المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كهف الأساطير



على
12-15-2011, 05:51 AM
(http://www.forbesmiddleeast.com/arabic/حياة/)http://www.forbesmiddleeast.com/arabic/Uploads/news/2011/10/30/1389_1.jpg



الداخلُ إليه مفقودٌ، والخارجُ منه مولودٌ لكثرة ما يُحاك حوله من قصصٍ وأساطيرَ، وكأن شياطين مسته. دع مخاوف المس واستعد لتلمس الجمال أثناء زيارة كهف الهوتة في عُمان.


بقلم : جيهان المصري،الاحد، 30.10.2011


لكي نصل إلى كهف الهوتة؛ الواقع في المنطقة الداخلية من سلطنة عُمان، ويبعد قرابة ساعتين عن العاصمة مسقط، لم يكن أمامنا خياراتٌ أبدًا، إلا أن نستقلَ سيارتنا الخاصة. انطلقنا نحو القرية التي يقع فيها الكهف التي سمي باسمها (الهوتة)، آخذين معنا جميع مستلزمات السفر، وبعضًا من عبوات المياه المعدنية الكافية لنا، والمأكولات الخفيفة، إذ ليس هناك استراحات أثناء رحلتنا، حيث نسير نحو ساعة ونصف الساعة حتى بلوغ أقرب مدينة وهي فنجاء.

اخترنا في هذه الرحلة ألا نتوقف في الطريق أبدًا، لأننا نريد أن نمضي معظم وقتنا في الكهف، كنا 4 أشخاص في السيارة، سمعنا الكثير عن هذا الكهف، ولاسيما من السكان المحليين؛ فحجزنا عبر الهاتف مسبقًا تذاكر الدخول، وهذا إجراء تفرضه إدارة الكهف لتنظيم الأعداد الوافدة من السائحين والمقيمين، وتجنبًا لأي ازدحام منذ افتتاحه أمام السائحين عام 2006.

سلكنا الطريق الرئيسية التي تربط مسقط بمدينة نزوى، إنها الطريق الأفضل والأسرع للوصول إلى الكهف. لا تعرجات، وحتى الزائر الجديد يستطيع من خلال تتبع اللوحات الإرشادية الوصول إلى المكان بسهولةٍ. لكننا احتجنا عند وصولنا مدينة نزوى إلى أن نسأل المارة عدة مرات للتأكد من أننا نسير باتجاه الطريق الصحيح، وفي كل مرة كان الناس يرشدوننا بحماسةٍ ويعطوننا الوصف الدقيق كشخصٍ بات معتادًا على هذا السؤال.

الجميل في هذه الطريق أننا نرى الوجه الآخر لعُمان، حيث القرى البسيطة، ومزارع لا تنتهي من أشجار النخيل، وليس غريبًا أن تصادف قطيعًا من الماعز، كما حدث معنا مرتين، فسكان قرى المناطق الداخلية يعتمدون على تربية المواشي والزراعة، على خلاف أهل الساحل الذين يعتمدون على الصيد في معيشتهم. وبين أهل الساحل والداخل يبلغ عدد سكان سلطنة عمان 8001,743,2 مليون نسمة وفقًا لتقديرات العام 2007 ، منهم 000,923,1 مواطن عماني و000,820 وافد.

هناك عدة قرى في الطريق إلى الهوتة، تتألف من عددٍ قليلٍ من المنازل، 7 أو 8 منازل لا أكثر تحيط بها أشجارُ النخيل من كلِّ جانبٍ، بعض هذه القرى تبعد مسافةً قد تصل إلى نصف ساعة عن أقرب مدينة. بالفعل إنه ريفٌ حقيقيٌّ بسيطٌ إلى أقصى درجات البساطة، وجميلٌ بجمال الطبيعة المحيطة التي تظللها الجبال الصخرية الجرداء من كلِّ جانبٍ. وبعد أن اجتزنا مدينة نزوى، وهي ثاني أهم المدن العُمانية، كان علينا أن نمرَّ بوادي تنوف، وهو منطقةٌ معروفةٌ في عُمان بمياهها العذبة.

الشمس كانت حارقةً ذلك اليوم؛ فاعتمرنا القبعات وترجلنا من السيارة فور وصولنا، أول ما لاحظناه أن كل ما يحيط بنا كان مجموعة مختلفة الأحجام والأشكال من الصخور. كيفما ننظر نرى أوديةً صخريةً وجبالاً صخريةً أيضًا. يضفي هذا الأمر نوعًا من الرهبة والقساوة على المكان، لكنني أعتبره عنصرًا مكملاً للتجربة التي يقدمها الكهف كمغامرة استكشافٍ لمجهولٍ وحشيٍّ، لعله كان عنصر إثارة إضافيًّا من صنع الطبيعة، منذ أن نسج السكانُ المحليون منذ مئات السنين حول كهف الهوتة الأساطير بسبب غرابة الأشكال بداخله، وكثرة الخفافيش والعناكب ذات العيون الـ8، والأسماك العمياء التي تعيش في داخله.

وهكذا توجهنا على الفور إلى مكتب الاستقبال. أسماؤنا كانت موجودةً، وما علينا إلا أن ندفع ثمن التذاكر، وأكثر ما لفتني في زيارة موقعٍ سياحيٍّ معتمدٍ من الدولة هو وجود تعرفتين للدخول؛ واحدة للمواطن العُماني، وأخرى للأجنبي؛ مقيمًا كان أو زائرًا. وهكذا كان على كلِّ واحدٍ منا أن يدفع نحو 13 دولارًا، بينما رسم الدخول للعُمانيين هو 5 دولارات. لم أسألْ موظفة الاستقبال المزيد من الأسئلة، لأنه من الواضح أنها لا تعرف أكثر مما قالته لي «هذا قرار الإدارة».

استدرنا من بعدها إلى المكان المخصص لانتظار القطار كي يقلنا إلى داخل الكهف. كان الحضور مزيجًا من العُمانيين والأجانب، وقد تم تقسيم الزوار إلى مجموعاتٍ تضم حوالي 15 شخصًا، ما أن يقوموا بالجولة في الداخل برفقة دليلٍ سياحيٍّ حتى يتوجه فريقٌ آخر، وجدنا الأمر أفضل؛ فهكذا نستطيع الإنصات إلى شرح الدليل السياحي بسهولةٍ.

يمتد هذا الكهف مسافة 5 كيلو مترات تحت الأرض، غير أن المسافة التي يمكن الدخول إليها هي 860 مترًا فقط، تبدأ من بعدها البحيرة، التي تمتد لمسافة 5 كيلو مترات، وتتطلب لاجتيازها تجهيزات خاصة، حيث يُمنع على الجميع دخولها؛ فالصخور قريبة جدًّا من سطح المياه في أماكنَ عدة، وعمق المياه يصل إلى 20 مترًا، وهناك أجزاء أعمق من ذلك. وهي بالتالي غير مفتوحة أمام الزوار.

الرحلة إلى الكهف بدأت بقطارٍ أخذنا من منطقة الاستقبال في رحلةٍ تقرب من 5 دقائق بين الجبال والوديان الصخرية إلى فم الكهف، لنتابع من بعدها الرحلة في الداخل مشيًا على الأقدام باتجاهٍ دائريٍّ يقودُنا للخروج من المدخل نفسه مرة أخرى. وهي تستغرق نحو 40 دقيقةً. فور الوصول إلى الكهف أحسسنا أن الهواء تغير، وأصبح ثقيلاً بفعل الرطوبة في الداخل، وبدأنا نشتم رائحة المكان العتيقة، ونسمع أصداءً لوقع أقدامِنا وكلماتِنا، ونرى أدراجًا يمينًا ويسارًا. ها نحن إذن داخل الكهف. حقًّا عندما بدأنا بالسير لم ندرك إلى أين سيقودنا الطريق، وما إذا كنا حقًّا سنخرج من حيث أتينا. ولكن سرعان ما يوجه مرشدنا السياحي «عبدالله» الأنظار إليه معلنًا بدء الجولة داخل كهف الهوتة. وعبدالله هو واحدٌ من مجموعة أدلاء سياحيين يعملون في كهف الهوتة، ويجيبون عن أسئلة الزوار باللغتين العربية والإنجليزية.

تعتبر «الصواعد والهوابط» من الخصائص الطاغية على الكهف، والأكثر جذبًا للأنظار هي الأعمدة الصاعدة. وتخال نفسك وأنت تمشي على الجسور والممرات الإسمنتية والأدراج التي تم شقها داخل الكهف، وكأنك تمشي في مدينة تحيط بك مبانٍ صخرية من كلِّ جانبٍ. إحدى هذه الصخور على شكل رأس أسد «من هنا اخترنا الأسد شعارًا للكهف» يقول المرشد السياحي عبدالله، وسريعًا أشار إلى صخرةٍ أخرى «أترون أنها على شكل رجل طاعن في السن»، أجبنا كلنا بصوتٍ واحدٍ وابتسمنا «معه حق». غريبٌ كيف تتحول الأشياء الثابتة كهذه بسرعةٍ من مجرد صخرةٍ عمياءٍ لا تتحرك إلى صورةٍ لرجلٍ أو فتى أو حتى قطعة من الجبن. وإذا ما أردنا أن نمعن النظر أكثر؛ هناك الكثير من الأشخاص المحيطين بنا بصمتٍ لا ينكسر وبرهبةٍ تشعرك بها ضخامة الصخور والأشكال المحيطة.

ولإبراز معالم الكهف أكثر أُدخل نظامٌ إلكترونيٌّ للإضاءة والصوتيات على تشكيلات الصخور المختلفة، مما أضاف على الجو الساحر داخل الكهف. ولم يكد مرشدنا السياحي يخبرنا عن كثرة وجود الخفافيش في الكهف حتى رأيت واحدًا يتعلق على الصخور العليا، وقلت في نفسي إن الشيء الجيد في هذه الحالة أن حجمَه صغيرٌ جدًّا قياسًا إلى الخفافيش الأخرى، فلا حاجة للقفز إلى الخارج. ويتابع مرشدُنا قائلاً: «الذي يميز الكهف أيضًا وجود نوعٍ نادرٍ من العناكب ذات 8 عيون و8 أرجل. هذه العناكب قليلة الوجود اليوم، ومن يحب أن يراها فعلاً بإمكانه الذهاب إلى متحف الكهف». حسنًا من الصعب أن تغادر الكهف من دون أن ترى هذه العناكب بعد كل ما سمعته عنها. وبالنسبة لي أفضل أن أراها في المتحف من رؤيتها أمامي داخل الكهف.

في نهاية هذه الجولة وصلنا إلى بحيرة الكهف، وفيها نوعٌ نادرٌ من الأسماك العمياء، شأنها في ذلك شأن معظم الأسماك التي تعيش في الكهوف. وهي ذات لونٍ شفافٍ لدرجة يمكن معها رؤية الهيكل العظمي لتلك الأسماك الصغيرة. بعضها تظهر من دون أعين، ولكنها تملك شعيراتٍ طويلةً لتتلمس الطعام، وبعضها الآخر تملك عيونًا صغيرةً جدًّا. وأسماك الكهف كغيرها من المخلوقات التي تقطن الكهوف تكون شاحبةً، وأجسادها تفتقد للألوان نتيجة عيشها في بيئةٍ مظلمةٍ أو إضاءتها خفيفة. وتعتبر هذه الأسماك نجوم الكهف، التي يتطلع كل الزوار إلى رؤيتها، والتدقيق في تفاصيلها على الرغم من أنها صغيرةٌ جدًّا. فليس باستطاعتنا أن نرى في كل مرة أسماكًا مثل هذه. ولكن في مجمل الجولة داخل الكهف، وإن كنا مشدودي الأعصاب إلى حدٍّ كبيرٍ، لكن هذا لم يمنعنا من الاستمتاع بعجائب الطبيعة، وبطبيعة المكان.

في الكهف فتحتان يدخلُ من إحداهما ماء الوادي المتحدر من أعلى الجبل، وتسمى هذه بـ(الهوتة)، أما الأخرى (الفلاح) فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة. كما يتميز الكهف بدرجة حرارته المعتدلة، والناتجة من تنفس الكهف لتيارات الهواء الخارجي عبر فتحتيه، مرورًا بالبحيرة الواقعة في منتصفه. ولكن هذا لا يمنع من وصول درجة الرطوبة إلى حدود 90٪ ولاسيما في فصل الصيف، الأمر الذي قد يمنع العديد من السائحين من التمتع بزيارته إذا كانوا يعانون مشاكل في التنفس. لكننا لم نلحظْ رطوبةً عاليةً في ذلك اليوم، بل كان الجو في الداخل جيدًا ونسبة الأوكسجين كافية. ويستخدم حاليًا في الكهف نظام لضخ المياه لموازنة مستوى سطح الماء داخله للحؤول دون أن تغطي المياه أجزاءً كبيرةً منه، ولاسيما في موسم الأمطار. لا يسمح بالتصوير داخل الكهف حفاظًا على الحياة الطبيعية داخله، ولكن هذا لم يمنعنا من التقاط بعض الصور، ونحن في القطار وشراء البطاقات البريدية التي تُباع في متجر الكهف وتحمل صورًا رائعةً لمكانٍ جديرٍ بالزيارة.

بسبب وجود كهف الهوتة في مكانٍ بعيدٍ عن المدينة (يبعد نحو 35 دقيقةً عن أقرب مدينة وهي نزوى) تم تصميم هذا الموقع السياحي كمجمعٍ يحتوي على مطعم (زجل) يقدم بوفيه شهيًّا ومنوعًا، وعلى مقهى (الهوتة). أما إذا أردت مأكولاتٍ شعبيةً فما عليك إلا انتظار طريق العودة إلى نزوى وتجربة (القابولي) و(الهريس) و(العرسية) وهي أكلاتٌ عُمانيةٌ شعبيةٌ، إضافة إلى (المندي) و(الشوا) و(الكبسة) المعروفة في منطقة الخليج عمومًا. وهذه جميعها عبارةٌ عن أرز مع اللحم أو الدجاج، والكثير من التوابل.