لمياء
11-12-2011, 12:53 AM
http://www.alwafd.org/images/news/1518821600brde535.jpg
محمد عبداللطيف
لو أن «مبارك» منح بعضاً من وقته لقراءة تاريخ الوطن الذي حكمه ثلاثين عاماً، لكفي نفسه وعائلته وأركان حكمه تلك النهاية المأساوية، التي سبقه إليها أحد أسلافه في حكم مصر وهو رمسيس الثالث، الذي حكم نفس المدة، وانتهي عصره لنفس الأسباب، وقصة السقوط المدوي حرفياً، وإن اختلفت الأدوات والمعطيات من زمن لآخر، والفارق بينهما يزيد علي ثلاثة آلاف سنة، فكلاهما انتهي حكمه بثورة شعبية، واحتجاجات عمالية وفئوية.. وأعقبه ذلك، عمليات سلب ونهب وتخريب عشوائية، وتصل المفارقة مداها الذي يحرض علي الخيال..
كل منهما قضي أسبوعين ونصف الأسبوع «18 يوماً» يحاول إخماد الثورة، دون جدوي، فمات الأول مسموماً، وخرج الثاني من الحكم مخلوعاً، تلك المفارقات العجيبة تدفع لخروج التساؤل التقليدي إلي السطح، هل التاريخ يعيد نفسه؟ فالوقائع والأحداث تتشابه، وتصل إلي حد التطابق، مع اختلاف الأسماء والأزمنة، فالحديث عن ثورة يناير التي انبهر بها العالم، والظروف المحيطة بها، فتحت الباب علي مصراعيه، للتقليب في دفاتر وسجلات التاريخ القديم.. الذي سجل أول ثورة في التاريخ الإنساني كله.. فهي كانت من صنع المصريين، ودونت الوثائق والبرديات في المتحف المصري، أو المتناثرة في عواصم العالم، هذه الثورة إلي جانب الصراع علي السلطة والحكم، وجرائم الاغتيال السياسي والمحاكمات والمؤامرات.. وقد سجلت إحدي البرديات المعروفة بورقة «هاريس» في المتحف الإيطالي «فلورانس» قصة نهاية رمسيس الثالث وكيفية تدخل زوجته الملكة «تي مون إيست» في شئون الحكم، ومحاولاتها كسر التقاليد الفرعونية، لتوريث حكم البلاد لابنها «بنتاور» عن طريق استمالة حرس القصر، ورجال السلطة، وكبير الأمناء، إلي جانب محاولات التدبير لثورة مضادة من داخل السجن، بعد محاكمتها، إثر مؤامرتها مع ابنها علي «الملك» الذي مات مسموماً، وكانت في المقابل ثورة أخري كان يدبرها أحد أبناء رمسيس الثالث بمعاونة من رجال الدين والكهنة، الذين ساندوه، وولوه حكم البلاد، وهو رمسيس الرابع، الذي لم يستطع الخروج من عباءة الكهنة، الذين أداروا السلطة بعد أن سيطروا علي ملوك الأسرة الـ5 التي تدهورت وانتهت، وحل محلها دولة الكهنة ورجال الدين.
وثائق وبرديات التاريخ الفرعوني، رصدت العديد من الوقائع التي تتفق مع ظروف مصر الحالية، وتاريخها المعاصر، فبعد حكم الأسرة الـ19 تولي أحد الجند أمور الدولة وصار ملكاً وهو «حور محب» الذي انتهي عصره بسرعة، وتولي رجال الحرب حكم مصر، رمسيس الأول، الذي اتسع نفوذه وتنامي طموحه في التوسع، والأحلام الإمبراطورية، فدخل في العديد من الحروب، وحقق الكثير من الانتصارات، وبعده جاء رمسيس الثاني، الذي أراد أن يتوسع في البناء والعمارة والاستقرار، فعقد أول معاهدة سلام في التاريخ، وربما يكون سبقها معاهدات أخري في عصور سحيقة، لكن تأتي أهمية هذه المعاهدة باعتبارها موثقة علي جدران معبد الكرنك، وكانت مع الحيثيين في الشمال، لإنهاء فترة طويلة من الحروب بين الدولتين، واستمر حكمه «العرامسة» وجاء علي خلفية رمسيس الثاني رمسيس الثالث وهو من رجال الحرب من الدولة، وكانت بداية حكمه مزدهرة، وراح يوطد علاقاته مع الممالك المجاورة ويعيد للدولة مكانتها وتدريجياً بدأت زوجته الثانية تتوغل في دهاليز السلطة، ويتسع نفوذها، لدي حريم القصر
ومحظيات الفرعون، وأقاربهن من الموظفين والعامة، وكان للملك زوجات أخريات، لكن «تي مرن إيست» كان لها شأن، في الدولة ولدي العسكر، وقادة الجند، وحراس القصر «يشبهون الحرس الجمهوري الآن»، وكبير أمن القصر «يوازي منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية الذي تولاه زكريا عزمي في عهد مبارك».
هذه الزوجة لها ابن اسمه «بنتاتور» وأرادت بشتي الطرق توريثه حكم مصر.. وبدأت الفوضي تعم أرجاء البلاد وازداد عدد الفقراء، وفقد رمسيس الثالث قدرته علي إدارة شئون الدولة، فهو حكم 30 سنة في الفترة من 1182 ــ 1152 قبل الميلاد، في تلك الفترة تنامت سطوة «الحريم» فقد كانت الوظيفة الخاصة بهن قبل رمسيس الثالث، تسلية الملك، لم يكن لهن أي اتصال بالعالم الخارجي وهن معزولات عن قصر الملك ومعبده، لكن بوجود الزوجة التي تريد توريث العرش لابنها، زاد نفوذهن، وأصبحن يتعلقن بالعالم الخارجي، فنشط الاقتصاد وسوق العقارات لأنهن لعبن في هذا المجال بمعاونة الزوجة والابن، وأطلق علي الملك وقتها لقب «الثور العظيم».
رغبة الملكة في تولية ابنها، ساهم بقدر كبير في انتشار المؤامرات داخل القصر، بين أبناء الملك من زوجات أخريات، لكن «تي» استخدمت «الحريم» في التواصل مع العالم خارج القصر، وعلي العمال الذين يوردون المؤن ولوازم القصور الملكية، وقد دونت السجلات وقتها كراهية العمال لسيدهم الملك، وزكت الملكة هذه التوجهات وعندما اتسعت دائرة الفقر، لتشمل قطاعات عريضة من الرعية، ومن بينهم «البنائون» العاملون في المعابد والمقابر الملكية «يشبهون المندسين والطبقة المتوسطة في زماننا»، فقرروا القيام بأول إضراب عمالي في التاريخ، تنامي إلي ثورة شعبية غاضبة طالبت بالقضاء علي الملك رمسيس الثالث.
استغلت الزوجة علاقاتها مع أهل السلطة ووجدت ضالتها في شخصين من أقرب الموظفين في القصر للملك
وهما «بايبك آمون» كبير الأمناء وساقي الملك «مسو سورع» وأفشت بالأسرار الكامنة بداخلها اليهما وإلي ابنها «نبتاور» وكانت الرغبة هي القضاء علي الملك وتولية ابنها، وبدأت تغذي تلك الرغبة في عدد من رجال الحاشية للانضمام الي المتآمرين الرئيسيين. تجاوز عددهم عشرة من الموظفين ومنهم مشرف الخزانة يدعي «باب رع» وضابط مرمي الملك النوبي هو «بنموس» بتأثير من اخت له من حريم الملك، واستطاعت «تي» أن
تستقطب الي المتآمرين قائد الجيش «يببسي» ولأن هؤلاء المتآمرون من المقربين للملك كان الأمر غاية في الخطورة، واستطاع المتآمرين أن يضموا إليهم نساء بوابة القصر لضمان توصيل المراسلات بين الملكة وابنها وبقية الأفراد خارج القصر، وقد أرسلت أخت قائد الجيش خطابا لأخيها توصيه فيه بحض الأهالي علي عصيان فرعون، والعمل علي إثارة الفتنة، والقيام بثورة لقلب نظام الحكم وتوليه «نبتاور» علي عرش مصر وهو ما جري ودارت
المعارك وانكشفت خيوط المؤامرة بعد أنشرب الملك السم، وعندما شعر بأن الأمر انتهي أمر بمحاكمة المتورطين في هذه الثورة ومكث 18 يوما يصارع الموت حتي انتهي فتدخل الكهنة ورجال الدين لحماية أحد أبناء الملك والوقوف الي جانبه بما لهم من سطوة واتباع وولوه علي عرش مصر وهو رمسيس الرابع وراحوا يديرون البلاد باسمه، وجرت محاكمة «بنتاور» والآخرين وانتحر برشف السم،أما الملكة فسجنت مع بقية الحريم وداخل السجن
أدارت مؤامرة علي الشرطة باستخدام الحريم في الإغواء بغرض الانقلاب علي نجاح ثورة الكهنة ورجال الدين وأتباعهم، الذين نصبوا رمسيس الرابع علي العرش، لكن جري اكتشاف هذه المؤامرة وجري إعدام الجميع فكانت النهاية المأساوية لرمسيس الثالث ورجال حكمه وزوجته وابنه «بنتاور» الذي دفن بأحشائه بعد انتحاره بالسم، ودفن في المقابر الملكية، وتم العثور علي مقبرته والمومياء الخاصة به في المقبرة رقم 5،واكتشفها الأثري الأمريكي
«كنت ويكسي» منذ بضع سنوات وبدون أي هوية أوأوراق لكن قصته وأمه وأبيه مدونة علي ورقة أو مخطوطة «هاريس» الي جانب بعض الرسومات المنقوشة علي الجدران التي كانت تبين وتوضح رفاهية عائلة رمسيس الثالث الزوجة والأبناء والمقربين منهم الي جانب المهنة وذلك في الوقت الذي ساد فيه الجوع والفقر وعدم اكتمال بعض المشروعات والمعابد التي لم تكتمل حتي الآن.
القراءة الدقيقة لوقائع التاريخ المعاصر لا تختلف بأي حال من الأحوال عن الوقائع والأحداث التاريخية المدونة في سجلات وبرديات الفراعنة الخاصة بفترة حكم رمسيس الثالث التي استمرت ثلاثين عاما، حتي نهايته المأساوية.. وعقب انتهاء حكم أسرة محمد علي ورحيل فاروق عن مصر إثر ثورة 23 يوليو 1952 تولي محمد نجيب الذي ينتمي الي رجال الجند بالضبط مثل حور محب.. ولم يقض وقتا طويلا في السلطة وتلاه جمال عبدالناصر
الذي كان يحلم بالقومية العربية، وأحلام الامتداد لحماية الأمن القومي ودخل في حروب مع إسرائيل مثل رمسيس الأول ثم جاءالسادات الذي انتصر في حرب أكتوبر 1973 وبعدها عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، في نفس موقع الحيثيين، مثلما فعل رمسيس الثاني الذي عقد أول صلح موثق في التاريخ الإنساني ثم جاءت الأقدار بحسني مبارك الذي ينتمي أيضا الي العسكر وكانت بدايته في الحكم تميل الي الاعتدال، وإعادة العلاقات مع الدول
المجاورة لكن مع امتداد فترة الحكم وتنامي سلطة أفراد العائلة بدأت الأمور تفلت وتمسك بها الزوجة الطامحة في توريث حكم البلاد الي ابنها جمال وفي سبيل ذلك جرت العديد من المشاهد التي تتطابق مع ما جري في الأزمنة البعيدة حياة وصلت فيها الرفاهية مستوي غير مسبوق ثراء وعقارات، وتواصل مع نخب من الحكم والأقارب وتبنت مع كبير الأمناء زكريا عزمي وصفوت الشريف، وبعض من المقربين مشروع توريث حكم مصر الي ابنها جمال، فكانت كل أمور الدولة تسير في هذا الاتجاه واتسعت رقعة
الفقر،وازداد في المقابل الأثرياء ثراء فاحشا، وأقامت الأم مشروعات ومؤسسات نسائية مع زوجات لرجال في الوظائف العليا وسارت البلاد في طريق الانحدار من أجل رغبة الأم ولم يكن غريبا أن تعم الاحتجاجات من كفر الدوار، الي المدن الصناعية الأخري الي الطوائف السياسية المختلفة، فاندلعت ثورة شعبية حاولت فيها الأم، وبعض المقربين الذين تآمروا علي الدولة طيلة السنوات الماضية استثمار هذه الأحداث، لتولية جمال بادعاء السير في طريق الإصلاحات فالحاكم لم يكن في مقدوره اتخاذ قرار خلال
السنوات العشر التي سبقت نهايته فاستمرت المحاولات لقمع الثورة مدة 18 يوما فشلت جميعها وانتهي الأمر بخروج مبارك من السلطة وإلقاء رموز حكمه في السجن ويتردد كثيرا أن محاولات الثورة المضادة تجري بتدبير من الشخصيات التي فقدت سلطتها وأموالها وكانت النهاية المأساوية التي تشبه ما جري لأسرة رمسيس الثالث.
محمد عبداللطيف
لو أن «مبارك» منح بعضاً من وقته لقراءة تاريخ الوطن الذي حكمه ثلاثين عاماً، لكفي نفسه وعائلته وأركان حكمه تلك النهاية المأساوية، التي سبقه إليها أحد أسلافه في حكم مصر وهو رمسيس الثالث، الذي حكم نفس المدة، وانتهي عصره لنفس الأسباب، وقصة السقوط المدوي حرفياً، وإن اختلفت الأدوات والمعطيات من زمن لآخر، والفارق بينهما يزيد علي ثلاثة آلاف سنة، فكلاهما انتهي حكمه بثورة شعبية، واحتجاجات عمالية وفئوية.. وأعقبه ذلك، عمليات سلب ونهب وتخريب عشوائية، وتصل المفارقة مداها الذي يحرض علي الخيال..
كل منهما قضي أسبوعين ونصف الأسبوع «18 يوماً» يحاول إخماد الثورة، دون جدوي، فمات الأول مسموماً، وخرج الثاني من الحكم مخلوعاً، تلك المفارقات العجيبة تدفع لخروج التساؤل التقليدي إلي السطح، هل التاريخ يعيد نفسه؟ فالوقائع والأحداث تتشابه، وتصل إلي حد التطابق، مع اختلاف الأسماء والأزمنة، فالحديث عن ثورة يناير التي انبهر بها العالم، والظروف المحيطة بها، فتحت الباب علي مصراعيه، للتقليب في دفاتر وسجلات التاريخ القديم.. الذي سجل أول ثورة في التاريخ الإنساني كله.. فهي كانت من صنع المصريين، ودونت الوثائق والبرديات في المتحف المصري، أو المتناثرة في عواصم العالم، هذه الثورة إلي جانب الصراع علي السلطة والحكم، وجرائم الاغتيال السياسي والمحاكمات والمؤامرات.. وقد سجلت إحدي البرديات المعروفة بورقة «هاريس» في المتحف الإيطالي «فلورانس» قصة نهاية رمسيس الثالث وكيفية تدخل زوجته الملكة «تي مون إيست» في شئون الحكم، ومحاولاتها كسر التقاليد الفرعونية، لتوريث حكم البلاد لابنها «بنتاور» عن طريق استمالة حرس القصر، ورجال السلطة، وكبير الأمناء، إلي جانب محاولات التدبير لثورة مضادة من داخل السجن، بعد محاكمتها، إثر مؤامرتها مع ابنها علي «الملك» الذي مات مسموماً، وكانت في المقابل ثورة أخري كان يدبرها أحد أبناء رمسيس الثالث بمعاونة من رجال الدين والكهنة، الذين ساندوه، وولوه حكم البلاد، وهو رمسيس الرابع، الذي لم يستطع الخروج من عباءة الكهنة، الذين أداروا السلطة بعد أن سيطروا علي ملوك الأسرة الـ5 التي تدهورت وانتهت، وحل محلها دولة الكهنة ورجال الدين.
وثائق وبرديات التاريخ الفرعوني، رصدت العديد من الوقائع التي تتفق مع ظروف مصر الحالية، وتاريخها المعاصر، فبعد حكم الأسرة الـ19 تولي أحد الجند أمور الدولة وصار ملكاً وهو «حور محب» الذي انتهي عصره بسرعة، وتولي رجال الحرب حكم مصر، رمسيس الأول، الذي اتسع نفوذه وتنامي طموحه في التوسع، والأحلام الإمبراطورية، فدخل في العديد من الحروب، وحقق الكثير من الانتصارات، وبعده جاء رمسيس الثاني، الذي أراد أن يتوسع في البناء والعمارة والاستقرار، فعقد أول معاهدة سلام في التاريخ، وربما يكون سبقها معاهدات أخري في عصور سحيقة، لكن تأتي أهمية هذه المعاهدة باعتبارها موثقة علي جدران معبد الكرنك، وكانت مع الحيثيين في الشمال، لإنهاء فترة طويلة من الحروب بين الدولتين، واستمر حكمه «العرامسة» وجاء علي خلفية رمسيس الثاني رمسيس الثالث وهو من رجال الحرب من الدولة، وكانت بداية حكمه مزدهرة، وراح يوطد علاقاته مع الممالك المجاورة ويعيد للدولة مكانتها وتدريجياً بدأت زوجته الثانية تتوغل في دهاليز السلطة، ويتسع نفوذها، لدي حريم القصر
ومحظيات الفرعون، وأقاربهن من الموظفين والعامة، وكان للملك زوجات أخريات، لكن «تي مرن إيست» كان لها شأن، في الدولة ولدي العسكر، وقادة الجند، وحراس القصر «يشبهون الحرس الجمهوري الآن»، وكبير أمن القصر «يوازي منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية الذي تولاه زكريا عزمي في عهد مبارك».
هذه الزوجة لها ابن اسمه «بنتاتور» وأرادت بشتي الطرق توريثه حكم مصر.. وبدأت الفوضي تعم أرجاء البلاد وازداد عدد الفقراء، وفقد رمسيس الثالث قدرته علي إدارة شئون الدولة، فهو حكم 30 سنة في الفترة من 1182 ــ 1152 قبل الميلاد، في تلك الفترة تنامت سطوة «الحريم» فقد كانت الوظيفة الخاصة بهن قبل رمسيس الثالث، تسلية الملك، لم يكن لهن أي اتصال بالعالم الخارجي وهن معزولات عن قصر الملك ومعبده، لكن بوجود الزوجة التي تريد توريث العرش لابنها، زاد نفوذهن، وأصبحن يتعلقن بالعالم الخارجي، فنشط الاقتصاد وسوق العقارات لأنهن لعبن في هذا المجال بمعاونة الزوجة والابن، وأطلق علي الملك وقتها لقب «الثور العظيم».
رغبة الملكة في تولية ابنها، ساهم بقدر كبير في انتشار المؤامرات داخل القصر، بين أبناء الملك من زوجات أخريات، لكن «تي» استخدمت «الحريم» في التواصل مع العالم خارج القصر، وعلي العمال الذين يوردون المؤن ولوازم القصور الملكية، وقد دونت السجلات وقتها كراهية العمال لسيدهم الملك، وزكت الملكة هذه التوجهات وعندما اتسعت دائرة الفقر، لتشمل قطاعات عريضة من الرعية، ومن بينهم «البنائون» العاملون في المعابد والمقابر الملكية «يشبهون المندسين والطبقة المتوسطة في زماننا»، فقرروا القيام بأول إضراب عمالي في التاريخ، تنامي إلي ثورة شعبية غاضبة طالبت بالقضاء علي الملك رمسيس الثالث.
استغلت الزوجة علاقاتها مع أهل السلطة ووجدت ضالتها في شخصين من أقرب الموظفين في القصر للملك
وهما «بايبك آمون» كبير الأمناء وساقي الملك «مسو سورع» وأفشت بالأسرار الكامنة بداخلها اليهما وإلي ابنها «نبتاور» وكانت الرغبة هي القضاء علي الملك وتولية ابنها، وبدأت تغذي تلك الرغبة في عدد من رجال الحاشية للانضمام الي المتآمرين الرئيسيين. تجاوز عددهم عشرة من الموظفين ومنهم مشرف الخزانة يدعي «باب رع» وضابط مرمي الملك النوبي هو «بنموس» بتأثير من اخت له من حريم الملك، واستطاعت «تي» أن
تستقطب الي المتآمرين قائد الجيش «يببسي» ولأن هؤلاء المتآمرون من المقربين للملك كان الأمر غاية في الخطورة، واستطاع المتآمرين أن يضموا إليهم نساء بوابة القصر لضمان توصيل المراسلات بين الملكة وابنها وبقية الأفراد خارج القصر، وقد أرسلت أخت قائد الجيش خطابا لأخيها توصيه فيه بحض الأهالي علي عصيان فرعون، والعمل علي إثارة الفتنة، والقيام بثورة لقلب نظام الحكم وتوليه «نبتاور» علي عرش مصر وهو ما جري ودارت
المعارك وانكشفت خيوط المؤامرة بعد أنشرب الملك السم، وعندما شعر بأن الأمر انتهي أمر بمحاكمة المتورطين في هذه الثورة ومكث 18 يوما يصارع الموت حتي انتهي فتدخل الكهنة ورجال الدين لحماية أحد أبناء الملك والوقوف الي جانبه بما لهم من سطوة واتباع وولوه علي عرش مصر وهو رمسيس الرابع وراحوا يديرون البلاد باسمه، وجرت محاكمة «بنتاور» والآخرين وانتحر برشف السم،أما الملكة فسجنت مع بقية الحريم وداخل السجن
أدارت مؤامرة علي الشرطة باستخدام الحريم في الإغواء بغرض الانقلاب علي نجاح ثورة الكهنة ورجال الدين وأتباعهم، الذين نصبوا رمسيس الرابع علي العرش، لكن جري اكتشاف هذه المؤامرة وجري إعدام الجميع فكانت النهاية المأساوية لرمسيس الثالث ورجال حكمه وزوجته وابنه «بنتاور» الذي دفن بأحشائه بعد انتحاره بالسم، ودفن في المقابر الملكية، وتم العثور علي مقبرته والمومياء الخاصة به في المقبرة رقم 5،واكتشفها الأثري الأمريكي
«كنت ويكسي» منذ بضع سنوات وبدون أي هوية أوأوراق لكن قصته وأمه وأبيه مدونة علي ورقة أو مخطوطة «هاريس» الي جانب بعض الرسومات المنقوشة علي الجدران التي كانت تبين وتوضح رفاهية عائلة رمسيس الثالث الزوجة والأبناء والمقربين منهم الي جانب المهنة وذلك في الوقت الذي ساد فيه الجوع والفقر وعدم اكتمال بعض المشروعات والمعابد التي لم تكتمل حتي الآن.
القراءة الدقيقة لوقائع التاريخ المعاصر لا تختلف بأي حال من الأحوال عن الوقائع والأحداث التاريخية المدونة في سجلات وبرديات الفراعنة الخاصة بفترة حكم رمسيس الثالث التي استمرت ثلاثين عاما، حتي نهايته المأساوية.. وعقب انتهاء حكم أسرة محمد علي ورحيل فاروق عن مصر إثر ثورة 23 يوليو 1952 تولي محمد نجيب الذي ينتمي الي رجال الجند بالضبط مثل حور محب.. ولم يقض وقتا طويلا في السلطة وتلاه جمال عبدالناصر
الذي كان يحلم بالقومية العربية، وأحلام الامتداد لحماية الأمن القومي ودخل في حروب مع إسرائيل مثل رمسيس الأول ثم جاءالسادات الذي انتصر في حرب أكتوبر 1973 وبعدها عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، في نفس موقع الحيثيين، مثلما فعل رمسيس الثاني الذي عقد أول صلح موثق في التاريخ الإنساني ثم جاءت الأقدار بحسني مبارك الذي ينتمي أيضا الي العسكر وكانت بدايته في الحكم تميل الي الاعتدال، وإعادة العلاقات مع الدول
المجاورة لكن مع امتداد فترة الحكم وتنامي سلطة أفراد العائلة بدأت الأمور تفلت وتمسك بها الزوجة الطامحة في توريث حكم البلاد الي ابنها جمال وفي سبيل ذلك جرت العديد من المشاهد التي تتطابق مع ما جري في الأزمنة البعيدة حياة وصلت فيها الرفاهية مستوي غير مسبوق ثراء وعقارات، وتواصل مع نخب من الحكم والأقارب وتبنت مع كبير الأمناء زكريا عزمي وصفوت الشريف، وبعض من المقربين مشروع توريث حكم مصر الي ابنها جمال، فكانت كل أمور الدولة تسير في هذا الاتجاه واتسعت رقعة
الفقر،وازداد في المقابل الأثرياء ثراء فاحشا، وأقامت الأم مشروعات ومؤسسات نسائية مع زوجات لرجال في الوظائف العليا وسارت البلاد في طريق الانحدار من أجل رغبة الأم ولم يكن غريبا أن تعم الاحتجاجات من كفر الدوار، الي المدن الصناعية الأخري الي الطوائف السياسية المختلفة، فاندلعت ثورة شعبية حاولت فيها الأم، وبعض المقربين الذين تآمروا علي الدولة طيلة السنوات الماضية استثمار هذه الأحداث، لتولية جمال بادعاء السير في طريق الإصلاحات فالحاكم لم يكن في مقدوره اتخاذ قرار خلال
السنوات العشر التي سبقت نهايته فاستمرت المحاولات لقمع الثورة مدة 18 يوما فشلت جميعها وانتهي الأمر بخروج مبارك من السلطة وإلقاء رموز حكمه في السجن ويتردد كثيرا أن محاولات الثورة المضادة تجري بتدبير من الشخصيات التي فقدت سلطتها وأموالها وكانت النهاية المأساوية التي تشبه ما جري لأسرة رمسيس الثالث.