التسريبات الأميركية صحّته، يعني بالنسبة للمحطة والضباط الآتي:
أولا، انهيار المحطة اللبنانية بإدارتها وضبّاطها وعملائها وبرامجها، وبالتالي عدم قدرتها على مواصلة العمل، بـ«عدة الشغل» نفسها.
ثانيا، انهيار أفراد المحطة، بما في ذلك التصفية الوظيفية لعملهم، بعدما أصبحوا عمليا في حكم «المحروقين» وذهب جهد سنوات طويلة سدى.
ثالثا، انهيار شبكات العملاء.
رابعا، انكشاف البرنامج الأمني وخطط العمل.
خامسا، انكشاف أساليب العمل (التجنيد، اللقاءات، تكتيكات الحركة والتمويهات الأمنية).
إنّ حجم الأضرار اللاحقة مادّياً ومعنوياً بالـمحطة اللبنانية للـ«سي أي ايه» يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ، فهي خسرت محطّةً وضباطاً وعملاء من الصعب تعويضهم بسرعة، ويعني ترميم هذه الأضرار الحاجة إلى وقتٍ طويل.
الأهم من ذلك، أنّ سمعة «سي أي ايه» أصيبت بضربةٍ قاسيةٍ، وهذه الأضرار مجتمعة تتجاوز، على الأرجح، السّاحة اللبنانية، خاصةً أنّ أصداء ما حصل دوّت داخل جدران الـ«سي أي ايه» في العاصمة الأميركية كما أظهرت ذلك التسريبات المتتالية..
يعني ذلك من وجهة نظر المقاومة، أن من استطاع تقويض أسطورة الردع النوعي الإسرائيلي وحطّم أسطورة «الميركافا» والتفوّق النّوعي لوحدات النخبة والسيطرة البحريّة وتهاوت أمامه أسطورة الذراع الطويلة لجهاز «الموساد» في السنوات الأخيرة، ها هو اليوم يضيف الى سجله القدرة على مبارزة المخابرات المركزية الأميركية بعدما استنجد بها «الموساد»، لكن نفَس الوكالة كان قصيرا للغاية لا بل أقصر بكثير ممّا كان يتوقّع الاسرائيليون.
إنّ قرار الـ«سي أي ايه» بمجابهة المقاومة في لبنان، والتحول من جهاز استخبارات عالمي إلى مخبرٍ عند «الموساد»، أوقعها تحت قبضة المقاومة.
كان الانطباع السائد أن المقاومة كشفت شبكة تمكنت المخابرات الأميركية من تجنيدها، وهذه نقطة تسجل للأميركيين، ليتبين بعد ذلك أن المقاومة، لم تتجاوز صدمة الاختراق وحسب، بل رمت بعض الأوراق أمام الأميركيين، حتى يضعوا سلما جديدا للربح والخسارة. الأكيد أن ما تم تسريبه من معلومات يشي بأن المسألة تجاوزت موقوفا أو اثنين أو ثلاثة موقوفين، وأن ثمة لعبة خطرة دشنها الأميركيون ولم يعد من السهل عليهم أن يضعوا حدودا لمن تورطوا بـ«اللعب» معه، خاصة وأن الاحتمالات عديدة وكل واحد منها يحتاج الى خارطة طريق، قبل أن يعرف الأميركيون الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2034&articleId=2517&ChannelId=48269