ابوعبدالعزيز
10-29-2011, 09:35 AM
شغلنا العاطفي عن السياسي في متابعة أكبر صفقة في تاريخ الصراع مع إسرائيل، تم خلالها الاتفاق على إطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
كانت النتيجة أننا حصلنا كثيرا من الانطباعات وقليلا من التحليلات والمعلومات، التي وجدتها وفيرة في الصحف الإسرائيلية.
(1)
«هذا أصعب قرار اتخذته في منصبي كرئيس للوزراء»
كان ذلك تعليق بنيامين نتنياهو على الصفقة أثناء اجتماع الحكومة الذي عقد لإقرارها، واستمر 5 ساعات.
هكذا قالت صحيفة يديعوت أحرنوت في ١٤/١٠. وأشارت إلى أنه حين ذكر في الاجتماع أن الدفعة الأولى من الأسرى ضمت 450 فلسطينيا أدينوا في قتل 599 إسرائيليا علق على ذلك أحد الوزراء قائلا إن الرقم يبعث على القشعريرة،
أما رئيس المخابرات يورام كوهين فقد قال إنها صفقة عسيرة الهضم للغاية. إلا أنها الأفضل الذي أمكن الحصول عليه.
وكتب ناحوم برنياع وشمعون شيفر في ذات الصحيفة أن القرار كان صعبا والثمن باهظا.
صحيفة هآرتس نقلت في 12/10 على لسان يورام كوهين قوله للصحفيين إن الصفقة لم تكن جيدة. فلم يكن أمامنا سبيل آخر لتحرير شاليط حيث لا يوجد خيار عسكري يحقق ذلك الهدف.
ناحوم برنياع عاد للكتابة في الموضوع، في ١٨/١٠ حيث قال: لقد خسرنا في هذه المعركة.. خسرنا لأننا لم نستطع أن نخلص «شاليط» بطرق أخرى.
خسرنا لأننا برهنا للفلسطينيين على أنه يمكن بالقوة إحراز الكثير جدا منا، لكنهم لا يحرزون شيئا بالتعاون معنا. وخسرنا لأننا اضطررنا إلى الاستسلام لإملاء يقترن بمخاطرة أمنية باهظة.
في اليوم ذاته نشرت صحيفة هآرتس مقالة تحت عنوان:
فشل الخيار العسكري أدى إلى صفقة شاليط.
كتب المقالة عاموس هرئيل وانشل بابر. تحدثا فيها عن «إخفاق وقلق للأذرع الأمنية. إذ تلقى الشاباك أكثر الضربات بعدما اعترف قادته بفشلهم في العثور على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة.
لكن فحصا دقيقا لأحداث السنوات الخمس الأخيرة يدل على أن الجيش الإسرائيلي له نصيبه الجوهري في الخلل الذي حدث.
في 19/10 كتب أمير اورن في الصحيفة ذاتها أنه: في الميزان التاريخي حققت حركة المقاومة الإسلامية انتصارا كبيرا. فقد أقدمت على خطوة وصمدت فيها وأخضعت إسرائيل. بما أثبت أن الصبر مجد.
وأن الزمن العربي ينتصر على الزمن الغربي
وأنه في ضوء طول النفس لا يوجد معنى للتفوق العسكري والتكنولوجي.
وإزاء ذلك فثمة احتمال لأن تختفي إسرائيل ذاتها بعد مرور عقود من الزمن.
(2)
عدد غير قليل من المعلقين انتقدوا موافقة نتنياهو على الصفقة. واستخدموا في ذلك عباراته التي نشرها في كتابه «مكان تحت الشمس».
وسجل فيه اعتراضه الشديد على صفقة تمت في عام 1985 لإطلاق سراح ألف أسير فلسطيني. وقال إنه كان سفيرا لدى الأمم المتحدة آنذاك. وحين علم بالأمر، كتب رسالة احتجاج واعتراض إلى وزيره المباشر (إسحاق شامير وزير الخارجية آنذاك)
وتساءل في الكتاب الذي صدر في عام 1995 بعد عشر سنوات من تلك الصفقة: كيف يمكن لإسرائيل أن تحث الولايات المتحدة والغرب على انتهاج سياسة عدم الاستسلام للإرهاب، بينما هي نفسها تخضع لهذا الشكل المخجل جدا؟
وذكر أن إطلاق ألف «مخرب» سيؤدي إلى تصعيد شديد للعنف، لأنهم سيستقبلون كأبطال يقتدي بهم الشباب الفلسطيني.
مضيفا في كتابه أن النتائج لم تتأخر في الوصول لأن إطلاق أولئك «المخربين» أدى إلى توفير مخزون من المحرضين والزعماء الذين أضرموا نار الانتفاضة «في عام 1987».
ابن كاسبيت كتب في «معاريف» قائلا إن كلام نتنياهو الأخير ينطبق على الوضع الراهن لأن أولئك «المخربين» الذين تم إطلاقهم أخيرا خرجوا في وقت يتزايد فيه الحديث عن الانتفاضة الثالثة ووصف يوم إتمام الصفقة بأنه يوم استسلام، جثت فيه إسرائيل على ركبتيها أمام حماس «12/10».
كيف حدث الاختراق؟ يديعوت أحرنوت روت القصة كالتالي في عدد 14/7 بعد خمس سنوات من الجمود. بدت خلالها الفجوة بين الطرفين غير قابلة للتجاوز أو الهلهلة.
تلقى ديفيد ميدان رجل الموساد البارز رسالة من شخص مستقل ــ غير إسرائيلي مفادها أن حماس مستعدة للتفاهم مجددا حول شروط إطلاق سراح جلعاد شاليط.
ميدان سافر للقاء الشخص الذي بعث بالرسالة. ومنذ ذلك اللقاء لم يتوقف الحوار اليومي بينهما.
استنفرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لأجل إتمام العملية، بعدما اطمأنت إلى أن قناة الحوار فتحت. استثمر ميدان هذه القناة وطلب من رجل الاتصال أن يأتي من حماس بورقة مكتوبة تحدد فيها طلباتها.
وبالفعل أعدت الوثيقة في آخر يونيو الماضي. وحين حدث ذلك وجدت إسرائيل أنها بحاجة إلى وسيط إقليمي مهم يرعى العملية. وقرروا أن المصريين يمكن أن يلعبوا دورهم في هذا الصدد.
وكانت هناك فكرة لإشراك الأتراك الذين عرضوا التوسط في الموضوع، رغم التوتر الحاصل بين البلدين، ولكن الإسرائيليين فضلوا أن يكون الوسيط هو مصر.
في نهاية شهر يوليو الماضي دعت مصر الطرفين إلى اللقاء في فندق معزول مطل على الأهرامات في القاهرة. أقاموا في غرف متجاورة وكان رجال المخابرات المصرية ذو الخبرة العريضة بالوضع العربي الإسرائيلي يتنقلون بين الطرفين.
في أول أكتوبر كان الاتفاق قد تم على التفاصيل. وبعدما أقرها مجلس الوزراء يوم الثلاثاء ١١/١٠ اتصل نتنياهو هاتفيا بالمشير محمد حسين طنطاوي لكي يشكره على الجهد الذي بذله رجال المخابرات المصرية في العملية.
بالمناسبة ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت في 12/10 أن اعتذار إسرائيل لمصر عن قتل الجنود المصريين الستة على الحدود كان من قبيل التقدير لدور مصر في إنهاء الصفقة، علما بأنها رفضت الاعتذار لتركيا عن قتل تسعة من أبنائها كانوا على السفينة مرمرة.
(3)
مما نشرته الصحف الإسرائيلية تبين أن حماس طلبت في أول توسط للألمان في الموضوع إطلاق عشرة آلاف وخمسمائة أسير فلسطيني مقابل تسليم جلعاد شاليط. وأن الإسرائيليين قبلوا بالحديث عن 450 فقط.
وأن بين المفرج عنهم 279 فلسطينيا ظلت إسرائيل تصر على احتجازهم في المفاوضات السابقة باعتبارهم من «الخطرين» ومن هؤلاء 25 شخصا وصفتهم الصحف الإسرائيلية بأنهم من «القتلة».
مما نشر أيضا أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وافق في إحدى جولات المفاوضات السابقة على إطلاق سراح 550 أسيرا من فتح وليس من حماس. وأيده في ذلك الرئيس السابق حسني مبارك. والأول أراد أن يجامل أبو مازن في حين أراد الثاني ألا يحسب الإنجاز لحماس. وهي الفكرة التي نحاها نتنياهو جانبا هذه المرة.
مما ذكرته صحيفة يديعوت أحرنوت في 14/10 أن أجهزة الأمن الإسرائيلية رفضت إطلاق سراح عدد من القيادات الفلسطينية ليس اعتراضا على أشخاصهم أو أفعالهم ولكن «لأنهم اعتقدوا أنه لا يجوز أن يفرج عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يزال مستقبلهم السياسي أمامهم برعاية حماس»،
بمعنى أن إسرائيل لا تريد أن يكون لحماس «دالة» أو فضل على هؤلاء الأشخاص الذين يفترض أن يكون لهم دور في مستقبل الساحة الفلسطينية.
من هؤلاء أشخاص مثل عبدالله البرغوثي المحكوم عليه بـ 67 مؤبدا وإبراهيم حامد الذي أدين في قتل 82 إسرائيليا، ومروان البرغوثي من قادة فتح في الضفة وأحمد سعدات قائد الجبهة الشعبية.
من المعلومات المثيرة للتساؤل والدهشة ما نشرته صحيفة يدعوت يوم 16/10 في مقالها الافتتاحي الذي كتبته سمدار بيري وذكرت فيه أن معارضي صفقة إطلاق الأسرى الفلسطينيين في السابق لم يكونوا رئيس الشاباك والموساد ورئيس الحكومة (أولمرت فقط)،
«ولكن الرئيس السابق حسني مبارك ووزير مخابراته عمر سليمان، بذلا جهدا غير ضئيل للتثبيط والتأخير، ولإقناع الإسرائيليين بعدم دفع الثمن الذي كان آنذاك أقل كثيرا مما دفع هذه المرة»!
ناحوم برنياع ذكر في مقاله الذي نشرته معاريف في (14/10) أنه في جولة سابقة للمفاوضات (عام 2009) طلب الإسرائيليون إبعاد أكثر من مائة أسير فلسطيني من العودة إلى الضفة، وقد أبدى اللواء عمر سليمان عدم اقتناعه بذلك المطلب وقال للإسرائيليين: أنتم تسيطرون بالكامل على الضفة، وإذا تبين أن أي واحد من أولئك «الإرهابيين» قد عاد للعمل فلن تكون لديكم أي مشكلة في القضاء عليه».
(4)
أحد الأسئلة التي يثيرها المشهد هو: لماذا أقدمت إسرائيل على هذه المغامرة الآن؟
لقد قيل إن نتنياهو يريد أن يتخفف من الضغوط الداخلية التي يواجهها بسبب ثورة المطالب الاجتماعية التي دفعت نحو نصف مليون إسرائيلي إلى التظاهر ضده، إضافة إلى أن نحو 90٪ من الإسرائيليين أصبحوا يتعاطفون مع قضية جلعاد شاليط ويؤيدون إطلاق سراحه. وهي خلفية غير مستبعدة ولكن الصحف الإسرائيلية تحدثت عن عنصر آخر يبدو أكثر أهمية.
فقد نشرت صحيفة «يديعوت» في 12/10 مقالا كتبه أليكس فيشمان كان عنوانه:
كل شيء من أجل إيران ــ تدور فكرته الأساسية حول أن نتنياهو بإغلاقه لملف شاليط وإطلاق ذلك العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين «أراد أن ينظف المائدة» لكي يشرع في التنسيق لمهمة جديدة تتعلق بمواجهة التهديد الذي تمثله إيران بمشروعها النووي،
وقال فيشمان إنه بإتمام الصفقة يحقق إجماعا داخليا ودوليا حوله للتقدم صوب ذلك الهدف، الذي سترحب به بعض الدول العربية. في مقدمتها مصر والمملكة السعودية.
فكرة استهداف إيران كررها ناحوم برنياع في يديعوت 19/10 وساني راحلفسكي في هآرتس (17/10) التي نشرت في 14/10 مقالا في ذات الاتجاه كتبه أمير أورن..
وقد ذكرت تلك الصحف أن زيارة ليون بانته وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب في بداية شهر أكتوبر كان من أهدافها تحذير حكومة إسرائيل من مهاجمة إيران دون التنسيق المسبق مع واشنطن.
ومما ذكره ناحوم بريناع في هذا الصدد أنه في عام 1991 حين أطلق صدام حسين صواريخ سكاد على إسرائيل، فإن نائب رئيس الأركان آنذاك إيهود باراك خطط لهجوم بري مضاد على قواعد الإطلاق، ولكن الأمريكيين عارضوا الخطة بشدة معتبرين أن من شأنها إفساد التحالف ضد النظام العراقي.
وقالوا إنهم سيعالجون الأمر بصورة أخرى. وحينذاك أرسلت وحدة مغاوير بريطانية إلى العراق لمهمة قريبة من الخطة الإسرائيلية، مما أدى إلى انخفاض عدد الصواريخ الموجهة ضد إسرائيل انخفاضا حادا. بعد ذلك التقى باراك قادة العملية البريطانيين وشكرهم باسم الجيش الإسرائيلي.
لا أفترض البراءة في الصحف الإسرائيلية، ولا أستطيع أن أؤكد ما إذا كان الكلام الذي تنشره يساعدنا على فهم ما جرى أو تصور ما سيجرى، أم أنه من قبيل «كلام الجرايد» الذي نعرفه،
لكن الذي لا أشك فيه أن الأيام القادمة ستجيب لنا على التساؤلات المثارة بهذا الخصوص.
كانت النتيجة أننا حصلنا كثيرا من الانطباعات وقليلا من التحليلات والمعلومات، التي وجدتها وفيرة في الصحف الإسرائيلية.
(1)
«هذا أصعب قرار اتخذته في منصبي كرئيس للوزراء»
كان ذلك تعليق بنيامين نتنياهو على الصفقة أثناء اجتماع الحكومة الذي عقد لإقرارها، واستمر 5 ساعات.
هكذا قالت صحيفة يديعوت أحرنوت في ١٤/١٠. وأشارت إلى أنه حين ذكر في الاجتماع أن الدفعة الأولى من الأسرى ضمت 450 فلسطينيا أدينوا في قتل 599 إسرائيليا علق على ذلك أحد الوزراء قائلا إن الرقم يبعث على القشعريرة،
أما رئيس المخابرات يورام كوهين فقد قال إنها صفقة عسيرة الهضم للغاية. إلا أنها الأفضل الذي أمكن الحصول عليه.
وكتب ناحوم برنياع وشمعون شيفر في ذات الصحيفة أن القرار كان صعبا والثمن باهظا.
صحيفة هآرتس نقلت في 12/10 على لسان يورام كوهين قوله للصحفيين إن الصفقة لم تكن جيدة. فلم يكن أمامنا سبيل آخر لتحرير شاليط حيث لا يوجد خيار عسكري يحقق ذلك الهدف.
ناحوم برنياع عاد للكتابة في الموضوع، في ١٨/١٠ حيث قال: لقد خسرنا في هذه المعركة.. خسرنا لأننا لم نستطع أن نخلص «شاليط» بطرق أخرى.
خسرنا لأننا برهنا للفلسطينيين على أنه يمكن بالقوة إحراز الكثير جدا منا، لكنهم لا يحرزون شيئا بالتعاون معنا. وخسرنا لأننا اضطررنا إلى الاستسلام لإملاء يقترن بمخاطرة أمنية باهظة.
في اليوم ذاته نشرت صحيفة هآرتس مقالة تحت عنوان:
فشل الخيار العسكري أدى إلى صفقة شاليط.
كتب المقالة عاموس هرئيل وانشل بابر. تحدثا فيها عن «إخفاق وقلق للأذرع الأمنية. إذ تلقى الشاباك أكثر الضربات بعدما اعترف قادته بفشلهم في العثور على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة.
لكن فحصا دقيقا لأحداث السنوات الخمس الأخيرة يدل على أن الجيش الإسرائيلي له نصيبه الجوهري في الخلل الذي حدث.
في 19/10 كتب أمير اورن في الصحيفة ذاتها أنه: في الميزان التاريخي حققت حركة المقاومة الإسلامية انتصارا كبيرا. فقد أقدمت على خطوة وصمدت فيها وأخضعت إسرائيل. بما أثبت أن الصبر مجد.
وأن الزمن العربي ينتصر على الزمن الغربي
وأنه في ضوء طول النفس لا يوجد معنى للتفوق العسكري والتكنولوجي.
وإزاء ذلك فثمة احتمال لأن تختفي إسرائيل ذاتها بعد مرور عقود من الزمن.
(2)
عدد غير قليل من المعلقين انتقدوا موافقة نتنياهو على الصفقة. واستخدموا في ذلك عباراته التي نشرها في كتابه «مكان تحت الشمس».
وسجل فيه اعتراضه الشديد على صفقة تمت في عام 1985 لإطلاق سراح ألف أسير فلسطيني. وقال إنه كان سفيرا لدى الأمم المتحدة آنذاك. وحين علم بالأمر، كتب رسالة احتجاج واعتراض إلى وزيره المباشر (إسحاق شامير وزير الخارجية آنذاك)
وتساءل في الكتاب الذي صدر في عام 1995 بعد عشر سنوات من تلك الصفقة: كيف يمكن لإسرائيل أن تحث الولايات المتحدة والغرب على انتهاج سياسة عدم الاستسلام للإرهاب، بينما هي نفسها تخضع لهذا الشكل المخجل جدا؟
وذكر أن إطلاق ألف «مخرب» سيؤدي إلى تصعيد شديد للعنف، لأنهم سيستقبلون كأبطال يقتدي بهم الشباب الفلسطيني.
مضيفا في كتابه أن النتائج لم تتأخر في الوصول لأن إطلاق أولئك «المخربين» أدى إلى توفير مخزون من المحرضين والزعماء الذين أضرموا نار الانتفاضة «في عام 1987».
ابن كاسبيت كتب في «معاريف» قائلا إن كلام نتنياهو الأخير ينطبق على الوضع الراهن لأن أولئك «المخربين» الذين تم إطلاقهم أخيرا خرجوا في وقت يتزايد فيه الحديث عن الانتفاضة الثالثة ووصف يوم إتمام الصفقة بأنه يوم استسلام، جثت فيه إسرائيل على ركبتيها أمام حماس «12/10».
كيف حدث الاختراق؟ يديعوت أحرنوت روت القصة كالتالي في عدد 14/7 بعد خمس سنوات من الجمود. بدت خلالها الفجوة بين الطرفين غير قابلة للتجاوز أو الهلهلة.
تلقى ديفيد ميدان رجل الموساد البارز رسالة من شخص مستقل ــ غير إسرائيلي مفادها أن حماس مستعدة للتفاهم مجددا حول شروط إطلاق سراح جلعاد شاليط.
ميدان سافر للقاء الشخص الذي بعث بالرسالة. ومنذ ذلك اللقاء لم يتوقف الحوار اليومي بينهما.
استنفرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لأجل إتمام العملية، بعدما اطمأنت إلى أن قناة الحوار فتحت. استثمر ميدان هذه القناة وطلب من رجل الاتصال أن يأتي من حماس بورقة مكتوبة تحدد فيها طلباتها.
وبالفعل أعدت الوثيقة في آخر يونيو الماضي. وحين حدث ذلك وجدت إسرائيل أنها بحاجة إلى وسيط إقليمي مهم يرعى العملية. وقرروا أن المصريين يمكن أن يلعبوا دورهم في هذا الصدد.
وكانت هناك فكرة لإشراك الأتراك الذين عرضوا التوسط في الموضوع، رغم التوتر الحاصل بين البلدين، ولكن الإسرائيليين فضلوا أن يكون الوسيط هو مصر.
في نهاية شهر يوليو الماضي دعت مصر الطرفين إلى اللقاء في فندق معزول مطل على الأهرامات في القاهرة. أقاموا في غرف متجاورة وكان رجال المخابرات المصرية ذو الخبرة العريضة بالوضع العربي الإسرائيلي يتنقلون بين الطرفين.
في أول أكتوبر كان الاتفاق قد تم على التفاصيل. وبعدما أقرها مجلس الوزراء يوم الثلاثاء ١١/١٠ اتصل نتنياهو هاتفيا بالمشير محمد حسين طنطاوي لكي يشكره على الجهد الذي بذله رجال المخابرات المصرية في العملية.
بالمناسبة ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت في 12/10 أن اعتذار إسرائيل لمصر عن قتل الجنود المصريين الستة على الحدود كان من قبيل التقدير لدور مصر في إنهاء الصفقة، علما بأنها رفضت الاعتذار لتركيا عن قتل تسعة من أبنائها كانوا على السفينة مرمرة.
(3)
مما نشرته الصحف الإسرائيلية تبين أن حماس طلبت في أول توسط للألمان في الموضوع إطلاق عشرة آلاف وخمسمائة أسير فلسطيني مقابل تسليم جلعاد شاليط. وأن الإسرائيليين قبلوا بالحديث عن 450 فقط.
وأن بين المفرج عنهم 279 فلسطينيا ظلت إسرائيل تصر على احتجازهم في المفاوضات السابقة باعتبارهم من «الخطرين» ومن هؤلاء 25 شخصا وصفتهم الصحف الإسرائيلية بأنهم من «القتلة».
مما نشر أيضا أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت وافق في إحدى جولات المفاوضات السابقة على إطلاق سراح 550 أسيرا من فتح وليس من حماس. وأيده في ذلك الرئيس السابق حسني مبارك. والأول أراد أن يجامل أبو مازن في حين أراد الثاني ألا يحسب الإنجاز لحماس. وهي الفكرة التي نحاها نتنياهو جانبا هذه المرة.
مما ذكرته صحيفة يديعوت أحرنوت في 14/10 أن أجهزة الأمن الإسرائيلية رفضت إطلاق سراح عدد من القيادات الفلسطينية ليس اعتراضا على أشخاصهم أو أفعالهم ولكن «لأنهم اعتقدوا أنه لا يجوز أن يفرج عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يزال مستقبلهم السياسي أمامهم برعاية حماس»،
بمعنى أن إسرائيل لا تريد أن يكون لحماس «دالة» أو فضل على هؤلاء الأشخاص الذين يفترض أن يكون لهم دور في مستقبل الساحة الفلسطينية.
من هؤلاء أشخاص مثل عبدالله البرغوثي المحكوم عليه بـ 67 مؤبدا وإبراهيم حامد الذي أدين في قتل 82 إسرائيليا، ومروان البرغوثي من قادة فتح في الضفة وأحمد سعدات قائد الجبهة الشعبية.
من المعلومات المثيرة للتساؤل والدهشة ما نشرته صحيفة يدعوت يوم 16/10 في مقالها الافتتاحي الذي كتبته سمدار بيري وذكرت فيه أن معارضي صفقة إطلاق الأسرى الفلسطينيين في السابق لم يكونوا رئيس الشاباك والموساد ورئيس الحكومة (أولمرت فقط)،
«ولكن الرئيس السابق حسني مبارك ووزير مخابراته عمر سليمان، بذلا جهدا غير ضئيل للتثبيط والتأخير، ولإقناع الإسرائيليين بعدم دفع الثمن الذي كان آنذاك أقل كثيرا مما دفع هذه المرة»!
ناحوم برنياع ذكر في مقاله الذي نشرته معاريف في (14/10) أنه في جولة سابقة للمفاوضات (عام 2009) طلب الإسرائيليون إبعاد أكثر من مائة أسير فلسطيني من العودة إلى الضفة، وقد أبدى اللواء عمر سليمان عدم اقتناعه بذلك المطلب وقال للإسرائيليين: أنتم تسيطرون بالكامل على الضفة، وإذا تبين أن أي واحد من أولئك «الإرهابيين» قد عاد للعمل فلن تكون لديكم أي مشكلة في القضاء عليه».
(4)
أحد الأسئلة التي يثيرها المشهد هو: لماذا أقدمت إسرائيل على هذه المغامرة الآن؟
لقد قيل إن نتنياهو يريد أن يتخفف من الضغوط الداخلية التي يواجهها بسبب ثورة المطالب الاجتماعية التي دفعت نحو نصف مليون إسرائيلي إلى التظاهر ضده، إضافة إلى أن نحو 90٪ من الإسرائيليين أصبحوا يتعاطفون مع قضية جلعاد شاليط ويؤيدون إطلاق سراحه. وهي خلفية غير مستبعدة ولكن الصحف الإسرائيلية تحدثت عن عنصر آخر يبدو أكثر أهمية.
فقد نشرت صحيفة «يديعوت» في 12/10 مقالا كتبه أليكس فيشمان كان عنوانه:
كل شيء من أجل إيران ــ تدور فكرته الأساسية حول أن نتنياهو بإغلاقه لملف شاليط وإطلاق ذلك العدد الكبير من الأسرى الفلسطينيين «أراد أن ينظف المائدة» لكي يشرع في التنسيق لمهمة جديدة تتعلق بمواجهة التهديد الذي تمثله إيران بمشروعها النووي،
وقال فيشمان إنه بإتمام الصفقة يحقق إجماعا داخليا ودوليا حوله للتقدم صوب ذلك الهدف، الذي سترحب به بعض الدول العربية. في مقدمتها مصر والمملكة السعودية.
فكرة استهداف إيران كررها ناحوم برنياع في يديعوت 19/10 وساني راحلفسكي في هآرتس (17/10) التي نشرت في 14/10 مقالا في ذات الاتجاه كتبه أمير أورن..
وقد ذكرت تلك الصحف أن زيارة ليون بانته وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب في بداية شهر أكتوبر كان من أهدافها تحذير حكومة إسرائيل من مهاجمة إيران دون التنسيق المسبق مع واشنطن.
ومما ذكره ناحوم بريناع في هذا الصدد أنه في عام 1991 حين أطلق صدام حسين صواريخ سكاد على إسرائيل، فإن نائب رئيس الأركان آنذاك إيهود باراك خطط لهجوم بري مضاد على قواعد الإطلاق، ولكن الأمريكيين عارضوا الخطة بشدة معتبرين أن من شأنها إفساد التحالف ضد النظام العراقي.
وقالوا إنهم سيعالجون الأمر بصورة أخرى. وحينذاك أرسلت وحدة مغاوير بريطانية إلى العراق لمهمة قريبة من الخطة الإسرائيلية، مما أدى إلى انخفاض عدد الصواريخ الموجهة ضد إسرائيل انخفاضا حادا. بعد ذلك التقى باراك قادة العملية البريطانيين وشكرهم باسم الجيش الإسرائيلي.
لا أفترض البراءة في الصحف الإسرائيلية، ولا أستطيع أن أؤكد ما إذا كان الكلام الذي تنشره يساعدنا على فهم ما جرى أو تصور ما سيجرى، أم أنه من قبيل «كلام الجرايد» الذي نعرفه،
لكن الذي لا أشك فيه أن الأيام القادمة ستجيب لنا على التساؤلات المثارة بهذا الخصوص.