قاتل المشركين
10-01-2011, 12:25 PM
فلنبك على الحسين
ولكن بصدق ..
بين ما تسمعه من خطباء محرم في بعض تفاصيل واقعة عاشوراء وما تقرأه بنفسك الفرق بين الباطل والحق . هل لأن الحق دموعه أقل أم أن الباطل ساحته أكبر .. ؟
بلا شك ليس الأمر كذلك إطلاقا ..
فالحسين في نهضته إلى الحق لم يقدم أصحابه وأهل بيته وروحه الطاهرة للشهادة للرثاء ، ولم يخطر بباله وضع سيناريو مؤلم ومعذب للبكاء ..
الحسين جاهد بمن معه انتصارا للحق وللصدق وبعض ذلك غاب عنا ونحن نصرخ باسم الحسين ..
سلام على الحسين وهو يبكي على قتلته /
وسلام عليه وهو يبكي على مشيعيه ..
( من الذي دفن الإمام الحسين " عليه السلام " )
( نسمع ) أن الإمام زين العابدين أقبل يوم الثالث عشر من محرم إلى كربلاء ووجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيرين لا يدرون ما يصنعون ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم ! فأخبرهم ( عليه السلام ) عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل ، وسالت الدموع منهم كل مسيل ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود . ثم مشى الإمام زين العابدين إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاء عاليا ، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلا من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق ، فبسط كفيه تحت ظهره وقال : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صدق الله ورسوله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه وقال لهم : إن معي من يعينني . ولما أقره في لحده وضع خده على منحره الشريف قائلا : طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإن الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته . وكتب على القبر هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا . ثم مشى إلى عمه العباس ( عليه السلام ) فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السماء وأبكت الحور في غرف الجنان ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلا : على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . وشق له ضريحا وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد وقال لبني أسد : إن معي من يعينني ! نعم ترك مساغا لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء وعين لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين ووضع في الأولى بني هاشم وفي الثانية الأصحاب . وأما الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن وقيل : إن أمه كانت حاضرة فلما رأت ما يصنع بالأجساد حملت الحر إلى هذا المكان ...
اختصارا لذلك :
- - الإمام زين العابدين يرجع بمعجزة إلى كربلاء بعد وصوله إلى الكوفة ويعود إليها بعد
الإنتهاء من مراسم الدفن .
- - بنو أسد لم يدفنوا الإمام الحسين ....
- - الدفن حدث في اليوم الثالث عشر من محرم .
من الذي دفن الإمام الحسين كما يروى في كتب التاريخ ؟
- الشيخ المفيد ( ت 413 هـ ) في الإرشاد يذكر : ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين وأصحابه رحمة الله عليهم ، فصلوا عليهم ودفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العباس بن علي عليهما السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن
- وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ( ت 588 هـ ) فيذكر : ودفن جثثهم بالطف أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوه بيوم
- وفي مثير الأحزان لابن نما الحلي ( ت 645 هـ ) يذكر : ; ولما انفصل الناس من كربلاء خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية فصلوا على الجثث النبوية ودفنوها في تلك التربة الزكية .
- وفي اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس ( ت 664 هـ ) : قال الراوي : ولما انفصل عمر بن سعد عن كربلاء خرج قوم بنى أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هي الآن عليه .
- وفي الأخبار الطوال للدينوري ( 282 هـ ) فيذكر : واجتمع أهل الغاضرية فدفنوا أجساد القوم
- والطبري ( ت 310 هـ ) في تاريخه يقول : ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بنى أسد بعد ما قتلوا بيوم .
- وفي مقتل الخوارزمي ( ت 568 هـ ) .. عمد أهل الغاضريّة من بني أسد فكفنوا أصحاب الحسين ، وصلّوا عليهم ، ودفنوهم ، وكانوا اثنين وسبعين رجلاً ..
- وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير ( ت 630 هـ ) فإنه يذكر أيضا : ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد قتلهم بيوم .
- وفي البداية والنهاية لابن كثير ( ت 774 هـ ) : فدفنهم أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قتلوا بيوم واحد
( في معالم المدرستين لمرتضى العسكري ينقل من اثبات الوصية المنسوب للمسعودي ( ت 345 هـ ) أن الإمام زين العابدين أقبل يوم الثالث عشر من محرم لدفن أبيه ولم أجد ذلك في الطبعة التي عندي لاثبات الوصية ، بل أن في مروج الذهب للمسعودي أيضا يقول أن الذي تولى دفن الإمام الحسين هم قوم من بني أسد )
هذا ما نقرأه في كتب السير المعتبرة ، ولكن ما نسمعه من بعض خطباء المنبر في محرم يقرئونه من كتب حديثة عن مقتل الإمام الحسين كمقتل الحسين للمقرم الذي توفي في عام ( 1391 هـ ) ، وما يذكره هناك ليس أكثر من سنياريو تصوره لدفن الإمام الحسين كما أراد محتجا في ذلك على أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ومستدلا في كتابه بهذه الرواية :
روي عن الكشي ، عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد بن حمدان بن سليمان ، عن منصور بن العباس ، عن إسماعيل بن سهل ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت عند الرضا ( عليه السلام ) فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكارة فقال علي بعد كلام جرى بينهم وبينه ( عليه السلام ) في إمامته : إنا روينا عن آبائك ( عليهم السلام ) أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فقال له أبو الحسن : فأخبرني عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان إماما أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، قال : وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد ! قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف . فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس في حبس ولا في إسار ..
وهذه الرواية وللاختصار في دراستها ننقل فقط ما يقوله السيد الخوئي في معجم رجال الحديث بخصوصها : أقول هذه الرواية ضعيفة بأحمد بن سليمان وبإسماعيل بن سهل وبالإرسال .
مناقشة روايات أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله :
في الكافي للكليني يذكر ثلاث أحاديث في باب ( أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام ) في الجزء الأول صفحة 384 وهي :
1 - الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسين بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره ، عن الرضا عليه السلام قال : قلت له : إنهم يحاجونا يقولون : إن الامام لا يغسله إلا الإمام قال : فقال : ما يدريهم من غسله ؟ فما قلت لهم ؟ قال : فقلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال : غسله في تخوم الأرض فقد صدق قال : لا هكذا [ قال ] فقلت : فما أقول لهم ؟ قال : قل لهم : إني غسلته ، فقلت : أقول لهم إنك غسلته ؟ فقال : نعم .
2 - الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور قال : حدثنا أبو معمر قال : سألت الرضا عليه السلام عن الامام يغسله الامام ، قال : سنة موسى بن عمران عليه السلام .
3 - وعنه ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن يونس ، عن طلحة قال قلت للرضا عليه السلام : إن الامام لا يغسله إلا الامام ؟ فقال : أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممن غاب عنه : الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته .
دراسة أسانيدها :
معلى بن محمد ( يشترك في أسانيد الأحاديث الثلاثة ) :
يقول عنه النجاشي في رجاله :
معلى بن محمد البصري أبو الحسن ، مضطرب الحديث والمذهب
وفي خلاصة الأقوال للعلامة الحلي:
معلى بن محمد البصري - بالباء - أبو الحسن ، مضطرب الحديث والمذهب . وقال ابن الغضائري : المعلي بن محمد البصري ، أبو محمد ، يعرف حديثه وينكر ، يروي عن الضعفاء ويجوز ان يخرج شاهدا .
محمد بن جمهور ( يشترك في سند الحديث الثاني والثالث ) :
يقول عنه النجاشي في رجال النجاشي:
محمد بن جمهور أبو عبد الله العمي ضعيف في الحديث ، فاسد المذهب ، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها .
وفي رجال الطوسي للشيخ الطوسي :
محمد بن جمهور العمي ، عربي ، بصري ، غال .
وفي رجال ابن الغضائري:
محمد بن جمهور ، أبو عبد الله ، العمي . غال ، فاسد الحديث ، لا يكتب حديثه . رأيت له شعرا يحلل فيه محرمات الله عز وجل .
ويستدل بحديث أخر في عيون أخبار الرضا للصدوق وهو حديث هرثمة بن أعين من ذكر الإمام الرضا :
وسنده :
حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني محمد بن يحيى ، قال : حدثني بن خلف الطاطري قال : حدثني هرثمة بن أعين
وما يعنينا من الحديث :
إسمع وعه يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي عليهم السلام ، وقد بلغ الكتاب أجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك ، فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليتلطخ حبة ذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أكلها فآكلها ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له : عني بينك وبينه إنه قال لي : لا تتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك وحل بك أليم ما تحذر فإنه سينتهي ، قال : فقلت نعم يا سيدي
ويقول لك ، يا هرثمة أليس زعمتم أن الامام لا يغسله إلا إمام مثله ، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه وقل له : إنا نقول إن الامام لا يجب أن يغسله إلا امام مثله فإن تعدى متعد فغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى ...........
وهذا الحديث بلا شك موضوع فهرثمة بن أعين ( ت 201 هـ ) والذي كان من كبار قواد الدولة العباسية توفي قبل الإمام الرضا ( ت202 هـ ) ، وهذه مجموعة من الأخبار في وفاته :
تاريخ خليفة بن خياط :
سنة إحدى ومائتين فيها بايع المأمون لعلي بن موسى بن جعفر بالخلافة من بعده وخلع القاسم بن هارون أمير المؤمنين ، وأمر بالسواد فألقي ولبست الخضرة . وفيها أخرج الحسن بن سهل من بغداد ، وبويع إبراهيم بن المهدي وأمه شكلة ببغداد ، وأخذت له الكوفة وعامة السواد . وفيها قتل زهير بن المسيب ببغداد ، وقتل محمد بن أبي خالد أصابته ضربة فمات منها . وفيها مات هرثمة بن أعين ليلة الأحد لثلاث خلون من المحرم
سير أعلام النبلاء للذهبي :
وعظم هرثمة بن أعين ، وأعطي إمرة الشام ، فلم يرض بها ، وذهب إلى مرو ، فقتلوه ، ثم في سنة إحدى ومئتين : جعل المأمون ولي عهدة عليا الرضا .
وهناك أيضا خبر عن الإمام الرضا يخبر فيه عن قتل هرثمة بن أعين .
وكذلك يوجد خبر أخر عن حضور الإمام الجواد إلى خراسان من المدينة وتغسيله للإمام الرضا يذكره الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عن أبي الصلت الهروي :
وتلك الرواية الطويلة في متنها الكثير من العلل والضعف مثل :
- حضور الإمام الجواد لدفن أبيه من المدينة .
- نبع الماء من لحد الإمام الرضا .
- ظهور حيتان صغيرة في اللحد .
- إطعام الحيتان الصغيرة فتات الخبز .
- خروج ( حوتة كبيرة ) تلتهم الحيتان الصغيرة .
وهذه الرواية تعارض ما نقله الشيخ المفيد في إرشاده حيث يقول : ولما توفي الرضا عليه السلام كتم المأمون موته يوما وليلة ، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا ، وأراهم إياه صحيح الجسد ، وقال : يعز علي يا أخي أن أراك في هذه الحال ، قد كنت آمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد ، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه . والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها : سناباد على دعوة من ; نوقان بأرض طوس ، وفيها قبر هارون الرشيد ، وقبر أبي الحسن عليه السلام بين يديه في قبلته ... وتذكر أيضا في إعلام الورى بأعلام الهدى 2 : 86 وروضة الواعظين : 233 و كشف الغمة 3 : 123 ومقاتل الطالبيين : 378.
خلاصة ذلك :
- - لا توجد رواية صحيحة على أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله ولا يشترط ذلك في تعيين الإمام ، فالإمام الحسين لم يغسله الإمام السجاد والإمام الرضا لم يغسله الإمام الجواد والإمام العسكري لم يغسله الإمام المهدي .
- - من وضع تلك الروايات هم من الغلاة والواقفة .
- أما عن دفن الإمام الحسين فإن كتب السيرة اتفقت على أن قوم من بني أسد هم الذين تولوا دفن الإمام الحسين وبقية شهداء كربلاء وما يقال عن حضور الإمام زين العابدين لدفن أبيه أو حضور الرسول " ص " هو كذب وعدم تحقق في نقل الأحداث لأسباب يعلمها الله سبحانه وتعالى .
- - دُفن الإمام الحسين وبقية الشهداء في اليوم الحادي عشر من محرم وليس في اليوم الثالث عشر .
ونختتم بما قاله السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة حول هذا الموضوع : أم حديث مجيء زين العابدين لدفن أبيه مع بني أسد ........ ( و ) غير هذه الأحاديث الكثيرة التي تقرأ على المنابر وهي من الكذب الصراح والتي يطول الكلام بالإشارة إليها في هذه العجالة .......
ولكن بصدق ..
بين ما تسمعه من خطباء محرم في بعض تفاصيل واقعة عاشوراء وما تقرأه بنفسك الفرق بين الباطل والحق . هل لأن الحق دموعه أقل أم أن الباطل ساحته أكبر .. ؟
بلا شك ليس الأمر كذلك إطلاقا ..
فالحسين في نهضته إلى الحق لم يقدم أصحابه وأهل بيته وروحه الطاهرة للشهادة للرثاء ، ولم يخطر بباله وضع سيناريو مؤلم ومعذب للبكاء ..
الحسين جاهد بمن معه انتصارا للحق وللصدق وبعض ذلك غاب عنا ونحن نصرخ باسم الحسين ..
سلام على الحسين وهو يبكي على قتلته /
وسلام عليه وهو يبكي على مشيعيه ..
( من الذي دفن الإمام الحسين " عليه السلام " )
( نسمع ) أن الإمام زين العابدين أقبل يوم الثالث عشر من محرم إلى كربلاء ووجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيرين لا يدرون ما يصنعون ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم ! فأخبرهم ( عليه السلام ) عما جاء إليه من مواراة هذه الجسوم الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل ، وسالت الدموع منهم كل مسيل ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود . ثم مشى الإمام زين العابدين إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاء عاليا ، وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلا من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق ، فبسط كفيه تحت ظهره وقال : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صدق الله ورسوله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه وقال لهم : إن معي من يعينني . ولما أقره في لحده وضع خده على منحره الشريف قائلا : طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإن الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته . وكتب على القبر هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا . ثم مشى إلى عمه العباس ( عليه السلام ) فرآه بتلك الحالة التي أدهشت الملائكة بين أطباق السماء وأبكت الحور في غرف الجنان ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلا : على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . وشق له ضريحا وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد وقال لبني أسد : إن معي من يعينني ! نعم ترك مساغا لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء وعين لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين ووضع في الأولى بني هاشم وفي الثانية الأصحاب . وأما الحر الرياحي فأبعدته عشيرته إلى حيث مرقده الآن وقيل : إن أمه كانت حاضرة فلما رأت ما يصنع بالأجساد حملت الحر إلى هذا المكان ...
اختصارا لذلك :
- - الإمام زين العابدين يرجع بمعجزة إلى كربلاء بعد وصوله إلى الكوفة ويعود إليها بعد
الإنتهاء من مراسم الدفن .
- - بنو أسد لم يدفنوا الإمام الحسين ....
- - الدفن حدث في اليوم الثالث عشر من محرم .
من الذي دفن الإمام الحسين كما يروى في كتب التاريخ ؟
- الشيخ المفيد ( ت 413 هـ ) في الإرشاد يذكر : ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية إلى الحسين وأصحابه رحمة الله عليهم ، فصلوا عليهم ودفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العباس بن علي عليهما السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن
- وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ( ت 588 هـ ) فيذكر : ودفن جثثهم بالطف أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوه بيوم
- وفي مثير الأحزان لابن نما الحلي ( ت 645 هـ ) يذكر : ; ولما انفصل الناس من كربلاء خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية فصلوا على الجثث النبوية ودفنوها في تلك التربة الزكية .
- وفي اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس ( ت 664 هـ ) : قال الراوي : ولما انفصل عمر بن سعد عن كربلاء خرج قوم بنى أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هي الآن عليه .
- وفي الأخبار الطوال للدينوري ( 282 هـ ) فيذكر : واجتمع أهل الغاضرية فدفنوا أجساد القوم
- والطبري ( ت 310 هـ ) في تاريخه يقول : ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بنى أسد بعد ما قتلوا بيوم .
- وفي مقتل الخوارزمي ( ت 568 هـ ) .. عمد أهل الغاضريّة من بني أسد فكفنوا أصحاب الحسين ، وصلّوا عليهم ، ودفنوهم ، وكانوا اثنين وسبعين رجلاً ..
- وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير ( ت 630 هـ ) فإنه يذكر أيضا : ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد قتلهم بيوم .
- وفي البداية والنهاية لابن كثير ( ت 774 هـ ) : فدفنهم أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قتلوا بيوم واحد
( في معالم المدرستين لمرتضى العسكري ينقل من اثبات الوصية المنسوب للمسعودي ( ت 345 هـ ) أن الإمام زين العابدين أقبل يوم الثالث عشر من محرم لدفن أبيه ولم أجد ذلك في الطبعة التي عندي لاثبات الوصية ، بل أن في مروج الذهب للمسعودي أيضا يقول أن الذي تولى دفن الإمام الحسين هم قوم من بني أسد )
هذا ما نقرأه في كتب السير المعتبرة ، ولكن ما نسمعه من بعض خطباء المنبر في محرم يقرئونه من كتب حديثة عن مقتل الإمام الحسين كمقتل الحسين للمقرم الذي توفي في عام ( 1391 هـ ) ، وما يذكره هناك ليس أكثر من سنياريو تصوره لدفن الإمام الحسين كما أراد محتجا في ذلك على أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ومستدلا في كتابه بهذه الرواية :
روي عن الكشي ، عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد بن حمدان بن سليمان ، عن منصور بن العباس ، عن إسماعيل بن سهل ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت عند الرضا ( عليه السلام ) فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكارة فقال علي بعد كلام جرى بينهم وبينه ( عليه السلام ) في إمامته : إنا روينا عن آبائك ( عليهم السلام ) أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فقال له أبو الحسن : فأخبرني عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان إماما أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، قال : وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد ! قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف . فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس في حبس ولا في إسار ..
وهذه الرواية وللاختصار في دراستها ننقل فقط ما يقوله السيد الخوئي في معجم رجال الحديث بخصوصها : أقول هذه الرواية ضعيفة بأحمد بن سليمان وبإسماعيل بن سهل وبالإرسال .
مناقشة روايات أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله :
في الكافي للكليني يذكر ثلاث أحاديث في باب ( أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم السلام ) في الجزء الأول صفحة 384 وهي :
1 - الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسين بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره ، عن الرضا عليه السلام قال : قلت له : إنهم يحاجونا يقولون : إن الامام لا يغسله إلا الإمام قال : فقال : ما يدريهم من غسله ؟ فما قلت لهم ؟ قال : فقلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال : غسله في تخوم الأرض فقد صدق قال : لا هكذا [ قال ] فقلت : فما أقول لهم ؟ قال : قل لهم : إني غسلته ، فقلت : أقول لهم إنك غسلته ؟ فقال : نعم .
2 - الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور قال : حدثنا أبو معمر قال : سألت الرضا عليه السلام عن الامام يغسله الامام ، قال : سنة موسى بن عمران عليه السلام .
3 - وعنه ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن يونس ، عن طلحة قال قلت للرضا عليه السلام : إن الامام لا يغسله إلا الامام ؟ فقال : أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممن غاب عنه : الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته .
دراسة أسانيدها :
معلى بن محمد ( يشترك في أسانيد الأحاديث الثلاثة ) :
يقول عنه النجاشي في رجاله :
معلى بن محمد البصري أبو الحسن ، مضطرب الحديث والمذهب
وفي خلاصة الأقوال للعلامة الحلي:
معلى بن محمد البصري - بالباء - أبو الحسن ، مضطرب الحديث والمذهب . وقال ابن الغضائري : المعلي بن محمد البصري ، أبو محمد ، يعرف حديثه وينكر ، يروي عن الضعفاء ويجوز ان يخرج شاهدا .
محمد بن جمهور ( يشترك في سند الحديث الثاني والثالث ) :
يقول عنه النجاشي في رجال النجاشي:
محمد بن جمهور أبو عبد الله العمي ضعيف في الحديث ، فاسد المذهب ، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها .
وفي رجال الطوسي للشيخ الطوسي :
محمد بن جمهور العمي ، عربي ، بصري ، غال .
وفي رجال ابن الغضائري:
محمد بن جمهور ، أبو عبد الله ، العمي . غال ، فاسد الحديث ، لا يكتب حديثه . رأيت له شعرا يحلل فيه محرمات الله عز وجل .
ويستدل بحديث أخر في عيون أخبار الرضا للصدوق وهو حديث هرثمة بن أعين من ذكر الإمام الرضا :
وسنده :
حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني محمد بن يحيى ، قال : حدثني بن خلف الطاطري قال : حدثني هرثمة بن أعين
وما يعنينا من الحديث :
إسمع وعه يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي عليهم السلام ، وقد بلغ الكتاب أجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك ، فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط بالعنب وأما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليتلطخ حبة ذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أكلها فآكلها ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له : عني بينك وبينه إنه قال لي : لا تتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك وحل بك أليم ما تحذر فإنه سينتهي ، قال : فقلت نعم يا سيدي
ويقول لك ، يا هرثمة أليس زعمتم أن الامام لا يغسله إلا إمام مثله ، فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه وقل له : إنا نقول إن الامام لا يجب أن يغسله إلا امام مثله فإن تعدى متعد فغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده بان غلب على غسل أبيه ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى ...........
وهذا الحديث بلا شك موضوع فهرثمة بن أعين ( ت 201 هـ ) والذي كان من كبار قواد الدولة العباسية توفي قبل الإمام الرضا ( ت202 هـ ) ، وهذه مجموعة من الأخبار في وفاته :
تاريخ خليفة بن خياط :
سنة إحدى ومائتين فيها بايع المأمون لعلي بن موسى بن جعفر بالخلافة من بعده وخلع القاسم بن هارون أمير المؤمنين ، وأمر بالسواد فألقي ولبست الخضرة . وفيها أخرج الحسن بن سهل من بغداد ، وبويع إبراهيم بن المهدي وأمه شكلة ببغداد ، وأخذت له الكوفة وعامة السواد . وفيها قتل زهير بن المسيب ببغداد ، وقتل محمد بن أبي خالد أصابته ضربة فمات منها . وفيها مات هرثمة بن أعين ليلة الأحد لثلاث خلون من المحرم
سير أعلام النبلاء للذهبي :
وعظم هرثمة بن أعين ، وأعطي إمرة الشام ، فلم يرض بها ، وذهب إلى مرو ، فقتلوه ، ثم في سنة إحدى ومئتين : جعل المأمون ولي عهدة عليا الرضا .
وهناك أيضا خبر عن الإمام الرضا يخبر فيه عن قتل هرثمة بن أعين .
وكذلك يوجد خبر أخر عن حضور الإمام الجواد إلى خراسان من المدينة وتغسيله للإمام الرضا يذكره الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عن أبي الصلت الهروي :
وتلك الرواية الطويلة في متنها الكثير من العلل والضعف مثل :
- حضور الإمام الجواد لدفن أبيه من المدينة .
- نبع الماء من لحد الإمام الرضا .
- ظهور حيتان صغيرة في اللحد .
- إطعام الحيتان الصغيرة فتات الخبز .
- خروج ( حوتة كبيرة ) تلتهم الحيتان الصغيرة .
وهذه الرواية تعارض ما نقله الشيخ المفيد في إرشاده حيث يقول : ولما توفي الرضا عليه السلام كتم المأمون موته يوما وليلة ، ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده ، فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا ، وأراهم إياه صحيح الجسد ، وقال : يعز علي يا أخي أن أراك في هذه الحال ، قد كنت آمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد ، ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه . والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها : سناباد على دعوة من ; نوقان بأرض طوس ، وفيها قبر هارون الرشيد ، وقبر أبي الحسن عليه السلام بين يديه في قبلته ... وتذكر أيضا في إعلام الورى بأعلام الهدى 2 : 86 وروضة الواعظين : 233 و كشف الغمة 3 : 123 ومقاتل الطالبيين : 378.
خلاصة ذلك :
- - لا توجد رواية صحيحة على أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله ولا يشترط ذلك في تعيين الإمام ، فالإمام الحسين لم يغسله الإمام السجاد والإمام الرضا لم يغسله الإمام الجواد والإمام العسكري لم يغسله الإمام المهدي .
- - من وضع تلك الروايات هم من الغلاة والواقفة .
- أما عن دفن الإمام الحسين فإن كتب السيرة اتفقت على أن قوم من بني أسد هم الذين تولوا دفن الإمام الحسين وبقية شهداء كربلاء وما يقال عن حضور الإمام زين العابدين لدفن أبيه أو حضور الرسول " ص " هو كذب وعدم تحقق في نقل الأحداث لأسباب يعلمها الله سبحانه وتعالى .
- - دُفن الإمام الحسين وبقية الشهداء في اليوم الحادي عشر من محرم وليس في اليوم الثالث عشر .
ونختتم بما قاله السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة حول هذا الموضوع : أم حديث مجيء زين العابدين لدفن أبيه مع بني أسد ........ ( و ) غير هذه الأحاديث الكثيرة التي تقرأ على المنابر وهي من الكذب الصراح والتي يطول الكلام بالإشارة إليها في هذه العجالة .......