جمال
10-29-2011, 07:57 AM
اعتقد أن واشنطن ستتنحى جانبا عندما تقوم العراق بغزو الكويت
28 أكتوبر 2011
في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1986 اجتمع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بكبار مساعديه في جلسة استراتيجية مهمة. وقبل ذلك بيومين، كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان قد اعترف في خطاب متلفز بأن إدارته قد أرسلت أسلحة وقطع غيار عسكرية إلى إيران.
وقد لمح صدام حسين إلى أن الولايات المتحدة تحاول إطالة أمد الحرب بين إيران والعراق، التي كانت قد دخلت عامها السادس بالفعل وسط خسائر بشرية هائلة في صفوف الجيش العراقي، حيث قال صدام:
«لا يمكن أن تكون هذه إلا مؤامرة ضد العراق». وفي الحقيقة، كانت إدارة ريغان قد قامت بإرسال هذه الشحنة لإيران لعدة أسباب ليس لها أي علاقة بالعراق، وكانت هذه الأسباب تتلخص في تأمين إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان، وفتح قناة للاتصال بالقيادة الجديدة في طهران، وتحقيق أرباح يمكن إرسالها إلى المتمردين في نيكاراغوا. لكن صدام حسين لم يتخل عن وجهة نظره التآمرية؛ حيث أشار إلى مبيعات السلاح مرة أخرى خلال لقائه المصيري في الخامس والعشرين من شهر يوليو (تموز) عام 1990 مع ابريل غلاسبي، السفيرة الأميركية في بغداد في ذلك الوقت، عندما أخطأ مرة أخرى واعتقد أن واشنطن ستتنحى جانبا عندما يقوم الجيش العراقي بغزو الكويت بعد ذلك بأسبوع.
بعد غزو العراق عام 2003، عثرت القوات الأميركية على أرشيف ضخم من الوثائق والاجتماعات المسجلة التي وضعت بعد ذلك في شكل رقمي بجامعة الدفاع الوطني الأميركية. ولم يتم الإعلان عن التفاصيل الموجودة في معظم تلك الوثائق، ولكن تم كشف جزء صغير من تلك الوثائق للباحثين في الخارج، كما تم الكشف عن 20 وثيقة يوم الثلاثاء الماضي بالتزامن مع انعقاد مؤتمر حول الحرب العراقية - الإيرانية في «مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء» في واشنطن.
ونحن في عصر «ويكيليكس»، لم يتم سرد تفاصيل التأملات الخاصة بأحد الزعماء التي تكشف حساباته وتصوراته تجاه السياسة الأميركية. إنها النسخة العراقية من أشرطة المكتب البيضاوي التي ساعدت على إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون وقدمت للمؤرخين نافذة على البيت الأبيض خلال الفترة بين عامي 1940 و1973.
وفي حالة صدام حسين، فإن الوثائق التي تم العثور عليها تصف زعيما يميل إلى رؤية الأعداء في كل مكان ولا يستطيع قراءة الدبلوماسية خارج منطقة الشرق الأوسط، زعيما لديه طموحات كبرى لبلاده، ولكنه كان يعاني من سوء تقدير على درجة كبيرة.
لقد قلل صدام حسين من شأن الجيش الإيراني لدرجة جعلته يعتقد بشكل خاطئ أن الضربات الجوية الإيرانية خلال الحرب العراقية - الإيرانية قد قامت بها الطائرات الحربية الإسرائيلية وليست الطائرات الإيرانية. لقد اختار هو شخصيا الصواريخ التي تم استخدامها في هجوم على إحدى المدن الإيرانية، وكان يتباهى بأن العراق لديه ترسانة من الأسلحة الكيماوية التي يمكن أن «تبيد الآلاف».
لقد شعر صدام حسين بتهديد كبير نتيجة لصعود الجماعات الإسلامية المتشددة، مما جعله يحاول «خداع» العامة من خلال الإشارة إلى أن حكومته تتبع القيم الإسلامية هي الأخرى.
ومن الناحية التاريخية، فإن قرار صدام حسين بالهجوم على إيران، ورد فعله على قضية «إيران كونترا» هما الأكثر إثارة للاهتمام في تلك الوثائق.
لقد قام صدام حسين بإعداد مسرح الحرب مع إيران من خلال التنكر لاتفاق كان قد تم التوصل إليه في عام 1975 بشأن ممر شط العرب المتنازع عليه بين البلدين. وقال اماتزيا بارام، وهو خبير إسرائيلي في الشؤون العراقية كان قد درس ما جاء في الأرشيف الذي تم العثور عليه، إن صدام حسين قد اتخذ هذا القرار المحوري أثناء اجتماع عقد في السادس عشر من شهر سبتمبر (أيلول) عام 1980 عندما كان يعتقد بأن الإيرانيين سيستسلمون خوفا من القوات العراقية الموجودة بالقرب من الحدود.
وثمة تقرير سري من المخابرات العسكرية العراقية تؤيد وجهة نظر صدام حسين، حيث يقول التقرير: «من الواضح أن إيران، في الوقت الراهن، غير قادرة على شن عمليات هجومية واسعة النطاق ضد العراق أو الدفاع على نطاق واسع»، وأشار التقرير إلى «مزيد من التدهور في قدرة إيران على القتال».
ومع ذلك، اتضح أن الحرب، التي استمرت 8 سنوات وأسفرت عن مصرع مئات الآلاف، كانت أكثر صعوبة مما كان يتوقع صدام حسين. وبعد وقت قصير من بداية الحرب، قامت الطائرات الإيرانية بقصف سلسلة من الأهداف، بما في ذلك مصافي النفط العراقية ومحطة «أوزيراك» النووية (مفاعل تموز) جنوب العاصمة العراقية بغداد. وقد فوجئ العراقيون بهذا الهجوم لدرجة جعلتهم يعتقدون في بداية الأمر أن من قام بذلك هي القوات الإسرائيلية.
وخلال اجتماع له في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980، قال صدام حسين: «إنها إسرائيل»، ثم أشار بعد ذلك إلى أن المسؤولين العراقيين لم يتبعوا تعليماته بإنشاء المحطة النووية تحت جبال حمرين شمالي بغداد، قبل الموافقة على خطة لتحصينها بالملايين من أكياس الرمال. ولكن ثبت أن أكياس الرمال لم تكن مفيدة عندما قام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف الموقع بالفعل في شهر يونيو (حزيران) عام 1981.
وبعد ذلك، قال صدام حسين إنه لم يفاجأ بشعور إسرائيل بالتهديد من جانب العراق الذي سينتصر على إيران ويكون لديه جيش أقوى من ذي قبل. وفي إحدى المقابلات الشخصية معه في عام 1982، قال صدام حسين: «بمجرد أن ينتصر العراق، لن تكون هناك إسرائيل. من الناحية التقنية، هم محقون في كل محاولاتهم لإلحاق الأذى بالعراق».
وعندما بدأت الحرب العراقية - الإيرانية، لم يتردد صدام حسين في تقديم النصح في ساحة المعركة، على الرغم من معرفته السطحية بالأسلحة والتكتيكات. وخلال أحد الاجتماعات في 1 أكتوبر عام 1980 الذي ناقش قصف منطقة عبادان في جنوب إيران، قال صدام حسين: «هل لديكم مدافع تسقط عليهم قذائف أثناء وجودهم في الشوارع؟ نريد أن تكون خسائرهم كبيرة».
وقد كان صدام ودودا في كثير من الأحيان مع حاشيته، ولكنه كان شديد القسوة مع القوات التي يرسلها للحرب. في بداية الحرب مع إيران، كان صدام حسين محبطا من أداء الطيارين العراقيين الذين عادوا من إيران بعدما فشلوا في إصابة أهدافهم، ولذا قرر إعدامهم ليكونوا عبرة لغيرهم من الطيارين، وهو الأسلوب الذي كان متبعا على نطاق واسع أثناء الحرب، حسب تصريحات قادة عراقيين سابقين.
وقد ثبت أن قضية «إيران كونترا» كانت مريرة لصدام حسين ومساعديه الذين ظلوا عاجزين عن فهمها لمدة أسابيع. إنهم لم يتمكنوا من فهم السبب الذي جعل إدارة ريغان تتخذ إجراءات عسكرية ضد ليبيا في عام 1986 وتمد يد العون لإيران التي وصفها صدام حسين بأنها: «تلعب دورا أكبر في الإرهاب». وأضاف الرئيس العراقي الأسبق: «أنا أحاول أن أفهم بالضبط ما حدث هنا». من جانبه، أشار طارق عزيز، وزير خارجيته لسنوات طويلة، إلى أن العراق، ربما على سبيل المزاح، قد يؤيد استقلال بورتوريكو.
ومع ذلك، قال صدام حسين إن هناك شيئا أكثر أهمية من بورتوريكو وهو الكفاح من أجل التأثير في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، وأضاف: «إنهم يحبون الإيرانيين أكثر منا. إنهم لا يحبونهم لأنهم ألطف أو أفضل منا، ولكن لأنهم يمكن سحبهم من الشوارع في سيارة بكل سهولة»، في إشارة إلى أن الإيرانيين مثل البغايا في الشوارع.
وبقدر عدم ثقته في الولايات المتحدة، كان صدام يخشى أن يحاول الاتحاد السوفياتي إطالة أمد الحرب العراقية - الإيرانية حتى يصرف نظر إيران عن مساعدة المسلمين في أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي، حسب ما ورد في الوثائق. ويظهر أحد التسجيلات غير المؤرخة الذي يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي أن طارق عزيز قد وصف خافيير بيريس دي كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة لفترة طويلة، بأنه دمية تحركها الولايات المتحدة كيفما تشاء. وقال عزيز: «أعني أنه كان يعيش في نيويورك على مدار 15 أو الـ20 عاما الماضية، وهي مدينة يهودية».
وقال هال براندز، وهو أستاذ مساعد في جامعة ديوك الذي قام بدراسة الأرشيف الذي تم العثور عليه في العراق عام 2003، إن صعود صدام حسين إلى السلطة، نتيجة سنوات من التآمر والتناحر الوحشي لحزب البعث، ربما أثر على وجهة نظره تجاه بلدان أخرى. وأضاف براندز: «لقد جاء إلى السلطة من خلال الوسائل التآمرية، ولذا افترض أن الجميع يعملون بهذه الطريقة».
وقد استمرت فكرة أن إسرائيل والغرب قد جندوا بعض القوات لتقويض حكومته حتى بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق؛ ففي عام 1990، تدخل صدام حسين بنفسه لضمان تنفيذ حكم الإعدام ضد فرزاد بازوفت، وهو صحافي إيراني المولد كان يعمل لحساب صحيفة «ذي أوبزرفر» البريطانية.
وكان بازوفت يحقق في انفجار غامض في إحدى المنشآت العسكرية جنوب العاصمة العراقية بغداد عندما تم القبض عليه ووجهت إليه تهمة التجسس لصالح إسرائيل. وقد حظيت قضية بازوفت باهتمام إعلامي كبير على مستوى العالم، وناشدت الحكومة البريطانية العراق أن يتحلى بالرأفة، ولكن صدام حسين لم يلق بالا لذلك وأمر القضاء العراقي أن ينتهي من تلك القضية في غضون شهر، وأنه سيكون هو المسؤول عن تلك القضية.
وقال صدام حسين: «شهر كامل. أعتقد أننا يجب أن نقوم بإعدامه في شهر رمضان، وستكون هذه بمثابة عقوبة لمارغريت ثاتشر».
وقد تم إعدام بازوفت في الخامس عشر من شهر مارس (آذار) عام 1990 بعد ستة أشهر من اعتقاله، وقبل فترة وجيزة من بداية شهر رمضان. وردا على ذلك، استدعت بريطانيا سفيرها في بغداد. وبعد ذلك بأقل من خمسة أشهر، قامت القوات العراقية بغزو الكويت
28 أكتوبر 2011
في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1986 اجتمع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بكبار مساعديه في جلسة استراتيجية مهمة. وقبل ذلك بيومين، كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان قد اعترف في خطاب متلفز بأن إدارته قد أرسلت أسلحة وقطع غيار عسكرية إلى إيران.
وقد لمح صدام حسين إلى أن الولايات المتحدة تحاول إطالة أمد الحرب بين إيران والعراق، التي كانت قد دخلت عامها السادس بالفعل وسط خسائر بشرية هائلة في صفوف الجيش العراقي، حيث قال صدام:
«لا يمكن أن تكون هذه إلا مؤامرة ضد العراق». وفي الحقيقة، كانت إدارة ريغان قد قامت بإرسال هذه الشحنة لإيران لعدة أسباب ليس لها أي علاقة بالعراق، وكانت هذه الأسباب تتلخص في تأمين إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في لبنان، وفتح قناة للاتصال بالقيادة الجديدة في طهران، وتحقيق أرباح يمكن إرسالها إلى المتمردين في نيكاراغوا. لكن صدام حسين لم يتخل عن وجهة نظره التآمرية؛ حيث أشار إلى مبيعات السلاح مرة أخرى خلال لقائه المصيري في الخامس والعشرين من شهر يوليو (تموز) عام 1990 مع ابريل غلاسبي، السفيرة الأميركية في بغداد في ذلك الوقت، عندما أخطأ مرة أخرى واعتقد أن واشنطن ستتنحى جانبا عندما يقوم الجيش العراقي بغزو الكويت بعد ذلك بأسبوع.
بعد غزو العراق عام 2003، عثرت القوات الأميركية على أرشيف ضخم من الوثائق والاجتماعات المسجلة التي وضعت بعد ذلك في شكل رقمي بجامعة الدفاع الوطني الأميركية. ولم يتم الإعلان عن التفاصيل الموجودة في معظم تلك الوثائق، ولكن تم كشف جزء صغير من تلك الوثائق للباحثين في الخارج، كما تم الكشف عن 20 وثيقة يوم الثلاثاء الماضي بالتزامن مع انعقاد مؤتمر حول الحرب العراقية - الإيرانية في «مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء» في واشنطن.
ونحن في عصر «ويكيليكس»، لم يتم سرد تفاصيل التأملات الخاصة بأحد الزعماء التي تكشف حساباته وتصوراته تجاه السياسة الأميركية. إنها النسخة العراقية من أشرطة المكتب البيضاوي التي ساعدت على إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون وقدمت للمؤرخين نافذة على البيت الأبيض خلال الفترة بين عامي 1940 و1973.
وفي حالة صدام حسين، فإن الوثائق التي تم العثور عليها تصف زعيما يميل إلى رؤية الأعداء في كل مكان ولا يستطيع قراءة الدبلوماسية خارج منطقة الشرق الأوسط، زعيما لديه طموحات كبرى لبلاده، ولكنه كان يعاني من سوء تقدير على درجة كبيرة.
لقد قلل صدام حسين من شأن الجيش الإيراني لدرجة جعلته يعتقد بشكل خاطئ أن الضربات الجوية الإيرانية خلال الحرب العراقية - الإيرانية قد قامت بها الطائرات الحربية الإسرائيلية وليست الطائرات الإيرانية. لقد اختار هو شخصيا الصواريخ التي تم استخدامها في هجوم على إحدى المدن الإيرانية، وكان يتباهى بأن العراق لديه ترسانة من الأسلحة الكيماوية التي يمكن أن «تبيد الآلاف».
لقد شعر صدام حسين بتهديد كبير نتيجة لصعود الجماعات الإسلامية المتشددة، مما جعله يحاول «خداع» العامة من خلال الإشارة إلى أن حكومته تتبع القيم الإسلامية هي الأخرى.
ومن الناحية التاريخية، فإن قرار صدام حسين بالهجوم على إيران، ورد فعله على قضية «إيران كونترا» هما الأكثر إثارة للاهتمام في تلك الوثائق.
لقد قام صدام حسين بإعداد مسرح الحرب مع إيران من خلال التنكر لاتفاق كان قد تم التوصل إليه في عام 1975 بشأن ممر شط العرب المتنازع عليه بين البلدين. وقال اماتزيا بارام، وهو خبير إسرائيلي في الشؤون العراقية كان قد درس ما جاء في الأرشيف الذي تم العثور عليه، إن صدام حسين قد اتخذ هذا القرار المحوري أثناء اجتماع عقد في السادس عشر من شهر سبتمبر (أيلول) عام 1980 عندما كان يعتقد بأن الإيرانيين سيستسلمون خوفا من القوات العراقية الموجودة بالقرب من الحدود.
وثمة تقرير سري من المخابرات العسكرية العراقية تؤيد وجهة نظر صدام حسين، حيث يقول التقرير: «من الواضح أن إيران، في الوقت الراهن، غير قادرة على شن عمليات هجومية واسعة النطاق ضد العراق أو الدفاع على نطاق واسع»، وأشار التقرير إلى «مزيد من التدهور في قدرة إيران على القتال».
ومع ذلك، اتضح أن الحرب، التي استمرت 8 سنوات وأسفرت عن مصرع مئات الآلاف، كانت أكثر صعوبة مما كان يتوقع صدام حسين. وبعد وقت قصير من بداية الحرب، قامت الطائرات الإيرانية بقصف سلسلة من الأهداف، بما في ذلك مصافي النفط العراقية ومحطة «أوزيراك» النووية (مفاعل تموز) جنوب العاصمة العراقية بغداد. وقد فوجئ العراقيون بهذا الهجوم لدرجة جعلتهم يعتقدون في بداية الأمر أن من قام بذلك هي القوات الإسرائيلية.
وخلال اجتماع له في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1980، قال صدام حسين: «إنها إسرائيل»، ثم أشار بعد ذلك إلى أن المسؤولين العراقيين لم يتبعوا تعليماته بإنشاء المحطة النووية تحت جبال حمرين شمالي بغداد، قبل الموافقة على خطة لتحصينها بالملايين من أكياس الرمال. ولكن ثبت أن أكياس الرمال لم تكن مفيدة عندما قام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف الموقع بالفعل في شهر يونيو (حزيران) عام 1981.
وبعد ذلك، قال صدام حسين إنه لم يفاجأ بشعور إسرائيل بالتهديد من جانب العراق الذي سينتصر على إيران ويكون لديه جيش أقوى من ذي قبل. وفي إحدى المقابلات الشخصية معه في عام 1982، قال صدام حسين: «بمجرد أن ينتصر العراق، لن تكون هناك إسرائيل. من الناحية التقنية، هم محقون في كل محاولاتهم لإلحاق الأذى بالعراق».
وعندما بدأت الحرب العراقية - الإيرانية، لم يتردد صدام حسين في تقديم النصح في ساحة المعركة، على الرغم من معرفته السطحية بالأسلحة والتكتيكات. وخلال أحد الاجتماعات في 1 أكتوبر عام 1980 الذي ناقش قصف منطقة عبادان في جنوب إيران، قال صدام حسين: «هل لديكم مدافع تسقط عليهم قذائف أثناء وجودهم في الشوارع؟ نريد أن تكون خسائرهم كبيرة».
وقد كان صدام ودودا في كثير من الأحيان مع حاشيته، ولكنه كان شديد القسوة مع القوات التي يرسلها للحرب. في بداية الحرب مع إيران، كان صدام حسين محبطا من أداء الطيارين العراقيين الذين عادوا من إيران بعدما فشلوا في إصابة أهدافهم، ولذا قرر إعدامهم ليكونوا عبرة لغيرهم من الطيارين، وهو الأسلوب الذي كان متبعا على نطاق واسع أثناء الحرب، حسب تصريحات قادة عراقيين سابقين.
وقد ثبت أن قضية «إيران كونترا» كانت مريرة لصدام حسين ومساعديه الذين ظلوا عاجزين عن فهمها لمدة أسابيع. إنهم لم يتمكنوا من فهم السبب الذي جعل إدارة ريغان تتخذ إجراءات عسكرية ضد ليبيا في عام 1986 وتمد يد العون لإيران التي وصفها صدام حسين بأنها: «تلعب دورا أكبر في الإرهاب». وأضاف الرئيس العراقي الأسبق: «أنا أحاول أن أفهم بالضبط ما حدث هنا». من جانبه، أشار طارق عزيز، وزير خارجيته لسنوات طويلة، إلى أن العراق، ربما على سبيل المزاح، قد يؤيد استقلال بورتوريكو.
ومع ذلك، قال صدام حسين إن هناك شيئا أكثر أهمية من بورتوريكو وهو الكفاح من أجل التأثير في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، وأضاف: «إنهم يحبون الإيرانيين أكثر منا. إنهم لا يحبونهم لأنهم ألطف أو أفضل منا، ولكن لأنهم يمكن سحبهم من الشوارع في سيارة بكل سهولة»، في إشارة إلى أن الإيرانيين مثل البغايا في الشوارع.
وبقدر عدم ثقته في الولايات المتحدة، كان صدام يخشى أن يحاول الاتحاد السوفياتي إطالة أمد الحرب العراقية - الإيرانية حتى يصرف نظر إيران عن مساعدة المسلمين في أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفياتي، حسب ما ورد في الوثائق. ويظهر أحد التسجيلات غير المؤرخة الذي يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي أن طارق عزيز قد وصف خافيير بيريس دي كويلار، الأمين العام للأمم المتحدة لفترة طويلة، بأنه دمية تحركها الولايات المتحدة كيفما تشاء. وقال عزيز: «أعني أنه كان يعيش في نيويورك على مدار 15 أو الـ20 عاما الماضية، وهي مدينة يهودية».
وقال هال براندز، وهو أستاذ مساعد في جامعة ديوك الذي قام بدراسة الأرشيف الذي تم العثور عليه في العراق عام 2003، إن صعود صدام حسين إلى السلطة، نتيجة سنوات من التآمر والتناحر الوحشي لحزب البعث، ربما أثر على وجهة نظره تجاه بلدان أخرى. وأضاف براندز: «لقد جاء إلى السلطة من خلال الوسائل التآمرية، ولذا افترض أن الجميع يعملون بهذه الطريقة».
وقد استمرت فكرة أن إسرائيل والغرب قد جندوا بعض القوات لتقويض حكومته حتى بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق؛ ففي عام 1990، تدخل صدام حسين بنفسه لضمان تنفيذ حكم الإعدام ضد فرزاد بازوفت، وهو صحافي إيراني المولد كان يعمل لحساب صحيفة «ذي أوبزرفر» البريطانية.
وكان بازوفت يحقق في انفجار غامض في إحدى المنشآت العسكرية جنوب العاصمة العراقية بغداد عندما تم القبض عليه ووجهت إليه تهمة التجسس لصالح إسرائيل. وقد حظيت قضية بازوفت باهتمام إعلامي كبير على مستوى العالم، وناشدت الحكومة البريطانية العراق أن يتحلى بالرأفة، ولكن صدام حسين لم يلق بالا لذلك وأمر القضاء العراقي أن ينتهي من تلك القضية في غضون شهر، وأنه سيكون هو المسؤول عن تلك القضية.
وقال صدام حسين: «شهر كامل. أعتقد أننا يجب أن نقوم بإعدامه في شهر رمضان، وستكون هذه بمثابة عقوبة لمارغريت ثاتشر».
وقد تم إعدام بازوفت في الخامس عشر من شهر مارس (آذار) عام 1990 بعد ستة أشهر من اعتقاله، وقبل فترة وجيزة من بداية شهر رمضان. وردا على ذلك، استدعت بريطانيا سفيرها في بغداد. وبعد ذلك بأقل من خمسة أشهر، قامت القوات العراقية بغزو الكويت