المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جبهة عالمية من النساء ضد عنف الرجال والحروب



مجاهدون
12-05-2004, 03:50 PM
الصحافية مارلين توينينغا قصدت عشرين بلداً حول العالم لتحقق في ظاهرة قهر النساء

http://www.asharqalawsat.com/2004/12/05/images/books.269315.jpg

بيروت: سمير شمس

يحمل هذا الكتاب همَّ المؤنث المتعدد الاتجاهات، المحدود الخيارات تجاه العنف بأشكاله المرئية كالحروب والنزاعات المسلحة، أو بأشكاله غير المرئية كالظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية والضاغطة. العنف الذي نبالغ في استعراضه كالمجازر والقتل العشوائي، أو الذي نخفيه كالعنف المنزلي. العنف الذي نسعى لفضحه كالزواج في كمبوديا المعروض لسجن الفتاة في شبكة دعارة، أو المكلل بهالة من الاحترام كالحروب باسم الدين والأمن والديمقراطية وغيرها من الشعارات البراقة. العنف الحقيقي الذي لم نكن من ضحاياه بمحض الصدفة، أو عنف الألعاب والدمى التي تتبارى العقول المبدعة في إبهارنا بإنتاجه وبيعنا إياه وكأن العنف الحقيقي لا يكفي.

معظم أنواع وأنماط العنف، وجل أساليبه وإبداعاته يقررها ويقترفها الرجال، تحدوهم الرغبة بالسلطة أو مشاعر الحقد أو الكبت أو ذكورية مقموعة، يشجعهم النموذج الثقافي الذي ترتبط فيه القوة والسيطرة بالرجولة. وتتوجه هذه الطاقة وتنفجر في النساء والأطفال.

ما هي الخيارات المتاحة لمناهضة هذا العنف المتعاظم. النساء لا يملكن سوى أن يخترن بين ثلاثة مواقف: فإما أن يخضعن بصمت، على غرار أسلافهن، منذ آلاف السنين، ويكظمن غضبهن أو ينتحبن. وإما أن يبادرن إلى إعداد أبنائهن للحرب، وينحزن إلى صفوف العنف بشكل ما، ويعتمدن في سلوكهن موقفاً متماهياً مع الذكورية. وإما أخيراً أن يخترن المقاومة.

مارلين توينينغا مراسلة صحفية قصدت عشرين بلداً حول العالم. التقت بتلك النساء اللواتي يقاومن ويخمدن سعير الأزمات لتنجز كتابها «نساء ضد الحروب»، الذي ترجمته نهلة بيضون وصدر مؤخراً عن «دار الفارابي». مجموعات من النساء غادرن منازلهن لاكتشاف نساء مثلهن، وبادرن بالتحرك معاً. لا من أجل إدانة العنف أو رفضه أو شجبه، فالآخرون يفعلون ذلك بما فيه الكفاية، بل لاتقائه وتحويل مساره ومقاومته.

اتخذت أنشطة هؤلاء النسوة شكلاً مناسباً لطبيعة الأزمات، فعملن على المصالحة بين الشعوب في الهند وباكستان وليبيريا وإيرلندا الشمالية وصربيا، وضد حصانة مجرمي الحرب في الأرجنتين والبوسنة، ضد تسليع النساء واستغلالهن في كمبوديا والفليبين وبوروندي، ومن أجل احترام حقوق الإنسان وكرامته في المغرب والسلفادور وغواتيمالا، ومن أجل إنهاء الحرب في كولومبيا وروسيا وإسرائيل وفلسطين، ومن أجل بقاء بلادهن وإعادة إعمارها في السودان وأفغانستان ورواندا.

في ليبيريا، على مشارف حدود ملتبسة مع سيراليون، وحيث ثروات الماس والحديد والمطاط والخشب الثمين تثير الأطماع، يشكل البقاء على قيد الحياة في أجسادهن وأجساد أفراد أسرتهن الهدف الذي أصبح هوساً، ودفع هؤلاء النسوة ليصبحن صانعات السلام. يراهنَّ في مواجهة اليأس والإحساس بالعجز اللذين يجتاحان حياتهنَّ اليومية، بالسعي لجعل الأمل ممكناً.
في إيرلندا الشمالية، حيث أصبح السؤال «هل ثمة حياة قبل الموت؟» شعاراً مرعباً.

مجموعة من النسوة لم يشعرن بالارتياح في الأحزاب السياسية التي ترتبط بطوائف معينة متنازعة، فأنشأن حزب النساء العابرات الحدود بحثاً عن الأمل بأن لا يعيش أولادهنَّ ما عاشوه هنَّ.
في كمبوديا تزدهر السياحة الجنسية، ويجتاح وباء الدعارة والإيدز «فتيات حقل الأرز» اليافعات جداً، تتراوح أعمارهنَّ بين التاسعة والثانية والعشرين، وتنتهك اغتصاباً أجسادهنَّ الغضَّة وحقوقهنَّ فاجتمعن لتوعية المومسات لأن الرجال لن يكفوا عن طلب خدماتهن.

في السلفادور حيث وضعت الاتفاقيات حداً للحرب ولم تضع حداً للنزاع الاجتماعي، تقوم النسوة بهذا الدور، يسعين لتحقيق السلم الأهلي الضامن الوحيد لعدم إنتاج حروب أخرى. في السودان يتضامنَّ ضد حرب الرجال، لأنَّه يجب أن يبقى أحد من أجل إنقاذه وتحريره. في صربيا ثابرت النساء المتشحات بالسواد يناضلن ضد أربع حروب مدنية متعاقبة، في مركز التعقيم الثقافي. في الفلبين البلد الذي يصدر أعلى نسبة من سكانه تعمل النساء ضد العولمة ومن أجل عدم تحويل العالم إلى حضارة الكوكاكولا والجينز، وعدم تشويه الطبيعة، ويرفضن مواجهة هذا العنف بعنف آخر، فيلتففن حول قيم أخرى.

في غواتيمالا حيث شهد هذا البلد أطول تاريخ همجي من الظلم العنصري وحصانة المجرمين استطعن استصدار قانون لإنشاء خدمة مدنية بديلة للخدمة العسكرية الإلزامية فإنضممن إلى النضال اللاعنفي وتحولن إلى راصدات للأضرار التي تتسبب بها عسكرة النظام. في راوندا بلد البركان الذي يفور منذ وقت طويل تعمل النساء على استئصال أسباب الإبادة الجماعية، أي القضاء على الفقر أولاً. في البوسنة تكافح النساء لمساعدة الرجال على تغيير أنفسهم، لأنه لا وجود لطاغية من تلقاء نفسه، بل هو يستمر بمراهنته على الحقد الذي يضخه في الرجال. في المغرب يناضلن من أجل إصلاح قانون الأحوال الشخصية لكي يصبحن مواطنات.

وفي الهند وباكستان يخضن حربهنَّ السلميَّة في خندق واحد ضد العنف. في الأرجنتين بلد الاختفاءات القسرية، تصرخ النسوة في الوقت الذي كان الحكم يتوقع أن يبكين. في بوروندي ينتشر الإيدز مهدداً الاستقرار السياسي لكنه شأن نسائي في الأعراف، فتسعى النساء إلى تقويم المفهوم، وترشيد الوعي. في روسيا تحولت الأمهات للاستمتاع بأمومتهنَّ إلى أمهات للسلام. بينما في أفغانستان يضطلعن بدور صانعات البقاء بعد تلك الحروب المستمرة المتناسلة من التخلف. وفي كولومبيا بلد الجيوش الأربعة تراهن آلاف الكولومبيات على اللاعنف، قوة المستضعفين، من أجل انتصار السلام. وفي فلسطين وإسرائيل النساء بين غضبين، غضب الجلاد الذي ينعم بغطرسته وقوته الإضافية، وغضب الضحية اليائس، وبين الغضبين يموت الأطفال في فلسطين الذي لم يخترع إبليس نفسه انتقاماً لموتهم، لأنه لا وجود لحياة بعد موت طفل.

اختفت عملياً المعارضة لفظائع الحكومة الإسرائيلية، وذاب معسكر السلام وبقيت صرخة تتجاوز الاختلافات بين الأعراق والديانات واللغات، صرخة تطلقها الأمهات «أنقذوا أبناءنا». أنشطة هذه المجموعات النسائية لا تندرج في أي خانة من الخانات الإعلامية المعهودة، أو المؤسسات، أو المنظمات الحكومية أو غير الحكومية. فهي مبادرات تتشابه بين بلد وآخر ترفض الحقد، وتتخطى الحدود. فهي رؤية تدفع بعدد من هذه المجموعات إلى الإعلان الصريح عن موقفها الداعم للنضال السلمي وتفضيلها خوض النضال ضد أسباب العنف والنزاعات وعواقبها، أكثر من التحرك من أجل سلام مجرد.

لماذا على النساء أن يقمن بهذا الدور؟ لماذا عليهنَّ دائماً أن يقمعن رغبات الرجال؟ هل العنف ذكوري المنشأ؟ لا شك أن النساء من الناحية البيولوجية لسن أكثر نزوعاً من الرجال نحو السلام. أما الفرضية التي يمكن استشفافها فهي أن تجربة النساء، منذ القدم، في إنجاب الأطفال ورعايتهم وتأمين الغذاء لهم، وتوفير ذلك للرجال أيضاً، أي تجربتهن بالاهتمام بالآخرين، قد أعدتهنَّ إعداداً أفضل من شركاء حياتهن لإرساء قيم وممارسات من شأنها استيعاب الموجة الهائلة من العنف الذاتي التدمير الذي يهدد باجتياح كوكبنا.

النساء حاضرات من الآن فصاعداً، وثمة نساء من كل القارات، مختلفات للغاية إنما متضامنات، قد أفلتن من نظرات الرجال ومعاييرهم، يتحركن ضمن مجموعات سعياً لتحقيق أهداف تتطابق تطابقاً مذهلاً. إنهن نساء مجهولات الهوية، عاديات، اكتشفن بأنهن مميزات.