المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ياله من اكتشاف .. بشر طوله متر .. ودماغه بحجم البرتقالة



مجاهدون
11-27-2004, 01:05 PM
خالص جلبي

أرسل لي أحد الأصدقاء صورة من الانترنيت تظهر هيكلاً عظمياً لإنسان عملاق، ويسأل هل كان من قوم عاد؟ والعقل العلمي مفتوح لكل الاحتمالات ، فلو ثبتت صحة هذا الهيكل العظمي، لانقلب علم الأنثروبولوجيا رأساً على عقب، ثم تبين أنه كان نوعا من التلاعب في الصورة.

ولكن ما كشف في جزيرة (فلوريس Flores) الإندونيسية أظهر عكس هذا الاتجاه، فقد عثر على بقايا إنسانية لبشر لا يزيد طول أحدهم عن متر واحد، ودماغ في حجم البرتقالة، مشى منتصبا ووصل أجداده إلى الجزيرة بحراً قبل ملايين السنوات لينقطعوا هناك، وعلى ما يبدو فهم فرع من «الهومو أيركتوسHomo Erectus» الإنسان المنتصب، وبقوا معاصرين للإنسان العاقل «الهومو سابينز Homo Sapiens» ليختفوا قبل 13 ألف سنة.

وهذه المسألة شغلت بال ابن خلدون قبل ستة قرون، حين ذكر في مقدمته، أن البشر يظنون أن من بنى الأهرامات كانوا عمالقة. ليصل إلى تفنيد هذا الرأي، وأن بناء الأهرامات قام على سواعد بشر عاديين من أحجامنا ، امتلكوا الإرادة والإمكانيات والعبقرية الهندسية. ونحن نعرف اليوم أن بناة الأهرامات كانوا من الأسرة الرابعة، عاشوا في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد. ولم يكن بناؤها سخرة من العبيد بل عمالاً مأجورين، كما أشار إلى ذلك خبير الفرعونيات المصري (زاهي حواس). وأنها بنيت بالعضلات والدماغ بدون حصان وبكرة وعتلة ، ولم يكن الحديد معروفا أو معدَّنا بعد، فلم يكتشف الحديد إلا في المائة الثامنة قبل الميلاد كما أشار إلى ذلك (توينبي) المؤرخ البريطاني في كتابه «تاريخ البشرية».

وعلم الأنثروبولوجيا علم حديث نسبيا، أخذ في التطور منذ أن أعلن عن كشف إنسان (نياندرتال) قريبا من مدينة «دوسلدورفDuesseldorf » الألمانية. وعرف أن البشر لم يكونوا نموذجا واحداً ، بل هناك العديد من النماذج التي ظهرت على وجه البسيطة واختفت. وأن البشر ليسوا من القرود كما روج ذلك عند دارون و«نظرية التطورEvolution»، بل جاءت القرود بأصنافها من الغوريلا والأورانج أوتان والشمبانزي من فرع مستقل، وجاء فرع «الهومونيد Homonides الإنسانيات» من فرع مستقل، وكلا الاثنين جاءا من آكل الحشرات في رحلة التطور. وهي قضية ذكرها ابن خلدون في المقدمة «عن التحول العجيب في الخلائق».

ثم خرجت أصناف إنسانية زادت عن العشرة مثل «الروبوست» وإنسان «نياندرتال» وإنسان «جاوة» و«بكين». والمنتصب «الايركتوس Homo Erectus» وإنسان «لوسي Homo Afarenesis» الذي كشف عنه الأنثروبولوجي الأمريكي دونالد جوهانسون في مثلث عفار في الحبشة عام 1978م ويعود إلى 3.4 مليون سنة. وإنسان «أرديبيثيكوس راميدوس Ardipethicus Ramidus» الذي كشفه تيم وايت ويعود إلى 4,6 مليون سنة، وآخرها ما كشفه العالم الفرنسي برونيت مع فريق تشادي عن إنسان «الألفية Mellinium» الذي يرجع إلى ستة ملايين من السنين. والآن ظهر إلى السطح إنسان جديد هو الهومو «فلوريسينيسس Homo Floresienesis».

وإنسان جزيرة فلوريس الإندونيسي، البركانية ، التي تقع بين جاوة وجزيرة تيمور وأستراليا أعلنت عنه المجلة العلمية «الطبيعة Nature» بعد أن عثر عليه 17 باحثاً في كهف «ليانج بوا Liang Bua» على عمق 40 متراً ، وأعلن عن هذا الكشف المثير في خريف 2004 م كل من «بيتر براون Peter Brown» و«مايك موروود Mike Morwood» من جامعة «نيوانجلند New England» من أوستراليا. ويعود الكشف إلى سبتمبر عام 2003م ، حيث وجدوا جمجمة محفوظة جيدا وبقايا عظام ، وشظايا من أيد وأضلاع وأقدام وعظام حوض. وتعود هذه العظام إلى امرأة يافعة، بطول 100سم ووزن يترواح بين 16 و29 كيلو غرام، وحجم دماغ لا يتجاوز 380 سنتمتر مكعب. وهو يشابه في هذا دماغ الشمبانزي. ولفترة آلاف السنوات عاش هذا النوع في الكهوف، وعثر في كهوفهم على أدوات حجرية وبقايا عظمية لحيوانات من أنواع شتى أكلها «الإنسان القزم» منها فيلة بحجم صغيرStegodon) لا تزيد عن طول 1.2 متر ، عاشت قبل النوع الحالي الكبير.

وأثناء هذا، تم الكشف عن المزيد من عظام البشر الأقزام ، حيث عثر على بقايا هياكل بين خمسة إلى سبعة أشخاص، عاش أقدمهم قبل 95 ألف سنة وأحدثهم قبل 13 ألف سنة. في الوقت الذي كان الإنسان العاقل ينتشر في الشرق الأوسط .
واعتبر كل من «مارتا ميراثون لار Marta Mirazon Lahr» و«روبرت فولي Robert Foley» من جامعة كمبريدج في بريطانيا، أنه الصيد الأنثروبولوجي الأهم في نصف القرن الفائت.

ومن المهم في الكشف الجديد انقلاب التصور في الرحلة التطورية للإنسان، فقد كانت الكشوفات كلها تظهر نوعا يطول أكثر ويكبر دماغه ويمتد عمره، والذي تبين مع الشكل الجديد المكتشف أن الساعة التطورية انقلبت على نحو معكوس، فالإنسان الجديد انكمش طوله إلى متر، وتراجع دماغه إلى حجم البرتقالة ومعها تراجع عدد النورنات العصبية في الدماغ فانمسخ. ولكن لماذا حدث هذا؟

وحسب الأنثروبولوجي «كريس سترنجر Chris Stringer» من متحف التاريخ الطبيعي في لندن، فإن فرع الإنسانيات (Hominiden) بدأ رحلته قبل سبعة ملايين من السنين، وكان قصيرا في حدود 150 سنتمتر وبدماغ صغير ثم زاد تدريجيا بأكل اللحم غالباً، قبل أن يتفرع منه قبل 1,25 مليون سنة الإنسان العاقل (الهومو سابينز) و(الايركتوس) . ومن فرع العاقل خرج إنسان (نياندرتال)، أما الفرع الذي انبثق منه الإنسان المنتصب (الايركتوس) ، الذي أتقن صناعة الأدوات وتملكته روح التنقل فوصل إلى أوراسيا ، فخرج إنسان فلوريس.
وعلى ما يبدو، فإن أجداد البشر الأقزام جاءوا قبل 840 ألف سنة بأشكال كبيرة وطول يصل 180 سنتمتر وحجم دماغ يبلغ 1260م سنتمتر مكعب قبل أن يحصل الانكماش.

أما بالنسبة لإنسان فلوريس، فقد كان التحول درامياً، إذ تضاءلت الخلايا العصبية بسرعة ، وانكمش الدماغ إلى ثلث حجمه الطبيعي، وللوهلة الأولى ظن العلماء أن هذا النوع من البشر الأقزام ، يشبهون أقزام النيلPygmaen - Variation) ، ولكن أولئك كانوا بطول 140 سم. وفي الطبيعة توجد شواهد من هذا التقزم، مثل فرس النهر في قبرص، أو «الماموت الصغير» في جزر القناة حذاء كاليفورنيا، في حجم لا يزيد عن حصان صغير، وكذلك نموذج الغزلان في جزيرة المفتاحKey أمام سواحل فلوريدا، حيث يوجد على اليابسة مثلها مضاعفة الحجم، كل ذلك حسب قانون الانتخاب الطبيعي ، فمن تكيف بطعام أقل كثر وزادت أعداده، ومن فقد التكيف انقرض وهلك، وهو قانون انتبه له ابن خلدون عن موت الناس في المجاعات ، أن ما يهلكهم ليس قلة الطعام في المجاعة، بل الاعتياد على الطعام الكثير قبله، ومع الانقطاع الحاد يحصل الهلاك.

ويبقى السؤال خلف انقراضهم أو اختفاءهم. فهناك أولا معلومات عن مصادفة بعض الكائنات التي يخيل أنها قردة ، ولكنها نوع مختلف تمشي بانتصاب وبحجم صغير لا يزيد عن طول متر، مما يوحي باختفاء بقاياهم في الأدغال ، حيث أرخبيل الملايو لم يكشف بعد كل أسراره، وقد يكون هذا النوع انقرض من بركان مدمر قبل 13 ألف سنة، أو أن النوع العاقل من أجدادنا، قد جاءوا بموجة جديدة فقضوا عليهم قتلا وحرقا. وهي نظرية تقال أيضا عن اختفاء إنسان نياندرتال، ويشفع لها بقايا المخيلة الجماعية عن فكرة «الغول» وتخويف الأمهات أطفالهن به.