المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإصلاح في الحوزة العلمية وحركة الاسلام................السيد الشهيد محمد باقر الحكيم



سيد مرحوم
11-30-2004, 10:17 AM
الإصلاح في الحوزة العلمية
وحركة الاسلام

http://www.bintjbeil.com/A/news/2003/images/mohammed_baqer_alhakim.jpg


السيد الشهيد محمد باقر الحكيم

مناهج الاصلاح:

انّ حركة الاصلاح في الحوزات العلمية في تقويم عام لها سارت ضمن منهجين رئيسيين، قد يلتقيان في بعض المفردات والمصاديق ولكنهما يختلفان بشكل رئيسي في المنطلقات الاساسية والتصور العام.

المنهج الاول: هو الانطلاق بالاصلاح من النظرية الاسلامية عقائدياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً وأهدافها ومن قضايا الامة الرئيسية المعاشة وهمومها العامة الفعلية ذات العلاقة بتلك الرؤية، ويتحرك الاصلاح بعد ذلك على المفردات والمصاديق المختلفة والكثيرة ذات العلاقة بهذه القضايا والهموم، والتي تمثل بتفاصيلها مصاديق لمعالجة وتناول تلك القضايا والهموم، وتصب في خدمة الاهداف الكلية.

كما انّ النظرة العامة في هذا المنهج هي نظرة كلية وشمولية تؤمن بالترابط الموضوعي والعلاقة التركيبية، والتأثيرات المتبادلة الايجابية أو السلبية بين المفردات والاجزاء والمصاديق.

المنهج الثاني: الانطلاق بالاصلاح من مفردات المشاكل القائمة في المجتمع الانساني وتفاصيلها الجزئية لمعالجتها واحدة بعد الاخرى ضمن النظام القائم والواقع المعاش،

وحسب الامكانات الميسورة في هذا الشخص وهذه الجماعات والاولويات في فهم المشكلة وحجمها وأهميتها في المجتمع أو دورها في الاصلاح العام.

والنظرة في هذا المنهج نظرة تجزيئية وهي قد ترى في أحسن الحالات انّ اصلاح الاجزاء والمفردات والمصاديق وضم بعضها الى الآخر يؤدي في النهاية الى اصلاح الكل، لأنّ الكل هو مجموع هذه الاجزاء، أو انها ترى انّ الميسور من الاصلاح أو الممكن منه هو الاصلاح الجزئي في هذه المفردات أو تلك، لأنّ الاصلاح العام متعذر.

ومن الواضح انّ هذين المنهجين قد يلتقيان في الاهتمام بهذه المفردة أو تلك إلاّ أنهما يختلفان كما ذكرنا بينهما بصورة أساسية في المنطلقات في فهم عملية الاصلاح والنظرة العامة للاشياء، أو التقدير للظروف السياسية والاجتماعية.

ومن الملاحظ انّ حركة الاصلاح في الحوزة العلمية شهدت في تاريخها المعاصر كلاً من المنهجين ووجد كل واحد منهما رجاله وشخصياته من الناحية الخارجية والظاهرية التي يمكن استكشافها من خلال السلوك والمواقف مع قطع النظر عن الجانب الخفي المتمثل بالنوايا أو المتبنيات العقائدية الواقعية.

وهنا لابد أن نسجل هذه الملاحظة المهمة في تقييمنا للحركات الاصلاحية وفهمنا لها، وهي انّ الحركة الاصلاحية تارة تكون من خلال المفاهيم والشعارات المطروحة من قبل أصحابها وأخرى من خلال الجهد الواقعي المبذول في تحقيق الاصلاح خارجياً وحجم الموقع والمسؤولية والضغوط والتضحيات التي يتحملها رجل الاصلاح أو الجماعة، حيث انّ طرح المفاهيم والشعارات قد يكون في بعض الظروف أمراً ميسوراً وسهلاً خصوصاً في زمن الحريات، ولكن المهم هو تطبيق وتنفيذ وانزال هذه المفاهيم والشعارات الى الواقع العملي.

وبقطع النظر عن كل ذلك نجد أيضاً في كل من المنهجين السابقين اتجاهين على مستوى الواقع العملي.

أحدهما: الاتجاه الذي كان يرى بأنّ الاصلاح العام أو الخاص يمكن أن يتم عملياً ضمن اطار الحوزة العلمية وفي داخل جهازها ومن خلال مؤسساتها ونشاطاتها وامتداداتها في الامة.


والآخر: الاتجاه الذي كان يرى لسبب أو لآخر انّ الأفضل أن يكون الاصلاح خارج اطار الحوزة العلمية(1) سواء كان منطلقاً منها برجالها أو منطلقاً من خارجها.

والخط الفاصل بين هذين الاتجاهين، الذي يحدد الهوية لهذين الاتجاهين، هو الخط الذي يبدأ من نقطة: انّ العمل الاصلاحي هل هو عمل يرتبط بالحوزة ارتباطاً عضوياً بحيث يكون مؤسسة من مؤسساتها وفي اطار الحوزة العلمية أو لا يكون كذلك؟ إذ قد يشترك كل منهما في الاهداف وفي مجالات العمل والحركة أو في الاساليب.

بهذا الشرح، نجد أمامنا من الناحية الواقعية أربع فرضيات للاصلاح:

الاصلاح الكلي والحوزة العلمية

الاولى: الحركة الاصلاحية في الحوزة العلمية التي كانت تريد للحوزة ومؤسساتها أن تتحول الى اطار عام للعمل الاسلامي يستوعب أوساط الامة كلها تنظيمياً، وفي الوقت نفسه تتبنى هموم الأمة وقضاياها المصيرية وتعمل من أجل اصلاح المجتمع والأوضاع العامة للأمة بكل مفرداتها ومصاديقها، وتهتم بعد ذلك بالمفردات التفصيلية من هذا المنطلق والمنظار.

ويمكن من أجل توضيح هذه الفرضية، ذكر بعض الخطوط الرئيسية العامة لهذه الحركة الاصلاحية على مستوى (الاطار) و (الهموم والقضايا المصيرية) التي تبنتها واهتمت بها وفي حدود الظروف التي عشناها في العصر الحاضر، خصوصاً بعد النكسة التي أصابت حركة الاصلاح في الحوزة بعد ما يعرف بـ (ثورة العشرين)(2) وقيام ما يسمى بالحكم الوطني آنذاك بنفي المراجع والعلماء واخراجهم من العراق الى مناطق مختلفة وبالخصوص الى ايران(1).

___________________________

(1) قد يكون السبب في ذلك هو اليأس من امكان اصلاح الحوزة العلمية فيتحول الاتجاه الى خارجها، أو السبب هو الشعور بأنّ اطار الحوزة العلمية هو اطار متخلف فكرياً وتنظيمياً لا يمكنه أن ينفتح على الأمة والأوضاع المدنية الحديثة، أو يكون السبب هو عدم وجود الفرصة لرجل الاصلاح لظروف خارجية للتحرك من خلال الحوزة العلمية أو غير ذلك من الأسباب.

(2) ثورة العشرين هي الثورة التي قام بها أبناء الشعب العراقي بقيادة علماء الدين في النجف الاشرف وكربلاء سنة 1920 م، وفي الخامس عشر من شعبان سنة 1338 هـ ضد التسلط العسكري والسياسي الانجليزي بعد الحرب العالمية الأولى، وعرفت بهذا التاريخ لأنّ الحكم الوطني حاول أن يمسخ هويتها الاسلامية والحوزوية بالتركيز على التاريخ المذكور.

---------------------------------------------



المرجعية هي الاطار التنظيمي للاصلاح

أما على مستوى الاطار والشكل التنظيمي فنجد النقاط التالية:

1 - اعتماد نظرية ولاية الفقيه والحاكم الشرعي في القيادة الاسلامية، المتمثل بالمجتهد العادل الجامع للشرائط، حيث كان المراجع الدينيون يلتزمون بهذه الولاية بمستويات مختلفة ويستندون فيها إمّا الى النصوص الدينية من الكتاب والسنّة، أو الى العقل ودليل الحسبة وضرورة اقامة الحكم الاسلامي حفاظاً على كرامة الدين وعزته وعلى عقيدة المسلمين، وانّ الفقيه يمثل القدر المتيقن الذي يتولى ذلك. كما انّهم كانوا يمارسون هذه الولاية والدور عملياً في حدود المجالات التي تنالها يد الفقيه وقدرته.

2 - المرجعية الدينية هي الاطار الافضل للعمل الاسلامي ونشاطاته، وهو اطار تنظيمي يعتمد على العلاقات المباشرة مع الامة من ناحية وتربية واعداد الحواريين والمصطفين ليقوموا بدور تنظيم الامة وتوعيتها وايجاد النوع والمستوى الآخر من العلاقات والارتباط(2).

3 - الوسط الحوزوي والوكلاء وأمثالهم يشكلون حلقة الوصل الطبيعية الاخرى غير المباشرة بين الامة والقيادة الاسلامية، ويمكن للمؤسسات الاخرى كالجمعيات والمنظمات ذات الاهداف المختلفة القيام بهذا الدور أيضاً في أوساط معينة وتجاه أهداف محدودة.

4 - استقلالية المرجعية الدينية وأجهزتها عن الحكومات والانظمة من ناحية وعن التأثيرات الخارجية سواء كانت قوى محلية أو كانت تنظيمات حزبية أو غير ذلك من

___________________________

(1) لقد قامت حكومة السعدون التي كانت تعمل تحت الانتداب البريطاني بابعاد آية الله الشيخ مهدي الخالصي الى الحجاز بتاريخ 25 حزيران، ثم ابعاد عشرين عالماً آخر، كان بضمنهم المرجعان آية الله الشيخ النائيني وآية الله السيد الاصفهاني بتاريخ 29 حزيران سنة 1923 الى ايران، ثم شنت حملة اعتقالات واسعة ضد العلماء الزعماء الذين كانوا يتعاطفون مع حركة العلماء بمقاطعة الانتخابات المزيفة التي كانت تجريها الحكومة السعدونية.

(2) شرحنا طبيعة هذا التنظيم والعلاقات فيه والنظرية الاسلامية فيها في كتابنا الجماعة الصالحة، فصل التنظيم العام.

-----------------------------------------------------

المؤثرات والضغوط، وذلك من أجل الاحتفاظ بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح والابقاء على قدسية المرجعية ونقائها بعيداً عن الظنون والريب والشكوك.

أهداف الاصلاح وهمومه

وأما على مستوى الهموم والاهداف والقضايا المصيرية، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:

1 - تعبئة الأمة روحياً وسياسياً للمشاركة والمساهمة الفعّالة في عملية الاصلاح العامة واخراجها من عزلتها النفسية والسياسية المفروضة وقد فرضت عليها هذه العزلة لعدة أسباب نذكر منها:

أ - التراكمات التاريخية للحكومات الجائرة المستبدة وخصوصاً الحكم العثماني في العراق حيث أصبحت الاكثرية من ابناء الشعب العراقي وهم من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يعيشون في عزلة تامة عن العمل السياسي العام لأنهم كانوا يعيشون ويعاملون معاملة الاقليات المضطهدة في الدولة العثمانية.

والاقليات في أحسن حالاتها تفكر في تنظيم واصلاح أوضاعها الخاصة والتعايش الايجابي مع الحكم والاوضاع العامة، لشعورها عادة بالعجز في قدرتها على الاصلاح في المجال العام.

ب - تداعيات الاحباط الشعبي العام بعد فشل (ثورة العشرين) حيث كان أتباع أهل البيت (ع) وهم الاكثرية هم الذين قاموا بالثورة وتحملوا تضحياتها وآلامها، وكان نصيبهم منها هو المطاردة والتشريد لقادتهم وعلمائهم، والحرمان سياسياً وثقافياً واقتصادياً لجماعتهم والابعاد عن الادارة والحكم والمواقع الحساسة، وذلك تحت ضغط السياسات الاستعمارية للبريطانيين ونفوذهم السياسي.

ج - عدم وجود الرؤية السياسية الشاملة للاوضاع الاجتماعية وملابساتها وظروفها والقوى المؤثرة فيها. حيث كان التصور السائد آنذاك انّ البديل الطبيعي للحكم الاجنبي هو قيام حكم اسلامي وطني يضمن الحقوق الطبيعية لجميع أبناء الأمة شيعة وسنة وعرباً واكراداً وتركماناً وفرساً وأقليات أخرى، ولكن العلماء عندما وجدوا انّ هناك بديلاً آخر للحكم الاجنبي الكافر المباشر هو الحكم الاجنبي غير المباشر من خلال الوصاية والمعاهدات بدأوا يتراجعون في حركتهم الاصلاحية بمجرد تكشف الاوضاع السياسية عن هذه البدائل الاخرى والاهداف الخبيثة وأساليب المكر والخداع للانجليز وعملائهم المحليين.

ولا شك ان التعبئة العامة للامة سياسياً وروحياً لها دور أساس في ايجاد الاصلاح واحداث التغيير لانّ الامة هي الموضوع والاداة لهذا التغيير والاصلاح.


2 - الاهتمام بقضايا العالم الاسلامي الكبرى:

مثل قضية الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية لقوى الكفر الدولي والاستكبار العالمي التي نسمّيها بالاستعمار.

ومثل قضية المحافظة على وحدة الامة الاسلامية أو العربية على الاقل سياسياً ومحاولات الاستكبار العالمي لزرع الشقاق والاختلاف والصراع بين أطراف العالم الاسلامي والعالم العربي، كل ذلك بعد سقوط الدولة الاسلامية الواحدة.

ومثل قضية فلسطين ومحاولة اقتطاع هذه المنطقة الحساسة من العالم الاسلامي والعربي وتغيير هويتها لاسباب وأهداف عديدة ترتبط بالهيمنة الاجنبية والاستضعاف للمسلمين وفرض الاحساس بالضعف والدونية والتبعية على الامة الاسلامية.

ومثل قضية الغزو الثقافي العقائدي من خلال حملات التبشير بالمسيحية الغربية والشرقية والفكر الوجودي اللاديني والتحلل الاخلاقي، أو الغزو الثقافي السياسي من خلال التيارات الفكرية السياسية الماركسية، أو الرأسمالية الغربية، أو الاشتراكية، أو القومية العنصرية وغيرها من الحركات الفكرية.

3-المحافظة على الوعي الديني والالتزام العقائدي والسلوكي في أوساط الامة الاسلامية الواحدة، مثل المحافظة على العلاقات الداخلية بين الجماعات المتعددة للامة: مثل العلاقات المتكافئة بين السنة والشيعة خصوصاً في ظل التحولات الجديدة في الاوضاع الاجتماعية حيث برزت الحاجة الملحة الى تطوير هذه العلاقات الى علاقات تفاهم وتعاون لتحقيق الاهداف المشتركة.

أو قضية تطوير الوعي الديني للمناطق المستضعفة دينياً في أطراف العالم الاسلامي التي وصلت الى مستويات دنيا من التخلف والضياع وأخذت تتعرض الى أخطار


الارتداد عن الاسلام أو الجماعات المسلمة التي كانت تعيش المحاصرة أو العزلة الثقافية والسياسية المفروضة بسبب ظروف الاضطهاد والقهر المذهبي والديني كالعلويين في سوريا الكبرى والبكداشية في تركيا، والشبك في العراق، وغيرهم في مناطق آسيا وأفريقيا، وكذلك رعاية الحركة الاسلامية والدفاع عن وجودها وغير ذلك من الشؤون.

4 - المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية المهضومة للاكثرية الساحقة لابناء الشعب بسبب الاستبداد الطائفي أو القومي أو السياسي، ومحاربة الظلم الاجتماعي والتمييز العنصري والطائفي والطبقي والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، والرفاه الاقتصادي، والحريات العامة، وتطبيق الشريعة الاسلامية في المجالات الاجتماعية، خصوصاً بعد أن تحولت الانظمة التي أقامها الاستعمار العسكري والسياسي الى حكومات تدعو الى تطبيق الانظمة الوضعية الاوروبية وتقليص دور الشريعة الاسلامية في الحياة العامة.

5 - تطوير مناهج التربية والتزكية والتعليم والتثقيف العام بما يتناسب والاوضاع المدنية الجديدة والتطور العلمي للمضمون الثقافي وللاساليب والوسائل، وذلك في مجالات المدارس والمساجد والاماكن الدينية، كالعتبات المقدسة والحسينيات والتكايا، والمنبر الحسيني والمراكز الثقافية، والمكتبات، والاحتفالات، والكتاب، والمجلة، والصحيفة، وقنوات الاعلام العامة، وغيرها من الوسائل.

6 - المحافظة على العلاقة الروحية والمعنوية بين الحوزة العلمية ومؤسساتها الدينية والثقافية ونشاطاتها الاجتماعية من ناحية، والاوساط المثقفة الجديدة في الامة كالجامعات والمراكز العلمية والخريجين والطلبة والمعلمين والكتّاب والباحثين والادباء وغيرهم من ناحية أخرى.

فانّ هذه الاوساط كانت في السابق تشكل جزءاً من الحوزات العلمية أو تابعة لها، ولكن بسبب التطور المدني والاجتماعي أصبحت هذه الاوساط تشكل وجوداً واسعاً ومستقلاً ينافس الحوزات العلمية، بل مرشحاً لمعارضتها ومواجهتها تحت شعار (العلمنة) واللادينية وانفصال العلم عن الدين.

انّ هذه القضايا كانت ولازالت تشكل عناوين بارزة ومهمة في الاهداف والهموم والمسؤوليات للفرضية الاولى في الاصلاح.

وهذه الفرضية تعبّر عن الاتجاه الاول الذي ينطلق من الاصلاح في الحوزة العلمية

ومؤسساتها ويلتزم بالمنهج الاول الذي ينظر الى الاصلاح نظرة عامة شمولية.

شهود حركة الاصلاح الكلي:

ويمكن أن نجد شاهداً ومصداقاً لهذه الفرضية، ولكنه يتصف بالبدائية والغموض في الحركة الاصلاحية التي قادها علماء النجف الاشرف في ثورة العشرين للحصول على الاستقلال واقامة الحكم الاسلامي في العراق، وفي حركة المشروطة في ايران للقضاء على الاستبداد وتقييد الحاكم بالنظام الاسلامي والمؤسسات الدستورية التي تشكل ضمانة في الالتزام بالنظام الاسلامي من ناحية والمصالح العامة التي يرتبط بها من ناحية أخرى، ولكن نلاحظ هنا وجود الاختلاف الكبير بين رموز هذه الحركة الاصلاحية في وضوح التصور أو شموليته لهذه التفاصيل أو تلك، الامر الذي أدى الى ظهور الاختلاف الشديد بينهم في المواقف الى حد التعارض أو الى حدوث تراجعات واحباطات واسعة.

وكذلك نجد شاهداً في الحركة الاصلاحية التغييرية التي قادها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في العقدين الثامن والتاسع من القرن الهجري السابق(1370 - 1390)، التي يمكن أن نجد فيها الاطار التنظيمي وكل هذه العناوين والقضايا والهموم والمسؤوليات واكثر المصاديق والمفردات التي أشرنا اليها.

وقد كان مما يميّز هذا الشاهد من الحركة الاصلاحية هو وضوح الرؤية فيها في الانتماء الى الحوزة العلمية ومؤسساتها اولاً، والنظرة الشمولية الواسعة للقضايا وجوانب الاصلاح ثانياً، وموقع المرجعية الدينية العامة من حركة الاصلاح ثالثاً، والاعتبار والاستفادة من التجارب السابقة التي عاشها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) في حركة الجهاد وثورة العشرين رابعاً، وفي التمييز بين التيارات السياسية العلمانية واللادينية باتجاهاتها المتعددة والتيار الاسلامي خامساً.

وأيضاً يمكن أن نجد شاهداً على هذه الحركة الاصلاحية بصورة أوضح مضافاً الى الرؤية، في النتائج والآثار وذلك في الحركة الاصلاحية التي قادها الامام الخميني (رضوان الله عليه) والتي تمكنت من أن تحقق أهدافها بشكل واضح وواسع وكبير في هذا العصر على مختلف المستويات، حيث انطلقت من الحوزة العلمية وتمسكت بها وبمبادئها وتبنت كل هذه الشعارات والهموم وتحملت كل هذه المسؤوليات.


انّ المقارنة بين هذه الشواهد الاربعة وبيان تفاصيل الارتباط بينها ومدى انطباق الفرضية المذكورة عليها بشكل واضح يحتاج الى بحث واسع لا يستوعبه هذا المقال.

ولكن أصل الارتباط بينها في المنهج والاتجاه أمر واضح يمكن ادراكه بمجرد المطالعة السريعة للشعارات وطبيعة الاهتمامات والمنطلقات والاعمال التي قامت بها هذه الحركات.

وبهذا الصدد قد يحسن الاشارة الى حديث سمعته من الامام الخميني (رضوان الله عليه) مباشرة في تقييم وضع الحركة الاصلاحية التي كان يقودها الامام الحكيم، انّه قال: (انّي كنت أتوقع قيام الحكم الاسلامي في العراق قبل ايران وذلك من خلال ما شاهدته من تحول كبير في أوساط الامة).

الحوزة والاصلاح التجزيئي:

الفرضية الثانية في الحركة الاصلاحية: هي الالتزام في اتجاه الاصلاح بالحوزة العلمية ومؤسساتها وهو الاتجاه الاول في الاصلاح، ولكن على أساس المنهج الثاني وهو اختيار المفردات المهمة في الحوزة ومؤسساتها من أجل تحقيق الاصلاح فيها، ومن خلال تجميع المفردات المتعددة يمكن أن يتحقق في أفضل الاحوال تحول كبير في المجتمع بما للحوزة من أهمية ودور مؤثّر في الأوساط الاسلامية، لا سيما أوساط أتباع أهل البيت عليهم السلام.

ومن أجل توضيح هذه الفرضية يمكن أن نذكر العناوين والمفردات المهمة التي عاصرناها في مثل هذه الحركة الاصلاحية على مستوى الحوزة نفسها أو على مستوى الامة.

أما على مستوى الحوزة فيمكن أن نشير الى النقاط التالية:

1 - مناهج الدروس في الحوزة العلمية، واحياء علوم الفلسفة والكلام والتفسير والاخلاق والتاريخ والرجال، واللغات الاجنبية، والفقه المقارن.

2 - تنظيم الدروس وايجاد صيغة الامتحان ووضع الضوابط للمراحل التعليمية والاساتذة والمعلمين.

3 - تنظيم الموارد المالية وتطويرها والعمل على ايجاد ضمان مالي للطلبة من خلال تعيين الرواتب وتأمين السكن.

4 - تطوير وتسهيل الكتب والنصوص التعليمية.

5 - تطوير المنبر الحسيني والخطابة للعلماء والمبلغين.

6 - تطوير وتنشيط حركة التبليغ وارسال البعثات التبليغية في مناطق الفراغ أو الحج واستخدام الاساليب الجديدة في التبليغ والنشر، كاصدار المجلات والمنشورات والدوريات وتبسيط المفاهيم الدينية وشرحها.

وأما على مستوى الامة، فيمكن أن نلاحظ النقاط التالية:

1 - تنزيه الشعائر الحسينية وتطويرها من حيث الأداء والمضمون.

2 - الانفتاح على أوساط المذاهب الاسلامية، علماء ومثقفين ومفكرين وأدباء بهدف التقريب المذهبي والتعاون المشترك.

3 - ايجاد المؤسسات المساندة المختصة للقيام بالاعمال والنشاطات الخاصة كمؤسسات النشر والتحقيق أو المكتبات العامة أو الاعمال الخيرية.

4 - تعمير العتبات المقدسة وتنظيمها وكذلك ايجاد المساجد والحسينيات في مناطق التجمعات الشعبية ونشرها وتشجيعها، وكذلك تشجيع الشعائر الدينية كصلاة الجماعة والدعاء والزيارة والاحتفال بذكريات الاسلام وأهل البيت (عليهم السلام).

5 - محاربة الفئات الضالة في الامة الاسلامية كالبهائية والوهابية والنواصب والغلاة وكذلك حركات التبشير المسيحي أو المجموعات المتحللة والتيارات الفكرية والسياسية المنحرفة وغيرها.

6 - تأسيس المدارس الدينية الحديثة التي تجمع بين المنهج العام والتربية الدينية الخاصة، وكذلك المؤسسات الثقافية الحديثة الدينية كالمنتديات والجمعيات والدراسات التأهيلية.

سيد مرحوم
11-30-2004, 10:19 AM
شهود حركة الاصلاح التجزيئي:

ولعلّ من أبرز الشواهد والمصاديق لهذه الفرضية (الفرضية الثانية) في الحركة الاصلاحية، هي الحركة الاصلاحية التي قادها المرجع الكبير آية الله العظمى السيد البروجردي (رحمة الله عليه) الذي كان يبدي من خلال مجموع الحالة ونشاطاته العامة

الاهتمام الخاص بهذه الاهداف والعناوين، مثل الاهتمام بعلوم الحديث، والرجال، والاخلاق، والتفسير، وان كانت له تحفظات على علم (الفلسفة).

وكذلك الانفتاح على دراسة المذاهب الاسلامية الاخرى، بحيث كان يرى انّ ذلك أمر ضروري في الاجتهاد، ونشطت بتشجيعه حركة التقريب بين المذاهب الاسلامية وأسست دار التقريب في القاهرة التي كان يساندها شخصياً.

واهتمّ بشكل خاص في تنظيم الدروس وتأكيد فكرة الامتحانات العامة في الحوزات العلمية، وكذلك تطوير الدعم المالي والاهتمام بموضوع بناء المدارس وتأسيس المكتبات واحياء التراث، وارسال البعثات التبليغية حتى إلى اوروبا، ومحاربة البدع والضلالات... الى غير ذلك من النشاطات الاصلاحية العامة.

ولكنه مع كل ذلك بقي متمسكاً بموقفه السلبي في موضوع العمل السياسي وعدم القيام بالدور الرئيسي فيه، مع انّ عهده شهد تطورات مهمة في الحياة السياسية وهي التغييرات بعد الحرب العالمية الثانية مثل قضية فلسطين وسقوط البهلوي رضا شاه وظهور التيارات الماركسية والقومية، وأحداث تأميم النفط في حكومة (مصدق)، ونشوء الحركة الاسلامية في ايران ونشاطها الكبير، وهي حركة نواب صفوي وفدائيان اسلام الى غير ذلك، وسقوط الملكية في مصر والعراق الى غير ذلك من الاحداث المهمة، حيث لم يعرف له موقف أو عمل واضح تجاه هذه القضايا.

بل انّ المرجعية الدينية في النجف الاشرف (الامام الحكيم) كان لها موقف واضح ضد تأسيس العلاقات بين نظام الشاه والكيان الصهيوني في فلسطين، ولم يسجل مثل هذا الموقف للمرجع الكبير السيد البروجردي، وكذلك نجد احتجاج المرجعية في النجف الاشرف (الامام الحكيم) على قيام نظام عبد الناصر باعدام السيد قطب ورفاقه، ولم يسجل مثل هذا الموقف بحسب اطلاعي لمرجعية السيد البروجردي على اعدام السيد نواب صفوي ورفاقه مع وجود الفرق الواضح لصالح الشهيد السيد نواب صفوي.

كما يمكن أن نجد شاهداً آخر مماثلاً لذلك هو حركة الامام الخوئي (ره) الاصلاحية التي كانت تتسم الى حد كبير بنفس المواصفات التي كانت عليها مرجعية السيد البروجردي.

وهنا نلاحظ لصالح الامام الخوئي، انّ الامام الخوئي كان قد ساند أو شارك في البداية


مع بقية علماء النجف في مواقفهم السياسية ضد الشيوعية وفي الحركة الاصلاحية العامة في العراق، وكذلك مع الحركة الاصلاحية التي قادها الامام الخميني في ايران، ولكنه توقف عن ذلك في مرحلة متأخرة.

ثم شارك بشكل فاعل في انتفاضة شعبان 1411 هـ حتى اعتقاله وجميع أصحابه وتغييبهم بسببها، الى آخر ما جرى من أحداث لازلنا نعيشها، ولكنه تراجع بعد ذلك.

انّ ذلك كلّه قد يلقي ضوءاً على خلفية مواقف الفرضية الثانية من الحركة الاصلاحية، وبالنسبة الى الامام الخوئي على الاقل بحيث يمكن أن يقال انّ الفرق في بعض الحالات بين الاشخاص ليس في الرؤية والتصور النظري للاصلاح، بل الفرق في تقدير الموقف وتقدير المصالح والمفاسد المترتبة من ناحية، وفي تشخيص القدرة والامكانات المتوفرة للحركة الاصلاحية من ناحية أخرى.

وهذا الموضوع يحتاج الى تحقيق واسع ومتابعة جدّية لها مجال آخر للبحث.

الاصلاح الكلي خارج الحوزة:

الفرضية الثالثة في الحركة الاصلاحية: هي الالتزام بالمنهج الشمولي الكلي في الاصلاح، ولكن من خارج الحوزة العلمية، وان كان يقوده رجال من الحوزة العلمية، وهذه الحركة الاصلاحية كانت معنية بالدرجة الاولى باصلاح الاوضاع السياسية العامة، ويكون اهتمامها بالحوزة ومفرداتها فضلاً عن المفردات الاخرى في الامة بدرجة أقل حسب ما تقتضيه الظروف أو تفرضه أساليب العمل وتوفر الامكانات.

ولذلك كانت تركز اهتمامها في النقاط الاربع الاولى التي ذكرناها في الفرضية الاولى بالقدر الذي يرتبط بالوضع السياسي العام، ولم تكن تولي القضايا ذات الطابع الديني المحض اهتماماً خاصاً الاّ بقدر ما يسمح لها في التحرك في الامة وتعبئة طاقاتها.

كما انّها كانت تستخدم أحياناً المؤسسات الدينية والنشاطات الشعائرية العامة كالاحتفالات والمجالس الحسينية المرتبطة بالحوزة تقليدياً واجهات لأعمالها ونشاطاتها أو مراكز تنطلق منها.

ولعلّ من أبرز الشواهد لمصاديق هذه الفرضية هي الاحزاب الاسلامية التي أسسها علماء الاسلام أو التي ارتبطت بهم بشكل وآخر.

مثل جمعية النهضة الاسلامية التي أسسها العلامة السيد محمد علي بحر العلوم والعلاّمة الشيخ محمد جواد الجزائري وآخرون أثناء حركة الجهاد ضد الاستعمار الانجليزي والتي ينسب اليها أو لبعض أفرادها عملية ثورة النجف الاولى التي بدأت بقتل الحاكم الانجليزي في النجف الاشرف 1338 هـ، وانتهت الثورة بمحاصرة النجف وتسليم الثوار بعد مناوشات وقتال شديد.

ومثل حركة فدائيان اسلام في ايران التي قادها العلامة السيد نواب صفوي وبرعاية ودعم من آية الله السيد أبي القاسم الكاشاني، وانتهت بعد ذلك بعمليات الاعدام التي نفذها حكم الشاه ضدّهم بعد حوادث حركة (مصدّق) وفشلها ورجوع الشاه تحت حراب الجيش الايراني والحكم العسكري للجنرال زاهدي.

ومثل حركات اسلامية أخرى في العراق كحركة الشباب المسلم والعقائديين ثم حركة الدعوة الاسلامية التي شارك في تأسيسها بعض العلماء والتي تطورت بعد ذلك الى حزب الدعوة الاسلامية.

وحركة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) التي أسسها العلاّمة السيد موسى الصدر في لبنان، وكذلك حركة حزب الله الأخيرة في لبنان.

ومع قطع النظر عن الملابسات التي أحاطت ببعض هذه الحركات أو التطورات التي انتهت اليها أو الاختلاف بينها في الحجم والاهمية والآثار، إلاّ انّ الطابع الاصلاحي العام لها كان يصنّفها في الفرضية الثالثة، حيث انّها حركات كانت تبدأ من العلماء والحوزة العلمية ولكنها ليست مؤسسة من مؤسساتها ولا تعمل ضمن اطارها وتشكيلاتها العامة، كما انّ منهجها كان منهجاً شمولياً يهتم بالقضايا الرئيسية ويحاول معالجة القضية السياسية الاجتماعية بشكل أساس.

الاصلاح التجزيئي خارج الحوزة:

الفرضية الرابعة في الحركة الاصلاحية: هي التركيز على مفردات المشاكل ومصاديق الاصلاح ومحاولة حل المشاكل ومعالجة الفساد، ولكن من خلال المؤسسات في خارج الحوزة العلمية وأجهزتها، كما كان يقودها في اكثر الاحيان رجال من الحوزة العلمية أو من المرتبطين بمؤسساتها وأجهزتها.

وقد اهتمت هذه الحركة الاصلاحية بمجالات عديدة وبشكل تجزيئي، ولكن نلاحظ انّ هناك مجالات ثلاثة حظيت باهتمام اكبر في مثل هذه الحركة الاصلاحية، وهي مفردات تكاد أن تستوعب غالبية المساحة التي كانت تتحرك فيها هذه الحركة الاصلاحية:

الاول: مجال التربية والتعليم من خلال تأسيس المدارس النظامية وتطوير المناهج الدراسية في الشكل والمضمون والكتب التعليمية الدراسية، أو تيسيرها للدارسين.

الثاني: مجال النشر والتأليف والبلاغ التراث الاسلامي وتطوير عرضه وتيسير تناول مفاهيم الإسلام والاحكام الشرعية وتحمل مسؤولية الدفاع عن أفكاره وعقائده ورؤاه.

الثالث: مجال الرعاية الاجتماعية للفقراء والضعفاء والاوساط المستضعفة.

وبالرغم من انّ الفرضية الثانية من الحركة الاصلاحية كانت تتداخل في حركتها مع هذه الفرضية الرابعة للحركة الاصلاحية، إلاّ اننا نلاحظ انّ مساحة كبيرة نسبياً كانت مجالاً لحركة هذه الفرضية وحدها.

ونجد أمامنا شواهد عديدة في عالمنا الاسلامي لهذه الحركة الاصلاحية، وذلك في الجمعيات الاسلامية التي أسست للاهتمام بالمجالات المذكورة أعلاه أو غيرها، مثل جمعية المدارس الجعفرية في بغداد وقبلها جامعة أهل البيت أيضاً وجمعية الصندوق الخيري في بغداد وجمعية المدارس الجعفرية في صور والمدارس المحسنية في دمشق ومدرسة الغري في النجف الاشرف والمدارس العلوية في طهران وصناديق قرض الحسنة في ايران ودور النشر في النجف وطهران ولبنان وغير ذلك من المصاديق والمفردات.

لقد كان لكل هذه الفرضيات رجالها الأفذاذ المخلصون المعروفون أو المجهولون الذين تحملوا أعباء المسؤولية الكبيرة وواجهوا المصاعب والمحن والآلام التي يواجهها المخلصون المصلحون كسنّة من سنن التاريخ الانساني وقدّموا خدمات عظيمة للاسلام والمسلمين، ومن ثم للانسانية كلّها ولهم مراتبهم وأجرهم عند الله تعالى.

وقد كان بعض هؤلاء الرجال المخلصين يقوم بأدوار متعددة ويبادر الى كل فرصة سانحة ويتحرك في هذا المجال وذاك لأنّ هدفه هو التقرب الى الله تعالى وتحقيق الاهداف الصالحة.

أسماء بارزة في الحركة الاصلاحية المعاصرة:

وقد كانت هناك أسماء بارزة غير من ذكرنا تردد صداها في الحوزات العلمية وفي أنحاء العالم الاسلامي بشكل واسع أو محدود وبمستويات متفاوتة.

ومن جملة هذه الأسماء المرحوم العلامة آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي كانت له فعاليات متميزة على مستوى العالم الاسلامي والاوضاع السياسية، مضافاً الى مبادراته الخاصة المتميزة في بعض كتاباته مثل تحرير المجلة والدعوة الاسلامية والمثل العليا في الاسلام وغيرها.

وكذلك العلامة آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي الذي كانت له فعاليات واسعة ومتميزة أيضاً على مستوى العالم الاسلامي في مجال مواجهة الحملات التبشيرية وتطوير الشعائر الحسينية وتيسير تفسير القرآن المجيد.

وآية الله العلامة الطباطبائي صاحب كتاب تفسير الميزان، الذي كان لكتبه في الفلسفة والعقيدة والتاريخ دور كبير في الثقافة الاسلامية بحيث تكون من حركته مدرسة فكرية مؤثرة وفاعلة لها طلابها الكبار أمثال الشهيد العلامة المطهري.

والعلامة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر المفكر الاسلامي والمرجع الديني الذي كان له دور التنظير في مختلف مجالات الفكر الاسلامي، كما كان له دور الممارسة الاصلاحية الشمولية العامة والتي بدأها على أساس الفرضية الثالثة، ثم تطورت الى الفرضية الاولى والاستمرار على نهج الحركة الاصلاحية التي قادها الامام الحكيم (رضوان الله عليه) ثم تطورت حركته بعد انتصار الثورة الاسلامية فجاءت منسجمة مع الحركة الاصلاحية للامام الخميني (رضوان الله عليه) وقد ضمخها بمداده العلمي ودمائه الزكية الشريفة.

مضافاً الى انه (رضوان الله عليه) مارس شخصياً أدواراً عديدة في الاصلاح على مستوى المفردات والمصاديق تحركت في مناهج التدريس(1) وتنظيم الحوزة وفي المدارس الاكاديمية وفي العمل السياسي المنظم وفي المؤسسات الحوزوية المختلفة والمتعددة

___________________________

(1) تناولت أبعاد الحركة الاصلاحية للشهيد الصدر في محاضرة وحديث مستقل، نشرت خلاصته في صحيفة لواء الصدر.

----------------------------------------------

الأغراض.

وكذلك العلامة آية الله الشهيد الشيخ مرتضى المطهري، وهو خريج مدرسة العلامة الطباطبائي والامام الخميني والذي قام بدور عظيم في انفتاح الحوزة العلمية على الجامعة والاوساط المثقفة والتنظير للفكر الاسلامي والمساهمة الفعّالة في الثورة الاسلامية في ايران، حيث كان عضواً أو رئيساً لمجلس قيادة الثورة فيها.

والعلامة آية الله الشيخ محمد رضا المظفر الذي كانت له مساهمات وأدوار واسعة متعددة سواء في تأسيس والتزام جمعية منتدى النشر ومؤسساتها أو تأسيس كلية الفقه أو كتابة المناهج الحوزوية أو في طرح الاصلاح على مستوى المنبر الحسيني والتعليم الديني، أو في الحضور في منتديات العالم الاسلامي.

والعلامة الشيخ محمد تقي القمي الذي كان له دور متميّز على مستوى التقريب بين المذاهب الاسلامية والتعريف بمذهب الامامية في أوساط المذاهب الاخرى.

والعلامة السيد موسى الصدر الذي قاد وأسس حركة الاصلاح في لبنان في العقود الاخيرة بدعم واسناد من المرجعية الدينية للامام الحكيم (رضوان الله عليه).

والعلامة آية الله السيد محمد تقي الحكيم الذي كان له دور متميّز في تحديث المباحث الاصولية، والانفتاح على الاوساط المثقفة في العراق ولبنان ومصر، والكتابة في: أصول الفقه المقارن.

وهناك أسماء أخرى كبيرة لو أردنا أن نستوعبها في الحديث، فقد نحتاج الى وقت واسع، ولكني أشرت الى بعض النماذج المهمة لاكمال الصورة.

ملاحظات عامة حول الحركة الاصلاحية:

وفي الختام لابد من الاشارة الى عدة نقاط مهمة ترتبط بحديث وبحث الحركة الاصلاحية في الحوزة العلمية:

الاولى: انّ تقويم هذه الحركة و تفضيل أي منهج وفرضية منها على الآخر يحتاج الى دراسة ميدانية مستوعبة تستند الى الوثائق والارقام العلمية، ولكن مع تأكيد كل ذلك يمكن أن أعبّر هنا عن تصوري الخاص الذي يعتمد على المطالعة العامة للحركات الاصلاحية من ناحية، والمعايشة الشخصية للاحداث، والفترة المهمة التي شهدتها عن كثب من خلال موقعي من مرجعية الامام الحكيم والشهيد الصدر والثورة الاسلامية في ايران من ناحية أخرى، والتحليل الدقيق لبعضها على الاقل من ناحية ثالثة.

وهذا التصور انّ الفرضية الاولى تمتاز ايجابياً على الفرضيات الاخرى ليس في شموليتها وأهمية أهدافها وحجم قضاياها فحسب، بل انّ التجربة دللت على انّ النتائج والآثار كانت لصالحها من حيث الحجم والمضمون والاهمية والقدرة على البقاء والاستمرار.

كما انّ حجم التضحيات والآلام والمحن والضغوط التي كانت تواجهها اكبر بكثير مما تواجهه عادة الفرضيات الاخرى للاصلاح.

ولعلّ هذا أحد الاسباب المهمة التي حملت بعض هؤلاء المصلحين على عدم التزام هذه الفرضية والتحول الى الفرضيات الاخرى.

على انه لا يوجد شك لدي انّ بعض هؤلاء المخلصين الذين لم يلتزموا هذا المنهج انّما كان ذلك منهم لعلّة عدم وجود الفرصة لديهم أو لعدم توفر الامكانات المطلوبة. والله هو العالم بحقائق الامور.

الثانية: انّ بعض الحركات الاصلاحية ومؤسساتها كانت تبدأ أحياناً من الحوزة ومرتبطة بها ثم تتحول بسبب عوامل مختلفة الى خارج الحوزة، وذلك مثل جمعية منتدى النشر التي بدأت مؤسسة من مؤسسات الحوزة لتقوم بنشر واحياء التراث الاسلامي ثم تطورت للاهتمام باصلاح المنبر الحسيني والدراسة الدينية، ولكنها واجهت صعوبات انتهت بها الى الطريق المسدود تقريباً في هذه المجالات حتى انفتحت على كسب الاعتراف الرسمي بكلية الفقه فتحولت الى مؤسسة خارج الحوزة يقودها علماء من الحوزة وتلخصت في كلية الفقه، وكذلك حركة أمل في لبنان فانّها بدأت كجناح مسلّح مكمّل للحركة الاصلاحية التي قادها العلامة السيد موسى الصدر من خلال تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي أريد له أن يمثل الطائفة الشيعية في لبنان دينياً، ولكنها تحولت بعد ذلك الى مؤسسة مستقلة عن المجلس المذكور.

وبعض هذه المؤسسات كانت تبدأ من خارج الحوزة ولكنها تحولت تدريجياً الى مؤسسة ترتبط بالحوزة في حركتها وأهدافها العامة، كما هو الحال في جمعية الصندوق الخيري في بغداد التي تم تأسيسها خارج اطار الحوزة ولكنها ارتبطت تدريجياً بالحركة لاصلاحية العامة للامام الحكيم وتوسعت في أعمالها وتنوع نشاطها وأصبحت ضمن هذه الحركة العامة.

كما انّ هناك جمعيات ومؤسسات قامت بنشاط مهم في الحوزة ولكنها لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها الكبيرة فظلّت تراوح في مكانها، ويمكن أن نذكر لذلك مثلاً جمعية الرابطة الادبية وجمعية التحرير الثقافي على اختلاف في مستوى الفاعلية بينهما لصالح جمعية الرابطة الادبية.

الثالثة: انّ هناك حاجة حقيقية لدراسة مستوعبة للشخصيات العلمية التي كان لها دور في حركة الاصلاح وتقويم عملهم من حيث نتائجه وآثاره الايجابية والسلبية بشكل موضوعي وعلمي بعيداً عن العواطف والاحقاد أو المواقف المسبقة ومن أجل الاستفادة من هذه التجارب الثرية المعطاءة، وبعيداً عن المجاملات أيضاً وما يفرضه التكريم أحياناً من قيود. فانّ التكريم شيء مهم وضروري لأنه مصداق لسنة الهية وهي شكر المنعم، ولكن التكريم لا يعني بالضرورة أن لا تكون في النتائج والاعمال سلبيات أو مستويات من الأهمية، لأننا إذا كنا لا نشك باخلاص هؤلاء الرجال المصلحين وهو كذلك فلا يعني ذلك انّ كل أعمال المخلصين لابد أن تكون مطابقة للصواب إذا لم يكونوا معصومين.

الرابعة: انّ بعض رجال الاصلاح كان يركّز على اصلاح الحوزة العلمية، لأنه كان يرى انّ الحوزة العلمية هي مفتاح الاصلاح في المجتمع الاسلامي، لانها تمثل القيادة الشرعية الصالحة لهذا المجتمع انطلاقاً من فكرة اذا صلح العالِم صلح العالَم. وقد ورد في الاحاديث الشريفة ما يؤكّد هذه الفكرة.

مع انّ المحصلة الكلية من الفكر الاسلامي انّ الاصلاح في المجتمع الاسلامي وان كان يبدأ من اصلاح النفوس البشرية، ولكن الاصلاح الكامل لا يمكن أن يتم بدون أن يتم تحقيق الاصلاح في الاوضاع السياسية والاجتماعية للجماعة والامة، وهذا أمر يرتبط باصلاح الحكم والادارة العامة للامة، وهذا مما ينسجم مع الفرضية الاولى للاصلاح.

وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب