المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المهديون الاثنا عشر بعد الائمة الاثني عشر



احمد امين
10-06-2011, 10:58 AM
المهديّون الاثنا عشر بعد الأئمّة الاثني عشر
آية الله الشيخ محمد السند
المقدّمة:
قد وردت الإشارة في عدَّة من الروايات إلى رجعة الأئمّة الاثني عشر بلسان غير عنوان الرجعة وغير لفظة الكرَّة والأوبة وغير بقيّة عناوين وأسماء الرجعة.
وهذه الإشارة بعنوان المهديين الاثني عشر بعد الأئمّة الاثني عشر، ويراد من عدَّة الاثني عشر من المهديين هم نفس الأئمّة الاثنا عشر بلحاظ رجوعهم وكرَّتهم بعد الموت إلى الدنيا لإقامة دولة محمّد وآل محمّد.
وإنَّما اعتمد أهل البيت عليهم السلام هذا العنوان لعدَّة حِكَم ومغازي:
منها: اعتماد التعبير الكنائي عن الرجعة حيث إنَّ عقيدة الرجعة تعني مشروع إقامة الدولة لدى أهل البيت عليهم السلام وإبراز هذا المشروع بمكان من الخطورة السياسية والأمنية وليس هو عقيدة تجريدية بحتة.
ومنها: أنَّه إشارة إلى أنَّ هذا المقام من المقامات التي يصل إليها أئمّة أهل البيت، وهم موعودون بها من قبل الله تعالى.
في حين أنَّ هذه العقيدة والمعرفة بالرجعة بهذا الشكل قد التَبس على جماعة لتقمّص أدعياء أرادوا بالمؤمنين ضلالاً عن صراط الحقّ وعن التمسّك بأئمّة الاثني عشر لأهل البيت عليهم السلام إلى أنداد وشركاء يُشركون بهم في الولاية الإلهية ليزيلوا الحقّ عن مقرّه ويصرفوا الناس عن الأئمّة الاثني عشر التباساً عليهم باسم الاتّصال بالإمام المهدي عليه السلام الإمام الثاني عشر، بل ربَّما تمادى الغبيُّ عندهم إلى تهميش الإمام الثاني عشر ودفعه عن مقامه الذي رتَّبه الله فيها، وأنَّه ليس هو المهدي وليس هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، تمنّيهم أنفسهم وشياطينهم إلى طاعة الشيطان والأبالسة مع استخدام للسحر والشعبذة ليغووا ضعفة العقول والقلوب ومرضى النفوس، الذين لم يتفقَّهوا في الدين ولم يلجؤوا إلى علم وركن ركين.
روى الشيخ الطوسي في الغيبة، وكذا في مختصر بصائر الدرجات عن جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع. فقال: يا علي إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أوَّل الاثني عشر إماماً، سمّاك الله تعالى في سمائه: علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي فمن ثبَّتها لقيتني غداً، ومن طلَّقتها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمّتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل. فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد عليهم السلام فذلك اثنا عشر إماماً. ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوَّل المقرَّبين( )، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي وهو أوَّل المؤمنين»( ).
المغالطة في الرواية:
توهّم: إنَّ هذه الرواية دالّة على أنَّ الإمام الثاني عشر يسلّم الوصيّة إلى ابنٍ له ثلاثة أسماء، فيكون قول النبي صلى الله عليه وآله في هذه الفقرة: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوَّل المهديين) بإرجاع الضمير في (إذا حضرته) إلى الإمام الثاني عشر، وكذلك ضمير (ابنه) إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام، وأنَّ هذه الثلاثة أسماء هي أسماء لابن الإمام الثاني عشر.
دفع التوهّم:
1 _ وهذا الإرجاع للضمير إلى الإمام الثاني عشر خطأ فاحش في تركيب عبارات الجمل وسياقاتها، فإنَّ الصحيح أنَّ الضمير يرجع إلى الإمام الحادي عشر، الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أي إذا حضرت الإمام العسكري عليه السلام الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الإمام الثاني عشر عليه السلام الذي له ثلاثة أسماء وهو الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين، والإمام الثاني عشر له ثلاثة أسماء: اسم كاسم النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، والاسم الآخر عبد الله وأحمد، والثالث وهو اللقب المهدي، وهو الإمام الثاني عشر أوَّل المؤمنين، وفي بعض النسخ: (اسم كاسمي واسم أبيه وهو عبد الله)، وعلى هذه النسخة يكون اسم الإمام الحسن العسكري عليه السلام عبد الله، وسنبيّن وجه كون الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين وأوَّل المؤمنين.
ومعنى وصف ومنصب عنوان المهدي لأئمّة الاثني عشر أهل البيت عليهم السلام كمقام خاصّ لمن يقيم دولة محمّد وآل محمّد في الإعلان الظاهر وبنحوٍ تبقى مستمرّة إلى يوم القيامة، كما أنَّ هناك مقام المنتصر أو المنصور للأئمّة الاثني عشر، كما اُشير إلى ذلك في زيارة عاشور الإمام المنصور والإمام المهدي عليه السلام، ولنذكر الشواهد على هذا التفسير:
الشاهد الأوَّل:
ما ورد في عدَّة روايات من الفريقين أنَّ الذي له أسماء ثلاثة هو نفس الإمام الثاني عشر عليه السلام:
1 _ فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان، عن إسماعيل بن عياش، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر المهدي فقال: «إنَّه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها»( ).
2 _ فقد روي أنَّه عليه السلام له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، حدَّثنا علي بن أحمد بن موسى ±، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبيّ صلى الله عليه وآله، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي يعلن فمحمّد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، و وضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاَّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد...»( ).
الشاهد الثاني:
أنَّ عنوان المهدي والمهديّون له تفسير مستفيض بل متواتر في روايات أهل البيت عليهم السلام هو كالأصل في معناه ويراد به الإمام من الأئمّة الاثني عشر عندما يقيم الدولة الظاهرة الممكّنة لدولة آل محمّد عليهم السلام، ومن المستفيض في رواياتهم عليهم السلام أنَّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام يرجعون كما هو مقتضى عقيدة الرجعة، ويقيمون دولة آل محمّد عليهم السلام واحداً بعد آخر، وهو مقتضى قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (القصص: 5).
وهذا الخطاب عامّ لكلّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام حتَّى أنَّ الإمام الثاني عشر أيضاً تكون له رجعة.
فالمراد بالمهديين الاثني عشر هم الأئمّة الاثني عشر أنفسهم، فلهم مقام المهدوية بعد تسنّمهم أصل مقام الإمامة من دون دولة ظاهرة معلنة، والحال ذلك حتَّى في الإمام الثاني عشر منذ الوصيّة والإمامة من أبيه الحسن العسكري عليه السلام إلى يوم ظهوره، حينئذٍ يتحقَّق له الوصف الفعلي لمقام المهدي، وإلى هذا المفاد يشير قول النبيّ صلى الله عليه وآله في الرواية المزبورة: «فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً»، أي بعد إمامة الإمام الثاني عشر وامتدادها في عصر الغيبة يتحقَّق بدؤ إقامة دولة محمّد وآل محمّد عليهم السلام، وأوَّل من يقيمها هو الإمام الثاني عشر، ومن ثَمَّ يكون الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين بعد أن كان له أصل مقام الإمامة طيلة فترة الغيبة، وهو أوَّل المؤمنين أيضاً من الأئمّة الاثني عشر الذين وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض بدولة معلنة ويمكّن لهم إقامة الدين حيث يبدلهم بعد الخوف أمناً كما هو نصّ قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً (النور: 55).
ويتَّضحُ هذا التفسير بشكل مفهم جلي من الروايات الواردة في بيان هذا المعنى لعنوان ووصف المهدي:
1 _ روى في تحف العقول وصيّة الصادق عليه السلام لمؤمن الطاق أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول في وصيّة طويلة عليه السلام بمراعاة التقيّة والكتمان وعدم الإذاعة: «فلا تعجلوا فوَالله قد قرب هذا الأمر ثلاث مرَّات فأذعتموه، فأخَّره الله»( ).
ومراده عليه السلام من هذا الأمر أي قيام دولة آل محمّد صلى الله عليه وآله التي تبقى إلى يوم القيامة.
وروى الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قوله: «يا ثابت إنَّ الله تعالى كان وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قتل الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض، فأخَّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ، فأخَّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً...»( ).
وروى في مختصر بصائر الدرجات بسند صحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: «إنَّ أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وعدوا سنة السبعين فلمَّا قتل الحسين عليه السلام غضب الله  على أهل الأرض فأضعف عليهم العذاب، وإنَّ أمرنا كان قد دنى فأذعتموه فأخَّره الله »( ).
وروى النعماني في الغيبة بسند موثَّق عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: «بلى، ولكنَّكم أذعتم فأخَّره الله»( ).
وروى النعماني أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قد كان لهذا الأمر وقت وكان في سنة أربعين ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله »( ).
وروى في الموثَّق عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا أبا إسحاق، إنَّ هذا الأمر قد اُخّر مرَّتين»( ).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن عثمان النوى، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «كان هذا الأمر فيَّ فأخَّره الله ويفعل بعد ذلك في ذرّيتي ما يشاء»( ).
والمراد من الأمر في هذه الروايات المستفيضة التي كان قد وقّت من قبل الله تعالى هو ظهور وقيام دولة آل محمّد، الدولة الموعود باستمرارها إلى يوم القيامة يتعاقب الأئمّة الاثنا عشر عليها، ويصطلح في روايات أهل البيت على الإمام الذي يتمّ على يديه بدء إنشاء إقامة هذه الدولة أنَّه المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله، وإلى هذا تشير الرواية الأخيرة، وهذه الطائفة من الروايات أنَّ مقام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله قد قدَّره الله  في السبعين أي إقامة هذه الدولة المستمرة على يد سيّد الشهداء، فلمَّا فرَّط المؤمنون والمسلمون في القيام بالمسؤولية وقتل الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض فأخَّره الله من باب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (الرعد: 39)، لأنَّه لم يكن ذلك التقدير تقدير جبر وإنَّما أمر بين أمرين لسُنّة الله المشار إليها في قوله تعالى: لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 11)، فقدَّر الله أن يكون مهدي آل محمّد صلى الله عليه وآله هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فحصل التفريط مرَّة أخرى فقدَّره الله في الإمام موسى بن جعفر، فوقع التفريط ثالثة فأخَّره الله إلى ما يشاء، ومن ثَمَّ أشارت هذه الطائفة من الروايات أنَّ هذا الأمر قد وقَّته الله ثلاث مرَّات.
وهذا أي التغيير من باب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ لا يتنافى مع علم الله الحتمي بمقادير الأمور وأقدارها وحتم إبرامها، ومن ثَمَّ لا تتنافى هذه الروايات مع الروايات الأخرى أنَّ مهدي آل محمّد هو الإمام الثاني عشر.
والحاصل أنَّ هذه الطائفة تعزّز أنَّ المهدوية مقام لأئمّة أهل البيت الاثني عشر هو بلحاظ قيامهم بالدولة المعلنة التي تستمرّ إلى يوم القيامة.
وإلى ذلك يشير قول الأمير عليه السلام فيما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «... والمهدي يجعله الله من شاء منّا أهل البيت»( ).
2 _ ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: «ألا اُحدّثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟»، قلت: بلى! فقال: «أنا عبد الله، أنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيّها وأنا عبد الله. ألا اُخبرك بأنف المهدي وعينه؟»، قال: قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: «أنا»( ).
وروى أيضاً عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي عليه السلام فقال: «اُحدّثك بسبعة أحاديث إلاَّ أن يدخل علينا داخل»، قال: قلت: افعل جُعلت فداك، قال: «أتعرف أنف المهدي وعينه؟»، قال: قلت: أنت يا أمير المؤمنين...»( ).
وقد وردت روايات مستفيضة بأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو صاحب الكرّات والرجعات ودولة الدول، ومن ثَمَّ يكون هو المهدي الأكبر من أئمّة أهل البيت كما هو مفاد هاتين الروايتين أنَّه عين المهدي وأنفه حيث تضمَّن تشبيه المهدي بأعضاء جسم بعضها رئيسي مركزي وهو العين والأنف وأنَّ مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بين الأئمّة الاثني عشر في الاتّصاف بوصف المهدي هو موقع العين، وهذا يبيّن أنَّ صدق عنوان المهدي على الأئمّة الاثني عشر هو بتفاوت.
3 _ ما رواه في بصائر الدرجات عن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل بن يسار، حدَّثني علي بن جعفر الحضرمي، عن سليم الشامي أنَّه سمع علياً عليه السلام يقول: «إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدّثون»، فقلت: يا أمير المؤمنين من هم؟ قال: «الحسن والحسين عليهما السلام، ثمّ ابني علي بن الحسين عليه السلام»، قال: وعلي يومئذٍ رضيع، «ثمّ ثمانية من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ [البلد: 3]، أمَّا الوالد فرسول الله صلى الله عليه وآله وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء...» الحديث( ).
وكون الأوصياء الاثني عشر أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنَّ علياً ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وأخيه من باب التغليب، واُطلق في هذه الرواية المهدي على كلّ الأئمّة.
4 _ ما رواه الصدوق عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي ± يقول: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة ... «وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هادون مهديّون، وأوَّل الأوصياء بعدي أخي علي، ثمّ حسن، ثمّ حسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنَّة درجة أقرب إلى الله من درجتي...» الحديث.
ورواه سليم بن قيس في كتابه مع تفاوت يسير في الألفاظ( ).
5 _ وروى ابن أبي زينب النعماني في كتاب الغيبة عن ابن عقدة وغيره بإسنادهم عن عبد الرزّاق بن همام، عن معمّر بن راشد، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث: «... أيّها الناس، ليبلّغ مقالتي شاهدكم غائبكم، اللّهمّ اشهد عليهم، ثمّ إنَّ الله نظر نظرة ثالثة فاختار من أهل بيتي بعدي، وهم خيار أمّتي أحد عشر إماماً بعد أخي واحداً بعد واحد، كلَّما هلك واحد قام واحد، مثلهم في أهل بيتي كمثل نجوم السماء، كلَّما غاب نجم طلع نجم، إنَّهم أئمّة هداة مهديّون...»( ).
وورد كثيراً إطلاق المهدي والمهديّون على الأئمّة عليهم السلام في الروايات.
وممَّا يشهد إرادة الأئمّة الاثني عشر من المهديّون الاثني عشر من هذه الرواية أي رواية الوصيّة وتسليمها من كلّ إمام إلى الإمام الذي بعده أنَّ نفس هذه الرواية التي رواها الشيخ الطوسي في الغيبة ورواها عنه في مختصر بصائر الدرجات قد اشتملت على كون اسم المهدي من أسماء علي عليه السلام التي قد سمّاه الله بها والتي لا تصحُّ لأحد غيره، فالصحيح أنَّ المراد من المهديّين الاثني عشر بعد الأئمّة الاثني عشر هم نفس الأئمّة عليهم السلام بلحاظ دور الرجعة لهم عليهم السلام. فهم المهديّون ولذلك ذكر في بعض نسخ الرواية أنَّ الإمام الثاني عشر أوَّل المؤمنين وأوَّل المهديين، وقد مرَّ أنَّ ذلك إشارة في الآية الواعدة بالرجعة.
تساؤل:
ولعلَّك تسأل: فلماذا غاير النبيّ صلى الله عليه وآله في التعبير بين الأئمّة الاثني عشر والمهديّين الاثني عشر، وكأنَّ المجموعة الأوَّل أئمّة اثنا عشر، وأنَّ هناك مجموعة ثانية عددها أيضاً اثنا عشر كلّهم مهديّون.
والجواب:
إنَّ التعبير وإن أوهم المغايرة إلاَّ أنَّ اتّحاد المواد مألوف في استعمال الروايات نظير ما رواه الشيخ في الغيبة من موثَّق جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً»، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: «بعد القائم»، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: «تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح»( ).
فالناظر في هذه الرواية يتوهَّم أنَّ هذا الرجل من أهل البيت الذي يملك بعد القائم أو المنتصر الذي يخرج بعد القائم والذي يطلب بثأر وبدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه هو غير الحسين عليه السلام بمقتضى تعدّد التعبير مع أنَّه قد استفاضت الروايات أنَّ المنتصر هو الحسين عليه السلام، ففي روايات رواها المفيد في الاختصاص عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «وهل تدري من المنتصر والسفّاح؟ يا جابر؟ المنتصر الحسين بن علي، والسفّاح علي بن أبي طالب عليهما السلام»( ).
6 _ وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام: حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ±، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدَّثنا أبو عبد الله العاصمي، عن الحسين بن قاسم بن أيّوب، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ثابت الصبّاغ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: «منّا اثنا عشر مهدياً، مضى ستّة وبقي ستّة، ويصنع الله في السادس ما أحبّ»( ).
الشاهد الثالث:
ما ورد من روايات مستفيضة أنَّ الذي يلي الوصيّة ومقاليد الإمام والخاتم هو الحسين عليه السلام، حيث يدفع إليه القائم عليه السلام كلّ ذلك:
1 _ فقد روى في مختصر بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام: «ويقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السلام، فيدفع إليه القائم عليه السلام الخاتم، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته»( ).
2 _ ما رواه في الكافي بسنده إلى عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: «... وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً خروج القائم عليه السلام، ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ [الإسراء: 5 و6]، خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب لكلّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى الناس أنَّ هذا الحسين قد خرج حتَّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحّده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، ولا يلي الوصيّ إلاَّ الوصيّ»( ).
ورواها العياشي في تفسيره ولكن مع اختلاف يسير في الألفاظ، ففي ذيل الرواية: «المؤدّي إلى الناس أنَّ الحسين قد خرج في أصحابه حتَّى لا يشكُّ فيه المؤمنون وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، الإمام الذي بين أظهر الناس يومئذٍ، فإذا استقرَّ عند المؤمن أنَّه الحسين لا يشكّون فيه، وبلغ عن الحسين الحجّة القائم بين أظهر الناس وصدَّقه المؤمنون بذلك، جاء الحجّة الموت فيكون الذي غسَّله، وكفَّنه، وحنَّطه، وإيلاجه في حفرته الحسين، ولا يلي الوصيّ إلاَّ الوصيّ»، وزاد إبراهيم في حديثه: «ثمّ يملكهم الحسين حتَّى يقع حاجباه على عينيه»( ).
3 _ ما تقدم من رواية الشيخ الطوسي في الغيبة، من أنَّه يملك بعد القائم رجل من أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعة، وهو المنتصر والمنصور، يطلب بدمه وبدماء أصحابه( )، وقد رواها المفيد في الاختصاص ببسط في الرواية عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «والله ليملكنَّ رجل منّا أهل البيت بعد موته ثلاث مائة سنة ويزداد تسعاً»، قال: فقلت: فمتى يكون ذلك؟ قال: فقال: «بعد موت القائم»، قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتَّى يموت؟ قال: فقال: «تسعة عشر سنة من يوم قيامه إلى يوم موته...» وذكر بقيّة الحديث( ).
الشاهد الرابع:
ما تواتر من عقيدة رجعة الأئمّة الاثني عشر لأهل البيت إلى الدنيا، ورجوع الموتى ممَّن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، ورجوع أعداء أهل البيت عليهم السلام، وأنَّ أوَّل من يرجع من أئمّة أهل البيت عليهم السلام هو الحسين بن علي عليه السلام في زمن الحجّة، فيكون هو الإمام بعده، ثمّ يرجع بعد الحسين عليه السلام علي بن أبي طالب عليه السلام، وروايات رجعة الأئمّة الاثني عشر إلى الدنيا بعد موت الإمام الثاني عشر قد بلغت مئات الروايات، فمجرَّد ما رواه الحرّ العاملي في كتاب (الإيقاظ من الهجعة) ما يزيد على ستّة مائة رواية فضلاً عمَّا رواه المجلسي وتلميذه صاحب العوالم والأسترآبادي وغيرهم كثيرون.
والإحصائية الدقيقة لتلك الروايات قد تزيد على الألف بكثير، ومن الواضح أنَّ عقيدة رجعة الأئمّة الاثني عشر بعد الإمام الثاني عشر تبطل توهّم أنَّ المهديّين (المهديّون) الاثني عشر أو الاثنا عشر مهدياً هم غير الأئمّة الاثني عشر ويتناقض مع التعدّد:
1 _ ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن جميل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قالا: سمعناه يقول: «إنَّ أوَّل من يكرُّ في الرجعة الحسين بن علي عليهما السلام، ويمكث في الأرض أربعين سنة حتَّى يسقط حاجباه على عينيه»( ).
2 _ ما رواه في مختصر بصائر الدرجات أيضاً عن أيّوب بن نوح والحسين بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن العبّاس بن العامر القصباني، عن سعيد، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إنَّ أوَّل من يرجع لجاركم الحسين بن علي عليه السلام، فيملك حتَّى تقع حاجباه على عينيه من الكبر»( ).
3 _ ما روي في الكافي (ج 8/ ص 206/ ح 250)، وقد تقدَّم رواية الكافي التي فيها: « فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحّده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام».
4 _ وقد تقدَّم رواية بصائر الدرجات عن أبي عبد الله قوله عليه السلام: «ويقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السلام، فيدفع إليه القائم عليه السلام الخاتم، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته»( ).
5 _ ما تقدَّم من رواية الشيخ في الغيبة عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً»، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: «بعد القائم»، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: «تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح»( ).
وفي رواية العياشي والمفيد في الاختصاص زيادة: «وهل تدري من المنتصر والسفّاح؟ يا جابر المنتصر الحسين، والسفّاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين»( ).
6 _ ما ورد مستفيضاً أنَّ الحسين عليه السلام عندما يخرج إلى الدنيا في أواخر حياة الإمام الثاني عشر حيث لا يكون للإمام الثاني عشر عَقِباً من ولدِه حيّاً حينئذٍ كي لا ينازع سيّد الشهداء في انتقال الوصيّة والإمامة إليه.
الشاهد الخامس:
1 _ ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة بسندٍ حسن عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له: أنت إمام؟ قال: «نعم»، فقال له: «إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: «لا يكون الإمام إلاَّ وله عقب»؟ فقال: «أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر، إنَّما قال جعفر: لا يكون الإمام إلاَّ وله عقب إلاَّ الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام فإنَّه لا عقب له»، فقال له: صدقت جُعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول»( ).
وتفسير هذه الطائفة من الروايات من أنَّ الإمام الثاني عشر لا يكون له عقب عند خروج جدّه سيّد الشهداء عليه السلام إلى الدنيا في الرجعة السرّ فيه كي يدفع الإمام الثاني عشر الوصيّة ومقاليد الإمامة والأمانة الإلهية إلى جدّه الحسين، فلا يكون هناك مناع من عند ذلك من قبيل ولدٍ من صلبه مباشر يتقرَّر له استحقاق الوراثة فيمانع من انتقال الإمامة إلى الجدّ وهو سيّد الشهداء.
فالرواية في هذه الطائفة ليست نافية للولد والعقب للإمام الثاني عشر مطلقاً، بل في ظرف أواخر حياته الشريفة.
2 _ وروى الكشي بسنده عن محمّد بن مسعود، قال: حدَّثنا جعفر بن أحمد، عن أحمد بن سليمان، عن منصور بن العبّاس البغدادي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن سهل، قال: حدَّثني بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه، ... قال له علي: إنّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلاَّ إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: «فأخبرني عن الحسين بن علي عليهم السلام كان إماماً أو كان غير إمام؟»، قال: كان إماماً، قال: «فمن ولي أمره؟»، قال: علي بن الحسين، قال: «وأين كان علي بن الحسين عليهما السلام؟»، قال: كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: «خرج وهم لا يعلمون حتَّى ولي أمر أبيه ثمّ انصرف».
فقال له أبو الحسن عليه السلام: «إنَّ هذا أمكن علي بن الحسين عليه السلام أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه، فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمّ ينصرف وليس في حبس ولا في إسار».
قال له علي: إنّا روينا أنَّ الإمام لا يمضي حتَّى يري عقبه؟ قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: «أمَا رويتم في هذا الحديث غير هذا؟»، قال: لا، قال: بلى والله، لقد رويتم فيه إلاَّ القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولِمَ قيل».
قال له علي: بلى والله إنَّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن عليه السلام: «ويلك كيف اجترأت عليَّ بشيء تدع بعضه؟»، ثمّ قال: «يا شيخ اتَّق الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله تعالى»( ).
الشاهد السادس:
ما ورد في عدَّة روايات في المقام من التأكيد على أنَّ هؤلاء (المهديّون) ليسوا بأئمّة وراء الأئمّة الاثني عشر، فليس عدد الأئمّة يتغيَّر أو يزداد عن الأئمّة الاثني عشر، بل الاثنا عشر مهدياً عبارة عن إشارة إلى دولة الرجعة للائمّة الاثني عشر، فالاثنا عشر مهدياً عنوان آخر لعقيدة الرجعة يشار بها إلى دولتهم عليهم السلام في الرجعة.
1 _ ما رواه الصدوق عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله إنّي سمعت من أبيك عليه السلام أنَّه قال: «يكون من بعد القائم اثنا عشر مهدياً»، فقال: «إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا»( )، ورواها في مختصر بصائر الدرجات( ).
فقوله عليه السلام: «ولم يقل: اثنا عشر إماماً» النفي منصبٌّ على توهّم اثنا عشر إماماً كمجموعة ثانية غير الاثنا عشر الأولى، فنفى ذلك عليه السلام لئلاَّ يتوهَّم أنَّ مجموع الأئمّة أربعة وعشرون، بل هؤلاء الاثني عشر مهدياً هم نفس الأئمّة الاثني عشر، غاية الأمر أنَّ التعبير عن رجعتهم وكرَّتهم وأوبتهم وإقامتهم للدولة يعبَّر عنه بمقام الإمام المهدي، فهم مهديّون اثنا عشر.
وأمَّا قوله عليه السلام في ذيل الرواية: «ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا»، فتفسيره وتأويله محتمل لوجوه:
أ _ ما ذكره صاحب مختصر بصائر الدرجات أنَّ المقصود بالمهديّين رجعة الأئمّة الاثني عشر، ولكن لعدم احتمال السائل عقيدة الرجعة لئلاَّ ينكرها فيكفر، قال: (اعلم هداك الله بهداه أنَّ علم آل محمّد ليس فيه اختلاف بل بعضه يصدّق بعضاً، وقد روينا أحاديث عنهم صلوات الله عليهم جمَّة في رجعة الأئمّة الاثني عشر، فكأنَّه عليه السلام عرف من السائل الضعف عن احتمال هذا العلم الخاصّ الذي خصَّ الله سبحانه من شاء من خاصَّته وتكرَّم به على من أراد من بريَّته كما قال سبحانه وتعالى: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21]، فأوَّله بتأويل حسن بحيث لا يصعب عليه فينكر قلبه فيكفر)( ).

احمد امين
10-06-2011, 10:59 AM
ويؤيّد استظهاره بأنَّ الإمام عليه السلام لم يرد أن يبرز للسائل وهو أبو بصير ولا أن يفصح له عن الرجعة ما يظهر من جملة من روايات الرجعة أنَّ الرجعة حيث تمثّل عنواناً لإقامة دولة آل محمّد صلى الله عليه وآله، فكأنَّ الحديث عنها يكتنفه حذر وسرّية بالغة في دولة بني أميّة وبني العبّاس حتَّى أنَّه قد ورد في رواية أنَّ زرارة كان يلحُّ في السؤال على الإمام الصادق عليه السلام عن الرجعة بنحو متخفٍ وبآخر والإمام عليه السلام لا ينفتح معه في مداولة الحديث معه عن الرجعة، نعم استظهاره أنَّ الاثني عشر مهدياً عنوان لرجعة أهل البيت عليهم السلام متين في محلّه مطابق للشواهد التي مرَّت.
ب _ أنَّ المراد بـ «قوم من شيعتنا» هم الأئمّة الأحد عشر، فإنَّهم شيعة لوالدهم سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كما ورد في الأحاديث أنَّ الحسن والحسين من شيعة علي عليه السلام( ) فضلاً عن بقيّة الأئمّة التسعة، وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «ولايتي لعلي بن أبي طالب عليه السلام أحبُّ إليَّ من ولادتي منه، لأنَّ ولايتي لعلي بن أبي طالب فرض، وولادتي منه فضل»( )، وورد عنه عليه السلام أيضاً: «ولايتي لآبائي أحبُّ إليَّ من نسبي، ولايتي لهم تنفعني من غير نسب، ونسبي لا ينفعني بغير ولاية»( )، وتوصيف الاثني عشر من باب التغليب.
2 _ ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنَّه قال: «يا أبا حمزة إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً (اثنا عشر) من ولد الحسين عليه السلام»( )، ورواه في مختصر بصائر الدرجات بطريق آخر( ).
وتوصيفهم عليه السلام بكونهم من ولد الحسين من باب تغليب هذا الوصف الثابت للتسعة على الاثني عشر، كما ورد توصيف الأئمّة الاثني عشر بكونهم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله في الأحاديث الكثيرة، مع أنَّ الوصف ثابت للأحد عشر تغليباً، وكما ورد ذلك في الزيارة الجامعة: «وإِلَى جَدَّكُم بُعِثَ الرُّوحُ الأمِينُ»( )، مع أنَّ المخاطب بالزيارة الجامعة هم الأئمّة الاثنا عشر، بل في بعض روايات الزيارة المخاطب بالزيارة الجامعة المعصومين الأربعة عشر.
تنبيه على أمور لا بدَّ منها:
التنبيه الأوَّل:
قد ورد متواتراً في روايات أهل البيت أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، وأنَّ الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وورد عنهم عليهم السلام لو لم يبقَ إلاَّ اثنان لكان أحدهما حجّة على صاحبه( )، والحجّة هو الإمام خليفة الله في الأرض، وهم حصراً الأئمّة الاثنا عشر.
فهذه من ضروريات المذهب، ومن ثَمَّ يستحيل بعد وفاة الإمام الثاني عشر أن تخلو الأرض من أئمّة آل محمّد، ومن ثَمَّ كانت رجعتهم متَّصلة بآخر حياة الإمام الثاني عشر.
التنبيه الثاني:
قد روى الصدوق في كمال الدين بسنده عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام يقول في حديث ... قال: قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: «إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال...، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقَّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»( ).
وصريح هذه الرواية أنَّ خروج اليماني من أرض اليمن وخروج السفياني من أرض الشام، أي إنَّ انطلاق حركتهما وجيشيهما السفياني من أرض الشام ومقرّ انطلاقه، وكذلك اليماني وجيشه من أرض اليمن.
وقد روى ابن حماد في الملاحم عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث عن السفياني واليماني وأنَّه بعد ظهور السفياني يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقبل الجاهلية من قبل الناس فيلتقي هو والأخوص (السفياني) وزيّاتهم صفر وثيابهم ملوَّنة، فيكون بينهما قتال شديد( ).
التنبيه الثالث:
لا بدَّ من الالتفات إلى أنَّ الاثني عشر مهدياً لو فسّرت بغير المعنى الصحيح الذي مرَّ فدور الاثنا عشر مهدياً إنَّما يكون بعد نهاية دولة الإمام الثاني عشر أي بعد وفاته لا حين حياة الإمام الثاني عشر وفي دولته فضلاً عن أن يكون لهم دور في غيبته، وهذا ممَّا يقطع الطريق على الأدعياء في الغيبة الكبرى من تقمَّص هذا المنصب.
التنبيه الرابع:
إنَّ من الاستخفاف بالعقل بمكان الاستناد في أصول العقائد إلى القرعة والخيرة وهذه مهزلة فكرية لم نجد لها نظيراً إلاَّ عند المهلوسين، فإنَّ من ضروريات فقه الإمامية وفقه المسلمين أجمع أنَّ القرعة آخر الأدلَّة والضوابط في المسائل الفرعية فضلاً عن أن يتقحم بها في المسائل العقائدية فضلاً عن أن يقتحم بها في أصول العقائد.
فالاستناد إليها مصداق لقوله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس: 36)، بل هو من الاستقسام بالأزلام والنصب لأنَّ الاقتراع بالقرعة في غير موردها المقرَّر شرعاً في دين الله غواية وإطاعة للجنّ والشياطين حيث إنَّ الأزلام كانت قرعة يقترع المشركون بها وكانوا إذا قصدوا فعلاً مبهماً مثل السفر ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها: (أمرني ربّي)، وعلى الآخر: (نهاني ربّي)، وعلى الثالث: (غفل لا كفاية عليه)، فإن خرج الأمر مضوا على ذلك، وإن خرج النهي تجنَّبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً، حتَّى أنَّ بعض الفقهاء كالسيّد ابن طاووس حرَّم الاستخارة بالقرعة لعموم الآية الكريمة، واحتمله الأردبيلي في زبدة البيان.
والحاصل أنَّ القرعة في غير موردها الشرعي معصية لله تعالى وطاعة للشيطان والتجاء إلى إبليس اللعين.
ومن ثَمَّ كان عبد المطَّلب لا يستقسم بالأزلام، وهو مفاد قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... إلى قوله: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَْزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ (المائدة: 3).
هذا ولا يخفى على اللبيب الفطن أنَّ الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام كما ورد تسميتهم بالأئمّة الاثني عشر وبالمهديّين الاثني عشر في روايات الفريقين، أي في روايات أهل السُنَّة أيضاً وردت أنَّ علياً وولده هم المهديّون الاثنا عشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، كذلك أيضاً ورد في روايات الفريقين أسماء أخرى للاثني عشر، نظير اثنا عشر خليفة، واثنا عشر أمير بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، واثنا عشر وصيّ، واثنا عشر هادي، واثنا عشر وارث، وغيرها غير هذه السبعة عناوين وأوصاف لكنَّها كلّها تشير إلى المعصومين الاثني عشر علي والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين عليهم السلام، فانتبه والتفت إلى بيانات القرآن الكريم والنبيّ صلى الله عليه وآله في وصفهم عليهم السلام.
ولا بدَّ للقارئ من التدبّر والتمعّن والتكرار لقراءة هذه الرسالة كي تتَّضح له جملة من الزوايا ولا تبقى مبهمة لديه.