مطيري شيعي
11-21-2011, 11:55 AM
لا يخلو زقاق أو محلة في مدينة النجف من وجود رجل دين أو مكتبة عامة أو مرقد أو مكان اثري يتحدث عن مدينة الإلف عام.
ميدل ايست أونلاين
النجف الاشرف (العراق) - من حيدر حسين الجنابي
http://www.middle-east-online.com/meopictures/biga/_120698_najaf.jpg
شاي بالهيل وصور رجال دين
ما أن تسير وسط محلة المشراق في المدينة القديمة، حتى تسمع صوت "اثنان شاي... أبو عبد الله"، وتتكرر الأصوات حتى تدلك رائحة الشاي إلى مقهى جميل تزين جدرانه صور رجال الدين والمنشدين الحسينيين والشعراء، وتشاهد وسطه رجل يبلغ من العمر 43 عاما قضى 25 سنة منها في المقهى، ورغم مرور ربع قرن لون الدهر فيها شعر رأسه، كما لون الشاي أصابع يديه لكنه لازال مبتسما، ويطرق بيده قدح الشاي "الاستكان" الفارغ بالماعون مع الملعقة فيصدر بحركة أصابعه أنغاما جميلة تتحدث عن فن ومهارة وهو ينادي "شاي... شاي... شاي".
فعند جلوسك وسط زحام الزبائن والزائرين الذين يتلفتون يمينا وشمالا، وتتراقص أعينهم على جدران المقهى يتأملون عشرات الصور، ويخيل للجالس في المقهى انه في معرض فني تتحدث فيه الصور التي نصبت نفسها على الجدران لترسم تأريخ مدينة غفت على ضفافها ألف عام، حتى باتت عاصمة الدنيا بماضيها وحاضرها ومستقبلها.
فما أن يتنفس الصبح في مدينتي، بعد أن ترتل حناجر مآذن النجف الاشرف الآذان والدعاء، وتبدأ الطيور تسبيحها، وينطفئ نور المصابيح في محيط العتبة العلوية المقدسة بعد الساعة الخامسة فجرا، يأتي -أبو عبد الله - إلى محلة المشراق وسط المدينة القديمة التي لا تبعد إلا أمتارا عن المرقد الطاهر ليبدأ يوما جديدا في حياته وهو لا يفارق الطاقية السوداء التي تتوج رأسه.
يقول أبو عبد الله فاضل الكعبي "ابدأ عملي بفتح باب المقهى وارش الماء أمام الباب واردد بسم الله... يا فتاح، يا رزاق، أصبحنا وأصبح الملك لله، ثم ابدأ بتجهيز الشاي المليء بالهيل، في أباريق مصنوعة من الخزف الصيني (الفرفوري) مستخدما الماء الساخن، واضع تلك الأباريق على مكعبات الفحم الأحمر والرمادي ".
ويتابع "ما أن يجهز الشاي حتى تملئ المقهى رائحة الهيل، ثم يأتي الهواء مسرعا ليحملهما معا إلى رواد المكان وزائري النجف المارين من إمام المقهى المقابل لمطعم كباب".
فجأة يمسح الكعبي يديه، ليتحدث عن ذكرياته "عندما بدأت العمل مع عمي – والد زوجتي –وهو رجل كبير في السن، بدأت اشتري الصورة بعد الأخرى وأقوم بتعليقها، حتى أصبح مقهاي القديم الذي لايتجاوز 8 أمتار، يرتدي ثوبا تطرزه صور مراقد الأئمة وعلماء الدين وصورا تراثية".
ويبين أبو عبد الله سبب وضع صور رجال الدين "أضع صور العلماء لشدة حبي لهم كلهم دون استثناء وتطبيقا لقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) النظر إلى وجه العالم عبادة، ولطالما حلمت بأن اجمعهم معا فهم قادتنا ورمز وحدتنا وتكاتفنا كما النجف رمزا لمدن العالم لوجود لتعايش بين الأديان الذي وضع أسسه الإمام علي بن ابي طالب".
ويسترسل "إن صور مراجع التقليد والمنشدين الحسينيين والشعراء تذكرني بآداب النجف الاشرف وبعلمها وثقافتها، حتى أنني أحدق في عيون الناظرين الذين يحتسون الشاي داخل وخارج المقهى، فهم يحدقون على الصور التي باتت لوحة تتحدث عن تأريخ المدرسة الفكرية والعلمية، فهي مدينة باب علم الرسول (ص)".
ويختم قوله "يفرح الناس عندما يشاهدون الصور وكأنهم يجلسون بمتحف أو معرض للصور القديمة والحديثة وهم يمسكون قدح الشاي الحار بين أيديهم، وكل ينظر إلى المكان المقابل له وعيونهم تتراقص على جدران المقهى ثم يفتشوا بين الجدران والصور عن شخصية إسلامية يحبونها أو مرجعا للتقليد كانوا يقلدونه أو لازالوا على تقليده من العلماء الماضين ، أو الباقين".
أما متذوقو الشاي فلهم أرائهم وانطباعاتهم في هذا المقهى فالغريب الذي استوقفني، إن رجلا كان يرتدي العقال واليشماغ جلب له أبو عبد الله الشاي ووضعه على منضدة صغيرة بنية اللون، بدأت ترتجف أثناء تحريك الملعقة وسط الكوب، فأمتزج صوتها مع صوت الطقطقة، والمسبحة الكهرب التي بيده لتشكل الأصوات موسيقى من طراز خاص.
ويستمر الرجل بتحريك الملعقة دون أن يشعر بان الشاي صار باردا، لأنه رحل مع الصور حيث هي، وبدأ حديثة مع شخصياتها، سابحا في الخيال، وما أن عاد من رحلته حتى تكلم معي قائلا "أنا زائر من بعقوبة، ازور النجف كل شهر، ارتاد هذا المقهى أول مرة، وارى حديقة الصور الرائعة أمامي التي رحلت بي إلى ذاكرة الستين عاما".
ويضيف الحاج حسين عبد الله (73 عاما) "وددت لو كانت داري هنا لأكون قريبا من المقهى لأني أعجبت به كثيرا فالنجف تملك روحي وقلبي ."
أما إبراهيم رضوان (54عاما) من لبنان فقال "المرة الثالثة التي ازور فيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأحس فيها باني أعيش وامشي على الأرض التي عاش فيها الأنبياء والرسل والأولياء (عليهم الصلاة والسلام)، فانا أحب النجف، وقد أتيت اليوم لاحتساء الشاي في هذا المقهى الجميل وكأني اجلس في مكان تراثي".
ويبين جبار عبد العباس (47 عاما) من الكوفة "هذا المقهى قل نظيره، وقبل احتسائي للشاي بنكهته المميزة، أتطلع إلى صور تلك الكوكبة من العلماء والقادة والشخصيات الأدبية فهي صور مثيرة للإعجاب وبعضها نادرة، لذا ارتاد متحف الصور دائما".
ويتحدث مسلم شاكر (33عاما) من بغداد "اشعر بإحساس غريب عندما أتجول في المدينة القديمة، فهذا المقهى مميز بالذات بما فيه من صور للشخصيات الإسلامية".
أما غزوان العيساوي (30 عاما) من النجف "اذهب يوميا إلى المقهى، واقف ببابه وانادي (أبو عبد الله ...أين الشاي)".
ويضيف "كلما نظرت للمقهى وما فيه افرح كثيرا وأقول إن مقاهي النجف جميلة والأجمل أن صاحب المقهى قد جمع مقتنيات لأنواع الأباريق ومواد المقهى فوق رؤوس الناس بين الصور".
فلم يكن مقهى الكعبي هو الوحيد، وليست محلة المشراق فقط تحوي مثل هذا المقهى المميز فالنجف الاشرف متميزة بكل شيء بأهلها وبتأريخها وبمكانتها بين المسلمين.
ولا يخلو زقاق أو محلة من وجود رجل دين أو شخصية إسلامية أو مكتبة عامة أو مرقد أو مكان تراثي أو اثري يتحدث عن مدينة الإلف عام، مدينة الإمام علي بن أبي طالب، ولابد للحكومة العراقية أن تهتم بها كثيرا، فهي مدينة لرجال دين، ومدينة التعايش بين الأديان.
ميدل ايست أونلاين
النجف الاشرف (العراق) - من حيدر حسين الجنابي
http://www.middle-east-online.com/meopictures/biga/_120698_najaf.jpg
شاي بالهيل وصور رجال دين
ما أن تسير وسط محلة المشراق في المدينة القديمة، حتى تسمع صوت "اثنان شاي... أبو عبد الله"، وتتكرر الأصوات حتى تدلك رائحة الشاي إلى مقهى جميل تزين جدرانه صور رجال الدين والمنشدين الحسينيين والشعراء، وتشاهد وسطه رجل يبلغ من العمر 43 عاما قضى 25 سنة منها في المقهى، ورغم مرور ربع قرن لون الدهر فيها شعر رأسه، كما لون الشاي أصابع يديه لكنه لازال مبتسما، ويطرق بيده قدح الشاي "الاستكان" الفارغ بالماعون مع الملعقة فيصدر بحركة أصابعه أنغاما جميلة تتحدث عن فن ومهارة وهو ينادي "شاي... شاي... شاي".
فعند جلوسك وسط زحام الزبائن والزائرين الذين يتلفتون يمينا وشمالا، وتتراقص أعينهم على جدران المقهى يتأملون عشرات الصور، ويخيل للجالس في المقهى انه في معرض فني تتحدث فيه الصور التي نصبت نفسها على الجدران لترسم تأريخ مدينة غفت على ضفافها ألف عام، حتى باتت عاصمة الدنيا بماضيها وحاضرها ومستقبلها.
فما أن يتنفس الصبح في مدينتي، بعد أن ترتل حناجر مآذن النجف الاشرف الآذان والدعاء، وتبدأ الطيور تسبيحها، وينطفئ نور المصابيح في محيط العتبة العلوية المقدسة بعد الساعة الخامسة فجرا، يأتي -أبو عبد الله - إلى محلة المشراق وسط المدينة القديمة التي لا تبعد إلا أمتارا عن المرقد الطاهر ليبدأ يوما جديدا في حياته وهو لا يفارق الطاقية السوداء التي تتوج رأسه.
يقول أبو عبد الله فاضل الكعبي "ابدأ عملي بفتح باب المقهى وارش الماء أمام الباب واردد بسم الله... يا فتاح، يا رزاق، أصبحنا وأصبح الملك لله، ثم ابدأ بتجهيز الشاي المليء بالهيل، في أباريق مصنوعة من الخزف الصيني (الفرفوري) مستخدما الماء الساخن، واضع تلك الأباريق على مكعبات الفحم الأحمر والرمادي ".
ويتابع "ما أن يجهز الشاي حتى تملئ المقهى رائحة الهيل، ثم يأتي الهواء مسرعا ليحملهما معا إلى رواد المكان وزائري النجف المارين من إمام المقهى المقابل لمطعم كباب".
فجأة يمسح الكعبي يديه، ليتحدث عن ذكرياته "عندما بدأت العمل مع عمي – والد زوجتي –وهو رجل كبير في السن، بدأت اشتري الصورة بعد الأخرى وأقوم بتعليقها، حتى أصبح مقهاي القديم الذي لايتجاوز 8 أمتار، يرتدي ثوبا تطرزه صور مراقد الأئمة وعلماء الدين وصورا تراثية".
ويبين أبو عبد الله سبب وضع صور رجال الدين "أضع صور العلماء لشدة حبي لهم كلهم دون استثناء وتطبيقا لقول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) النظر إلى وجه العالم عبادة، ولطالما حلمت بأن اجمعهم معا فهم قادتنا ورمز وحدتنا وتكاتفنا كما النجف رمزا لمدن العالم لوجود لتعايش بين الأديان الذي وضع أسسه الإمام علي بن ابي طالب".
ويسترسل "إن صور مراجع التقليد والمنشدين الحسينيين والشعراء تذكرني بآداب النجف الاشرف وبعلمها وثقافتها، حتى أنني أحدق في عيون الناظرين الذين يحتسون الشاي داخل وخارج المقهى، فهم يحدقون على الصور التي باتت لوحة تتحدث عن تأريخ المدرسة الفكرية والعلمية، فهي مدينة باب علم الرسول (ص)".
ويختم قوله "يفرح الناس عندما يشاهدون الصور وكأنهم يجلسون بمتحف أو معرض للصور القديمة والحديثة وهم يمسكون قدح الشاي الحار بين أيديهم، وكل ينظر إلى المكان المقابل له وعيونهم تتراقص على جدران المقهى ثم يفتشوا بين الجدران والصور عن شخصية إسلامية يحبونها أو مرجعا للتقليد كانوا يقلدونه أو لازالوا على تقليده من العلماء الماضين ، أو الباقين".
أما متذوقو الشاي فلهم أرائهم وانطباعاتهم في هذا المقهى فالغريب الذي استوقفني، إن رجلا كان يرتدي العقال واليشماغ جلب له أبو عبد الله الشاي ووضعه على منضدة صغيرة بنية اللون، بدأت ترتجف أثناء تحريك الملعقة وسط الكوب، فأمتزج صوتها مع صوت الطقطقة، والمسبحة الكهرب التي بيده لتشكل الأصوات موسيقى من طراز خاص.
ويستمر الرجل بتحريك الملعقة دون أن يشعر بان الشاي صار باردا، لأنه رحل مع الصور حيث هي، وبدأ حديثة مع شخصياتها، سابحا في الخيال، وما أن عاد من رحلته حتى تكلم معي قائلا "أنا زائر من بعقوبة، ازور النجف كل شهر، ارتاد هذا المقهى أول مرة، وارى حديقة الصور الرائعة أمامي التي رحلت بي إلى ذاكرة الستين عاما".
ويضيف الحاج حسين عبد الله (73 عاما) "وددت لو كانت داري هنا لأكون قريبا من المقهى لأني أعجبت به كثيرا فالنجف تملك روحي وقلبي ."
أما إبراهيم رضوان (54عاما) من لبنان فقال "المرة الثالثة التي ازور فيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأحس فيها باني أعيش وامشي على الأرض التي عاش فيها الأنبياء والرسل والأولياء (عليهم الصلاة والسلام)، فانا أحب النجف، وقد أتيت اليوم لاحتساء الشاي في هذا المقهى الجميل وكأني اجلس في مكان تراثي".
ويبين جبار عبد العباس (47 عاما) من الكوفة "هذا المقهى قل نظيره، وقبل احتسائي للشاي بنكهته المميزة، أتطلع إلى صور تلك الكوكبة من العلماء والقادة والشخصيات الأدبية فهي صور مثيرة للإعجاب وبعضها نادرة، لذا ارتاد متحف الصور دائما".
ويتحدث مسلم شاكر (33عاما) من بغداد "اشعر بإحساس غريب عندما أتجول في المدينة القديمة، فهذا المقهى مميز بالذات بما فيه من صور للشخصيات الإسلامية".
أما غزوان العيساوي (30 عاما) من النجف "اذهب يوميا إلى المقهى، واقف ببابه وانادي (أبو عبد الله ...أين الشاي)".
ويضيف "كلما نظرت للمقهى وما فيه افرح كثيرا وأقول إن مقاهي النجف جميلة والأجمل أن صاحب المقهى قد جمع مقتنيات لأنواع الأباريق ومواد المقهى فوق رؤوس الناس بين الصور".
فلم يكن مقهى الكعبي هو الوحيد، وليست محلة المشراق فقط تحوي مثل هذا المقهى المميز فالنجف الاشرف متميزة بكل شيء بأهلها وبتأريخها وبمكانتها بين المسلمين.
ولا يخلو زقاق أو محلة من وجود رجل دين أو شخصية إسلامية أو مكتبة عامة أو مرقد أو مكان تراثي أو اثري يتحدث عن مدينة الإلف عام، مدينة الإمام علي بن أبي طالب، ولابد للحكومة العراقية أن تهتم بها كثيرا، فهي مدينة لرجال دين، ومدينة التعايش بين الأديان.