د. حامد العطية
10-05-2011, 02:02 AM
أخطأ الأمير السعودي المخمور باعتقاده أن كل لبنان حريري
د. حامد العطية
أول العظات بعد بر الوالدين مراعاة أداب الزيارة، أما التقيد بها أو تجلس في البيت ملوماً محسوراً، السفر نوع من الزيارة، تحل به ضيفاً على بلد آخر وشعبه، وحسن الضيافة مشروط بحسن الوفادة.
قضيت ست سنوات في لبنان، من أواسط الستينيات في القرن الماضي حتى أوائل السبعينيات، تعرفت فيها عن كثب على أهلها من كل الديانات والمذاهب، وعقدت فيها صداقات مع عدد من طلاب الجامعة التي درست بها من سكانها والوافدين عليها من مواطني الدول العربية، وكان من بينهم سعوديون، ما زلت أعتز بصداقتي ومعرفتي بهم.
قبل أيام اعتدى أمير سعودي على شرطي لبناني، وقد ذكرني الحدث ونتائجه بثلاث وقائع ذات صلة شهدتها في تلك الأيام الخوالي، تتعلق أولاها بسعودي مع السلطات اللبنانية والثانية بمواطن لبناني مع سعودي، والثالثة بعراقي مع الشرطة اللبنانية، والغرض من ذلك بيان أنماط التعامل بين وافدين ومستضيفهم اللبنانيين في تلك الحقبة من الزمن.
يقول صديقي السعودي الذي يشغل حالياً منصباً رفيعاً في وزارة الخارجية السعودية: ما زلت أشعر بلسعة الصفعة على خدي حتى اليوم، على الرغم من مرور حوالي نصف قرن، وكان في حينها طالباً معي بالجامعة، استولى عليه الحماس ذات يوم فخرج في مظاهرة، وقبضت عليه الشرطة اللبنانية متهماً بالمشاركة في مظاهرة غير مرخصة، ودفعته البقية الباقية من الحماس للصراخ بوجه الشرطي الذي ألقى القبض عليه فكان الجواب تلك الصفعة التي ما زال يتذكرها حتى اليوم.
في المشهد الثاني الجاني سعودي أيضاً، وأمير من آل سعود، ومخمور أيضاً، ويبدو بأن اجتماع الإثنين أي السكر والانتماء لعائلة آل سعود يؤدي دائماً إلى جريمة أو على الأقل حماقة كبرى، استكثر الأمير السعودي المخمور أن يعارضه أحد فأقدم على طعنه بالسكين، كان الضحية على عيد مؤسس ورئيس الحزب العربي الديمقراطي وأحد القيادات البارزة لطائفة العلويين في طرابلس، في ذلك الحين كان زميلنا في الجامعة الأمريكية - أو ربما تخرج وبقيت لأكمل دراستي العليا، المهم طعن السعودي علي عيد طعنة غادرة، والقت الشرطة اللبنانية القبض على الأمير الجاني، ولولا كون الإصابة غير خطيرة والتعويض المالي الضخم لقبع الأمير السعودي سنوات في السجن.
"ماذا تفعلون هنا والصهاينة يدمرون طائراتكم في المطار؟" بهذه الكلمات القاسية خاطب صديقنا العراقي الزائر أفراد دورية شرطة من الفرقة 16، في ذلك اليوم الكالح اعتدت القوات الصهيونية على مطار بيروت ودمرت عدداً من طائرات خطوط الشرق الأوسط اللبنانية الجاثمة على مدرجاته، مجرد ذكر الفرقة 16 في تلك الأيام كان كافياً لبث الذعر في النفوس، ولا أحد يجرؤ على مناقشتهم فما بالك باتهامهم بالتخاذل، كنت متأكداً بأننا سنقضي الليلة في السجن، وبعد أن نتلقى العقاب المناسب من الدورية ، ولكنني فوجئت ببرودة أعصاب أفراد الدورية وانضباطهم وحسهم الوطني، فلا بد أنهم ادركوا بأننا غير لبنانيين وأن صديقي أنطقته الغيرة على لبنان وأهله، لذا تركونا بسلام وانصرفوا.
هكذا كانت الشرطة في لبنان في الستينات والسبعينات قبيل الحرب الأهلية، اما اليوم فقد قرأت العجب إذ أقدم قبل أيام أمير سعودي مخمور على الاعتداءعلى شرطي سير لبناني لأنه طلب منه عدم ايقاف سيارته في مكان ممنوع، ولم يكتفي الأمير بشتم الشرطي ودفعه إلى الأرض، بل وانهال بالسب على لبنان وشعبه، وفيما انشغل الشرطي المعتدى عليه بإبلاغ رئيسه بالحادث تولت مجموعة من اللبنانيين الذين شهدوا الاعتداء تأديب الأمير السعودي فأوسعوه ضرباً نقل على إثره للمستشفى، والأغرب في الامر أن رئيس الشرطي الأعلى توجه للمستشفى للاعتذار للأمير وأصدر أمراً بتوقيف الشرطي عقاباً له على امتناعه عن حماية الأمير.
لو حدث مثل هذا قبل الحرب الأهلية لحضرت الفرقة 16 بعد دقائق واقتادت الأمير إلى التوقيف للتحقيق معه ولثارت ضجة سياسية وإعلامية كبرى، ولما أطلق سراح الأمير إلا بعد اعتذار الحكومة السعودية وتقديمها تعويضات مناسبة للحكومة اللبنانية. أما اليوم وبعد تفشي ظاهرة الحريرية ذات الولاء الأول للسعودية فقد اعتذرت الشرطة اللبنانية للأمير السعودي المعتدي لذلك اضطر المواطنون اللبنانيون للاقتصاص منه بأيديهم.
أقول للأمير السعودي وبقية أفراد عائلته إن زرتم لبنان حافظوا على أدبكم إذ ليس كل من فيه حريري.
4 تشرين الأول 2011م
د. حامد العطية
أول العظات بعد بر الوالدين مراعاة أداب الزيارة، أما التقيد بها أو تجلس في البيت ملوماً محسوراً، السفر نوع من الزيارة، تحل به ضيفاً على بلد آخر وشعبه، وحسن الضيافة مشروط بحسن الوفادة.
قضيت ست سنوات في لبنان، من أواسط الستينيات في القرن الماضي حتى أوائل السبعينيات، تعرفت فيها عن كثب على أهلها من كل الديانات والمذاهب، وعقدت فيها صداقات مع عدد من طلاب الجامعة التي درست بها من سكانها والوافدين عليها من مواطني الدول العربية، وكان من بينهم سعوديون، ما زلت أعتز بصداقتي ومعرفتي بهم.
قبل أيام اعتدى أمير سعودي على شرطي لبناني، وقد ذكرني الحدث ونتائجه بثلاث وقائع ذات صلة شهدتها في تلك الأيام الخوالي، تتعلق أولاها بسعودي مع السلطات اللبنانية والثانية بمواطن لبناني مع سعودي، والثالثة بعراقي مع الشرطة اللبنانية، والغرض من ذلك بيان أنماط التعامل بين وافدين ومستضيفهم اللبنانيين في تلك الحقبة من الزمن.
يقول صديقي السعودي الذي يشغل حالياً منصباً رفيعاً في وزارة الخارجية السعودية: ما زلت أشعر بلسعة الصفعة على خدي حتى اليوم، على الرغم من مرور حوالي نصف قرن، وكان في حينها طالباً معي بالجامعة، استولى عليه الحماس ذات يوم فخرج في مظاهرة، وقبضت عليه الشرطة اللبنانية متهماً بالمشاركة في مظاهرة غير مرخصة، ودفعته البقية الباقية من الحماس للصراخ بوجه الشرطي الذي ألقى القبض عليه فكان الجواب تلك الصفعة التي ما زال يتذكرها حتى اليوم.
في المشهد الثاني الجاني سعودي أيضاً، وأمير من آل سعود، ومخمور أيضاً، ويبدو بأن اجتماع الإثنين أي السكر والانتماء لعائلة آل سعود يؤدي دائماً إلى جريمة أو على الأقل حماقة كبرى، استكثر الأمير السعودي المخمور أن يعارضه أحد فأقدم على طعنه بالسكين، كان الضحية على عيد مؤسس ورئيس الحزب العربي الديمقراطي وأحد القيادات البارزة لطائفة العلويين في طرابلس، في ذلك الحين كان زميلنا في الجامعة الأمريكية - أو ربما تخرج وبقيت لأكمل دراستي العليا، المهم طعن السعودي علي عيد طعنة غادرة، والقت الشرطة اللبنانية القبض على الأمير الجاني، ولولا كون الإصابة غير خطيرة والتعويض المالي الضخم لقبع الأمير السعودي سنوات في السجن.
"ماذا تفعلون هنا والصهاينة يدمرون طائراتكم في المطار؟" بهذه الكلمات القاسية خاطب صديقنا العراقي الزائر أفراد دورية شرطة من الفرقة 16، في ذلك اليوم الكالح اعتدت القوات الصهيونية على مطار بيروت ودمرت عدداً من طائرات خطوط الشرق الأوسط اللبنانية الجاثمة على مدرجاته، مجرد ذكر الفرقة 16 في تلك الأيام كان كافياً لبث الذعر في النفوس، ولا أحد يجرؤ على مناقشتهم فما بالك باتهامهم بالتخاذل، كنت متأكداً بأننا سنقضي الليلة في السجن، وبعد أن نتلقى العقاب المناسب من الدورية ، ولكنني فوجئت ببرودة أعصاب أفراد الدورية وانضباطهم وحسهم الوطني، فلا بد أنهم ادركوا بأننا غير لبنانيين وأن صديقي أنطقته الغيرة على لبنان وأهله، لذا تركونا بسلام وانصرفوا.
هكذا كانت الشرطة في لبنان في الستينات والسبعينات قبيل الحرب الأهلية، اما اليوم فقد قرأت العجب إذ أقدم قبل أيام أمير سعودي مخمور على الاعتداءعلى شرطي سير لبناني لأنه طلب منه عدم ايقاف سيارته في مكان ممنوع، ولم يكتفي الأمير بشتم الشرطي ودفعه إلى الأرض، بل وانهال بالسب على لبنان وشعبه، وفيما انشغل الشرطي المعتدى عليه بإبلاغ رئيسه بالحادث تولت مجموعة من اللبنانيين الذين شهدوا الاعتداء تأديب الأمير السعودي فأوسعوه ضرباً نقل على إثره للمستشفى، والأغرب في الامر أن رئيس الشرطي الأعلى توجه للمستشفى للاعتذار للأمير وأصدر أمراً بتوقيف الشرطي عقاباً له على امتناعه عن حماية الأمير.
لو حدث مثل هذا قبل الحرب الأهلية لحضرت الفرقة 16 بعد دقائق واقتادت الأمير إلى التوقيف للتحقيق معه ولثارت ضجة سياسية وإعلامية كبرى، ولما أطلق سراح الأمير إلا بعد اعتذار الحكومة السعودية وتقديمها تعويضات مناسبة للحكومة اللبنانية. أما اليوم وبعد تفشي ظاهرة الحريرية ذات الولاء الأول للسعودية فقد اعتذرت الشرطة اللبنانية للأمير السعودي المعتدي لذلك اضطر المواطنون اللبنانيون للاقتصاص منه بأيديهم.
أقول للأمير السعودي وبقية أفراد عائلته إن زرتم لبنان حافظوا على أدبكم إذ ليس كل من فيه حريري.
4 تشرين الأول 2011م