سيد مرحوم
11-30-2004, 10:17 AM
الإصلاح في الحوزة العلمية
وحركة الاسلام
http://www.bintjbeil.com/A/news/2003/images/mohammed_baqer_alhakim.jpg
السيد الشهيد محمد باقر الحكيم
مناهج الاصلاح:
انّ حركة الاصلاح في الحوزات العلمية في تقويم عام لها سارت ضمن منهجين رئيسيين، قد يلتقيان في بعض المفردات والمصاديق ولكنهما يختلفان بشكل رئيسي في المنطلقات الاساسية والتصور العام.
المنهج الاول: هو الانطلاق بالاصلاح من النظرية الاسلامية عقائدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً وأهدافها ومن قضايا الامة الرئيسية المعاشة وهمومها العامة الفعلية ذات العلاقة بتلك الرؤية، ويتحرك الاصلاح بعد ذلك على المفردات والمصاديق المختلفة والكثيرة ذات العلاقة بهذه القضايا والهموم، والتي تمثل بتفاصيلها مصاديق لمعالجة وتناول تلك القضايا والهموم، وتصب في خدمة الاهداف الكلية.
كما انّ النظرة العامة في هذا المنهج هي نظرة كلية وشمولية تؤمن بالترابط الموضوعي والعلاقة التركيبية، والتأثيرات المتبادلة الايجابية أو السلبية بين المفردات والاجزاء والمصاديق.
المنهج الثاني: الانطلاق بالاصلاح من مفردات المشاكل القائمة في المجتمع الانساني وتفاصيلها الجزئية لمعالجتها واحدة بعد الاخرى ضمن النظام القائم والواقع المعاش،
وحسب الامكانات الميسورة في هذا الشخص وهذه الجماعات والاولويات في فهم المشكلة وحجمها وأهميتها في المجتمع أو دورها في الاصلاح العام.
والنظرة في هذا المنهج نظرة تجزيئية وهي قد ترى في أحسن الحالات انّ اصلاح الاجزاء والمفردات والمصاديق وضم بعضها الى الآخر يؤدي في النهاية الى اصلاح الكل، لأنّ الكل هو مجموع هذه الاجزاء، أو انها ترى انّ الميسور من الاصلاح أو الممكن منه هو الاصلاح الجزئي في هذه المفردات أو تلك، لأنّ الاصلاح العام متعذر.
ومن الواضح انّ هذين المنهجين قد يلتقيان في الاهتمام بهذه المفردة أو تلك إلاّ أنهما يختلفان كما ذكرنا بينهما بصورة أساسية في المنطلقات في فهم عملية الاصلاح والنظرة العامة للاشياء، أو التقدير للظروف السياسية والاجتماعية.
ومن الملاحظ انّ حركة الاصلاح في الحوزة العلمية شهدت في تاريخها المعاصر كلاً من المنهجين ووجد كل واحد منهما رجاله وشخصياته من الناحية الخارجية والظاهرية التي يمكن استكشافها من خلال السلوك والمواقف مع قطع النظر عن الجانب الخفي المتمثل بالنوايا أو المتبنيات العقائدية الواقعية.
وهنا لابد أن نسجل هذه الملاحظة المهمة في تقييمنا للحركات الاصلاحية وفهمنا لها، وهي انّ الحركة الاصلاحية تارة تكون من خلال المفاهيم والشعارات المطروحة من قبل أصحابها وأخرى من خلال الجهد الواقعي المبذول في تحقيق الاصلاح خارجياً وحجم الموقع والمسؤولية والضغوط والتضحيات التي يتحملها رجل الاصلاح أو الجماعة، حيث انّ طرح المفاهيم والشعارات قد يكون في بعض الظروف أمراً ميسوراً وسهلاً خصوصاً في زمن الحريات، ولكن المهم هو تطبيق وتنفيذ وانزال هذه المفاهيم والشعارات الى الواقع العملي.
وبقطع النظر عن كل ذلك نجد أيضاً في كل من المنهجين السابقين اتجاهين على مستوى الواقع العملي.
أحدهما: الاتجاه الذي كان يرى بأنّ الاصلاح العام أو الخاص يمكن أن يتم عملياً ضمن اطار الحوزة العلمية وفي داخل جهازها ومن خلال مؤسساتها ونشاطاتها وامتداداتها في الامة.
والآخر: الاتجاه الذي كان يرى لسبب أو لآخر انّ الأفضل أن يكون الاصلاح خارج اطار الحوزة العلمية(1) سواء كان منطلقاً منها برجالها أو منطلقاً من خارجها.
والخط الفاصل بين هذين الاتجاهين، الذي يحدد الهوية لهذين الاتجاهين، هو الخط الذي يبدأ من نقطة: انّ العمل الاصلاحي هل هو عمل يرتبط بالحوزة ارتباطاً عضوياً بحيث يكون مؤسسة من مؤسساتها وفي اطار الحوزة العلمية أو لا يكون كذلك؟ إذ قد يشترك كل منهما في الاهداف وفي مجالات العمل والحركة أو في الاساليب.
بهذا الشرح، نجد أمامنا من الناحية الواقعية أربع فرضيات للاصلاح:
الاصلاح الكلي والحوزة العلمية
الاولى: الحركة الاصلاحية في الحوزة العلمية التي كانت تريد للحوزة ومؤسساتها أن تتحول الى اطار عام للعمل الاسلامي يستوعب أوساط الامة كلها تنظيمياً، وفي الوقت نفسه تتبنى هموم الأمة وقضاياها المصيرية وتعمل من أجل اصلاح المجتمع والأوضاع العامة للأمة بكل مفرداتها ومصاديقها، وتهتم بعد ذلك بالمفردات التفصيلية من هذا المنطلق والمنظار.
ويمكن من أجل توضيح هذه الفرضية، ذكر بعض الخطوط الرئيسية العامة لهذه الحركة الاصلاحية على مستوى (الاطار) و (الهموم والقضايا المصيرية) التي تبنتها واهتمت بها وفي حدود الظروف التي عشناها في العصر الحاضر، خصوصاً بعد النكسة التي أصابت حركة الاصلاح في الحوزة بعد ما يعرف بـ (ثورة العشرين)(2) وقيام ما يسمى بالحكم الوطني آنذاك بنفي المراجع والعلماء واخراجهم من العراق الى مناطق مختلفة وبالخصوص الى ايران(1).
___________________________
(1) قد يكون السبب في ذلك هو اليأس من امكان اصلاح الحوزة العلمية فيتحول الاتجاه الى خارجها، أو السبب هو الشعور بأنّ اطار الحوزة العلمية هو اطار متخلف فكرياً وتنظيمياً لا يمكنه أن ينفتح على الأمة والأوضاع المدنية الحديثة، أو يكون السبب هو عدم وجود الفرصة لرجل الاصلاح لظروف خارجية للتحرك من خلال الحوزة العلمية أو غير ذلك من الأسباب.
(2) ثورة العشرين هي الثورة التي قام بها أبناء الشعب العراقي بقيادة علماء الدين في النجف الاشرف وكربلاء سنة 1920 م، وفي الخامس عشر من شعبان سنة 1338 هـ ضد التسلط العسكري والسياسي الانجليزي بعد الحرب العالمية الأولى، وعرفت بهذا التاريخ لأنّ الحكم الوطني حاول أن يمسخ هويتها الاسلامية والحوزوية بالتركيز على التاريخ المذكور.
---------------------------------------------
المرجعية هي الاطار التنظيمي للاصلاح
أما على مستوى الاطار والشكل التنظيمي فنجد النقاط التالية:
1 - اعتماد نظرية ولاية الفقيه والحاكم الشرعي في القيادة الاسلامية، المتمثل بالمجتهد العادل الجامع للشرائط، حيث كان المراجع الدينيون يلتزمون بهذه الولاية بمستويات مختلفة ويستندون فيها إمّا الى النصوص الدينية من الكتاب والسنّة، أو الى العقل ودليل الحسبة وضرورة اقامة الحكم الاسلامي حفاظاً على كرامة الدين وعزته وعلى عقيدة المسلمين، وانّ الفقيه يمثل القدر المتيقن الذي يتولى ذلك. كما انّهم كانوا يمارسون هذه الولاية والدور عملياً في حدود المجالات التي تنالها يد الفقيه وقدرته.
2 - المرجعية الدينية هي الاطار الافضل للعمل الاسلامي ونشاطاته، وهو اطار تنظيمي يعتمد على العلاقات المباشرة مع الامة من ناحية وتربية واعداد الحواريين والمصطفين ليقوموا بدور تنظيم الامة وتوعيتها وايجاد النوع والمستوى الآخر من العلاقات والارتباط(2).
3 - الوسط الحوزوي والوكلاء وأمثالهم يشكلون حلقة الوصل الطبيعية الاخرى غير المباشرة بين الامة والقيادة الاسلامية، ويمكن للمؤسسات الاخرى كالجمعيات والمنظمات ذات الاهداف المختلفة القيام بهذا الدور أيضاً في أوساط معينة وتجاه أهداف محدودة.
4 - استقلالية المرجعية الدينية وأجهزتها عن الحكومات والانظمة من ناحية وعن التأثيرات الخارجية سواء كانت قوى محلية أو كانت تنظيمات حزبية أو غير ذلك من
___________________________
(1) لقد قامت حكومة السعدون التي كانت تعمل تحت الانتداب البريطاني بابعاد آية الله الشيخ مهدي الخالصي الى الحجاز بتاريخ 25 حزيران، ثم ابعاد عشرين عالماً آخر، كان بضمنهم المرجعان آية الله الشيخ النائيني وآية الله السيد الاصفهاني بتاريخ 29 حزيران سنة 1923 الى ايران، ثم شنت حملة اعتقالات واسعة ضد العلماء الزعماء الذين كانوا يتعاطفون مع حركة العلماء بمقاطعة الانتخابات المزيفة التي كانت تجريها الحكومة السعدونية.
(2) شرحنا طبيعة هذا التنظيم والعلاقات فيه والنظرية الاسلامية فيها في كتابنا الجماعة الصالحة، فصل التنظيم العام.
-----------------------------------------------------
المؤثرات والضغوط، وذلك من أجل الاحتفاظ بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح والابقاء على قدسية المرجعية ونقائها بعيداً عن الظنون والريب والشكوك.
أهداف الاصلاح وهمومه
وأما على مستوى الهموم والاهداف والقضايا المصيرية، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:
1 - تعبئة الأمة روحياً وسياسياً للمشاركة والمساهمة الفعّالة في عملية الاصلاح العامة واخراجها من عزلتها النفسية والسياسية المفروضة وقد فرضت عليها هذه العزلة لعدة أسباب نذكر منها:
أ - التراكمات التاريخية للحكومات الجائرة المستبدة وخصوصاً الحكم العثماني في العراق حيث أصبحت الاكثرية من ابناء الشعب العراقي وهم من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يعيشون في عزلة تامة عن العمل السياسي العام لأنهم كانوا يعيشون ويعاملون معاملة الاقليات المضطهدة في الدولة العثمانية.
والاقليات في أحسن حالاتها تفكر في تنظيم واصلاح أوضاعها الخاصة والتعايش الايجابي مع الحكم والاوضاع العامة، لشعورها عادة بالعجز في قدرتها على الاصلاح في المجال العام.
ب - تداعيات الاحباط الشعبي العام بعد فشل (ثورة العشرين) حيث كان أتباع أهل البيت (ع) وهم الاكثرية هم الذين قاموا بالثورة وتحملوا تضحياتها وآلامها، وكان نصيبهم منها هو المطاردة والتشريد لقادتهم وعلمائهم، والحرمان سياسياً وثقافياً واقتصادياً لجماعتهم والابعاد عن الادارة والحكم والمواقع الحساسة، وذلك تحت ضغط السياسات الاستعمارية للبريطانيين ونفوذهم السياسي.
ج - عدم وجود الرؤية السياسية الشاملة للاوضاع الاجتماعية وملابساتها وظروفها والقوى المؤثرة فيها. حيث كان التصور السائد آنذاك انّ البديل الطبيعي للحكم الاجنبي هو قيام حكم اسلامي وطني يضمن الحقوق الطبيعية لجميع أبناء الأمة شيعة وسنة وعرباً واكراداً وتركماناً وفرساً وأقليات أخرى، ولكن العلماء عندما وجدوا انّ هناك بديلاً آخر للحكم الاجنبي الكافر المباشر هو الحكم الاجنبي غير المباشر من خلال الوصاية والمعاهدات بدأوا يتراجعون في حركتهم الاصلاحية بمجرد تكشف الاوضاع السياسية عن هذه البدائل الاخرى والاهداف الخبيثة وأساليب المكر والخداع للانجليز وعملائهم المحليين.
ولا شك ان التعبئة العامة للامة سياسياً وروحياً لها دور أساس في ايجاد الاصلاح واحداث التغيير لانّ الامة هي الموضوع والاداة لهذا التغيير والاصلاح.
2 - الاهتمام بقضايا العالم الاسلامي الكبرى:
مثل قضية الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية لقوى الكفر الدولي والاستكبار العالمي التي نسمّيها بالاستعمار.
ومثل قضية المحافظة على وحدة الامة الاسلامية أو العربية على الاقل سياسياً ومحاولات الاستكبار العالمي لزرع الشقاق والاختلاف والصراع بين أطراف العالم الاسلامي والعالم العربي، كل ذلك بعد سقوط الدولة الاسلامية الواحدة.
ومثل قضية فلسطين ومحاولة اقتطاع هذه المنطقة الحساسة من العالم الاسلامي والعربي وتغيير هويتها لاسباب وأهداف عديدة ترتبط بالهيمنة الاجنبية والاستضعاف للمسلمين وفرض الاحساس بالضعف والدونية والتبعية على الامة الاسلامية.
ومثل قضية الغزو الثقافي العقائدي من خلال حملات التبشير بالمسيحية الغربية والشرقية والفكر الوجودي اللاديني والتحلل الاخلاقي، أو الغزو الثقافي السياسي من خلال التيارات الفكرية السياسية الماركسية، أو الرأسمالية الغربية، أو الاشتراكية، أو القومية العنصرية وغيرها من الحركات الفكرية.
3-المحافظة على الوعي الديني والالتزام العقائدي والسلوكي في أوساط الامة الاسلامية الواحدة، مثل المحافظة على العلاقات الداخلية بين الجماعات المتعددة للامة: مثل العلاقات المتكافئة بين السنة والشيعة خصوصاً في ظل التحولات الجديدة في الاوضاع الاجتماعية حيث برزت الحاجة الملحة الى تطوير هذه العلاقات الى علاقات تفاهم وتعاون لتحقيق الاهداف المشتركة.
أو قضية تطوير الوعي الديني للمناطق المستضعفة دينياً في أطراف العالم الاسلامي التي وصلت الى مستويات دنيا من التخلف والضياع وأخذت تتعرض الى أخطار
الارتداد عن الاسلام أو الجماعات المسلمة التي كانت تعيش المحاصرة أو العزلة الثقافية والسياسية المفروضة بسبب ظروف الاضطهاد والقهر المذهبي والديني كالعلويين في سوريا الكبرى والبكداشية في تركيا، والشبك في العراق، وغيرهم في مناطق آسيا وأفريقيا، وكذلك رعاية الحركة الاسلامية والدفاع عن وجودها وغير ذلك من الشؤون.
4 - المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية المهضومة للاكثرية الساحقة لابناء الشعب بسبب الاستبداد الطائفي أو القومي أو السياسي، ومحاربة الظلم الاجتماعي والتمييز العنصري والطائفي والطبقي والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، والرفاه الاقتصادي، والحريات العامة، وتطبيق الشريعة الاسلامية في المجالات الاجتماعية، خصوصاً بعد أن تحولت الانظمة التي أقامها الاستعمار العسكري والسياسي الى حكومات تدعو الى تطبيق الانظمة الوضعية الاوروبية وتقليص دور الشريعة الاسلامية في الحياة العامة.
5 - تطوير مناهج التربية والتزكية والتعليم والتثقيف العام بما يتناسب والاوضاع المدنية الجديدة والتطور العلمي للمضمون الثقافي وللاساليب والوسائل، وذلك في مجالات المدارس والمساجد والاماكن الدينية، كالعتبات المقدسة والحسينيات والتكايا، والمنبر الحسيني والمراكز الثقافية، والمكتبات، والاحتفالات، والكتاب، والمجلة، والصحيفة، وقنوات الاعلام العامة، وغيرها من الوسائل.
6 - المحافظة على العلاقة الروحية والمعنوية بين الحوزة العلمية ومؤسساتها الدينية والثقافية ونشاطاتها الاجتماعية من ناحية، والاوساط المثقفة الجديدة في الامة كالجامعات والمراكز العلمية والخريجين والطلبة والمعلمين والكتّاب والباحثين والادباء وغيرهم من ناحية أخرى.
فانّ هذه الاوساط كانت في السابق تشكل جزءاً من الحوزات العلمية أو تابعة لها، ولكن بسبب التطور المدني والاجتماعي أصبحت هذه الاوساط تشكل وجوداً واسعاً ومستقلاً ينافس الحوزات العلمية، بل مرشحاً لمعارضتها ومواجهتها تحت شعار (العلمنة) واللادينية وانفصال العلم عن الدين.
انّ هذه القضايا كانت ولازالت تشكل عناوين بارزة ومهمة في الاهداف والهموم والمسؤوليات للفرضية الاولى في الاصلاح.
وهذه الفرضية تعبّر عن الاتجاه الاول الذي ينطلق من الاصلاح في الحوزة العلمية
ومؤسساتها ويلتزم بالمنهج الاول الذي ينظر الى الاصلاح نظرة عامة شمولية.
شهود حركة الاصلاح الكلي:
ويمكن أن نجد شاهداً ومصداقاً لهذه الفرضية، ولكنه يتصف بالبدائية والغموض في الحركة الاصلاحية التي قادها علماء النجف الاشرف في ثورة العشرين للحصول على الاستقلال واقامة الحكم الاسلامي في العراق، وفي حركة المشروطة في ايران للقضاء على الاستبداد وتقييد الحاكم بالنظام الاسلامي والمؤسسات الدستورية التي تشكل ضمانة في الالتزام بالنظام الاسلامي من ناحية والمصالح العامة التي يرتبط بها من ناحية أخرى، ولكن نلاحظ هنا وجود الاختلاف الكبير بين رموز هذه الحركة الاصلاحية في وضوح التصور أو شموليته لهذه التفاصيل أو تلك، الامر الذي أدى الى ظهور الاختلاف الشديد بينهم في المواقف الى حد التعارض أو الى حدوث تراجعات واحباطات واسعة.
وكذلك نجد شاهداً في الحركة الاصلاحية التغييرية التي قادها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في العقدين الثامن والتاسع من القرن الهجري السابق(1370 - 1390)، التي يمكن أن نجد فيها الاطار التنظيمي وكل هذه العناوين والقضايا والهموم والمسؤوليات واكثر المصاديق والمفردات التي أشرنا اليها.
وقد كان مما يميّز هذا الشاهد من الحركة الاصلاحية هو وضوح الرؤية فيها في الانتماء الى الحوزة العلمية ومؤسساتها اولاً، والنظرة الشمولية الواسعة للقضايا وجوانب الاصلاح ثانياً، وموقع المرجعية الدينية العامة من حركة الاصلاح ثالثاً، والاعتبار والاستفادة من التجارب السابقة التي عاشها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في حركة الجهاد وثورة العشرين رابعاً، وفي التمييز بين التيارات السياسية العلمانية واللادينية باتجاهاتها المتعددة والتيار الاسلامي خامساً.
وأيضاً يمكن أن نجد شاهداً على هذه الحركة الاصلاحية بصورة أوضح مضافاً الى الرؤية، في النتائج والآثار وذلك في الحركة الاصلاحية التي قادها الامام الخميني (رضوان الله عليه) والتي تمكنت من أن تحقق أهدافها بشكل واضح وواسع وكبير في هذا العصر على مختلف المستويات، حيث انطلقت من الحوزة العلمية وتمسكت بها وبمبادئها وتبنت كل هذه الشعارات والهموم وتحملت كل هذه المسؤوليات.
انّ المقارنة بين هذه الشواهد الاربعة وبيان تفاصيل الارتباط بينها ومدى انطباق الفرضية المذكورة عليها بشكل واضح يحتاج الى بحث واسع لا يستوعبه هذا المقال.
ولكن أصل الارتباط بينها في المنهج والاتجاه أمر واضح يمكن ادراكه بمجرد المطالعة السريعة للشعارات وطبيعة الاهتمامات والمنطلقات والاعمال التي قامت بها هذه الحركات.
وبهذا الصدد قد يحسن الاشارة الى حديث سمعته من الامام الخميني (رضوان الله عليه) مباشرة في تقييم وضع الحركة الاصلاحية التي كان يقودها الامام الحكيم، انّه قال: (انّي كنت أتوقع قيام الحكم الاسلامي في العراق قبل ايران وذلك من خلال ما شاهدته من تحول كبير في أوساط الامة).
الحوزة والاصلاح التجزيئي:
الفرضية الثانية في الحركة الاصلاحية: هي الالتزام في اتجاه الاصلاح بالحوزة العلمية ومؤسساتها وهو الاتجاه الاول في الاصلاح، ولكن على أساس المنهج الثاني وهو اختيار المفردات المهمة في الحوزة ومؤسساتها من أجل تحقيق الاصلاح فيها، ومن خلال تجميع المفردات المتعددة يمكن أن يتحقق في أفضل الاحوال تحول كبير في المجتمع بما للحوزة من أهمية ودور مؤثّر في الأوساط الاسلامية، لا سيما أوساط أتباع أهل البيت عليهم السلام.
ومن أجل توضيح هذه الفرضية يمكن أن نذكر العناوين والمفردات المهمة التي عاصرناها في مثل هذه الحركة الاصلاحية على مستوى الحوزة نفسها أو على مستوى الامة.
أما على مستوى الحوزة فيمكن أن نشير الى النقاط التالية:
1 - مناهج الدروس في الحوزة العلمية، واحياء علوم الفلسفة والكلام والتفسير والاخلاق والتاريخ والرجال، واللغات الاجنبية، والفقه المقارن.
2 - تنظيم الدروس وايجاد صيغة الامتحان ووضع الضوابط للمراحل التعليمية والاساتذة والمعلمين.
3 - تنظيم الموارد المالية وتطويرها والعمل على ايجاد ضمان مالي للطلبة من خلال تعيين الرواتب وتأمين السكن.
4 - تطوير وتسهيل الكتب والنصوص التعليمية.
5 - تطوير المنبر الحسيني والخطابة للعلماء والمبلغين.
6 - تطوير وتنشيط حركة التبليغ وارسال البعثات التبليغية في مناطق الفراغ أو الحج واستخدام الاساليب الجديدة في التبليغ والنشر، كاصدار المجلات والمنشورات والدوريات وتبسيط المفاهيم الدينية وشرحها.
وأما على مستوى الامة، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:
1 - تنزيه الشعائر الحسينية وتطويرها من حيث الأداء والمضمون.
2 - الانفتاح على أوساط المذاهب الاسلامية، علماء ومثقفين ومفكرين وأدباء بهدف التقريب المذهبي والتعاون المشترك.
3 - ايجاد المؤسسات المساندة المختصة للقيام بالاعمال والنشاطات الخاصة كمؤسسات النشر والتحقيق أو المكتبات العامة أو الاعمال الخيرية.
4 - تعمير العتبات المقدسة وتنظيمها وكذلك ايجاد المساجد والحسينيات في مناطق التجمعات الشعبية ونشرها وتشجيعها، وكذلك تشجيع الشعائر الدينية كصلاة الجماعة والدعاء والزيارة والاحتفال بذكريات الاسلام وأهل البيت (عليهم السلام).
5 - محاربة الفئات الضالة في الامة الاسلامية كالبهائية والوهابية والنواصب والغلاة وكذلك حركات التبشير المسيحي أو المجموعات المتحللة والتيارات الفكرية والسياسية المنحرفة وغيرها.
6 - تأسيس المدارس الدينية الحديثة التي تجمع بين المنهج العام والتربية الدينية الخاصة، وكذلك المؤسسات الثقافية الحديثة الدينية كالمنتديات والجمعيات والدراسات التأهيلية.
وحركة الاسلام
http://www.bintjbeil.com/A/news/2003/images/mohammed_baqer_alhakim.jpg
السيد الشهيد محمد باقر الحكيم
مناهج الاصلاح:
انّ حركة الاصلاح في الحوزات العلمية في تقويم عام لها سارت ضمن منهجين رئيسيين، قد يلتقيان في بعض المفردات والمصاديق ولكنهما يختلفان بشكل رئيسي في المنطلقات الاساسية والتصور العام.
المنهج الاول: هو الانطلاق بالاصلاح من النظرية الاسلامية عقائدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً وأهدافها ومن قضايا الامة الرئيسية المعاشة وهمومها العامة الفعلية ذات العلاقة بتلك الرؤية، ويتحرك الاصلاح بعد ذلك على المفردات والمصاديق المختلفة والكثيرة ذات العلاقة بهذه القضايا والهموم، والتي تمثل بتفاصيلها مصاديق لمعالجة وتناول تلك القضايا والهموم، وتصب في خدمة الاهداف الكلية.
كما انّ النظرة العامة في هذا المنهج هي نظرة كلية وشمولية تؤمن بالترابط الموضوعي والعلاقة التركيبية، والتأثيرات المتبادلة الايجابية أو السلبية بين المفردات والاجزاء والمصاديق.
المنهج الثاني: الانطلاق بالاصلاح من مفردات المشاكل القائمة في المجتمع الانساني وتفاصيلها الجزئية لمعالجتها واحدة بعد الاخرى ضمن النظام القائم والواقع المعاش،
وحسب الامكانات الميسورة في هذا الشخص وهذه الجماعات والاولويات في فهم المشكلة وحجمها وأهميتها في المجتمع أو دورها في الاصلاح العام.
والنظرة في هذا المنهج نظرة تجزيئية وهي قد ترى في أحسن الحالات انّ اصلاح الاجزاء والمفردات والمصاديق وضم بعضها الى الآخر يؤدي في النهاية الى اصلاح الكل، لأنّ الكل هو مجموع هذه الاجزاء، أو انها ترى انّ الميسور من الاصلاح أو الممكن منه هو الاصلاح الجزئي في هذه المفردات أو تلك، لأنّ الاصلاح العام متعذر.
ومن الواضح انّ هذين المنهجين قد يلتقيان في الاهتمام بهذه المفردة أو تلك إلاّ أنهما يختلفان كما ذكرنا بينهما بصورة أساسية في المنطلقات في فهم عملية الاصلاح والنظرة العامة للاشياء، أو التقدير للظروف السياسية والاجتماعية.
ومن الملاحظ انّ حركة الاصلاح في الحوزة العلمية شهدت في تاريخها المعاصر كلاً من المنهجين ووجد كل واحد منهما رجاله وشخصياته من الناحية الخارجية والظاهرية التي يمكن استكشافها من خلال السلوك والمواقف مع قطع النظر عن الجانب الخفي المتمثل بالنوايا أو المتبنيات العقائدية الواقعية.
وهنا لابد أن نسجل هذه الملاحظة المهمة في تقييمنا للحركات الاصلاحية وفهمنا لها، وهي انّ الحركة الاصلاحية تارة تكون من خلال المفاهيم والشعارات المطروحة من قبل أصحابها وأخرى من خلال الجهد الواقعي المبذول في تحقيق الاصلاح خارجياً وحجم الموقع والمسؤولية والضغوط والتضحيات التي يتحملها رجل الاصلاح أو الجماعة، حيث انّ طرح المفاهيم والشعارات قد يكون في بعض الظروف أمراً ميسوراً وسهلاً خصوصاً في زمن الحريات، ولكن المهم هو تطبيق وتنفيذ وانزال هذه المفاهيم والشعارات الى الواقع العملي.
وبقطع النظر عن كل ذلك نجد أيضاً في كل من المنهجين السابقين اتجاهين على مستوى الواقع العملي.
أحدهما: الاتجاه الذي كان يرى بأنّ الاصلاح العام أو الخاص يمكن أن يتم عملياً ضمن اطار الحوزة العلمية وفي داخل جهازها ومن خلال مؤسساتها ونشاطاتها وامتداداتها في الامة.
والآخر: الاتجاه الذي كان يرى لسبب أو لآخر انّ الأفضل أن يكون الاصلاح خارج اطار الحوزة العلمية(1) سواء كان منطلقاً منها برجالها أو منطلقاً من خارجها.
والخط الفاصل بين هذين الاتجاهين، الذي يحدد الهوية لهذين الاتجاهين، هو الخط الذي يبدأ من نقطة: انّ العمل الاصلاحي هل هو عمل يرتبط بالحوزة ارتباطاً عضوياً بحيث يكون مؤسسة من مؤسساتها وفي اطار الحوزة العلمية أو لا يكون كذلك؟ إذ قد يشترك كل منهما في الاهداف وفي مجالات العمل والحركة أو في الاساليب.
بهذا الشرح، نجد أمامنا من الناحية الواقعية أربع فرضيات للاصلاح:
الاصلاح الكلي والحوزة العلمية
الاولى: الحركة الاصلاحية في الحوزة العلمية التي كانت تريد للحوزة ومؤسساتها أن تتحول الى اطار عام للعمل الاسلامي يستوعب أوساط الامة كلها تنظيمياً، وفي الوقت نفسه تتبنى هموم الأمة وقضاياها المصيرية وتعمل من أجل اصلاح المجتمع والأوضاع العامة للأمة بكل مفرداتها ومصاديقها، وتهتم بعد ذلك بالمفردات التفصيلية من هذا المنطلق والمنظار.
ويمكن من أجل توضيح هذه الفرضية، ذكر بعض الخطوط الرئيسية العامة لهذه الحركة الاصلاحية على مستوى (الاطار) و (الهموم والقضايا المصيرية) التي تبنتها واهتمت بها وفي حدود الظروف التي عشناها في العصر الحاضر، خصوصاً بعد النكسة التي أصابت حركة الاصلاح في الحوزة بعد ما يعرف بـ (ثورة العشرين)(2) وقيام ما يسمى بالحكم الوطني آنذاك بنفي المراجع والعلماء واخراجهم من العراق الى مناطق مختلفة وبالخصوص الى ايران(1).
___________________________
(1) قد يكون السبب في ذلك هو اليأس من امكان اصلاح الحوزة العلمية فيتحول الاتجاه الى خارجها، أو السبب هو الشعور بأنّ اطار الحوزة العلمية هو اطار متخلف فكرياً وتنظيمياً لا يمكنه أن ينفتح على الأمة والأوضاع المدنية الحديثة، أو يكون السبب هو عدم وجود الفرصة لرجل الاصلاح لظروف خارجية للتحرك من خلال الحوزة العلمية أو غير ذلك من الأسباب.
(2) ثورة العشرين هي الثورة التي قام بها أبناء الشعب العراقي بقيادة علماء الدين في النجف الاشرف وكربلاء سنة 1920 م، وفي الخامس عشر من شعبان سنة 1338 هـ ضد التسلط العسكري والسياسي الانجليزي بعد الحرب العالمية الأولى، وعرفت بهذا التاريخ لأنّ الحكم الوطني حاول أن يمسخ هويتها الاسلامية والحوزوية بالتركيز على التاريخ المذكور.
---------------------------------------------
المرجعية هي الاطار التنظيمي للاصلاح
أما على مستوى الاطار والشكل التنظيمي فنجد النقاط التالية:
1 - اعتماد نظرية ولاية الفقيه والحاكم الشرعي في القيادة الاسلامية، المتمثل بالمجتهد العادل الجامع للشرائط، حيث كان المراجع الدينيون يلتزمون بهذه الولاية بمستويات مختلفة ويستندون فيها إمّا الى النصوص الدينية من الكتاب والسنّة، أو الى العقل ودليل الحسبة وضرورة اقامة الحكم الاسلامي حفاظاً على كرامة الدين وعزته وعلى عقيدة المسلمين، وانّ الفقيه يمثل القدر المتيقن الذي يتولى ذلك. كما انّهم كانوا يمارسون هذه الولاية والدور عملياً في حدود المجالات التي تنالها يد الفقيه وقدرته.
2 - المرجعية الدينية هي الاطار الافضل للعمل الاسلامي ونشاطاته، وهو اطار تنظيمي يعتمد على العلاقات المباشرة مع الامة من ناحية وتربية واعداد الحواريين والمصطفين ليقوموا بدور تنظيم الامة وتوعيتها وايجاد النوع والمستوى الآخر من العلاقات والارتباط(2).
3 - الوسط الحوزوي والوكلاء وأمثالهم يشكلون حلقة الوصل الطبيعية الاخرى غير المباشرة بين الامة والقيادة الاسلامية، ويمكن للمؤسسات الاخرى كالجمعيات والمنظمات ذات الاهداف المختلفة القيام بهذا الدور أيضاً في أوساط معينة وتجاه أهداف محدودة.
4 - استقلالية المرجعية الدينية وأجهزتها عن الحكومات والانظمة من ناحية وعن التأثيرات الخارجية سواء كانت قوى محلية أو كانت تنظيمات حزبية أو غير ذلك من
___________________________
(1) لقد قامت حكومة السعدون التي كانت تعمل تحت الانتداب البريطاني بابعاد آية الله الشيخ مهدي الخالصي الى الحجاز بتاريخ 25 حزيران، ثم ابعاد عشرين عالماً آخر، كان بضمنهم المرجعان آية الله الشيخ النائيني وآية الله السيد الاصفهاني بتاريخ 29 حزيران سنة 1923 الى ايران، ثم شنت حملة اعتقالات واسعة ضد العلماء الزعماء الذين كانوا يتعاطفون مع حركة العلماء بمقاطعة الانتخابات المزيفة التي كانت تجريها الحكومة السعدونية.
(2) شرحنا طبيعة هذا التنظيم والعلاقات فيه والنظرية الاسلامية فيها في كتابنا الجماعة الصالحة، فصل التنظيم العام.
-----------------------------------------------------
المؤثرات والضغوط، وذلك من أجل الاحتفاظ بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح والابقاء على قدسية المرجعية ونقائها بعيداً عن الظنون والريب والشكوك.
أهداف الاصلاح وهمومه
وأما على مستوى الهموم والاهداف والقضايا المصيرية، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:
1 - تعبئة الأمة روحياً وسياسياً للمشاركة والمساهمة الفعّالة في عملية الاصلاح العامة واخراجها من عزلتها النفسية والسياسية المفروضة وقد فرضت عليها هذه العزلة لعدة أسباب نذكر منها:
أ - التراكمات التاريخية للحكومات الجائرة المستبدة وخصوصاً الحكم العثماني في العراق حيث أصبحت الاكثرية من ابناء الشعب العراقي وهم من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يعيشون في عزلة تامة عن العمل السياسي العام لأنهم كانوا يعيشون ويعاملون معاملة الاقليات المضطهدة في الدولة العثمانية.
والاقليات في أحسن حالاتها تفكر في تنظيم واصلاح أوضاعها الخاصة والتعايش الايجابي مع الحكم والاوضاع العامة، لشعورها عادة بالعجز في قدرتها على الاصلاح في المجال العام.
ب - تداعيات الاحباط الشعبي العام بعد فشل (ثورة العشرين) حيث كان أتباع أهل البيت (ع) وهم الاكثرية هم الذين قاموا بالثورة وتحملوا تضحياتها وآلامها، وكان نصيبهم منها هو المطاردة والتشريد لقادتهم وعلمائهم، والحرمان سياسياً وثقافياً واقتصادياً لجماعتهم والابعاد عن الادارة والحكم والمواقع الحساسة، وذلك تحت ضغط السياسات الاستعمارية للبريطانيين ونفوذهم السياسي.
ج - عدم وجود الرؤية السياسية الشاملة للاوضاع الاجتماعية وملابساتها وظروفها والقوى المؤثرة فيها. حيث كان التصور السائد آنذاك انّ البديل الطبيعي للحكم الاجنبي هو قيام حكم اسلامي وطني يضمن الحقوق الطبيعية لجميع أبناء الأمة شيعة وسنة وعرباً واكراداً وتركماناً وفرساً وأقليات أخرى، ولكن العلماء عندما وجدوا انّ هناك بديلاً آخر للحكم الاجنبي الكافر المباشر هو الحكم الاجنبي غير المباشر من خلال الوصاية والمعاهدات بدأوا يتراجعون في حركتهم الاصلاحية بمجرد تكشف الاوضاع السياسية عن هذه البدائل الاخرى والاهداف الخبيثة وأساليب المكر والخداع للانجليز وعملائهم المحليين.
ولا شك ان التعبئة العامة للامة سياسياً وروحياً لها دور أساس في ايجاد الاصلاح واحداث التغيير لانّ الامة هي الموضوع والاداة لهذا التغيير والاصلاح.
2 - الاهتمام بقضايا العالم الاسلامي الكبرى:
مثل قضية الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية لقوى الكفر الدولي والاستكبار العالمي التي نسمّيها بالاستعمار.
ومثل قضية المحافظة على وحدة الامة الاسلامية أو العربية على الاقل سياسياً ومحاولات الاستكبار العالمي لزرع الشقاق والاختلاف والصراع بين أطراف العالم الاسلامي والعالم العربي، كل ذلك بعد سقوط الدولة الاسلامية الواحدة.
ومثل قضية فلسطين ومحاولة اقتطاع هذه المنطقة الحساسة من العالم الاسلامي والعربي وتغيير هويتها لاسباب وأهداف عديدة ترتبط بالهيمنة الاجنبية والاستضعاف للمسلمين وفرض الاحساس بالضعف والدونية والتبعية على الامة الاسلامية.
ومثل قضية الغزو الثقافي العقائدي من خلال حملات التبشير بالمسيحية الغربية والشرقية والفكر الوجودي اللاديني والتحلل الاخلاقي، أو الغزو الثقافي السياسي من خلال التيارات الفكرية السياسية الماركسية، أو الرأسمالية الغربية، أو الاشتراكية، أو القومية العنصرية وغيرها من الحركات الفكرية.
3-المحافظة على الوعي الديني والالتزام العقائدي والسلوكي في أوساط الامة الاسلامية الواحدة، مثل المحافظة على العلاقات الداخلية بين الجماعات المتعددة للامة: مثل العلاقات المتكافئة بين السنة والشيعة خصوصاً في ظل التحولات الجديدة في الاوضاع الاجتماعية حيث برزت الحاجة الملحة الى تطوير هذه العلاقات الى علاقات تفاهم وتعاون لتحقيق الاهداف المشتركة.
أو قضية تطوير الوعي الديني للمناطق المستضعفة دينياً في أطراف العالم الاسلامي التي وصلت الى مستويات دنيا من التخلف والضياع وأخذت تتعرض الى أخطار
الارتداد عن الاسلام أو الجماعات المسلمة التي كانت تعيش المحاصرة أو العزلة الثقافية والسياسية المفروضة بسبب ظروف الاضطهاد والقهر المذهبي والديني كالعلويين في سوريا الكبرى والبكداشية في تركيا، والشبك في العراق، وغيرهم في مناطق آسيا وأفريقيا، وكذلك رعاية الحركة الاسلامية والدفاع عن وجودها وغير ذلك من الشؤون.
4 - المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية المهضومة للاكثرية الساحقة لابناء الشعب بسبب الاستبداد الطائفي أو القومي أو السياسي، ومحاربة الظلم الاجتماعي والتمييز العنصري والطائفي والطبقي والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، والرفاه الاقتصادي، والحريات العامة، وتطبيق الشريعة الاسلامية في المجالات الاجتماعية، خصوصاً بعد أن تحولت الانظمة التي أقامها الاستعمار العسكري والسياسي الى حكومات تدعو الى تطبيق الانظمة الوضعية الاوروبية وتقليص دور الشريعة الاسلامية في الحياة العامة.
5 - تطوير مناهج التربية والتزكية والتعليم والتثقيف العام بما يتناسب والاوضاع المدنية الجديدة والتطور العلمي للمضمون الثقافي وللاساليب والوسائل، وذلك في مجالات المدارس والمساجد والاماكن الدينية، كالعتبات المقدسة والحسينيات والتكايا، والمنبر الحسيني والمراكز الثقافية، والمكتبات، والاحتفالات، والكتاب، والمجلة، والصحيفة، وقنوات الاعلام العامة، وغيرها من الوسائل.
6 - المحافظة على العلاقة الروحية والمعنوية بين الحوزة العلمية ومؤسساتها الدينية والثقافية ونشاطاتها الاجتماعية من ناحية، والاوساط المثقفة الجديدة في الامة كالجامعات والمراكز العلمية والخريجين والطلبة والمعلمين والكتّاب والباحثين والادباء وغيرهم من ناحية أخرى.
فانّ هذه الاوساط كانت في السابق تشكل جزءاً من الحوزات العلمية أو تابعة لها، ولكن بسبب التطور المدني والاجتماعي أصبحت هذه الاوساط تشكل وجوداً واسعاً ومستقلاً ينافس الحوزات العلمية، بل مرشحاً لمعارضتها ومواجهتها تحت شعار (العلمنة) واللادينية وانفصال العلم عن الدين.
انّ هذه القضايا كانت ولازالت تشكل عناوين بارزة ومهمة في الاهداف والهموم والمسؤوليات للفرضية الاولى في الاصلاح.
وهذه الفرضية تعبّر عن الاتجاه الاول الذي ينطلق من الاصلاح في الحوزة العلمية
ومؤسساتها ويلتزم بالمنهج الاول الذي ينظر الى الاصلاح نظرة عامة شمولية.
شهود حركة الاصلاح الكلي:
ويمكن أن نجد شاهداً ومصداقاً لهذه الفرضية، ولكنه يتصف بالبدائية والغموض في الحركة الاصلاحية التي قادها علماء النجف الاشرف في ثورة العشرين للحصول على الاستقلال واقامة الحكم الاسلامي في العراق، وفي حركة المشروطة في ايران للقضاء على الاستبداد وتقييد الحاكم بالنظام الاسلامي والمؤسسات الدستورية التي تشكل ضمانة في الالتزام بالنظام الاسلامي من ناحية والمصالح العامة التي يرتبط بها من ناحية أخرى، ولكن نلاحظ هنا وجود الاختلاف الكبير بين رموز هذه الحركة الاصلاحية في وضوح التصور أو شموليته لهذه التفاصيل أو تلك، الامر الذي أدى الى ظهور الاختلاف الشديد بينهم في المواقف الى حد التعارض أو الى حدوث تراجعات واحباطات واسعة.
وكذلك نجد شاهداً في الحركة الاصلاحية التغييرية التي قادها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في العقدين الثامن والتاسع من القرن الهجري السابق(1370 - 1390)، التي يمكن أن نجد فيها الاطار التنظيمي وكل هذه العناوين والقضايا والهموم والمسؤوليات واكثر المصاديق والمفردات التي أشرنا اليها.
وقد كان مما يميّز هذا الشاهد من الحركة الاصلاحية هو وضوح الرؤية فيها في الانتماء الى الحوزة العلمية ومؤسساتها اولاً، والنظرة الشمولية الواسعة للقضايا وجوانب الاصلاح ثانياً، وموقع المرجعية الدينية العامة من حركة الاصلاح ثالثاً، والاعتبار والاستفادة من التجارب السابقة التي عاشها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في حركة الجهاد وثورة العشرين رابعاً، وفي التمييز بين التيارات السياسية العلمانية واللادينية باتجاهاتها المتعددة والتيار الاسلامي خامساً.
وأيضاً يمكن أن نجد شاهداً على هذه الحركة الاصلاحية بصورة أوضح مضافاً الى الرؤية، في النتائج والآثار وذلك في الحركة الاصلاحية التي قادها الامام الخميني (رضوان الله عليه) والتي تمكنت من أن تحقق أهدافها بشكل واضح وواسع وكبير في هذا العصر على مختلف المستويات، حيث انطلقت من الحوزة العلمية وتمسكت بها وبمبادئها وتبنت كل هذه الشعارات والهموم وتحملت كل هذه المسؤوليات.
انّ المقارنة بين هذه الشواهد الاربعة وبيان تفاصيل الارتباط بينها ومدى انطباق الفرضية المذكورة عليها بشكل واضح يحتاج الى بحث واسع لا يستوعبه هذا المقال.
ولكن أصل الارتباط بينها في المنهج والاتجاه أمر واضح يمكن ادراكه بمجرد المطالعة السريعة للشعارات وطبيعة الاهتمامات والمنطلقات والاعمال التي قامت بها هذه الحركات.
وبهذا الصدد قد يحسن الاشارة الى حديث سمعته من الامام الخميني (رضوان الله عليه) مباشرة في تقييم وضع الحركة الاصلاحية التي كان يقودها الامام الحكيم، انّه قال: (انّي كنت أتوقع قيام الحكم الاسلامي في العراق قبل ايران وذلك من خلال ما شاهدته من تحول كبير في أوساط الامة).
الحوزة والاصلاح التجزيئي:
الفرضية الثانية في الحركة الاصلاحية: هي الالتزام في اتجاه الاصلاح بالحوزة العلمية ومؤسساتها وهو الاتجاه الاول في الاصلاح، ولكن على أساس المنهج الثاني وهو اختيار المفردات المهمة في الحوزة ومؤسساتها من أجل تحقيق الاصلاح فيها، ومن خلال تجميع المفردات المتعددة يمكن أن يتحقق في أفضل الاحوال تحول كبير في المجتمع بما للحوزة من أهمية ودور مؤثّر في الأوساط الاسلامية، لا سيما أوساط أتباع أهل البيت عليهم السلام.
ومن أجل توضيح هذه الفرضية يمكن أن نذكر العناوين والمفردات المهمة التي عاصرناها في مثل هذه الحركة الاصلاحية على مستوى الحوزة نفسها أو على مستوى الامة.
أما على مستوى الحوزة فيمكن أن نشير الى النقاط التالية:
1 - مناهج الدروس في الحوزة العلمية، واحياء علوم الفلسفة والكلام والتفسير والاخلاق والتاريخ والرجال، واللغات الاجنبية، والفقه المقارن.
2 - تنظيم الدروس وايجاد صيغة الامتحان ووضع الضوابط للمراحل التعليمية والاساتذة والمعلمين.
3 - تنظيم الموارد المالية وتطويرها والعمل على ايجاد ضمان مالي للطلبة من خلال تعيين الرواتب وتأمين السكن.
4 - تطوير وتسهيل الكتب والنصوص التعليمية.
5 - تطوير المنبر الحسيني والخطابة للعلماء والمبلغين.
6 - تطوير وتنشيط حركة التبليغ وارسال البعثات التبليغية في مناطق الفراغ أو الحج واستخدام الاساليب الجديدة في التبليغ والنشر، كاصدار المجلات والمنشورات والدوريات وتبسيط المفاهيم الدينية وشرحها.
وأما على مستوى الامة، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:
1 - تنزيه الشعائر الحسينية وتطويرها من حيث الأداء والمضمون.
2 - الانفتاح على أوساط المذاهب الاسلامية، علماء ومثقفين ومفكرين وأدباء بهدف التقريب المذهبي والتعاون المشترك.
3 - ايجاد المؤسسات المساندة المختصة للقيام بالاعمال والنشاطات الخاصة كمؤسسات النشر والتحقيق أو المكتبات العامة أو الاعمال الخيرية.
4 - تعمير العتبات المقدسة وتنظيمها وكذلك ايجاد المساجد والحسينيات في مناطق التجمعات الشعبية ونشرها وتشجيعها، وكذلك تشجيع الشعائر الدينية كصلاة الجماعة والدعاء والزيارة والاحتفال بذكريات الاسلام وأهل البيت (عليهم السلام).
5 - محاربة الفئات الضالة في الامة الاسلامية كالبهائية والوهابية والنواصب والغلاة وكذلك حركات التبشير المسيحي أو المجموعات المتحللة والتيارات الفكرية والسياسية المنحرفة وغيرها.
6 - تأسيس المدارس الدينية الحديثة التي تجمع بين المنهج العام والتربية الدينية الخاصة، وكذلك المؤسسات الثقافية الحديثة الدينية كالمنتديات والجمعيات والدراسات التأهيلية.