المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان شيعي ضد الفتنة والطائفية والتفرقة



القلم
12-04-2004, 03:40 AM
بيان شيعي ضد الفتنة ...أحمد شهاب
البيان الذي اصدره عدد من رجال الدين الشيعة الاسبوع الماضي يلفت النظر الى حجم التضخم الذي بلغته الفتنة في بلد صغير في حجمه مثل الكويت، لكنه بدا انه مصدر تأجيج نار الفتنة الطائفية في العالم الاسلامي اليوم، وقد تبدلت الادوار تماما فبعد ان كانت البلد منارة ثقافية ومعرفية تساهم بنور مرموق في النشر الثقافي والمعرفي تدنّى هذا الدور الى مستوى إنتاج وتصدير النفايات التاريخية.
لا اعلم الى اي مدى يمكن تعميم هذا الحكم، لكن المؤسف ان اغلب التوجهات الاسلامية متورطة فعلا في تأجيج نار الفتنة، وكأنها تتقرب الى الله بتعقيد العلاقات بين الطوائف واثارة المزيد من الكراهية بين المذاهب، بما لا اتذكر له مثيلا فيما قرأت الا ما جرى اثناء الصراع الطائفي بين الدولتين العثمانية والصفوية والا فيصعب ان تجد لغة هابطة في الحوار كما يجري تداوله حاليا في كراسات وصحف ومجلات تستهلك خلاله «كل جهة» كافة الالفاظ المقززة لتبادل الاتهامات وضرب معتقدات الاخرين.
خلال الايام الماضية حصدنا الكثير من توجيه الشتائم وتبادل الاتهامات، ابتدأت من خلال مطبوعتين الاولى مرخصة وتصدر بإذن من وزارة الاعلام والثانية يحررها عدد من الافراد دون ترخيص يقال انها تطبع في الخارج، الاولى تحاول الانتقاص من الشيعة وعقائدهم والثانية تنتقص من عقائد السنة ورموزهم التاريخية، وعلى هامش هذه المنشورات نشهد سجالات حادة لا تخلو من اتهام جماعات اسلامية سنية لأخرى شيعية بانها تقف وراء الفتنة، كما تابعنا اقلام صحافية استنفدت كل الفاظ السباب وقاموس الشتائم للنيل من المتورطين في الفتنة وتعميمها على كل اتباع المذهب المختلف.
فكان المشهد الكويتي غاية في الغرابة وصفة احد رجال الدين في العربية السعودية عبر اتصال هاتفي بقوله: كانت الكويت تصدّر العربي وعالم المعرفة الى العالم وانتهت اليوم الى تصدير منشورات الفتنة؟

استراتيجية مواجهة الذات

حسنا.. إن القول بأن جهات خارجية او بعض التوجهات الدينية او الفكرية هي من يؤجج الفتنة ويصر على اثارتها امر يمكن ان يتضمن بعضا من الحقيقة، لكنه بالتأكيد لا يعبر عن كل الحقيقة، واللجوء الى العنف لضرب تلك الجهات او الافراد بيد من حديد لن يساهم في حل المشكلة، ولن تتحول الفتنة والكراهية الى اخوة ومحبة، وانما سوف تساهم القوة المستخدمة الى اصرار المتطرف على قوله واعتبار نفسه ومن معه شهداء في مسلك الحق.
ويبدو لي الان ان العلة في اساسها اكبر من جهة تدعم او اخرى تدين اذ من السهولة ان تموت اي ظاهرة طارئة وسلبية لو لم تجد البيئة التي ترعاها، وهو ما يفسر لنا سبب انشداد شعوبنا نحو منزلقات الفتن أيا كان مصدرها ذلك ان «البيئة» التي نتحرك فيها تساهم في نمو الظواهر السلبية وتدعم المشاريع الطائفية والفئوية التي تعتمد على الاثارة بينما تقاوم الافكار الجادة وتئد المشاريع النوعية في مهدها في منتهى السهولة واليسر.
ما ازداد تيقنا منه يوميا ان العلة تكمن في تدني مستوى فهمنا للدين بما لا يرتقي الى مراد الدين ومقاصده لن اكون سلبيا كثيرا فاهضم جهود وفروض من نظّروا في الوحدة الاسلامية وبذلوا الوقت في سبيل تلبية دعوات حوارية اخوية تخرجنا من ضيق الصدور الى رحابة الوطن والناس، ولكني لا استطيع ان امنع نفسي من تسجيل رأيي بكل صراحة بكون اغلب هذه الاستجابات تندرج تحت بند المجاملة «مجاملة الاخر» والمجاملة تؤجل الصراع لكنها لا تحل المشكلة ولا تمنع من تكرار الاثارة.
في النصف الاول من القرن الماضي انطلقت دعوة الشيخ محمد رشيد رضا الشهيرة «لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه» والتي رفعها تاليا الشيخ حسن البنا وبشر بها، ورغم وجاهة وتقدم هذه الدعوة الا ان «استراتيجية الاعذار» تقف عاجزة امام مجتمع يتوالد فيه دعاة الفتنة واعتقد من الافضل الان وصاعدا اعتماد «استراتيجية مواجهة الذات» التي يمكن من خلالها لكل طرف ان يعيد بناء نظرته الى نفسه، والى الاخرين متحررا من قيود الصراعات التاريخية ومنتفضا على الافهام البشرية المغرقة بتراثيتها وتقليديتها.
ذلك ان ظروفنا اليوم اصعب من ا ن نستمر في المجاملة والاعذار، وتستدعي ان نقلع عن التبسيط وندخل سويا الى عالم التخطيط وتبادل الافكار للخروج بوطن واحد، وهذا لا يمكن ان يتم دون البدء باعادة قراءة التاريخ بطريقة جديدة ومبتكرة، قراءة موضوعية منصفة وليست طائفية فعمق مأساتنا ان ما هو متوافر بين ايدينا تاريخ مصنوع بطائفيته لعبت به امزجة القوة والمال والميول النفسية والعاطفية. ان اعادة قراءة التاريخ تؤدي الى تجديد نظرتنا الى الراهن وتمنحنا فرصة طيبة لترميم نظام قيمنا الذي عفرته سنوات الخصام الطائفي.
لست في مقام النصيحة لكني في مقام التحذير من اصرارنا على العزف على الوتر الطائفي والتحذير من خطورة السكوت في ميدان الكلام، ومن خطورة التباطؤ في مسيرة اصلاح نظرتنا الى التراث وما نتوارثه من اسلام طائفي هو ضد اسلام القيم، لا اشك لحظة واحدة في ان الكثيرين سوف يرفضونه كلما كشف عن وجهه اكثر.

Ahmed_hj@hotmail.com

المصدر : http://www.alwatan.com.kw/ يوم السبت 4/12/2004